بدأ موسم جديد من مواسم الدراما الخاصة بشهر رمضان، وهو الموسم الذي تتكدس فيه المسلسلات لتستحوذ على جداول البث اليومي لمعظم القنوات المصرية والعربية، وكالعادة يمثل الإنتاج المصري النسبة الأكبر من مجمل الإنتاج العربي لهذا الموسم، فالقائمة التي تضم نحو 150 مسلسلًا عربيًا، بينها تسعة وثلاثين مسلسلًا مصريًا. كما أن الإنتاج المصري في هذا الموسم هو الأضخم والأعلى قيمة بالقياس إلى إنتاج بقية الدول الناطقة بالعربية، خاصةً في ظل مشاركة مسلسل «الحشاشين» للمخرج بيتر ميمي والسيناريست عبد الرحيم كمال والبطل كريم عبد العزيز، الذي أعلنت الشركة المنتجة له وهي «المتحدة للخدمات الإعلامية» أن كلفته الإنتاجية هي الأكبر في تاريخ الدراما المصرية.

الحضور كصانعات للدراما: يبقى الحال على ما هو عليه نسقًا وسياقًا

في هذا الموسم كسابقيه من المواسم التي تابعناها في «ولها وجوه أخرى» منذ العام 2014، تشارك النساء كبطلات في أعمال هن شخصياتها الرئيسة ومحرك أحداثها الأساسية بنسب مرتفعة، إذا ما قورنت بمشاركاتهن في السينما كشخصيات رئيسة، واقعية، متعددة الأبعاد، تدور الأفلام حول حكاياتها.

ويضم الموسم الحالي ثلاثة عشر مسلسلًا تتصدر بطولتها النساء، من أبرزها: «فراولة» لبطلته نيللي كريم، و«صدفة» لريهام حجاج، و«رحيل» لياسمين صبري، و«نعمة الأفوكاتو» لمي عمر، و«صيد العقارب» لغادة عبد الرازق، و«أعلى نسبة مشاهدة» الذي تجسد شخصيته الرئيسة سلمى أبو ضيف في أول بطولة مطلقة لها، و«لانش بوكس» الذي يجمع بين غادة عادل وجميلة عوض وفدوى عابد.

وكما لم يتغير نسق المشاركة النسائية كبطلات للأعمال التي تحظى بفرصة العرض خلال شهر رمضان، فإن الحضور كصانعات للأعمال خلف الكاميرا، وتحديدًا كمخرجات ومنتجات لم يشهد تقدمًا على مدى السنوات العشر الماضية، إذ يبقى الحديث عن عمل وعملين أو ثلاثة على الأكثر تخرجها نساء في كل موسم. أما الإنتاج فغالبًا ما يظهر اسم منتجة أو منتجتين على أقصى تقدير في الموسم الواحد، وعلى خلاف معظم المنتجين الرجال الذين حجزوا مقاعد ثابتة منذ سنوات على خريطة الإنتاج الدرامي الرمضاني، ويقدمون سنويًا عددًا من الأعمال متوسطة وعالية الكلفة، فإن مشاركة المنتجة في رمضان عادةً ما تقتصر على عمل واحد يُصنّف ضمن الأعمال متوسطة أو متواضعة التكلفة.

يفتقد الإنتاج الدرامي المصري إلى الحضور القوي والمستقر لـ«المنتجات»، ويتجلى هذا بوضوح في مواسم رمضان المحمومة، فعلى مدى العقد الماضي وثقنا سيطرة المنتجين الذكور على المواسم المتعاقبة فيما أشبه بالحصص الموزعة والمغلقة، بل إن بعض هؤلاء المنتجين تعود مشاركتهم شبه الثابتة في موسم دراما رمضان إلى بداية الألفية الثالثة، مثل الأشقاء العدل ممثلين في شركة «العدل جروب.»

تشارك في الموسم الحالي منتجتان فقط وهما مها سليم وسالي والي؛ وتقدم الأولى مسلسل «نعمة الأفوكاتو» في ثاني تعاونٍ لها مع الممثلة «مي عمر»، بعد مسلسل «علاقة مشروعة» الذي عُرِض في رمضان الماضي، بينما تشارك سالي والي عن طريق شركتها «إس برودكشنكز – S.Productions» بمسلسل «لانش بوكس»، وهو من مسلسلات البطولة النسائية الجماعية وفكرته مأخوذة عن المسلسل الأمريكي ذي الأربع مواسم «Good Girls»، ويعتبر خامس مسلسل تنتجه سالي منذ دخولها إلى ساحة الإنتاج الدرامي في العام 2019.

