في منتصف القرن التاسع عشر كانت نيويورك تمتاز عن بقية الولايات الفيدرالية الأمريكية بحالة انفتاح سياسي واجتماعي وأدبي، جعلتها مهدًا للعديد من حركات التغيير، وموطنًا للمعارك الأولى ضد العبودية، وإدمان المسكرات (الكحوليات)، والتمييز ضد النساء. كما ساهمت هذه الحالة في تحويل نيويورك إلى وجهة مفضلة لآلاف الشابات الأمريكيات والمهاجرات الأوروبيات لا سيما القادمات من ألمانيا وأيرلندا فيما بين العامين 1840 و1880، نظرًا لما كانت تتيحه أمامهن من فرص لدخول ساحات عمل غير تقليدية بالنسبة للنساء في ذلك الوقت، كالكتابة الأدبية والصحافية، والفنون التطبيقية كالرسم والنحت، بالإضافة إلى الموسيقى التي كانت نيويورك مركزها، خاصةً أن أول نموذج للأوبرا في الولايات المتحدة تأسس على أرضها في العام 1833، وهي التي نشأت فيها أول أكاديمية أمريكية للموسيقى في منتصف القرن التاسع عشر.

وفي تلك الحقبة أيضًا، شهدت نيويورك أول التحركات الكبرى والمنظمة في مسيرة النضال النسوي الأمريكي، متمثلةً في مؤتمر حقوق النساء الذي نظمته خمس ناشطات في أثناء صيف العام 1848، داخل أحد كنائس قرية سينيكا فالز.

كانت إليزابيث كادي ستانتون هي أول من طرح الفكرة بين الناشطات الخمس، وأول من تحدث في مؤتمر حقوق النساء الذي حضره ما يصل إلى 300 امرأة ورجل، ومثّل نقطة تحول كبرى في حياتها، إذ برز اسمها من بعده كرائدة في الحراك النسوي الناشئ في الولايات المتحدة، وبدأت على إثره مسيرةً ستمتد لخمسين عامًا دفاعًا عن حقوق الأمريكيات السياسية ودفعًا نحو إلغاء التشريعات القمعية التي تحرمهن من حقوق اجتماعية جمة بينما تكفلها للرجال.

«لقد اجتمعنا للاحتجاج على شكل الحكم القائم من دون موافقة المحكومات/المحكومين، ولنعلن عن حقنا في أن نكون حرائر مثلما الرجال أحرار، وأن نُمثَّل في الحكومة التي تفرض علينا ضرائب لدعمها كي يكون لدينا مثل هذه القوانين المشينة التي تمنح الرجل القدرة على معاقبة زوجته وسجنها، والاستحواذ على الأجر الذي تتقاضاه والممتلكات التي ترثها، وفي حالة الانفصال، أخذ أطفالها أحباءها.»

إليزابيث كادي ستانتون- مؤتمر حقوق النساء في سينيكا فالز

حضرت المؤتمر شابة تدعى أميليا بلومر، كانت قد أتمت عامها الثلاثين قبل أسابيع قليلة فقط، وكانت معرفتها بالنساء اللاتي نظمن المؤتمر تقتصر على النشاط المشترك في إطار جمعية الاعتدال في سينيكا فالز التي تمارس ضغطًا على الهيئات التشريعية في ولاية نيويورك لتجريم بيع المشروبات الكحولية لما تسببه من مشاكل للأفراد وعائلاتهم بحسب رؤية أعضاء وعضوات الجمعية، وبيد أن أميليا حرصت على حضور المؤتمر لعلمها بأنه يهدف إلى حشد تأييد واسع لمطالب تغيير القوانين الظالمة للنساء، إلا أن قناعتها إزاء قدرة المحاضرات والمؤتمرات التي تنظمها وتديرها النساء على تغيير المجتمع والتشريعات ظلت على حالها حتى بعد حضور المؤتمر، إذ كانت ترى أن تأثير هذا النوع من النشاط لا يزال محدودًا وغير كافٍ كي تحقق النساء أهدافهن نحو التغيير المجتمعي والتشريعي، بينما الكتابة من وجهة نظرها هي الأفضل بالنسبة لهن في تلك الفترة، وكانت تحاول تطبيق ذلك من خلال مشاركتها في تحرير صحيفة (Seneca Falls County Courier) التي يمتلكها زوجها الناشر والكاتب دكستر بلومر.

ورغم أن مؤتمر سينيكا فالز لم يغير نظرة أميليا بلومر تجاه اعتماد النساء على المؤتمرات الجماهيرية، فقد ولّدت أجواؤه رغبة لديها في اتخاذ خطوة كبيرة لصالح استقلالها المهني والنشاطي عن زوجها، ومن أجل تغيير حياة النساء في مجتمعها.

