هي إجابتنا عن سؤال الحرية، وعن سؤال الثورة، وعن السؤال المجهول، وهي الإجابة عن كل سؤال يتعلق بحقوق المرأة في الوطن العربي، فكيف أصبحت «تونس» الإجابة الدائمة؟

تونس هي النموذج الأبهى في الاعتراف القانوني بحقوق نسائها لأكثر من 60 سنة، بعد أن صدرت مجلة الأحوال الشخصية في أغسطس من العام 1956، التي نصت على مساواة تامة بين المرأة والرجل وحظرت تعدد الزوجات، وحددت السن الأدنى لزواج الفتاة بـ17 سنةً (عدل في عام 2007 ليصبح 18سنةً)، لتظفر المرأة التونسية بوضع لا نظير له عربيًا حتى الاَن.

اختير تاريخ صدور مجلة الأحوال الشخصية الموافق 13 أغسطس، ليكون عيدًا وطنيًا للمرأة التونسية

في تونس، لا يقع الطلاق إلا لدى المحكمة، ويعاقب بالسجن لمدة سنة وبغرامة مالية، كل رجل تزوج ثانية وزواجه الأول قائم، فيما تبقى هذه الأمور في طور الخيال في مصر، على الرغم من أنها مطالب رفعتها الحركة النسائية قبل أكثر من 100 سنةً، عندما أعلنت “ملك حفني ناصف” في اجتماع لحزب الأمة، الذي كان بين مؤسسيه المفكر “أحمد لطفي السيد” المناصر لتحرير المرأة، عن عريضة تشتمل على عشرة مطالب، من بينها ألا يتم الطلاق أو الزواج إلا أمام القاضي في المحكمة، بغية تقييد فوضى تعدد الزوجات، إلا أن المطالب قوبلت بالرفض التام عندما وصلت إلى البرلمان حينذاك.

ثم أرسل الاتحاد النسائي بقيادة هدى شعراوي إلى رئيسا مجلس الشيوخ والنواب في عام 1924، كتيبًا يضم عددًا من المطالب من بينها هذين المطلبين، ولم يُلتَفت إليها، وفي الخمسينيات، رفع إتحاد بنت النيل بقيادة درية شفيق المطالب نفسها ولم تتحقق أيضًا. وحتى يومنا هذا، ما زال النضال مستمرًا، وكلما لاحت في الأفق بوادر أمل، أحبطتها الرجعية، فيما تتمتع التونسيات بهذه الحقوق العادلة منذ عام 1956.

https://youtu.be/wC3I4DHGrgw

بعد الثورة: خارج تونس.. يقاومن الارتداد إلى الخلف

وداخلها يتقدمن إلى الأمام

وعلى عكس بقية الدول التي اندلعت فيها الثورات العربية، عززت المرأة في تونس مكاسبها بعد ثورة الياسمين (ثورة 17 ديسمبر 2010)، فقد حصدت النساء 59 مقعدًا من أصل 217 في المجلس التأسيسي المنتخب في أكتوبر من العام 2011، هو تمثيل يُقدر بــ27,2 في المئة.

وفي الانتخابات التشريعية التونسية التي انعقدت في أكتوبر من العام 2014، بلغت نسبة النساء المسجلات أكثر من 50 في المئة، فيما وصلت نسبة المترشحات إلى 47 في المئة، 12 منهن ترأسن قوائم انتخابية، وفازت منهن 68 مرشحة من أصل 217، لتصبح نسبة تمثيل المرأة 31 في المئة، أما السباق الرئاسي، فقد شهد مشاركة امرأة واحدة فقط وهي القاضية كلثوم كنو.

في المقابل، بلغت نسبة تمثيل المرأة المصرية في أول مجلس شعب (النواب حاليًا) منتخب في أعقاب ثورة الخامس والعشرين من يناير، 2,2 في المئة، وفي مجلس الشورى (ألغاه الدستور الحالي) بلغت النسبة  2,7 في المئة، كما استُبعِدت المرأة المصرية في تشكيل أول لجنة لتعديل دستور 1971، في شهر مارس من العام 2011، ولم تتمكن من المشاركة رسميًا في الانتخابات الرئاسية التي انعقدت في منتصف عام 2012، وتنافس فيها 13 مرشحًا.

عاشت المصريات بعد ثورة يناير فترة عصيبة، وطالتهن انتهاكات غير مسبوقة خاصة على الصعيد الميداني، فانحصر الاهتمام في التصدي للإرهاب الجنسي الممنهج ومحاولات نتحيتها عن المجال العام، بينما كانت تونس تخطو خطوات واسعة في طريق القضاء على العنف والتمييز ضد نسائها، ومن بينها، ما جاء في الدستور الذي صدر في يناير من العام 2014، ونص في الفصل رقم 46 منه على التزام الدولة بحماية الحقوق المكتسبة للمرأة، والعمل على دعمها وتطويرها، وضمانها لتحقيق تكافؤ الفرص بين الرجل والمرأة في تحمل مختلف المسؤوليات وفي جميع المجالات، والأهم هو تعهدها بالسعي لتحقيق المناصفة بين النساء والرجال في المجالس المنتخبة، لتضع تونس نفسها بين قليل من دول منطقة الشرق الأوسط، التي تلتزم باتخاذ ما يلزم من إجراءات لتحقيق هذا الأمر.