على الجانب الآخر، فقد بدأت المنتجة مها سليم نشاطها في الإنتاج الدرامي التلفزيوني قبل أربعة عشر عامًا، وقد شاركت في العديد من مواسم رمضان خلال هذه الفترة.

على صعيد الإخراج، تشارك هذا العام ثلاث مخرجات وهن شيرين عادل، ونادين خان، وياسمين أحمد كامل؛ وتقدم الأولى مسلسل «محارب» الذي ينتمي إلى مسلسلات النجم الأوحد ويؤدي دور البطل فيه الممثل حسن الرداد، وتعد شيرين عادل المخرجة الوحيدة في مصر والدول الناطقة بالعربية التي فرضت وجودها بين مخرجي الدراما الرمضانية التلفزيونية منذ واحد وعشرين عامًا، حين شاركت بمسلسل «حكايات زوج معاصر» في موسم العام 2003.

أما المخرجة نادين خان التي سبق أن شاركت في موسم رمضان للعام 2022 بمسلسل «مين قال؟»، تقدم هذا العام مسلسل «مسار إجباري» الذي تعاون في كتابته ثلاثة كتاب وهم باهر دويدار، وأمين جمال، ومحمد محرز، ويأتي في صدارة شخصياته الرئيسة شابان يؤدي دورهما أحمد داش وعصام عمر.

إلى جانب شيرين عادل ونادين خان، تشارك ياسمين أحمد كامل بالعمل الوحيد الذي تشغل النساء فيه ثلاثة من أدوار الصناعة الرئيسة خلف وأمام الشاشة وهو «أعلى نسبة مشاهدة»، إذ تتعاون مع ياسمين أحمد في هذا العمل المؤلفة سمر طاهر، بينما تؤدي الممثلة سلمى أبو ضيف دور البطلة الرئيسة التي تتمحور حولها جل الأحداث.

عند الحديث عن صناعة الأعمال الدرامية في جانب التأليف وكتابة السيناريو والحوار، لا تتسم الأمور بالركود كما هو الحال في الإخراج والإنتاج إذ تشهد مشاركة الكاتبات في مواسم رمضان تناميًا، وهناك في هذا الموسم خمس كاتبات إلى جانب سمر طاهر يسجلن حضورهن بأعمال من تأليفهن، وهن: رشا الجزار مؤلفة مسلسل «مليحة»، وأماني التونسي مؤلفة مسلسل «بقينا اتنين»، وألما كفارنة كاتبة مسلسل «بدون سابق إنذار»، بالإضافة إلى رنا أبو ريش ويسر طاهر اللتين يجمعهما الجزء الثاني من مسلسل «كامل العدد» بعد تعاونهما في كتابة جزئه الأول.

ويعود التفاوت بين حضور النساء كمؤلفات وحضورهن في مواقع مثل الإخراج وإدارة التصوير التي يهيمن عليها الرجال إلى أسباب إنتاجية واجتماعية وثقافية متشابكة، إذ تُعرِض كثير من شركات الإنتاج عن التعاقد مع مخرجات، خشية أن يكون وجود امرأة على رأس العمل مصدرًا للمشاكل داخل مواقع التصوير التي ينتشر في جنباتها العاملون الرجال الذين قد لا يستسيغوا أن يكون من يوجههم ويقودهم ويقيم أداءهم امرأة، على خلفية التصورات النمطية التي تستهين بقدرات النساء وإمكاناتهن في الناحيتين الإبداعية والقيادية.

علاوة على ذلك، يتطلب الإخراج أو التصوير تخصيص مساحة واسعة من الوقت بعيدًا عن المنزل والمهام التقليدية المتوقع أن تقوم بها النساء في المجال الخاص، كما أن مسألة وجود المخرجة أو المصورة لفترات طويلة وحتى ساعات متأخرة في الليل بين عشرات الرجال، تضع على عاتقها عبء الدفاع عن مهنتها وسلوكها بشكل مستمر أمام مجتمعها، وقد يضطرها هذا في النهاية إلى التخلي عن أحلامها وطموحاتها، والاتجاه إلى مساحات عمل أخرى تحظى بقبول اجتماعي أعلى.

