احتفل العالم لأول مرة باليوم الدولي للمساواة في الأجر، في الـ18 من سبتمبر الجاري، وذلك بعد تحديده وإعلانه رسميًا بقرار للجمعية العامة للأمم المتحدة اتخذته في الـ18 من ديسمبر الماضي، ودعت فيه جميع الدول الأعضاء، والمنظمات الدولية، والمنظمات غير الحكومية والقطاع الخاص، للاحتفال باليوم الدولي للمساواة في الأجر بدءًا من العام 2020، بغية الاحتفاء بالجهود المبذولة من أجل تحقيق هذا الهدف، ولنشر الوعي بضرورة اعتماد مزيد من الإجراءات وتسريع وتيرة العمل للوصول إلى المساواة في الأجور بين النسـاء والرجال.

مقترح إعلان الـ18 من سبتمبر يومًا دوليًا للمساواة في الأجر، تقدمت به دولة أيسلندا ممثلة عن التحالف الدولي للمساواة في الأجور (EPIC)، بدعم من أستراليا، وكندا، وألمانيا، وبنما، ونيوزيلندا، وجنوب أفريقيا، وسويسرا.

وعلق حينها وزير الخارجية الأيسلندي قائلًا إن الأيام الدولية أثبتت قيمتها، وساهمت في تسليط الضوء على القضايا المهمة بين الأفراد والحكومات في جميع أنحاء العالم، مُعربًا عن أمله في أن يُحدِث اليوم الدولي للمساواة في الأجر الأثر نفسه.

وفي إعلانها عن تحديد يوم دولي للمساواة في الأجر، شددت الأمم المتحدة على خطورة التباطؤ الذي يشهده التقدم باتجاه تحقيق المساواة الجندرية وتمكين النســاء، والذي تزيد حدته فيما يتعلق بتمكين المرأة اقتصاديـًا.

تحتفل عدد من الدول منذ عدة سنوات بأيام محلية للمساواة في الأجر، مثل الولايات المتحدة وألمانيا وأستراليا. كما بدأت المفوضية الأوروبية الاحتفال باليوم الأوروبي للمساواة في الأجور منذ العام 2011.

تخصيص يوم دولي لتوسيع النقاش حول واقع النساء في عالم العمل، وبالأخص فيما يتعلق بالتمييز ضدهن في العائد المادي، يذكرنا أن إدراك المساواة في الأجور بين الرجال والنساء هدف صعب التحقق ويبدو في كثير من الأحيان مستحيلًا، نظرًا لأن هذه الأزمة المديدة ناجمة عن تضافر وتراكم وتشابك عوامل عديدة.

فيما يلي نحاول أن نسبــر هذه القضية من خلال طرح الأسئلة التي ترتبط بها وتقديم إجابات عنها حتى إن لم تكن كاملةً، لعل هذا يساعد على فهم أبعاد الأزمة وآليات المعالجة الأكثر واقعية.

ما هي المساواة في الأجر بين الجنسين؟

المساواة في الأجر تعني أن للمرأة والرجل الحق في الحصول على أجر متساوٍ عن العمل متساوي القيمة.

وبحسب منظمة الأمم المتحدة المعنية بالمساواة بين الجنسين وتمكين المرأة (UN Women)، فإن المساواة في الأجر نظير العمل متساوي القيمة في مختلف القطاعات والوظائف، تعد أحد السبل الرئيسة للقضاء على الفجوة في الأجور بين النساء والرجال.

من المتوقع أن يستغرق تحقيق المساواة بين النساء والرجال في الأجور 68 عامًا

ما هي الفجوة في الأجور؟

هي الفرق بين متوسط الأجر عن ساعة العمل للمرأة وللرجل.

في جميع أنحاء العالم، تتقاضى النساء أجورًا أقل من الرجال، وتقدر الفجوة في الأجور بينهما بــ23%

ما أسباب الفجوة في الأجور بين النساء والرجال؟

تنتج الفجوة في الأجور بین النساء والرجال عن عوامل اجتماعیة واقتصادیة عديدة، منها زيادة انضمام النساء إلى سوق العمل في القطاعات والوظائف التي يتلقى العاملين فيها أجورًا منخفضة، على الرغم من أنها تتطلب درجات عالية من المسؤولية، والجهد، ومهارات خاصة، مثل الرعاية والتعليم والعمل الاجتماعي والتمريض، بينما يشغل الرجال النسبة الأكبر من العاملين في مجالات الهندسة والتكنولوجيا والعلوم التي تُعرَف بكونها ذات أجور مرتفعة.

