من خلال كتاباتها وأفكارها استطاعت أن تهزم المستحيل، ظلت تدافع عن المرأة ودورها الحى فى المجتمع إلى أن وافتها المنية، وقفت في وجه كل ألوان الجهل والتخلف ومعاداة المرأة.
كانت رمزًا من رموز الكتابة النسائية وعندما اعتبروا ذلك تهمة ردت قائلة “نعم انا امرأة و لا أخجل من ذلك ….والمرأة تكتب برومانسية مطلقة.”

أنثى علمت نفسها بنفسها دون مدارس أو أكاديميات حتى بغلت منزلة أرفع الكتاب،عن «فتحية العسال» نتحدث.

993

“التعليم حلمها” وستحققه حتى لو حرموها من المدرسة
ولدت الكاتبة فتحية العسال في 20 فبراير 1933 بين عائلة متوسطة الحال، تأثرت بالكثير من الأحداث في نشأتها والتي ساهمت في تكوين شخصيتها كرؤيتها لخيانة أبيها لأمها وحرمانها من التعليم، على الرغم من أن والدها أخرجها من المدرسة فى عمر العاشرة إلا أنها لم تتنازل عن حلمها وعلمت نفسها بنفسها، اشترت الكتب المدرسية، وتمرنت على كتابة الأحرف والقراءة.
وعندما رأى أبيها إصرارها خضع لها وصار يساعدها فى الاستذكار وعندما اتقنت القراءة والكتابة، بات يعطيها الصحيفة لتقرأ له أخبار هتلر والحرب.
ومع ظهور علامات الأنوثة عليها أجبرتها الأسرة على العيش في عزلة داخل المنزل فكان لها شقيق يدعى “حسني” كان  بمثابة الرقيب عليها، يتولى مسؤولية توجيهها كما يحلو له، حتى أنه فى أحد الأيام قص جزءًا من شعرها لوقوفها أمام نافذة المنزل كما عاقبها أيضًا على مشاركتها في مسيرات مناهضة للاستعمار الإنجليزي.
أول تجربة كتابة “أخطاء و نبش فراخ”
أول تجربة كتابة حقيقية لها كانت مع الخطابات الغرامية من خلال جواب أرسلته إلى حبيبها فى ذلك الوقت، الذي أضحى بعد ذلك زوجها، وعندما تحدثت “العسال” عن هذا الجواب قالت أنه كان مليئًا بالأخطاء ووصفته بــــ ” نبش فراخ”
بدأ مشوارها الفعلى عندما التقت بــ”جبران خليل جبران” الذي  كان له الفضل في تشكيل جزء كبير من أفكارها التنويرية.
فى المجتمع الذكورى.. الزواج الحل الأسهل للتخلص من عبـء الفتاة
كان الزواج في الـــ14 من عمرها، وهو مصيرها الذى قرره الأب العائل والمسؤول، تزوجت الصغيرة القاصر من الكاتب عبد الله الطوخي الذي كان أول من ساعدها في العلم والعمل، وعلى الرغم من زواجها في هذه السن الصغيرة إلا أنها كانت تحبه حبًا جمًا، وأنجبت منه ثلاثة أبناء وبنتًا واحدة وهي الممثلة “صفاء الطوخي”.

اعتُقِلَت هى وزوجها سويًا مرارًا، بسبب اَرائهما السياسية، وعلى الرغم من الحب والتوافق بينهما، إلا أنها فاجائته بطلب الطلاق عندما شعرت أنه يحاول تملكها والاستحواذ عليها وبدأ يحاول فرض اَرائه، حيث رأت أنه لا قيمة للحب طالما صاحبه يريده امتلاكًا وطُلِقت بالفعل ولكن حينما كانت تعلن عن سبب طلاقها كانت تدعى أنه “معاهدة كامب ديفيد” واختلاف رؤاهما بشأنها، ولم تفصح عن حقيقة السبب إلا بعد فترة ليست بالقليلة.

وكانت تجربة الطلاق فى حياتها محفزًا لخيالها، فكتبت كتابها بعنوان “هل أنا حرة أم أدعي الحرية؟ ” ولأن الصدفة أحيانًا تكون بألف ميعاد، حينما التقيا بعد ثلاث سنوات بالصدفة وخلال ساعتين من الحديث اكتشفا أن الحب لايزال موجدًا، وتزوجا مجددًا.

