كتبت: شهد مصطفى

أصدرت هيئة كير الدولية في سبتمبر الماضي، النسخة الثالثة من تقريرها «تحليل جندري سريع لجائحة كوفيد – 19»، الذي خرجت نسخته الأولى في شهر إبريل، ثم نسخته الثانية في شهر يوليو الماضي.

وحتى تخرج بهذا التقرير، طوّرت هيئة كير الدولية (Care International) سياسة موجزة، بعد أن استندت إلى البيانات المرتبطة بحالات الطوارئ الصحية السابقة، وقامت بتكييف مجموعة من أدوات التحليل الجندري السريع، لإعداد تحليل دولي لأزمة فيروس كورونا المُستجد (كوفيد-19) من منظور جندري (منظور يراعي النوع الاجتماعي).

النتائج التي خرج بها التقرير الصادر بعنوان «قالت لنا  ذلك: تحليل جندري سريع: سد فجوة البيانات لإعادة البناء المتساوي»، تأتي بعد استطلاع أكثر من 6200 امرأة و4000 رجل في 38 دولة حول العالم، بشأن تأثير فيروس كورونا على حيواتهم، وتفاعلهم مع التحديات التي فرضتها الأزمة.

ووصفت هيئة كير الدوليـة التقرير بأنه أول تقرير دولي شامل يركز على خبرات النساء خلال الجائحة ويقدم توصيات بناءً على ما أفادت به أصواتهن في مختلف أنحاء العالم، وقد قررت الهيئة الدولية إصدار هذا التقرير بعد ملاحظتها أن النســاء غير مرئيات في البيانات الدولية الخاصة بفيروس كورونا وتبعاته.

وفقًا لهيئة كير، فقد أوضحت إجابات النساء والرجال أن استجابات الحكومات لأزمة فيروس كورونا غير كافية، وأن غياب المساواة آخذ في الصعود، لأن صانعي السياسات ومقدمي الخدمات لم يذهبوا في تصميمهم لسياسات الاستجابة للأزمة، إلى ما هو أبعد من «قياس واحد يناسب الجميع».

يؤكد التقرير أن فيروس كورونا عمّق الفجوة بين النساء والرجال، وعطل مسار التقدم نحو العدالة الاقتصادية، والمساواة في التمتع بالرعاية الصحية، وتمكين النسـاء في المجال العام. ورغم ذلك، ما برحت الحكومات تتجاهل خبرات النسـاء واحتياجاتهن في ظل الأزمة، مما يجعل التعامل الدولي مع الجائحة غير منصف لهن بل ويساهم في زيادة معاناتهن وخساراتهن.

النســاء اللاتي تم استطلاع آرائهن روين قصصًا متسقة حول تبعات فيروس كورونا عليهن، وهذه القصص تختلف تمامًا عن تلك الخاصة بالرجال

وفقًا للتقرير، النساء أكثر عرضة من الرجال للتضرر على مستوى الصحة النفسية بسبب جائحة كورونا

تعاني الدول التي يتولى قيادتها رجال من وفيات ناجمة عن كوفيد – 19،  أكثر بستة أضعاف من الدول التي تقودها نسـاء

كيف انقلبت حيواتهن رأسًا على عقب بسبب «كورونا»؟

أقر 55 في المئة من النساء اللاتي شملهن الاستطلاع بفقدان وظائفهن أو مصادر دخلهن، وأوضح 60 في المئة من النساء أن التأثير الأكبر لفيروس كورونا كان على وظائفهن أو مصادر دخلهن. ولا يمكن رؤية ذلك بمعزل عن حقيقة أن النســاء يمثلن النسبة الأكبر من العاملين في قطاعات الاقتصاد غير الرسمي التي ضربتها الجائحة بقوة، كالبيع في المتاجر والأسواق، والبيع الجائل، والعمل والخدمة في المنازل.

بالإضافة إلى ذلك، تجد النســاء اللاتي فقدن مصادر دخلهن صعوبة في الحصول على الدعم أو المساعدات، التي أعلنت الحكومات في عدد من الدول عن تخصيصها للمتضررات والمتضررين من الجائحة، ومنها زيمبابوي والكاميرون، حيث تشكل النساء فيهما نحو 65 في المئة من العاملين بالقطاع غير الرسمي، خاصة في البيع والتجارة العابرة للحدود، إلا أن هذه القطاعات لم تضمها الحكومات إلى المجموعة المُستحقة للإعانات.

يشير التقرير أيضًا إلى الضرر الكبير الذي لحق بالمهاجرين واللاجئين والنازحين نتيجة الأزمة، إذ تعد هذه الفئة بين الأكثر عرضة لخطر فقدان الوظائف ومصادر الدخل، وتتفاقم معاناة المهاجرات واللاجئات والنازحات بعد أن ساهمت إجراءات الإغلاق التي اتخذتها الحكومات للحد من انتشار فيروس كورونا، في زيادة معدلات العنف القائم على النوع الاجتماعي ضدهن، وتقليل الخدمات الموجهة إليهن.

تعرض التقرير إلى قضية السلامة الغذائية، إذ كشف 41 في المئة من النســاء أن الخوف من الجوع هو أحد أكبر التحديات اللاتي يواجهنها إبان الأزمة، وذلك بالمقارنة مع 30 في المئة من الرجال، وبينما يعاني الرجال والنساء من الخوف نفسه، فوفقًا للتقرير تميل النساء إلى تناول طعام أقل من الرجال، وذلك ارتباطًا بأنهن عادةً ما يقمن بإعداد الطعام لجميع أفراد الأسرة وينتظرن ليأكلن بعدهم، بعد أن يتأكدن من حصولهم على ما يكفي لإشباعهم.