بالإضافة إلى ذلك، تبرز ممارسات التمییز بين الرجال والنساء في التوظیف والترقیة والتعویضات والمكافآت في أماكن العمل، وتتردد كثير من النســاء بشأن المطالبة بالمساواة في الأجر مع نظرائهن الرجال، خشية الاستغناء عنهن.

كما تساهم النظم التي تؤدي إلى اختلاف مكوّنات الأجر غیر الأساســي، كبدل الســاعات الإضافیة، والعــلاوات، وبدلات الأقدمیة والإنتاجیة، في استشــراء التمييز في الأجور، مع ملاحظة أن النساء أقل إقبالًا على العمل لساعات إضافية عن الرجال، نتيجة المسؤوليات المنزلية التي يتحملنها كاملة أو يتحملن الجزء الأكبر منها.

ترتفع الأمية وتزيد معدلات التسرب من التعليم بين الإناث عنها بين الرجال، وتوضح بيانات معهد اليونسكو للإحصاء للعام 2019، أن النساء اللاتي تتراوح أعمارهن بين 15 و24 عامًا، يمثلن نحو 59 في المئة من إجمالي الأميين في هذا الفئة العمرية، ويلقي هذا بظلاله على نوعية فرص العمل التي تحصل عليها النسـاء، ويضعف من احتمالية توظيفهن.

تؤثر مسألة تحمّل النساء للعبء الأكبر من أعمال الرعاية غير مدفوعة الأجر والأعمال المنزلية غير المأجورة على الفجوة في الأجور، لأنها تنتزع من ساعات عملهن المدفوع، وأحيانًا تضطر النساء إلى التوقف عن العمل المأجور مؤقتًا نتيجة هذه الأعباء، وحتى عندما يعود بعضهن إلى العمل بعد إنجاب الأطفال على سبيل المثال، غالبـًا ما يواجهن «عقوبة الأمومــة» وهو مصطلح يشير إلى ما تتعرض له الأمهات العاملات من تمييز في الأجر، وحط من القدرات، وتشكيك في الكفاءة، بالمقارنة مع النساء اللاتي لم ينجبن، مما يخلق فجوة أخرى في الأجور بين غير الأمهات والأمهات، تزيد من اتساع الفجوة في الأجر بين النساء اللاتي أنجبن والرجال عمومًا.

وفقًا للمنتدى الاقتصادي العالمي، تحتاج عملية القضاء على الفجوة الاقتصادية بين الجنسين إلى 257 عامــًا

كيف يمكن تضييق الفجوة في الأجور؟

يتعين على الحكومات وضع خطط استراتيجية لمعالجة أزمة الفجوة في الأجور، وأن يشمل العمل في سبيل تحقيق هذا الهدف إزالة الحواجز التي تُبعِد النساء عن الوظائف التي يهيمن عليها الذكور، إلى جانب الدفع بمزيد من النساء إلى المناصب الإدارية والقيادية في مختلف القطاعات، ليس فقط القطاعات التي يمثلن النسبة الأكبر من العاملين فيها.

وتأتي الشفافية في الإعلان عن الأجور بين الوسائل الرئيسة لمعالجة التمييز في الأجور، والتي تتحقق عن طريق التزام الشركات والمؤسسات بنشر تقارير سنوية تكشف وضع الفجوة داخلها، والإجراءات التي تتخذها لتضييقها والقضاء عليها، إذ يعد الإبلاغ عن الفجوة في الأجور أداةً حيوية لفهم ومعالجة غياب المساواة بين العاملات والعاملين، لأن الوصول إلى بيانات الأجور يفتح الباب للمساءلة عن ممارسات تحديدها وتوزيعها في أماكن العمل.

لا سبيل لتحقيق المساواة في الأجر، ما لم يتم تصحیح التقسیم غیر المتكافئ بین الرجل والمرأة بشأن العمل داخل المنزل، وإعادة هيكلة نظم العمل لتسمح للنساء والرجال بتوزيع أوقاتهم بين العمل المأجور وغیر المأجور بالتساوي.