هى والسياسة أصدقاء ” منذ الطفولة” والسجن رفيقها فى كل العصور
انخرطت في الحياة الحزبية السرية وانضمت للحزب الشيوعي وكان “زكي مراد” مسؤولها الحزبي وكانت هى من طالب الرئيس “محمد نجيب” بالمساواة في المعاملة بين جميع المعتقلين وفي هذه الأثناء، تم القبض عليها في سجن المطرية لتقضي 14 يومًا بمفردها مع رضيعها كما سجنت على خلفية تظاهرها ضد الأحكام العرفية في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر 1954

كانت تعارض حكم “عبد الناصر” المتمثل في حكم  الفرد، ومع ذلك كانت تراه الزعيم الوطني الأوحد الذي حافظ على القومية العربية وعروبة مصر.
في عهد “السادات” دخلت المعتقل بسبب معارضتها السياسية ورفضها التطبيع الثقافي الذي حدث مع إسرائيل، وسجنت عام 1979 بعد أن شاركت في  مظاهرة ضد إسرائيل وأحرقت علمها، بعد أن خصص معرض الكتاب جناحًا لدولة الكيان الصهيوني، فأودعت سجن القناطر وهي التجربة التي تمخض عنها مسرحية “سجن النسا” التى تحولت مؤخرًا لمسلسل عرض في رمضان الماضى ونال إشادة جميع النقاد وغالبية من شاهدوه و اعتبره البعض أحد علامات الدراما العربية.
ومن المشاهد الراكزة فى ذاكرة الشباب تحديدًا، مشهد فى عامها الأخير عندما ظهرت وكأن السن لم يبعدها عن القوة والصحة، وشاركت في اعتصام المثقفين الشهير بوزارة الثقافة احتجاجًا على تعيين وزير الثقافة الأسبق “علاء عبد العزيز” المحسوب على جماعة الإخوان خلال فترة حكمهم لمصر.

981450790owek

ومن المعتقلات يخرج الإبداع
حياة “العسال” حافلة بكتابة الأعمال الدرامية والاهتمام بقضايا المرأة، كتبت أكثر من 65 مسلسلًا دراميًا للتليفزيون أكثرها كان إما يتحدث عن النساء أو يتوجه برسالة للنساء من بين هذه الأعمال: “هي  والمستحيل” وهو تسجيل واقعي لقصة حياتها مع التعليم والزواج، أيضًا قدمت “لحظة إختيار” و “حصاد الحب” و”لحظة صدق”، ومن أهم أعمالها”المرجيحة” أول عمل أدبي يعرض على خشبة المسرح لأديبة عربية، وكذلك قدمت مسرحية “بلا أقنعة” التى كانت سببًا فى اعتقالها، بعد أن أعلنت من خلالها رفضها ورفض قطاع عريض مثلها لكامب ديفيد.

“كنت أتردد كثيرًا في البوح حتى أمام نفسي، أخاف البوح عن إحساسي بالمهانة لما حدث في طفولتي و في مراهقتي بفعل التخلف الذي كان سائدا حينذاك ” .

كانت قيادية بارزة ورئيسة الاتحاد النسائي التقدمي لحزب التجمع و جبهة الدفاع عن حرية التعبير وحق المعرفة، تلك الجبهة التي أسستها مع الفنانة إسعاد يونس، حصلت على عضوية مجلس إدارة اتحاد كتاب مصر وعضوية مجلس إدارة اتحاد السينما المصرية، وكانت المبدعة الثانية بعد الراحل المسرحي السوري “سعد الله ونوس ” التي تلقى كلمة المسرح في يومه العالمي.

سجلت “العسال” سيرتها الذاتية بعنوان “حضن العمر” واتسمت هذه السيرة بالجرأة ومواجهة الذات والمجتمع بأخطائه.

قالت فيها “كنت أتردد كثيرًا في البوح حتى أمام نفسي، أخاف البوح عن إحساسي بالمهانة لما حدث في طفولتي وفي مراهقتي بفعل التخلف الذي كان سائدا حينذاك.”

وسكتت أم الأديبات عن الكلام
رحلت “أم الأديبات” فتحية العسال عن عالمنا هذا العام عن عمر يناهز 81 عامًا، قبل أن ترى النجاح المبهر الذي حققه المسلسل المأخوذ عن مسرحيتها “سجن النسا”.

صفاء الطوخى أمام قبر والدتها