كانت أميليا تعتقد في تلك المرحلة من حياتها أن الخطر الأكبر الذي يجب أن تتصدى له هو إدمان الكحوليات المنتشر بين الرجال، ويؤدي بكثير منهم إلى الاعتداء على زوجاتهم تحت تأثير السكر، ويسوقهم كذلك إلى إنفاق الجزء الأكبر من أجورهم على هذه المشروبات بينما تفتقر أسرهم إلى الاحتياجات الأساسية. وقد حفزها المؤتمر على أن تطلق صحيفة شهرية تعمل من خلالها على رفع الوعي بين النساء بالآثار السلبية لانتشار الكحوليات، والمطالبة بتجريم بيع المشروبات الكحولية، على أن تتحمل هي مسؤوليات الإدارة والنشر والتحرير مجتمعة.

تجدر الإشارة إلى أن جذور النشاط المناهض لبيع وشرب الكحوليات المسكرة نبتت بين المجموعات المسيحية المحافظة خلال الربع الأول من القرن التاسع عشر، إلا أن النشاط تعدى هذه المجموعات وتوسعت المبررات التي تدفع الأفراد إلى الانضمام إلى هذا الحراك، فبرزت النساء بقوة بين الجماعات المطالبة بحظر بيع المشروبات الكحولية، كما اعتبرت العديد من رائدات الحركة النسوية الأمريكية، ومن بينهن إليزابيث كادي ستانتون وسوزان برونيل أنتوني، أن النشاط في هذا المنحى يوازي في أهميته النشاط من أجل أن تحصل النساء على الحق في الانتخاب، على خلفية الاعتقاد السائد بالصلة الوثيقة بين إتاحة بيع المشروبات الكحولية ووقوع الرجال في فخ إدمانها، مما يترتب عليه زيادة حوادث العنف المنزلي.

أول صحيفة تديرها وتحررها وتنشرها «النساء فقط»

في الأول من يناير في العام 1849، أي بعد خمسة شهور من انعقاد مؤتمر سينيكا فالز، صدر العدد الأول لصحيفة ليلي (The Lily) الشهرية التي تولت أميليا بلومر إدارتها وتحريرها برعاية من جمعية الاعتدال في سينيكا فالز، وقد كتبت أميليا في افتتاحية عددها الأول «إنها المرأة التي تتحدث من خلال ليلي … إدمان الكحوليات هو العدو الأكبر لسلامها وسعادتها. وهذا قبل كل شيء هو ما جعل منزلها مقفرًا وأفقر ذريتها…. ومن المؤكد أن لها الحق في استخدام قلمها لكبح جماحه.»

لم تكن أميليا بلومر هي من اختار اسم «ليلي»، وإنما عضوات جمعية الاعتدال اللاتي وجدن أن زهرة ليلي أو الزنبق هي الأنسب للتعبير عن هوية الصحيفة بوصفها رمزًا للأنوثة والنقاء، فمن ناحية يعبر الاسم عن الهوية النسائية للمطبوعة ومن ناحية أخرى يلخص هدفها الأساسي وهو منع الكحوليات من أجل تطهير المجتمع.

في الأعداد الأولى، لم يظهر اسم أميليا على الترويسة وإنما برزت أسفل الشارة عبارة «تنشرها لجنة من النساء»، للتأكيد على أن الصحيفة الموجهة لنساء قرية سينيكا فالز هي أيضًا صنيعتهن، ولكن في العام الثاني من عمر صحيفة ليلي (الزنبق) اختفت هذه العبارة، وبات اسم أميليا بلومر يتصدر الصفحة الأولى بوصفها الناشرة والمحررة الرئيسة، حيث عزمت أميليا على تحمل جميع المسؤوليات الإدارية والتحريرية بمفردها حتى تستمر الصحيفة في الصدور، بعد أن انفض معظم من سبق أن دعمنها من عضوات جمعية الاعتدال، بسبب تعاقب المشكلات إما في الطباعة والنشر وإما في التوزيع، فضلًا عن العوائق المادية إذ لم تكن اشتراكات القارئات السنوية كافية لتغطية جميع النفقات، ولهذا اضطلعت أميليا بتغطية العجز المالي من أموالها الخاصة.