وفي هذا السياق، بدأت بعض الدول في اعتماد نموذج «محفز سد الفجوة الجندرية»، انطلاقًا من قناعة بأن تقليص الفجوة في الأجور وثیق الصلة بالمساواة بین الإناث والذكور في مجال العمل على مختلف المستويات، ولا یمكن سد الفجوة في الأجور ما دامت المساواة بين الجنسيـن غائبة في فرص التدريب، والتأهيل، والتعيين، والتوظيف، والترقية، ومناخ العمل الداعم والمُشجّع.

ما هو محفز سد الفجوة الجندرية؟

«محفز سد الفجوة الجندرية» هو نموذج طوّره المنتدى الاقتصادي العالمي، يهدف إلى إنشاء منصات تعاون عالمية ووطنية بين القطاعين العام والخاص، لمعالجة الفجوات الحالية بين النساء والرجال في عالم العمل.

وقد أصبحت مصر في العام 2019، أول دولة في الشرق الأوسط وأفريقيا تطلق محفزًا لسد الفجوة بين الجنسين، كما أضحت فرنسا أول دولة في مجموعة العشرين تطلق محفز سد الفجوة بين الجنسين، وتبنت النموذج مجموعة من دول أمريكا اللاتينية هي: الأرجنتين، وشيلي، وكولومبيا، وكوستاريكا، وبيرو، وبنما، وجمهورية الدومينيكان.

هل تشرعن الدول التمييز في الأجور بين الرجال والنساء؟

تتبنى أغلب الدول تشريعات تجرم التمييز في الأجور، لا سيما الوظائف المماثلة، لكن ذلك لا يحول نهائيًا دون حصول النساء على أجور أقل من الرجال الذين يزاولون عملًا مطابقًا أو مماثلًا (الوظيفة نفســها)، إلا أنه يظل من الأيسر مواجهة هذا الشكل من التمييز عن التمييز في الأجر عن عمل متساوي القيمة.

ولتحديد العمل ذي القيمة المتساوية يجب تقییم الوظائف المختلفة والمقارنة بينها، استنادًا إلى معاییر موضوعیة كالمهارات وشروط العمل والمســؤولیات والطاقة المبذولة للقيام بالعمل، ووفقًا لمنظمة العمل الدولية، فإن عمل النساء بالتنظيف على سبيل المثال لا تقل قيمته عن عمل الرجال بقیادة الشــاحنات وفي البساتين، ومضيفة الطيران لا يقل عملها في قيمته عن عمل قبطان وميكانيكيي الطائرة، ولذا يظل من الضروري فرض المساواة في الأجر عن العمل ذي القيمة المتساوية، ورفع الحظر عن عمل النساء بوظائف بعينها، إذ يفرض ما يزيد عن مئة دولة قيودًا على عمل النسـاء في بعض القطاعات كالتعدين، والطاقة، والنقل، والإنشاء والبناء.

السرية التي تحيط بالأجور داخل أماكن العمل تشكل أرضية خصبة للتمييز، ولذلك لا بد من سن تشريعات تلزمها بالشفافية في تعيين وإعلان الأجور التي يتقاضاها جميع العاملين.

كيف يؤثر إغلاق الفجوة في الأجور على الاقتصادات؟

تؤكد تقارير المنظمات والهيئات الدولية التأثير الإيجابي لسد فجوة الأجور بين النساء والرجال على النمو الاقتصادي، وقد أشار تقرير لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية صدر في العام 2010، إلى أن تقليص الفجوة بين الجنسين في أماكن العمل إلى النصف يرفع معدلات نمو الناتج المحلي، وبحسب المعهد الأوروبي للمساواة الجندرية، فإن سد الفجوة في الأجور له آثار إيجابية على خفض معدلات الفقر بين النساء (ما زالت النساء أكثر عرضة للفقر من الرجال)، فضلًا عن أن ذلك سيشجع مزيد منهن على الدخول إلى سوق العمل بالأخص العمل المنظم، ولهذا تبعاته على زيادة الإنتاجية ونمو الاقتصاد.

هل هناك اتفاقيات دولية خاصة بالمساواة في الأجور بين الجنسين؟

اعتمدت منظمة العمل الدولية في الـ 29 من يونيو في العام 1951، الاتفاقية (رقم 100) الخاصة بمساواة العمال والعاملات في الأجر عند تساوي قيمة العمل، والمعروفة باسم «اتفاقية المساواة في الأجور». وتدعو هذه الاتفاقية الدول إلى تشــجیع وكفالة تطبیق مبدأ المســاواة في الأجور، وأن تتوخى المرونة في أسالیب التطبیق، مع ضرورة اتخاذ تدابیر فعّالة لتحقيق هذا الغرض.