فيروس كورونا لا يؤثر فقط على كمية الطعام التي يأكلها الأفراد، بل يجبرهم أيضًا على اتخاذ خيارات غذائية أقل فائدة للأجسام، هذا ما توصل إليه التقرير. ويتوقف التقرير أمام نتائج الاستطلاع في فنزويلا، حيث تبين أن 74 في المئة من المستطلعين قادرون على الوصول إلى الحبوب (الأرز، القمح، الذرة)، بينما يستطيع 61 في المئة فقط الوصول إلى الخضروات والبروتينات.

فضلًا عن ذلك، تطرق التقرير إلى اعتلال الصحة النفسية والعقلية، كأحد الآثار الوخيمة لفيروس كورونا، خاصةً في ظل الخوف من الإصابة، والتغيرات الكبرى التي فرضت نفسها على أنماط الحياة، وقد أفادت 27 في المئة من النساء بتعرّضهن لضغوط نفسية، وزيادة في القلق والتوتر نتيجة الأزمة. وبحسب التقرير، فإن النساء أكثر قابلية من الرجال بثلاثة أضعاف للإقرار بتعرضهن لاضطرابات في الصحة النفسية بسبب الجائحة.

ويبرز الاتصال الوثيق بين الرعاية غير مدفوعة الأجر التي تتحمل النســاء الحجم الأكبر منها، وتضاعفت أعباؤها في ظل تفشي فيروس كورونا من ناحية، وبين الضغوط النفسية التي يواجهنها من ناحية أخرى.

وفي هذا السياق، تبين أن النساء اللاتي تم استطلاع آرائهن في لبنان، يقضين نحو 83 في المئة من وقتهن في الأعمال المنزلية ورعاية الآخرين، في مقابل 14 المئة من وقت الرجال.

وبشأن فقدان القدرة على الوصول إلى الخدمات الصحية وخدمات الدعم والحماية من العنف القائم على النوع الاجتماعي، يبرز التقرير أن النساء يواجهن تحديات في الوصول إلى الخدمات الصحية والاستفادة منها، أكثر من الرجال بما يعادل الضعف، وصنّف 27 في المئة منهن هذا الأمر باعتباره التحدي الأكبر أمامهن في ظل الجائحة.

وفيما يتعلق بالصحة الجنسية والانجابية، يتضح أن 73 في المئة من النساء اللواتي شملهن الاستطلاع في أفغانستان، ليس بمقدرتهن الوصول إلى خدمات تنظيم الأسرة منذ بداية الأزمة.

الجائحة وتبعاتها على العنف القائم على النوع الاجتماعي

يشير التقرير إلى أن غالبية الدول المشمولة بالدراسة سجلت ارتفاعًا في جرائم العنف القائم على النوع الاجتماعي، وزيادة في الإبلاغ عنها عبر الخطوط الساخنة المخصصة لهذا الغرض، وصعودًا في طلب خدمات الدعم والحماية.

ويُرجع الخبراء عدم تسجيل بعض الدول لزيادة في معدلات العنف القائم على النوع الاجتماعي، إلى ضعف أنظمتها التي تحول دون تتبع التغيرات التي تطرأ بسبب الأزمات.

وقد أفاد 14 في المئة من النساء و11 من الرجال أن القضايا المتعلقة بالعنف القائم على النوع الاجتماعي والسلامة تـأتي بين أكبر تأثيرات فيروس كورونا على حيواتهم.

كما يوضح التقرير أن بعض الأسر قد تعالج مخاوفها من تعرّض أطفالها للعنف المتزايد في ضوء الأزمة، عن طريق ممارسة عنف آخر لا يقل خطورةً، إذ تتجه إلى تزويج الفتيات بعد أن توقفت الدراسة بالمدارس.

كيف يمكن الحيلولة دون تعاظم الضرر؟

اللافت أن هذه النتائج التي تكشف عواقب وخيمة على النساء، تخص الفترة التي يراها علماء الموجة الأولى لفيروس كورونا، بينما يتحسب العالم لموجة ثانية من المزمع أن تبلغ ذروتها خلال الشتاء المقبل، وقد ترغم كثيـر من الدول إلى فرض إغلاقات عامة، كالتي فرضتها في شهر مارس الماضي للحد من تفشي الفيروس.

وفي محاولة لرأب الصدع أو على الأقل وضع حد لتعاظم الأضرار، أوصت هيئة كير الدولية بإعطاء أولوية على وجه السرعة لقضية تمكين النساء من الوصول إلى برامج الحماية الاجتماعية والمساعدات الإنسانية، وبرامج الصحة الجنسية والإنجابية خلال الأزمة، ووضع قضية مكافحة العنف القائم على النوع الاجتماعي ضمن أولويات الحكومات في مواجهة الجائحة.

وطالبت الهيئة بضم النسـاء إلى جميع لجان القيادة وفرق العمل الخاصة بفيروس كورونا بنسبة 50 في المئة على الأقل، وزيادة التمويل الموّجه إلى برامج دعم المساواة الجندرية والتصدي للعنف القائم على النوع الاجتماعي في جميع الاستجابات لفيروس كورونا.

فضلًا عن ذلك، دعت هيئة كير الدولية جميع الجهات الفاعلة في مجال جمع البيانات المرتبطة بأزمة فيروس كورونا، إلى تصنيفها حسب الجنس والعمر وطالبتها بالتحرك بناءً على ما تكشفه هذه البيانات من حقائق، بما يسمح بمعالجة الفجوات بين الأفراد حسب احتياجاتهم.