«ليلي (الزنبق) هي الصحيفة الأولى المخصصة لشؤون النساء، وعلى حد علمي، فهي أول صحيفة تملكها وتحررها وتنشرها امرأة… لقد كانت أداة ضرورية لنشر حقيقة العهد الجديد للنساء في الخارج، ولم أستطع منع يدي عن مواصلة العمل الذي بدأته…»

أميليا بلومر

الكتابة والنشر كفعل مقاومة

لم توجّه صحيفة ليلي أو الزنبق اهتمامًا في بدايتها إلى مشكلات أو أزمات تعاني منها النساء في نيويورك خاصةً والولايات المتحدة عامة، غير إدمان الكحوليات، ولكن بفضل إليزابيث كادي ستانتون بدأت الصحيفة تتجاوز هذا الإطار، بعد أن باتت الأخيرة تكتب مقالات للصحيفة الوليدة منذ نهاية العام 1849 تحت اسم مستعار وهو عباد الشمس (Sunflower)، تطرح وتناقش من خلالها موضوعات كحق النساء في الانتخاب الذي سيصبح في غضون سنوات المطلب الرئيس للحركة النسوية الأمريكية، بالإضافة إلى التشريعات التمييزية ضد النساء فيما يتعلق بالزواج والطلاق وحق الملكية التي تحد من قدرتهن على التحكم في ممتلكاتهن الشخصية بعد الزواج، وتحرم المرأة من حقها في حضانة أطفالها إذا تركت منزل الزوجية قبل الحصول على الطلاق الرسمي.

شجعت مقالات إليزابيث كادي ستانتون أميليا بلومر على إفساح مزيد من المساحة في صحيفة ليلي (الزنبق) لتناول معاناة النساء على إثر التشريعات التي تعطي غطاءً للتمييز والعنف ضدهن، ومن ثم ازدادت المقالات التي تكتبها نساء عن تجاربهن وخبراتهن الشخصية تحت أسماء مستعارة، وبدأت أميليا أيضًا تكتب في الاتجاه ذاته، فروت قصصًا سمعت عنها أو شهدت عليها توثق حيوات النساء في ظل القمع التشريعي القائم سواء على المستوى المحلي أو الفيدرالي. وبعد أن كانت الصحيفة تعلن عن تخصيص محتواها للاعتدال (مناهضة الكحوليات) والأدب بعبارة واضحة أسفل الشعار، ظهر بديلًا لها عبارة «صحيفة شهرية مكرسة لتحرير النساء من إدمان الكحوليات (عدم الاعتدال) والظلم والتحيز والتعصب»، ثم أضحت فيما بعد «مخصصة لشؤون النساء.»

«عندما طرح مؤتمر حقوق النساء إعلان المشاعر (Declaration of sentiments) الخاص به. كنت على استعداد للانضمام إلى هذا الحزب في المطالبة بتغيير في القوانين من أجل النساء، كي تمنحها الحق في دخلها، وتمنح أطفالها الحق في مجالات أوسع من العمل والتعليم الأفضل، وتعطيها كذلك الحق في حماية مصالحها عن طريق صندوق الاقتراع.»

أميليا بلومر – مقتطف من مقال منشور بصحيفة ليلي (الزنبق)

في مقاله «ليلي (الزنبق) – 1849 -1856: من الاعتدال إلى حقوق النساء»، يجادل إدوارد هينك أستاذ التواصل في جامعة ميتشغان، بأن ليلي حققت متطلبين حاسمين للتغيير الاجتماعي آنئذٍ، وهما مواجهة النساء بعجزهن في ظل النظام الاجتماعي السائد في ذلك الوقت، بالتوازي مع إعادة تشكيل صورة النساء بطرق مكنتهن من العمل كمصلحات من دون انتهاك الأدوار التقليدية.

لقد بسطت صحيفة ليلي يدها إلى عدد من النساء اللاتي سيصبحن لاحقًا رائدات الحركة النسوية في الولايات المتحدة وقائدات موجتها الأولى، مثل إليزابيث كادي ستانتون وسوزان برونيل أنتوني، ومكنتهن من التعبير عن أفكارهن المتمردة على الواقع الاجتماعي والسياسي المتحيز ضدهن بالكتابة، والمجادلة بالحجج والأدلة عبر سرد قصص النساء وحكاياتهن التي تكشف المعاناة التي يتكبدنها في ضوء التحيز الثقافي والاجتماعي المُعزز بترسانة من التشريعات التي تنزع عنهن الأهلية وتُخضِعهن لذويهن من الرجال. وقد تعرضت إلى هذه المسألة أستاذة التاريخ والتواصل الأمريكية كلير جيري في مقالها «دور الصحف في الحركة النسائية في القرن التاسع عشر»، مشددةً على أن الصحف النسوية الأولى في الولايات المتحدة وفي مقدمتها ليلي استطاعت أن تجمع بين نساء تفصلهن الجغرافيا والحدود عن طريق الكتابة، ومهدت السبيل أمام من سيصبحهن قائدات الحركة المعروفة باسم حركة تحرير النساء والدفاع عن الحق في الانتخاب، خاصةً أن هذه النوعية من المطبوعات – وفقًا لكلير جيري – تمكنت من الوصول إلى النساء اللاتي لم يكن يتصورن أنفسهن ناشطات نسويات، وأولئك اللائي لم يكن مدركات لما يعجزهن ويثبطهن.

