يحل اليوم الدولي للفتاة هذا العام، الذي يصادف سنويًا الـ11 من شهر أكتوبر، في ظل أزمة فيروس كورونا التي ضربت العالم من أقصاه إلى أدناه، وفضلًا عن ما لحق بها من تداعيات صحية واقتصادية واجتماعية، فقد عمّقت هذه الجائحة فجوة النوع الاجتماعي وأبرزت بقوة تجذر التمييز بين الإناث والذكور.

ومن جانبها، أكدت هيئة الأمم المتحدة في شهر إبريل الماضي أن تفشي فيروس كورونا وما تبعه من إغلاقات أدى إلى زيادة العنف القائم على النوع الاجتماعي في كثير من الدول، مطالبةً الحكومات بوضع هذه القضية أولوية في خطط الاستجابة للأزمة.

وتأتي هذه الزيادة بعد أن كانت الإحصاءات قبل أزمة فيروس كورونا، تشير إلى أن العنف القائم على النوع الاجتماعي يطال فتاة أو امرأة من كل ثلاث نسـاء حول العالم، أي ما يعادل 1.3 مليار فتاة وامرأة.

الخطر الذي تواجهه الفتيات (الطفلات والمراهقات) من جرّاء الأزمة يزيد الغيوم قتامةً، خاصة أن المنظمات الدولية تسجل ارتفاعًا ملحوظًا في انتشار ظواهر تزويج القاصرات، وتشويه الأعضاء الجنسية البارزة (تشويه الأعضاء التناسلية الخارجية)، والعنف الأسري، والتســرب من التعليم.

وفي رسالته بمناسبة اليوم الدولي للفتاة، قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، «بينما نعزز سبل التصدي للجائحة ونخطط للتعافي من آثارها، لدينا فرصة لتهيئة عالم أفضل وأكثر عدلًا ومساواةً للفتيات في كل مكان»، لافتًا إلى أهمية وضع احتياجاتهن في موقع الصدارة عند صياغة القوانين والسياسات.

لكن رغم تتابع صدور التقارير الدولية التي توّثق الأضرار الجسيــمة التي خلفها فيروس كورونا على حيوات الفتيات ومستقبلهن، يستمر تجاهل الحكومات لمسألة دمج الحلول الحساسة للنوع الاجتماعي، في خططها للتصدي لفيروس كورونا ولمواجهة عواقب تفشيه.

انتكاسات عميقة

في الـ19 من ديسمبر في العام 2011، اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارًا يقضي بإعلان الـ11 من أكتوبر في كل عام يومًا دوليًا للفتاة، اعترافًا بحقوق الفتيات وبخصوصية التحديات التي يواجهنها، ولدفع الجهود التي من شأنها تحسين حيواتهن وإنهاء الممارسات الخطرة التي يتعرضن لها، إلا أن هذه المناسبة تكتسب أهمية خاصة هذا العام، في ضوء تصاعد حدة المخاطر التي تهددهن، نتيجة تفشي فيروس كورونا الذي قوّض إمكانات التقدم.

التعليــم

بحســب «التقرير العالمي للفتيات 2020: أثر جائحة كورونا على إحراز التقدم»، الصادر عن منظمة «انقذوا الأطفال –Save the Children» الدولية في أكتوبر الجاري، انقطع 1.6 مليـار طفلة وطفل حول العالم عن التعليم المدرسي، بسبب إغلاق المدارس الذي قررته الحكومات للحد من الإصابة بفيروس كورونا، وبناءً على الخبرات السابقة مع فيروس إيبولا الذي انتشـر بشكل غير مسبوق في غرب القارة الأفريقية في العام 2014، فإن احتمالية عودة الفتيات إلى المدرسة بعد استقرار الأوضاع ستكون ضئيلة جدًا.

وقد سبق أن أفادت الشراكة العالمية «طفلات لا عرائس – Girls Not Brides» في شهر يوليو الماضي، بأن إغلاق المدارس في كثير من دول العالم، تسبب في توقف 743 مليون فتاة عن مواصلة تعليمهن المدرسي. كما توّقع «صندوق ملالا-Malala Fund»، وهو منظمة دولية أسستها الناشطة الباكستانية ملالا يوسفزاي لدعم تعليم الفتيات، في تقرير صدر بعنوان «تعليم الفتيات وكوفيد- 19» أن ما يصل إلى  10 ملايين فتاة في المرحلة الثانوية، لن يعدن إلى مدارسهن بعد انقضاء أزمة فيروس كورونا واستقرار ظروف الدراسة.

وأكد التقرير ذاته أن الفتيات اللاجئات يواجهن خطرًا أكبر في هذا الصدد، استنادًا إلى البيانات المتعلقة باللاجئين والتعليم الثانوي، المُصنّفة حسب نوع الجنس، في عشر دول هي الكاميرون، وتشاد، وأثيوبيا، والعراق، وكينيا، وماليزيا، وباكستان، ورواندا، وتركيا، وأوغندا، والتي تكشف أن نصف الفتيات اللاجئات في المرحلة الثانوية لن يعدن إلى المدارس عند استئناف الدراسة بشكل طبيعي.

