«السياسة الخارجية» هو أحد المصطلحات التي لم يتفق الباحثون والسياسيون على تعريف واحد ومحدد لها، ولكن بقدر من التبسيط يمكننا القول بأن السياسة الخارجية هي جزء من السياسة العامة لكل دولة، وهي ما يحدد اتجاهات الدولة في محيطها الخارجي وعلاقاتها مع الدول الأخرى، ويعرفها الكاتب الفرنسي مارسيل ميرل بأنها «جزء من النشاط الحكومي المُوّجه نحو الخارج، أي الذي يعالج بنقيض السياسة الداخلية مشاكل تطرح ما وراء الحدود»، ويقول الكاتب الأمريكي تشارلز هيرمان أن السياسة الخارجية «تتكون من السلوكيات الرسمية المتميزة التي يتبعها صانعوا القرار في الحكومة أو من يمثلونهم، بهدف التأثير في سلوك الوحدات الدولية الخارجية.»

وتختلف توّجهات الدول في سياساتها الخارجية، بناءً على عدة عوامل مثل؛ موقعها الاستراتيجي ومدى أهميته بالنسبة للدول الأخرى، ووضعها الاقتصادي والعسكري إقليميًا ودوليًا، وفعاليتها على المستويين الإقليمي والدولي، والعقيدة المهيمنة على صانعي القرار الذين يضعون السياسات.

وفي الدول العظمى غالبًا ما تركز السياسات الخارجية على الأدوات العسكرية، مثلما هو حال الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا، ولا يختلف الأمر كثيرًا في السياسات الخارجية للدول ذات الأنظمة الديكتاتورية مثل كوريا الشمالية، والدول ذات الطموحات التوسعية مثل إيران، وهذه السياسات عسكرية التوّجه تعكس سيطرة الثقافة الذكورية على صانعيها.

وحتى السياسات الخارجية التي توازن بين الأدوات العسكرية والدبلوماسية، عادةً ما تتجاهل النساء وتسقط أزماتهن من حساباتها، إذ تتغاضى عن حضورهن على طاولات النقاش ومحادثات السلام، وتغض الطرف عن قضايا محورية مثل: تمكين النساء من مواقع صناعة القرار، والعنف السياسي الذي يتعرضن له، والعنف الجنسي في أوقات الحرب والنزاعات، بالإضافة إلى الاتجار في النساء والأطفال.

وقد انبرت مجموعة من الباحثات النسويات في فترة الثمانينيات، لتحليل السياسة الخارجية الأمريكية التي تجنح إلى القوة العسكرية، من منظور نسوي وأبرزن في تحليلاتهن نقاط ضعفها وذكوريتها الخالصة، وشرحن تبعاتها السلبية على النسـاء في الداخل والخارج، ومنهن الباحثة الأمريكية جوديث آن تيكنر التي نشرت في العام 1988، دراسة تبحث في الأسباب التي تجعل السياسة الدولية «عالمًا للرجال»، وهي من المؤمنين بأن السلطة الذكورية تميل إلى استخدام القوة للهيمنة، وتفرط في فرص التفاوض الجماعي.

وفي العام 1990، أصدرت الكاتبة والمُنظّرة النسوية سينثيا إينلو كتابها «موز وشواطئ وقواعد عسكرية: إعطاء معنى نسوي للسياسات الدولية»، الذي تنظر فيه إلى عدد من القرارات السياسية الدولية من زاوية نسوية، وتربط بين السياسة الدولية وقضايا الأمن والسياحة، متساءلةً «أين النساء؟» من كل ذلك. وفي العام 2000، كتبت سينثيا ورقة بحثية بعنوان «الذكورية باعتبارها مشكلة السياسة الخارجية»، صارت مرجعًا للباحثات والباحثين في هذا الحقل.

نتيجة الضغوط النسوية سواء في الولايات المتحدة أو غيرها من الدول، بدأ إدراج بعض القضايا الخاصة بالنساء ضمن السياسات الخارجية، خاصة بعد تبني الأمم المتحدة لإعلان بيجين في سبتمبر من العام 1995، الذي جعل المساواة بين الجنسين أولوية عالمية. لكن لم تتبن أي دولة سياسة خارجية تنفض عنها غبار الذكورية وتتعامل مع مختلف القضايا الإقليمية والدولية من دون إغفال للبُعد الجندري، إلى أن أعلنت السويد في العام 2014 عن سياسة خارجية منحتها لقب «نسويـــة».

