بعد إجراء الانتخابات التشريعية التونسية نهاية الشهر الماضى والتى أسفرت عن فوز الجبهة العلمانية متمثلة فى كتلة “نداء تونس” بقيادة الباجى قائد السبسي، تنتظر تونس الخضراء نهاية الشهر الجارى وتحديدًا يوم ال 23 إجراء الانتخابات الرئاسية الأولى بعد الثورة التونسية فى 2011 باعتبارها اَخر خطوة فى مرحلة الإنتقال الديمقراطي.

وتشمل المرحلة الأولى 27 مرشحًا بينهم امرأة واحدة هى القاضية ” كلثوم كنو” التى تمكنت من تخطى العقبات الأولى للترشح بعد أن قامت ثلاث أخريات بإعلان ترشحن إلا أنهن لم يتمكن من إستيفاء الشروط اللازمة التى تتمثل فى تجميع تزكيات عشرة نوّاب من المجلس التأسيسي {مجلس تأسيسي متكون من 217 عضواً تم انتخابهم من قبل التونسيين فى أكتوبر 2011 وأوكل له وضع دستور ما بعد الثورة التونسية}

أو إمضاءات عشرة آلاف مواطن مع تقديم ضمان مالي يقدّر بعشرة آلاف دينار تونسي (ما يقارب الخمسة آلاف يورو) بالإضافة الى تجاوز عمر المرشح خمسة وثلاثين عامًا.

وكون هذه الانتخابات تأتى بعد أشهر قليلة من إجراء الانتخابات الرئاسية فى مصر، مما يفرض علينا المقارنة بين هذى وتلك، وبرغم أن مصر أكثر عددًا و تنوعًا، وكانت المرأة المصرية خلال الثلاث سنوات الفائتة فى الصف الأول نالها ما نالها من تنكيل وترهيب ، إلا أن الانتخابات الرئاسية فى مصر مرت بلا توقيع أى امرأة عليها، بعد أن غابت المرأة عن السباق الرئاسي الأخير بعد الــ30 من يونيو وما سبقه فى أول إنتخابات رئاسية بعد ثورة الـ25 من يناير.

321582_199379463471701_100001989479265_436580_933894104_n

بثينة كامل .. ذكورية العقول منعتها مرتين من بلوغ الرئاسيات

فى كلا السباقيين الرئاسيين تصدت للمشهد الذكورى، المناضلة والإعلامية “بثينة كامل” إلا أن ذكورية العقول وقفت حائلاً دون تحقيق هدفها وهدف الكثير من النساء وللأسف العقل الذكورى لم يكن يملكه الرجال فقط بل نساء مثلهن أيضاً ولهذا السبب لم تتمكن “بثينة كامل” من جمع التوكيلات المطلوبة فى المرتين.

كامل أعلنت مرارًا أنها قررت دخول المعترك الرئاسي للتصدى للتهميش المتعمد ضد المرأة وعمليات الإزاحة من المشهد العام إلا أنه يبدو أن النساء المصريات أنفسهن كان العنصر الغالب بينهن لا يكترث بمثل هذا التجنى والظلم الواقع ضد المرأة بعد ما بذلته من الغالى والنفيس فى ثورة ال25 من يناير بكافة هباتها الثورية حتى ال30 من يونيو.

وللأسف لم تدعم السيدات و الفتيات وجود المرأة على الساحة فى كلا المرتين وحتى المنظمات النسوية لم تقف جميعها صفاً واحداً خلف بثينة كامل بالأخص فى الإنتخابات الرئاسية الاخيرة.