تزويـــج القاصرات

يرجح «التقرير العالمي للفتيات 2020: أثر جائحة كورونا على إحراز التقدم»، الصادر عن منظمة «انقذوا الأطفال – Save the Children» الدولية، تعرّض نحو 2.5 مليون طفلة لخطر تزويج القاصرات، خلال السنوات الخمس المقبلة أي بحلول العام 2025، نتيجة الآثار الاقتصادية للجائحة، وإيقاف برامج التدخل، وإغلاق المدارس، وذلك بالإضافة إلى 58.4 مليون حالة تزويج لقاصرات تتم كل خمس سنوات.

أما صندوق الأمم المتحدة للسكــان، فقد توّقع في إبريل الماضي أن يقود الانكماش الاقتصادي الناجم عن أزمة فيروس كورونا، إلى ارتفاع في مستويات الفقر في البلدان منخفضة الدخل، ولأن الفقر هو أحد الأسباب الرئيسة وراء انتشار ظاهرة تزويج القاصرات، يعتقد الصندوق أن التداعيات الاقتصادية للجائحة ستلقي بظلالها حتمًا على الظاهرة.

جديـــر بالذكر أن صندوق النقد الدولي لفت في شهر إبريل الماضي، إلى أن فيروس كورونا قد يكون السبب في أول زيادة في مستوى الفقر العالمي منذ العام 1998، مشيرًا إلى أن نحو 49 مليون شخص ستدفع بهم الجائحة إلى «الفقر المدقع» خلال العام الجاري 2020.

تشويه الأعضاء التناسلية الخارجية/الأعضاء الجنسيــة البارزة

في تقريره الصادر بعنوان «تأثیر فیروس كورونا على تنظیم الأسرة وإنهاء العنف القائم على النوع الاجتماعي وتشويه الأعضاء التناسلیة الأنثویة وزواج الأطفال»، أكد صندوق الأمم المتحدة للسكان أن جائحة كوفيد-19 ستترك آثارًا بعیدة المدى على الجهود الرامیة إلى القضاء على تشويه الأعضاء التناسلیة الأنثوية الخارجية أو الأعضاء الجنسية البارزة، في الـدول الثلاثين التي تنتشر فيها هذه الممارسة على نطاق واسع.

ووفقًا للتقرير، هناك ما يقرب من اثنين مليون جريمة تشويه للأعضاء التناسلية الأنثوية الخارجية أو الأعضاء الجنسية البارزة، ستقع خلال السنوات العشر المقبلة، وهذا الرقم كان من الممكن تجنبه، لولا جائحة كورونا التي أرغمت الهيئات والمؤسسات الدولية على تعطيل برامج مكافحة الظاهرة.

الدورة الشهرية

تمتد الآثار السلبية لجائحة كوفيد–19 على الفتيات، لتطال الدورة الشهرية والأزمة المتصلة بها، المعروفة باسم «فقر الدورة الشهرية» والتي تعني محدودية القدرة على الوصول إلى المنتجات المرتبطة بالدورة الشهرية، وبرامج التثقيف المتعلقة بالنظافة الصحية خلال فترة الحيـض، والمياه والمراحيض النظيفة خلال أيام الطمث، وهي مشكلة عالمية تعاني منها فتيات ونســاء في شتى البلدان، إلا أنها أكثر انتشـارًا في الدول النامية.

وقد أوضح تقرير لمنظمة «بلان الدولية- Plan International»، أصدرته في شهر مايو الماضي، أن أزمة فيروس كورونا أفضت إلى الحد من قدرة النساء على الوصول إلى المنتجات المرتبطة بالدورة الشهرية وفي مقدمتها الفوط الصحية بسبب نقصها في الأسواق وأماكن توزيعها، وهذا النقص أدى إلى زيادة في أسعار هذه المنتجات، وهو ما يعرقل بالتبعية إمكانية حصولهن عليها، وبالتالي يزداد اضطرارهن إلى التعامل مع الدورة الشهرية، بما هو متاح بين أيديهن بغض النظر عن السلامة الصحية. وقد حذرت المنظمة الدولية في تقريرها من تداعيات ذلك، مؤكدة أنه يمثل تهديدًا حقيقيًا على صحة الفتيات والنسـاء، ويُزيد من خطر تعرضهن للإصابة بالفيروس.

رغم هذه الأرقام والحقائق المفزعة والتحذيرات المستمرة، لا يبدو أن الحكومات تنتوي تغيير النهج المتبع في التعامل مع تداعيات الجائحة، كما لو كانت الفتيات والنســاء ليسوا بين المتضررين من الكارثة التي حلت بالعالم.