وتُعرّف الناشطتان النسويتان الأمريكيتان ليريك طومسون وراشيل كليمنت «السياسـة الخارجية النسوية» بأنها سياسة الدولة التي تحدد تفاعلاتها مع الدول الأخرى وتحركاتها خارج حدودها، بطريقة تضع المساواة بين الجنسين أولوية وتكرس لحقوق المرأة وحقوق المجموعات المهمشة، وتخصص موارد كبيرة لتحقيق هذه الرؤية، وتسعى من خلال تنفيذها إلى تعطيل هياكل السلطة الأبوية التي يهيمن عليها الذكور (المعونة والتجارة والدفاع والدبلوماسية)، مستندةً إلى أصوات الناشطات والمجموعات والحركات النسويــة.

السويد: أول دولة تعلن عن سياسة خارجية نسوية

أضحت السويد أول دولة في العالم تعلن تبنيها لسياسة خارجية نسوية، بعد الإعلان عن تشكيل الحكومة التي وصفت نفسها بأنها أول حكومة نسوية في العالم،  وذلك في أكتوبر من العام 2014، وهي حكومة ائتلافية ضمت أعضاءً من حزب العمال الديمقراطي الاجتماعي وحزب الخضر، وبلغ عدد الوزيرات فيها 12 من أصل 22 وزيرة ووزير، أي تجاوزت نسبة تمثيلهن الـ54 في المئة.

وقد تعهدت هذه الحكومة بأن تكثف جهودها من أجل استحداث وتطوير تدابير استراتيجية طويلة المدى لتحقيق المساواة التامة بين الجنسين، وفي هذا الإطار أسست الحكومة وكالة قومية لسياسة المساواة بين الجنسين، وأصدرت استراتيجية لعشر سنوات تهدف إلى القضاء على العنف ضد النساء، ووضعت موازنة مستجيبة أو حساسة للنوع الاجتماعي، وأعلنت عن سياسة خارجية نسوية (Feminist Foreign Policy).

ووفقًا لما أعلنته الحكومة السويدية، فإن الهدف الأكبر للسياسة الخارجية النسوية هو تحقيق المساواة بين الجنسين وتمكين النساء والفتيات من التمتع بجميع حقوق الإنسان. وفي سبيل تحقيق هذا الهدف، وضعت وزارة الخارجية السويدية خطة عمل يتم تحديثها سنويًا، لتحقيق ستة أهداف فرعية طويلة المدى وهي: التمتع الكامل بحقوق الإنسان، والتحرر من العنف الجنسي والنفسي والجسدي، والمشاركة في محادثات السلام، والمشاركة السياسة، والتمكين الاقتصادي، والحقوق الجنسية والانجابية.

جدير بالذكر أن السويد أصدرت قانونًا يجرّم التمييز على أساس النوع في أماكن العمل في العام 1980، وأصدرت قانونًا للمساواة بين الجنسين في العام 1991، وأدخلت المساواة الجندرية ضمن أهداف سياستها الخارجية في التسعينيات، وبحسب مؤشر المساواة بين الجنسين الذي يستند إلى سياسة الاتحاد الأوروبي، فقد احتلت السويد المرتبة الأولى بين دول الاتحاد في العام 2019.

صاغت وزارة الخارجية السويدية بنود السياسة الخارجية النسوية التي يشترك في تنفيذها جميع أجهزة الخدمة الخارجية للدولة، وعلى رأسها هذه الوزارة بالإضافة إلى وكالات حكومية مركزية، ومئة وكالة تابعة للحكومة السويدية تنتشر حول العالم.

وجاء الإعلان عن ملامح السياسة الخارجية النسوية وأهم بنودها وآليات تنفيذها، على لسـان مارغو والستروم وزيرة الخارجية السويدية السابقة، التي كان وجودها على رأس الوزارة في ذلك التوقيت، عاملًا مساهمًا في مضاعفة الأصداء الإيجابية للإعلان عن السياسة الخارجية الجديدة، وفي رفع درجة التصديق في جديتها، وذلك لما لمارغو والستروم من تاريخ في مجابهة العنف ضد النساء على المستويين المحلي والدولي، فضلًا عن كونها أول من شغل منصب الممثلـة الخاصـة للأمم المتحدة المعنية بالعنف الجنسي في حالات النزاع في العام 2010، وهو المنصب الذي تم استحداثه بموجب قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم (1888) الصادر في العام 2009. وقد شاركت خلال تقلدها لهذا المنصب في تحقيقات أجرتها الأمم المتحدة في جرائم اغتصاب، ارتكبها مسلحون في جمهورية الكنغو الديمقراطية بحق 150 امرأة وطفلًا.