وهناك الاتفاقية (رقم 111) بشأن التمييز في الاستخدام والمهنة التي اعتمدتها منظمة العمل الدولية في الـ25 من يونيو في العام 1958، وتلزم الدول بسن تشريعات تحظر جميع أشكال التمييز والإقصاء والاستبعاد على عدة أسس، مثل الجنس، والعرق، واللون، والدين، والرأي السياسي.

وتشير التوصیة المرافقة للاتفاقیة (رقم 111) إلى الحاجة لوضع سیاسة وطنیة ترمي إلــى منع التمییز في العمل وتراعي عددًا من المبادئ، تشــمل تمتع كل الأشــخاص بتكافؤ الفرص والمســاواة في المعاملة في مجال الأجر المتســاوي عن العمــل المتســاوي.

كيف أثرت جائحة كورونا على الفجوة في الأجور؟

أوضحت منظمة العمل الدولية في شهر مارس الماضي، أن الأزمة الاقتصادية الناجمة عن تفشي فيروس كورونا (COVID-19) ستؤدي إلى فقدان أكثر من 25 مليون وظيفة، معظمها من الوظائف منخفضة الأجر ووظائف الدوام الجزئي، التي تشغل النساء القطاع الأوسع فيها. وقد كشفت المنظمة أن القطاعات الأكثر تضررًا من أزمة فيروس كورونا، هي السياحة، والطعام، والعقارات والأنشطة الإدارية، والتصنيع، وتجارة التجزئة، وجميعها تشغل النساء النسبة الأكبر من العاملين فيها، ومن المرجح تعرضهن إما لفقدان الوظائف أو لتخفيض ساعات العمل.

عالميًا، تقضي المرأة وقتًا أطول بمرتين إلى عشرة أضعاف في أعمال الرعاية غير مدفوعة الأجر بالمقارنة مع الرجال، ومع إجراءات الإغلاق العام التي فرضتها كثير من البلدان بدءًا من شهر مارس الماضي لتحجيم تفشي فيروس كورونا واستمرت لنحو ثلاثة أشهر، تحمّلت النساء أعباء أكبر داخل المنزل في ظل مكوث أفراد الأسرة داخله لفترات طويلة، مما اضطرهن إلى تقليل ساعات عملهن مدفوع الأجر أو اللجوء إلى الإجازات غير مدفوعة الأجر.

كل ذلك من شأنه تعميق أزمة الفجوة في الأجور، لأن هذه المستجدات تساهم مباشرةً في توسيع الفجوة، وستضيف مزيدًا من السنوات للمدة المتوقعة لسدها.

هل هناك أشياء أخرى تتقاطع مع الجنس وتعمّق الفجوة في الأجور؟

استنادًا للنهج التقاطعي في تحليل الاضطهاد المنهجي الذي يستهدف النســاء، لا يمكن تفكيك بنى القهر والتمييز من دون إدراك تقاطع الجنس مع هويات أخرى، كالعرق واللون والعمر والعقيدة والحالة الاجتماعية والطبقة وغيرها، لأن حصول المرأة على فرصة عمل أو ترقية أو مكافآة ترتفع احتماليته أو تقل بناءً على عمرها، وما إن كانت عزباء أو متزوجة، وإن كانت أمًا لأطفال أم لم تنجب، وكثيـرًا ما يلعب المظهر الخارجي أو الدين دورًا في ذلك أيضـًا، وللعرق واللون تأثيرهما البالغ.

وإذا نظرنا إلى الولايات المتحدة كنموذج، يبدو جليًا أن الفجوة في الأجور بين النسـاء والرجال وطيدة الصلة بالعرق، وبالرجوع إلى تقرير لمركز القانون الوطني للمرأة في واشنطن، صدر بعنوان «فجوة الأجور: من وكيف ولماذا وماذا نفعل؟» في العام 2018، يتبين أن النساء يتقاضين 82 سنتًا مقابل كل دولار يتقاضاه الرجال، وعند أخذ العرق واللون في الحسبان تزداد الفجوة اتساعًا، إذ تحصل النساء ذوات البشرة السوداء على 62 سنتًا، وتحصل النساء من أصول لاتينية على 54 سنتًا، وتحصل النساء الأصليات على 57 سنتًا، بينما تحصل النساء ذوات البشرة البيضاء على 79 سنتًا.