ارتبط اسم بلسم عبد الملك بمجلة «المرأة المصرية» التي أصدرتها في العام 1920، وهي واحدة من أبرز المجلات النسائية في مصر والعالم العربي، خلال النصف الأول من القرن العشرين، ومن هنا يأتي اعتقاد شائع بأنها كانت صحافية بالأساس، إلا أن بلسم دخلت إلى عالم الصحافة وأطلقت هذه المجلة في أعقاب الثورة الشعبية التي اندلعت في العام 1919، بعد سنوات من العمل في مجال التعليم المدرسي.

محطات سبقت الوصول إلى «المرأة المصرية»

بعد تخرجها في مدرسة أخوية الراهبات الفرنسيات التابعة للإرسالية الكاثوليكية الفرنسية، حصلت بلسم عبد الملك على وظيفة معلمة في مدرسة بنات طنطا القبطية، ثم تدرجت في السلم الوظيفي حتى أضحت ناظرةً لمدرسة البنات المرقسية في الإسكندرية، وبعد ذلك عينتها وزارة المعارف المصرية أستاذة فنية بالمدرسة السَنية في القاهرة، التي تعد واحدة من أعرق مدارس البنات في مصر ومنطقة الشرق الأوسط برمتها.

شاركت بلسم في الاحتجاجات الشعبية التي خرجت في مارس من العام 1919، ضد الاحتلال البريطاني، وكغيرها من النساء اللاتي أخذتهن هذه الثورة الشعبية إلى قلب المجال العام، فقررن استحداث آليات للحفاظ على المساحة التي انتزعنها وتوسيع رقعتها، عزمت بلسم على القيام بعمل من شأنه أن يحافظ على أصوات النساء المصريات مرفوعة ومسموعة، ويساهم في دفع حِراكهن إلى الأمام، ولكن هذه المرة ليس عن طريق الهتاف وإنما عن طريق الكتابة التي تبحث وتحلل وتطالب وتوثق، وليست فقط الكتابة على نحو متقطع ومتباعد كالذي اعتادت عليه فيما قبل، إذ كانت تكتب مقالات للصحف والمجلات من حين لآخر، بل الكتابة المتواصلة والمنظمة.

وبدعم عدد من الشخصيات النسائية البارزة في ذلك الوقت وعلى رأسهن المدافعة النسوية هدى شعراوي، شرعت بلسم بعد شهور قليلة من انطلاق الثورة في تأسيس مجلة نسائية تحمل اسم «المرأة المصرية».

نضال نسوي عبر بوابة الصحافة

قبل قيام ثورة العام 1919، كان لبلسم تواصل مع عدد من الكاتبات البارزات ورائدات الحِراك النسوي، ومنهن ملك حفني ناصف المعروفة باسم «باحثة البادية»، التي جمعت بلسم بعد وفاتها ما كتب وقيل عنها في كتاب بعنوان «ذكرى باحثة البادية»، طبعته في المطبعة الأهلية المصرية، وصدر في العام 1920.

لكن علاقة بلسم برائدات الحركة النسوية المصرية وبالأخص هدى شعراوي مؤسسة الاتحاد النسائي المصري، توطدت إبان الاحتجاجات الشعبية في العام 1919، وإزدادت توثقًا في أعقابها، وكانت هدى شعراوي واحدة من أكثر الداعمين لها في خطوة إطلاق مجلة «المرأة المصرية»، إيمانًا منها بأهمية إصدار مجلة نسائية مصرية من رحم الثورة والحِراك النسوي الذي رافقها، تُمكّن النساء المصريات من الكتابة والتعبير عن آرائهن ومطالبهن، وتتابع أخبار الجمعيات النسائية والنسوية، وتنشر الخطب والمحاضرات التي تلقيها النساء.

أصدرت بلسم عبد الملك مجلة «المرأة المصرية» في يناير من العام 1920، في مدينة القاهرة، وكان صدورها شهريًا، ويتم طباعة نسخها في المطبعة الأهلية (صار اسمها: مطبعة بولاق ثم المطبعة الأميرية)، وقد اختارت بلسم أن تزين الغلاف الأمامي للمجلة بصورة الأميرة نفرت زوجة الأمير رع حتب، وهي من أميرات الأسرة الرابعة في الدولة المصرية القديمة.