قدمت الحكومة السويدية في سبتمبر من العام 2019، تقريرًا عن أهم ما أنجزته في إطار السياسة الخارجية النسوية خلال خمس سنوات، وفيه أشارت إلى أن السويد دعمت مشاريع في دول مثل الصومال ومولدوفا قادت إلى زيادة تمثيل النساء في البرلمان، كما ساهمت في تمكين مزيد من رائدات الأعمال في السعودية، ونجحت في تقليل حالات الوفاة عند الولادة في أفغانستان وجنوب السودان وميانمار وزامبيا عن طريق تدريب آلاف القابلات في هذه البلدان.

بالإضافة إلى ذلك، رفعت السويد الدعم المادي الذي تقدمه لهيئة الأمم المتحدة للمساواة بين الجنسين وتمكين المرأة (UN Women)، إذ وصل في العام 2018 إلى 134 مليون كورونة سويدية (ما يتجاوز الـ15 مليون دولار)، وقدمت دعمًا للبنك الدولي لدراسة ومتابعة التشريعات التمييزية ضد النساء في 173 دولة.

الإزدواجية: بيد ندعم بناء السلام وبيد أخرى نصدر الأسلحة للحكومات القمعية

تولي السياسة الخارجية النسوية لدولة السويد اهتمامًا خاصًا للعمل من أجل السلام والتنمية المستدامين، وتوضح بجلاء أن أحد أهدافها الرئيسة هو ضمان تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم (1325) بشأن المرأة والسلام والأمن، الصادر في الـ31 من أكتوبر في العام 2000، والذي يشدد على أهمية مشاركة المرأة على قدم المساواة وبشكل كامل كعنصر فاعل في إحلال السلام والأمن، وهو قرار مُلزم للأمم المتحدة وجميع الدول الأعضاء، ويشجع هذه الدول على إعداد خطط عمل وطنية لتفعيله على المستوى الوطني.

وفي هذا السياق، ركزت السويد في خطة العمل الوطنية الخاصة بالمرأة والسلام والأمن على 12 دولة، من بينها سوريا، ومالي، وكولومبيا، وساهمت في تعزيز مشاركة النساء في محادثات السلام وبحث الأمن في هذه الدول، وشكّلت شبكة من وسطاء السلام النساء، بغية زيادة تأثير المرأة في عمليات السلام، ودعمت بناء شبكات مماثلة في أفريقيا، ومنطقة حوض البحر المتوسط، والشرق الأوسط.

وبينما تقوم السويد بذلك زاعمةً حرصها على تحقيق السلام في العالم، تظل محتفظة بمكانتها بين الدول العشر الأكثر تصديرًا للأسلحة، وتستمر في تصديرها إلى الدول التي تمارس القمع بحق مواطنيها، وتشارك في خلق النزاعات والحروب في دول أخرى مثل اليمن وسوريا.

ورغم الهجوم الذي تواجهه بشكل متواصل، ترفض السويد إيقاف تصدير السلاح إلى هذه الدول وعلى رأسها السعودية والإمارات، وهو ما يثير تساؤلات بشأن إزدواجية المعايير، خاصةً في ظل إصرارها على أن تمضي في الطريقين معًا رغم تعارضهما.

قد تكون وجهًا آخر للاستعمار الجديد

يلاحق السياسة الخارجية النسوية للسويد، اتهام بأنها أداة من أدوات «الاستعمارية الجديدة»، التي تسعى من خلالها إلى السيطرة على الدول النامية وتحديد أولوياتها. ولذلك منطقيته، إذ أن كل خطوة تقوم بها السويد تحت مظلة الدفاع عن حقوق النساء والسعي إلى تحقيق المساواة بين الجنسين، سواء من خلال زيادة حجم المساعدات المالية أو تكثيف برامج التنمية، تمهد الطريق أمام توجيه هذه الدول والتدخل في تعيين أجندتها، خاصة أن السويد بناءً على بنود هذه السياسة هي من يحدد أي مجال يستحق الدعم في كل دولة.

وتقول مايا لي نيلوند في بحثها، الذي نشرته جامعة أوبسالا السويدية، تحت عنوان «سياسة خارجية نسوية بالكامل؟ .. تحليل نسوي ما بعد الكولونيالية (الاستعمار) للسياسة الخارجية للسويدية»، إن خطاب السياسة الخارجية النسوية يعيد إنتاج وبناء صورة ذاتية متفوقة للسويد، ويرى دول الشمال على قدم المساواة، بينما يتخذ موقفًا أبويًا تجاه دول أخرى.