من أربع ينتوين الترشح إلى مرشحة واحدة فقط

شملت قائمة النساء اللواتى أعلن ترشحهن للرئاسة فى تونس أربعة سيدات هن “ليلى الهمامي” الخبيرة الاقتصادية وأستاذة الاقتصاد الدولي التى حازت إهتمام خاص منذ إعلان ترشحها لما تتمتع به من جمال شكلى ، بالإضافة الى “بدرة قعلول” أستاذة علم الإجتماع العسكري بالأكاديمية العسكرية، ورئيسة المركز الدولى للدارسات الاستراتيجية والأمنية والعسكرية، والتى قدمتها شاشات التلفزيون كمحللة وخبيرة استراتيجية في القضايا المتعلقة بالإرهاب ، و المرشحة الثالثة “آمنة منصور القروي” وهي رئيسة حزب الحركة الديمقراطية للإصلاح والبناء و التى تعمل منذ ثلاث سنوات في المجال السياسي.

kalthoum_kanou

بينما برز اسم “كلثوم كنو” بإعتبارها المرأة الوحيدة التى استطاعت الترشح لانتخابات الرئاسة التونسية بعد أن تمكنت من جمع 19 ألف تزكية فى أكثر من عشر دوائر، “كلثوم كنو” هى قاضية تبلغ من العمر 55 عاماً ويعرف عنها نضالها من أجل استقلال القضاء فى ظل حكم الرئيس السابق بن علي، ما جعلها على رأس لائحة “المغضوب عليهم” من قبل النظام البائد و هى من مؤسسي (الجمعية الشرعية للقضاة التونسيين) و تم انتخابها كرئيسة لها فى 29 أكتوبر 2013 و اعتبرها عدد كبير من التونسيين محاربة شرسة من أجل إستقلال السلطة القضائية كما أنها لم تغب عن الدفاع عن الحريات ومناهضة التعذيب سواء قبل الثورة أو بعدها.

“أتمنى أن أراكم قريباً بعد شهرين في قصر الرئاسة في ندوة صحفية أخرى لتهنئتي من جهة ولأقدم التفاصيل حول ما سأقوم به من جهة أخرى”
كلثوم كنو

يتخوف البعض من سيطرة المال السياسى والتحالفات و فكرة المرشح التوافقى مما قد يمثل عائق كبير أمام المرأة الوحيدة المرشحة للرئاسة وكما يعتقد البعض أن بلوغها مقعد الرئاسة درب من دروب الخيال و ترشحها ما هو إلا تمثيل مشرف لتواجد المرأة على الساحة السياسية ، هناك اَخرون يؤكدون أن كنو ستحصل على نسبة هامة من الأصوات حتى وإن لم تمر الى الدور الثاني من الانتخابات، وستجد الدعم من نساء تونس ومن القوى الليبيرالية التي تسعى أن تكون تونس سباقة في انتخاب امرأة على رأس السلطة.

فى حين ترى كنو نفسها أن المجتمع التونسي يتمتع بالانفتاح الذي يجعله يقبل بفكرة أن يكون منصب الرئاسة من نصيب امرأة مدللة بذلك على وصولها الى هذه المرحلة فى السباق الرئاسى.

الإجابة تونس

نبقى فى انتظار ما ستسفر عنه هذه الانتخابات التى يفصلنا عنها أيام قليلة و هل ستثبت المرأة وجودها ام ستكتفى بالتمثيل المشرف فقط – الذى حتى لم تنله المرأة المصرية -وفى النهاية يظل نجاح المرأة التونسية فى حجز مقعد لها بين مرشحى الانتخابات الرئاسية حتى ولو بمقعد واحد خطوة هامة لم تتمكن المرأة المصرية من تحقيقها لأسباب تتعلق بالثقافة المجتمعية فى المقام الأول.

“أفضل شيء نبلغه اليوم للعالم هو وجود امرأة عربية مسلمة على رأس الجمهورية”
كلثوم كنو

وصولها “كلثوم كنو” إلى هذه المرحلة يعد تقدماً ملحوظاً فى الحياة الديمقراطية فى تونس أملين أن تكون هذه الخطوة الأولى فى طريق وصول المرأة لكرسي الرئاسة فى أى بلد عربي و ربما تتحول الإجابة هذه المرة من “تونس” لمصر التى كانت أول بلد فى التاريخ البشرى تحكمه امرأة قبل حتى أن تتشكل الدول أو يعرف البشر معنى الدولة .