ثورة بلومر التي انطلقت من صفحة الموضة

ثمة مشكلة واضحة في الخط الذي اتخذته صحيفة ليلي (الزنبق) منذ صدورها وحتى توقفها، وهي التي خيمت على الحركة النسوية الأمريكية والصحف المنبثقة عنها حتى منتصف القرن العشرين، وتمثلت في الانغلاق على نساء الطبقتين الوسطى والبرجوازية ذوات الأصول الأوروبية (البيضاوات)، ومشكلاتهن، وأولوياتهن، والتعاطي معها بوصفها قضايا عامة تخص النساء جميعًا، ويظهر ذلك جليًا في أشهر ما بقي من إرث صحيفة ليلي وهو ما اصطلح عليه بـ «إصلاح الموضة»، التي بدأت عفويةً بمقال من محررتها أميليا بلومر، ثم صورة لها ترتدي لباسًا غير مألوف بين نساء الطبقة الوسطى اللائي اعتدن على ارتداء فستان طويل يصل إلى أخمص القدمين، أسفله ما بين ست إلى ثمان تنانير ليبدو الفستان مملوءًا ومستديرًا، والتي كان من الممكن أن يصل وزنها إلى 15 رطلًا (6 كيلو جرام تقريبًا)، غير أنهن كن مُلزمات بارتداء مشدات ضيقة (كورسيهات) ليكون الجسم منتصبًا في دلالة على استقامة المرأة، وهو نمط من الملبس كان يجعل حركة النساء صعبة ويعرضهن إلى مشاكل في التنفس، وهو ما أكدته دورية لانسيت الطبية (The Lancet) في العام 1868، حين نشرت دراسة تؤكد أن المشدات المحكمة تحد على نحو خطير حركة عضلة الحجاب الحاجز التي تساعد على التنفس الطبيعي.

لكن الدعوة التي انطلقت تلقائية من أميليا بلومر في صحيفة ليلي من أجل التخلي عن هذا النمط من الملابس واستبداله بسروال واسع أشبه بالسراويل التركية مصحوبًا بتنورة قصيرة تتجاوز الركبة قليلًا، كانت تخص فئة وطبقة معينة من النساء، لأن نساء الطبقة العاملة والملونات خاصةً من يعملن في مهن ووظائف غير مكتبية تحتاج إلى الحركة والتنقل وبذل مجهود جسدي كبير، لم يكن يرتدين هذه الملابس الثقيلة والمشدات شديدة الضيق.

في عددها لشهر إبريل من العام 1851، نشرت صحيفة ليلي مقالًا تعلن فيه محررتها أميليا بلومر أنها بدأت ترتدي سروالًا تركيًا وتنورة قصيرة بدلًا من الفساتين التقليدية حتى تُيسّر على نفسها الحركة والتنقلات اليومية، لافتةً إلى أنها تعرفت إلى هذا الزي عن طريق إليزابيث سميث ميلر، إحدى أبرز المدافعات عن حق النساء الأمريكيات في الانتخاب، وأول امرأة ترتدي هذا الشكل من الملبس في قرية سينيكا فالز، بعد أن وجدت فيه راحة من عبء الفساتين التي تثقل جسمها وترهقها.

كان لهذا الإعلان تأثير كبير لم تتوقعه أميليا، فقد فوجئت بعشرات الرسائل من نساء يسألنها عن تفاصيل أكثر عن الزي وتصميمه، والعديد منهن طلبن منها نشر القالب (الباترون) الخاص به حتى يحكنه ويرتدينه مثلها.