وترى نيلوند أن الخطاب المرتبط بهذه السياسة يفترض ويعيد بناء التصور النمطي عن «نساء العالم الثالث» بأنهن مقهورات، على عكس «النساء الغربيات» المتحررات، والمستقلات، والعصريات.

كندا: سياسة تتعهد بــ «مساعدة» نساء «العالم النامي»

أعلنت كندا في يونيو من العام 2017، عن «سياسة المساعدة الدولية النسوية – Feminist International Assistance Policy» وبحسب الحكومة الكندية، فإن هذه السياسة تسعى إلى القضاء على الفقر وبناء عالم أكثر سلامًا وشمولًا وازدهارًا، وقد وضعتها انطلاقًا من قناعة بأن تعزيز المساواة بين الجنسين وتمكين النساء والفتيات هو النهج الأكثر فعالية لتحقيق هذا الهدف.

وتحدد سياسة المساعدة الدولية النسوية لدولة كندا خمسة محاور أساسية، إلى جانب المحور الرئيس المتعلق بالمساواة بين الجنسين وتمكين النساء، وهي: الكرامة الإنسانية (الصحة والتغذية والتعليم والعمل الإنساني)، ونمو يصلح للجميع، البيئة والعمل المناخي، والحوكمة الشاملة، والسلام والأمن.

في السياسة الخارجية النسوية للسويد، بدى واضحًا حرص وزارة الخارجية السويدية على تقديمها باعتبارها امتدادًا لسياستها الداخلية، وعلى الربط بين إنجازات الدولة فيما يتعلق بدعم وتمكين النساء محليًا، وتطلعاتها إلى توسيع حدود إنجازاتها في هذا المجال لتصبح دولية. أما سياسة المساعدة الدولية النسوية لكندا، تنشغل بشكل أكبر بإبراز حرصها كــ «دولة قائدة في العالم» على مساعدة «الدول النامية» ودعم النساء المهمشات والأشد احتياجًا في هذه الدول.

ولكن تشترك السياستان في النزعة الاستعلائية التي تظهر في الخطاب المرتبط بهما، إذ قالت وزيرة الخارجية الكندية كريستينا أليكساندرا في إعلانها عن سياسة المساعدة الجديدة «نحن ككنديين، لدينا فرصة عظيمة لمساعدة شعوب العالم النامي على الانضمام إلى الطبقة الوسطى العالمية، والنظام متعدد الأطراف الذي يدعمها»، وعلى النسق ذاته، قالت وزيرة التنمية الدولية الكندية ماري كلود بيبو «لقد منحني رئيس الوزراء التفويض بإعادة تركيز المساعدة الدولية لكندا على مساعدة الأشد فقرًا وضعفًا ودعم الدول الهشة.»

وتقدم الحكومة الكندية سياسة المساعدة الدولية، عبر موقعها الإلكتروني الرسمي بجملة تقول: سياستنا النسوية الجديدة لمساعدة الأشد فقرًا وضعفًا، ولدعم الدول الهشة.

فضلًا عن ذلك، يتكرر في الوثيقة الخاصة بالسياسة وصف «الأفقر» لنحو 20 مرة،  متبوعًا بكلمات مثل: الشعوب، الدول، المواطنون، المجتمعات، السكان، الفتيات.

بعد إعلان كندا عن هذه السيـاسة، كشفت كل من المكسيك وفرنسا ولوكسمبورغ، عن إعدادها لسياسات خارجية نسوية، ثم أطلقت فرنســا في العام 2018 استراتيجيتها الدولية بشأن المساواة بين الجنسين، التي تختص بالمساعدات الدولية وبعض الجوانب الدبلوماسية، وانضمت المكسيك إلى القائمة في يناير الماضي، بعد أن اعتمدت رسميًا سياسة خارجية نسوية.

المكسيك: سياسة خارجية نسوية في دولة تعاني من ارتفاع «العنف ضد النساء»

أضحت المكسيك أول دولة من دول الجنوب تتبنى سياسة خارجية نسوية، وهي أول سياسة من هذا النوع تصيغ بنودها وزارة خارجية يتولى شؤونها رجل وهو الوزير مارسيلو إيبرارد، وكما ذكرنا سلفًا فإن السياسة الخارجية تتأثر بعدد من العوامل، كالموقع الجغرافي، والمكانة الدولية، والوضع الاقتصادي والعسكري للدولة، وفعاليتها الإقليمية والدولية، والعقيدة المهيمنة على صانعي القرار، وإذا كانت السياسة تنطلق من منظور نسوي، فإن وضع النساء في الدولة يؤثر أيضًا.