يعكس اختيار بلسم للأميرة نفرت اعتزازها بالحضارة المصرية، وإيمانها بأن مكانة المرأة المصرية لا بد أن تكون على النحو المتقدم الذي كانت عليه في مصر القديمة، فضلًا عن دلالة اسم هذه الأميرة الذي يعني «الجميــلة».

كتبت بلسم في افتتاحية العدد الأول من مجلتها تقول: لقد كنت من اللواتي صرفن وقتًا ثمينًا من حياتهن في التدريس، وعرفت في تلك المدة ما تحتاجه الفتاة المصرية من العلم والتربية، وكتبت كثيرًا في الصحف السيارة والمجلات النسوية في موضوع المرأة، ثم وجدت فراغًا كبيرًا في عالم الأدب لا يملؤه غير وجود مجلة نسائية مصرية بحتة لترقية الجنس اللطيف، ولتكون ميدانًا تتسابق فيه أقلام ربات الخدور من المصريات، فقمت بإنشاء هذه المجلة وأسميتها (مجلة المرأة المصرية)، وذلك بمساعدة كثيرات من سيدات العائلات الشريفة المصرية اللواتي شجعنني ماديًا وأدبيًا.

بدأت الصحافة النسائية العربية مع صدور مجلة «الفتاة» في مدينة الإسكندرية في العام 1892، على يد المهاجرة اللبنانية هند نوفل، ثم تتابع صدور المجلات النسائية في مصر، وقد صدرت أول مجلة نسائية على يد امرأة مصرية في العام 1907، وهي «الريحانة» لصاحبتها جميلة حافظ.

تبدّى لدى بلسم اهتمام كبير بقضية تعليم الفتيات، وكتبت في مجلتها عن أهميته وعن ضرورة أن تحصل البنات على الشهادات الدراسية بما فيها الشهادة الجامعية، للنهوض بوضع النساء والارتقاء بالبلد ككل، كما كتبت مرارًا تؤكد على حتمية خروجهن إلى العمل في جميع المجالات مثل الرجال.

لم يقتصر نشاط بلسم الصحافي على مجلة «المرأة المصرية»، فقد ساهمت في تحرير مجلة «المصرية» في نسختها العربية، التي أصدرها الاتحاد النسائي المصري برئاسة هدى الشعراوي في العام 1937، وكانت ترأس تحريرها فاطمة نعمت راشد التي أسست لاحقًا الحزب النسائي الوطني.

على عكس العديد من النساء اللاتي انخرطن في الصحافة، وأصدرن صحفًا ومجلات في تلك الآونة، لم توقف بلسم عبد الملك مجلة «المرأة المصرية» لدواعي الالتزامات الأسرية رغم أنها أم لابنتين، بل تمسكت باستمرارها حتى وافتها المنية، ولم يتوقف إصدار المجلة إلا بعد عشرين عامًا من نشر عددها الأول.

تحررها المبكر من اليشمك والحبرة

كانت بلسم عبد الملك من المؤيدين للسياسي مصطفى كامل (1874-1908) مؤسس الحزب الوطني المصري وجريدة اللواء، الذي كان معروفًا بمناهضته ومقاومته الصلبة للاحتلال الإنجليزي.

وفي كلمة ألقتها خلال احتفال أقيم في العام 1920 لإحياء ذكراه، قالت إنها تعرفت إليه شخصيًا بعد صدفة جمعتها به في القطار المسافر من الإسكندرية إلى القاهرة، وحينها أثار دهشته وإعجابه معًا تحررها من الزي السائد آنذاك بين النساء المصريات (الحبرة واليشمك) وارتدائها أزياء أقرب إلى الأوروبية، وكان ذلك قبل أن تنطلق حركة التحرر من الحجاب بين المصريات في العشرينيات.

وأضافت بلسم في كلمتها أنهما تبادلا الحديث خلال مدة الرحلة، واقترح عليها آنئذٍ أن تغير اسمها من بلسم عبد الملاك (اسمها الأصلي) إلى بلسم عبد الملك، وهو ما فعلته، إذ بات هذا الاسم هو الذي يعرفها به الجميع حتى بعد وفاتها.

للأسف سيرة بلسم عبد الملك مثل كثير من سير الرائدات لم تحظ بالبحث والتنقيب الكافيين، وبالتالي سيظل جانبًا من نضالها غير معروف، وهناك إنجازات في حياتها لم يتم توثيقها لا بقلمها ولا بأقلام آخرين. ولكن يبقى الجزء الواضح من القصة ملهمًا لكل من يطلع عليه، وجدير بالنشر على أوسع نطاق.