في كتاب «حياة وكتابات أميليا بلومر»، ينقل دكستر بلومر عن زوجته قولها «كنت مندهشة من الضجة التي أحدثتها من دون قصد. احتوت صحيفة نيويورك تريبيون على أول عنوان بخصوص تصرفي. ثم التقطت صحف أخرى الأمر وتداولته… منها من أشاد ومنها من لام، ومنها من علق، ومنها من سخر وأدان. كانت البلومرية والبلوميريت والبلومرز هي عناوين العديد من المقالات والموضوعات والمواد الساخرة، وأخيرًا كتب شخص ما – لا أعرف لمن أنا مدينة بهذا الشرف – «زي بلومر» وظل هذا الاسم ملتصقًا بالفستان القصير على الرغم من تنازلي المتكرر عن كل حقوقي في الاسم وإعطائها إلى السيدة (إليزابيث) ميلر، لأنها من شكل هذا اللباس أو أول من ارتدى هذا اللباس في الأماكن العامة.»

تسبب زي بلومر في زيادة الاشتراكات السنوية لصحيفة ليلي من 500 اشتراك إلى أربعة آلاف من نساء في العديد من الولايات الأمريكية إلى جانب نيويورك، مثل كاليفورنيا، وفلوريدا، ومين. وقد ظلت قضية إصلاح الموضة والأزياء النسائية موضوعًا رئيسًا لعدة سنوات على صفحات ليلي، وصار زي بلومر معروفًا في شتى أنحاء الولايات المتحدة، وارتدته نساء كثر لسنوات عديدة قبل أن تعود التنانير الطويلة والفساتين لتفرض هيمنتها مجددًا في مرحلة لاحقة من القرن التاسع عشر.

لم يرحب معظم الرجال بالزي الذي التصق به اسم أميليا بلومر، ووفقًا للأكاديمية إيمي كيسلمان فقد لاحق التحرش كثيرًا من النساء اللاتي كن يرتدينه في الأماكن العامة، كما أن الرجال الذين دعموا ارتداء النساء له على حساب الأزياء التقليدية (الفيكتورية) كان العديد منهم في مرمى الإساءة والسخرية، ومنهم جيمس كليب جاكسون، أخصائي التغذية الأمريكي ومخترع رقائق الإفطار (Breakfast cereal)، الذي ذكر في مقال نشرته دورية قوانين الحياة الطبية (Laws of Life) في العام 1860، أنه عانى بشدة من التقدير السلبي لموقفه وقناعته إزاء الحاجة الملحة لتغيير نمط الملابس التي ترتديها النساء الأمريكيات حتى يصبح تمتعهن بالصحة هو القاعدة، وتعرضهن للمرض هو الاستثناء.

بعد أميليا.. ليلي تختص بالدفاع عن حقوق الأمريكيات السياسية

استمرت طباعة صحيفة ليلي في سينيكا فالز بولاية نيويورك حتى نهاية العام 1853، ثم تحولت طباعتها إلى ولاية أوهايو بعد انتقال أميليا إليها برفقة زوجها الذي حصل على عرض عمل هناك، ولكن بعد عام واحد انتقل الزوجان مرة ثانية إلى مدينة نائية في ولاية آيوا لا يتوفر فيها مطابع وأدوات طباعة حديثة، مما وضع أميليا أمام خيارين إما أن توقف إصدار الصحيفة وإما أن تبيعها إلى ناشرة أخرى ليبقى المشروع الذي أسسته وكافحت من أجل تثبيت قواعده حيًا.

اتخذت أميليا قرارها ببيع الصحيفة ونجحت قبل أن ينتهي العام 1853 في عقد اتفاق مع ماري بيردسال، وهي ناشطة نسوية ومناهضة للعبودية في ولاية إنديانا، كانت قد التقت بها في المؤتمر الوطني السنوي لحقوق النساء قبل عدة شهور.

ظهر اسم ماري بيردسال كناشرة ومحررة لصحيفة ليلي في يناير من العام 1855، ولكن في واقع الأمر كانت ماري تنفذ العمل التحريري بالتعاون مع الناشطة النسوية ماري فريم توماس، وقد صارت الصحيفة في عهدهما مخصصة للدفاع والمطالبة بحقوق النساء السياسية، لا سيما الحق في الانتخاب، ولم تكتف الصحيفة وقتها بتوثيق النشاط النسوي في هذا السياق وإنما لعبت دورًا مباشرًا فيه، من خلال نشر العرائض التي تطالب بحقوق المرأة السياسية والاجتماعية وإتاحتها للتوقيع.

تزعم بعض المصادر أن صحيفة ليلي (الزنبق) لم يستمر صدورها طويلًا بعد تولي ماري بيردسال مسؤوليتها، مرجحةً أن عددها الأخير صدر بتاريخ الثاني من فبراير في العام 1859، بينما تذكر مصادر أخرى أن ليلي لم تتوقف إلا في العام 1870، رغم عدم توفر أي أعداد أو صفحات من الأعداد التي صدرت فيما بين العامين 1859 وحتى 1870.