تختلف أوضاع النساء المكسيكيات عن نظيراتهن السويديات والكنديات، لأن المكسيك بلد ترتفع فيه معدلات العنف ضد المرأة، ويتلقى دعمًا من المؤسسات والمنظمات الدولية، سواء عبر حزم مالية مباشرة أو مشروعات إنمائية، وكانت الحكومة المكسيكية قد أعلنت في مايو من العام 2019، عن برنامج مشترك للاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة للقضاء على العنف ضد المرأة بقيمة 7 مليون يورو.

وبحسب أرقام أممية، تحل المكسيك ثانية بين الدول الأكثر خطورة على النساء في أمريكا اللاتينية بعد البرازيل، بسبب العدد المرتفع لجرائم قتل النساء، وكانت بيانات حكومية قد كشفت أن 987 امرأة وفتاة قد قتلن خلال الأشهر الأربعة الأولى من العام الجاري (العام 2020)، كما أظهرت دراسة سابقة صادرة عن المركز الوطني للإحصاء والجغرافيا والمركز القومي للنساء، أن 63 من كل 100 امرأة في المسكيك تعرضن للعنف سواء على يد الشريك الحميم أو شخص آخر، ويزيد العنف ضد النساء اللاتي لهن شركاء سواء حاليين أو سابقين، إذ تصل نسبة الناجيات من العنف بين هذه الفئة إلى 47 في المئة، وأوضحت بيانات لهيئة الأمم المتحدة للمرأة أن تسع من كل عشر نساء تعرضن للعنف في وسائل المواصلات العامة في المكسيك.

كما يأتي إعلان الحكومة المكسيكية اعتماد سياسة خارجية نسوية لا تهمل الوضع الداخلي، بعد عام شهد تعبئة نسوية واسعة، واحتجاجات مستمرة ضد تصاعد جرائم العنف الجنسي.

هذا الواقع يلقي بظلاله على خطاب السياسة الخارجية الجديدة، الذي يؤكد أهمية تعزيز المبادئ النسوية على أجندة عمل الدولة خارجيًا وداخليًا على حد سواء، وعلى الصعيد الخارجي، بنيت السياسة على عدد من الركائز وهي: تعميم حقوق الإنسان والمنظور الجنساني والتقاطع في كل مجالات السياسة الخارجية، بما في ذلك المعاهدات والاتفاقيات والقرارات والترشيحات وتكوين الوفود، وأن تعمل وزارة الخارجية من أجل تحقيق المساواة بين الجنسين، وأن تكون وزارة الخارجية خالية من العنف وآمنة للجميع، وأن تحقق الوزارة المساواة الواضحة بين الجنسين داخلها، فضلًا عن دمج المبادئ النسوية في جميع مجالات عمل الوزارة وفي كل محور من محاور السياسة الخارجية المكسيكية، ليصبح –على سبيل المثال – الترويج الثقافي للبلد يعترف بمساهمات النساء، وتغدو حملات الترويج السياحي مراعيةً للنوع الاجتماعي، ولا تستغل النساء بشكل سلبي في الدعاية الإعلانية.

واستجابةً للحاجة إلى تنفيذ مبادئ السياسة الخارجية على المستوى المحلي لتحقيق التوازن والتكامل، تم تصميم الخطة الوطنية للمساواة بين الرجال والنساء 2019-2024، وإطلاق البرنامج الوطني للقضاء على العنف ضد المرأة 2019-2024، والإعلان عن حزمة من الإجراءات تدفع باتجاه المناصفة بين الجنسين في الحكومة.

علاوة على ذلك، تشمل أهداف السياسة الخارجية للمكسيك النهوض بوضع المثليات والمثليين، والعابرات والعابرين جنسيًا، ومزدوجي الجنس في الداخل، كما تخصص بنودًا للهجرة والتجارة، مؤكدة التزامها بدمج النوع الاجتماعي في تعاطيها مع هذه القضايا.

صحيح أن تبني المكسيك لهذه السياسة يكسـر الاعتقاد الشائع بأن الأدوات الدولية التي تدمج مفاهيم النوع الاجتماعي، هي استحقاق للدول الغنية والمتقدمة، ومن المفترض أن تكون هذه الخطوة محفزًا لدول أخرى في الجنوب لاستحداث سياسات داخلية وخارجية نسويــة، إلا أن هذا يقابله تخوّف من إزدواجية المعايير، وتوجس من أن تكون هذه السياسة مجرد وسيلة تستغلها الدولة للزعم بأنها تنتصر إلى النساء، وفي حقيقة الأمر هي لا تنحاز إليهن إلا على أوراق تحمل عناوين براقة.