قضايا التيك توك منفذًا لتمرير الرسائل الوعظية في «أعلى نسبة مشاهدة»

والمرأة الاستثنائية من منظور ذكوري يختصره عنوان «بـ 100 راجل»

بعد أن شاهدنا المقاطع الدعائية الخاصة بالمسلسلات المصرية المشاركة في الموسم الحالي، توقفنا أمام المقطع الخاص بمسلسل «أعلى نسبة مشاهدة» الذي استوحت المخرجة ياسمين أحمد كامل فكرته من قصة إحدى مستخدمات التيك توك اللاتي تحولن إلى متهمات بالاعتداء على «قيم الأسرة المصرية ومبادئها»، ثم صدرت بحق العديد منهن أحكام بالحبس والغرامة، رغم عدم وجود تعريف واضح وصريح لتلك القيم أو المبادئ التي قد تُعرّض النساء للسجن والتغريم بما يصل إلى مئات آلاف الجنيهات.

يكشف المقطعان الترويجيان والأفيشات التي أعلنت عنها الشركة المنتجة للمسلسل، عن معالجة درامية لا تمضي في طريق شيطنة مستخدمات التيك توك الذي أتبعته معظم وسائل الإعلام المصرية خلال السنوات الأربع الماضية، بيد أن المعالجة تبدو متماهية في النسق القيمي الذكوري القانع بأن قرار المرأة بتحرير جسمها من الوصاية الاجتماعية عليه هو جريمة أخلاقية لا بد أن تُعاقَب عليها سواء مجتمعيًا أو تشريعيًا، ليكون هذا العقاب تذكيرًا للنساء بأن يلتزمن بالمسار المرسوم لهن وإلا سقطن في الهاوية وأسقطن معهن أسرهن كما حدث للبطلة.

تكشف المواد الترويجية للمسلسل عن وصم درامي لشخصية شيماء التي تؤدي دورها سلمى أبو ضيف، إذ أن العمل يقدمها ضحية ومذنبة في الآن ذاته، وكلا الصورتين هما من الأنماط التي اعتادت الدراما المصرية أن تقولب فيها النساء اللاتي يتجاوزن الحدود القيمية للمجتمع.

يقدم صانعات وصناع العمل شخصية شيماء بوصفها شابة يدفعها الطيش والرغبة الجامحة في كسر قيود الفقر إلى «الخروج على قيم المجتمع»، من خلال إطلاق العنان لجسدها أمام ألوف مؤلفة من مستخدمات ومستخدمي تطبيق تيك توك، لينتهي بها الحال وقد ألحقت بنفسها وأسرتها «العار» الذي سيدفع والدها إلى اتخاذ قرار بالتخلص من حياته. كما تنذر بعض اللقطات والجمل الحوارية إلى أن افتقاد شيماء إلى الاهتمام والدعم من والديها، وتعرضها للعنف النفسي من أمها، قد لعبا دورًا محوريًا في مسيرها الخاطئ حسب وجهة نظر صانعات وصانعي العمل، وكل هذه التفاصيل المستهلكة تخدم المعالجة النمطية التي ترضي كل صنوف الرقابة في مصر.

من ناحية أخرى، اختار صناع أحد مسلسلات هذا الموسم أن يكون اسمه «بـ 100 راجل» في إشارة إلى القول الذي ابتكره المجتمع الذكوري ليستخدمه الأفراد إذا أرادوا الإشادة بالمرأة التي تكافح في ظروف شاقة وغير منصفة، وهو تعبير تمييزي يكرس إلى «تفوق الذكر ومركزيته» عن طريق امتداح النساء اللائي تجتمع فيهن سمات عزة النفس، والجلد، والشهامة بتشبيههن بــ«الرجل.»

تشير الإرهاصات الأولى إلى أن أحداث المسلسل تدور حول شخصية من قائمة الشخصيات النسائية النمطية الشائعة في الدراما المصرية، فهي تلك المرأة الكادحة التي تواجه عقبات ومؤامرات يقف وراء معظمها رجال، والقليل منها تصنعه نساء تملؤهن الضغينة والحقد تجاهها، إلا أنها تنتصر في نهاية المطاف بفضل مزيج الأنوثة الطاغية، والشجاعة اللافتة، وقوة التحمل الاستثنائية.

يكشف هذا البناء السردي عن نظرة ذكورية يترجمها العمل نصًا وصورةً، ويؤكدها اسم «بـ 100 راجل»، ويزيدها تأكيدًا تصوير البطلة على الأفيش شخصيتين في جسد واحد، إحداهما ترتدي فستانًا أحمر اللون وينسدل شعرها على كتفها، والأخرى ترتدي سروالًا وقميصًا يعلوه سترة مصنوعة من الجينز، بينما تخفي شعرها تحت غطاء أسود.