أيضـــــــــــــــــــــــــــــًا.. الإجابة تونس.. نسخة الرئاسيات التونسية بتوقيع امرأة واحدة ومصر مرتين بلا مرور نسائي

وفي إبريل من العام  2014، سحبت الحكومة التونسية بشكل رسمي تحفظاتها على “اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة” المعروفة باسم “سيداو”، التي صادقت عليها في عام 1985،  إبان فترة حكم الحبيب بورقيبة.

بسحب التحفظ، أضحت تونس ملتزمة بنصوص الفقرة الرابعة من المادة 15، والفقرة الثانية من المادة 9، والفقرات ج، و، د، ز، ح من المادة 16، والفقرة الأولى من المادة 29 في الاتفاقية.

وتنص الفقرة الرابعة من المادة 15 على “تمنح الدول الأطراف الرجل والمرأة نفس الحقوق فيما يتعلق بالقانون المتصل بحركة الأشخاص وحرية اختيار محل سكناهم وإقامتهم”، والفقرة الثانية من المادة 9، تنص على “تمنح الدول الأطراف المرأة حقًا مساويًا لحق الرجل فيما يتعلق بجنسية أطفالها.”

أما المادة 16، فهي المتعلقة باتخاذ الدول جميع التدابير للقضاء على التمييز ضد المرأة في جميع الأمور المتعلقة بالزواج والعلاقات الأسرية.

وتختص الفقرة الأولى من المادة 29، بالتحكيم بشأن أي خلاف ينشأ بين دولتين أو أكثر من الدول الأطراف فيما يتعلق بتفسير أو تطبيق الاتفاقية.

وعلى إثر هذا القرار، عاد إلى طاولة النقاش التونسية مسألة المساواة في الميراث، التي لم تتوقف جمعيات ومجموعات نسوية عن المناداة بها منذ سنوات، لكن هذه المرة ارتفع منسوب التفاؤل، خاصة أن المطلب يستجيب لمبدأ المساواة بين الرجل والمرأة الذي يقره الدستور، وأقدم نائب عن الكتلة الديمقراطية الاجتماعية يدعى “مهدي بن غربية” في مايو من العام 2016، على الإعلان عن مبادرة لتعديل قانون الإرث، ساعيًا إلى جمع توقيعات بغرض وضع مشروع قانون يتيح المساواة في الإرث، إلا أن عدد النواب الذين وقعوا بلغ 27 فقط، وكان للتيار الإسلامي دور كبير في تجميد هذه المبادرة وإخماد الحراك الذي أحاط بها.

وإن كانت تونس تعسرت في تحقيق المساواة في الميراث بين الرجل والمرأة، إلا أن طرح الفكرة على هذا النحو من الجدية وانفتاح المجتمع على التحاور بشأنها، يعد أمرًا متقدمًا، بالنظر إلى التطلع بفارغ الصبر في مصر إلى صدور تشريع يعالج أزمة حرمان المرأة من الميراث المنتشرة في الصعيد.

خطوة أخرى من تلك التي اتخذتها الدولة التونسية في إطار القضاء على التمييز ضد المرأة جاءت في نوفمبر من العام 2015، عندما صادق البرلمان على تشريع يسمح للمرأة بالسفر مع أبنائها القصر دون الحاجة إلى تصريح من والدهم.

التقدم الأكبر تحقق مع مصادقة البرلمان التونسي يوم الأربعاء الماضي الموافق 26 يوليو، على مشروع قانون يجرم مختلف أشكال العنف ضد المرأة، وقد أقره بإجماع النواب الحاضرين وعددهم 146 نائبة ونائب من أصل 217.

خطوة مفصلية: تضييق الخناق على العنف الأسري.. وأزمة “الميراث” مستمرة

كان الاتحاد التونسي للمرأة قد بدأ قبل أسابيع، حملة لمناصرة القانون ضمن برنامج مشترك مع وزارة المرأة والأسرة، وبدعم من صندوق الأمم المتحدة للسكان والاتحاد الأوروبي، وانطلقت الحملة في محافظات؛ تونس وصفاقس ومدنين والقيروان وقفصة وجندوبة.

وينص القانون على أحكام جنائية جديدة ويزيد العقوبات المفروضة على مختلف أشكال العنف خاصة داخل الأسرة، ويغرم أصحاب الأعمال الذين يمارسون تمييزًا متعمدًا ضد النساء في الأجور.

ويتضمن عقوبات بالسجن تصل إلى 20 سنة في بعض الحالات، وينص على توفير مساعدات قضائية ونفسية للناجيات من العنف، ويفرض برامج محددة من أجل إدماج مبادئ القوانين الإنسانية والمساواة بين الجنسين في المناهج التعليمية، فضلًا عن تشديد القانون على أن إسقاط الدعوى من قبل الناجية لا يوقف متابعة الإجراءات القضائية وإقرار العقوبات ضد المعتدي، وعلى الرغم مما يضمنه القانون في إطار حماية النساء من العنف، ودعم الناجيات منه، إلا أنه أغفل تمامًا مسألة المساواة في الإرث بين الرجال والنساء.

المقعد الأول يبقى في جعبة “المزيانة”

القانون الذي سيدخل حيز التنفيذ بعد ستة أشهر من نشره في الجريدة الرسمية، يحفظ لتونس ريادتها في مجال حقوق المرأة على الصعيد العربي.

وفي هذه الأثناء، تشهد مصر حراكًا محدودًا بشأن مشروع قانون أعده المجلس القومي للمرأة لحماية النساء من جميع أشكال العنف، ولم يُحدد بعد موعد مناقشته تحت قبة البرلمان.