هذه القصة لا يمكن لنا عنونتها بقصة نجاح، أو قصة فشل، هى قصة الظروف التى تأخذ منك حلمًا ونجاحًا كنت تتطلع إليه ولكن تعود وتحنو عليك وتحقق لك أملك فيما بعد.
قصة من قصص الحياة فيها من الدروس الكثير وفيها من القسوة ما يجعلنا نتوقف كثيرًا أمام ما اَلت إليه ظروفنا التى تفترش الطريق وتقف ضد طموحاتنا وتدهس أحلامنا إما لأننا ” إناث” أو “فقراء” أو “إناث فقيرات ”
قصتنا عن ابنة حارس عقار، طموحها أن تتعلم مثل بنات الحى الذى تعيش فيه، على الرغم من قدراتها التعليمية المحدودة وعدم وجود من يرعاها ويحفزها من أهلها إلا أن الحلم داخلها كان أقوى من كل ذلك، كانت تجلس على سلم العقار، تستذكر الدروس وهى تراقب من يصعد و من ينزل، من يدخل و من يخرج من العقار، حتى تمكنت من بلوغ مرحلة “الثانوي التجاري”، عند هذا الحد بدأت الأفكار التقليدية تراود عقل أهلها “حان وقت الزواج”.

فى هذا الوقت كانت تحتفظ بمشاعر تجاه ابن عمها الذى يعمل والده هو الاَخر حارس عقار مجاور لهم، تقدم الشاب لخطبتها، فسعدت بذلك وظنت خيرًا، ستتزوج ممن مال القلب إليه، وستستمر فى طريق التعليم الذى تنشده، لكن تأتى الرياح بما لا تشتهى السفن، ولظروف خارجة عن إرادتها تُفسَخ الخطبة، ومن ثم يتقدم لخطبتها ابن خالتها فيوافق والدها رغمًا عنها.
والأدهى أن ابن خالتها قرر ألا تستكمل تعليمها حتى تحصل على شهادة الدبلوم التجارى وتنسى فكرة دخول معهد لإتمام دراستها.
ضاعت الأحلام أمام عينيها، فذهبت إلى أمها تبكى تطلب منها ألا يوافقوا على تلك الزيجة، إلا أن والدتها لم ترد بالنقاش والتحاور بل استخدمت الضرب رداً، وكلما تفوهت الفتاة بكلمة فى هذا الشأن الذى يخصها ضربتها الأم يوميًا.

حاول الكثير من سكان العقار التحدث مع والديها ولكن الرفض كان أقوى من تأثير أى كلام، وفى خضم ذلك حصلت على الدبلوم وجاء مجموع درجاتها يسمح لها بدخول أكثر من معهد فاختارت معهد قريب من مكان سكنها وذهبت لتقديم أوراقها خفية، لتفاجأ بعد عودتها بتحطم حتى ما حاولت أن تبنيه سرًا، فقد حدد أهلها يوم عرسها من ذلك الشخص الذى لم تتحدث معه ولا تعرف عنه شيئًا.
أرغمت على الزواج على الرغم من محاولاتها المستميتة للخلاص من هذا المصير وبعد مرور عام على هذا الزواج، بدأ الضغط عليها من قبل أهل الزوج ومن والدتها مهددين إياها ومحذرين من أن تأخر إنجابها سيكون سببًا فى طلاقها.
أذعنت الفتاة لطلبهم وذهبت للكثير من الأطباء حتى حملت بالفعل، و مرة تلو الأخرى تحمل ولا يكتب للحمل الاستمرار، مما أدى إلى تدهور صحتها وضعف بنيانها حتى طلب الأطباء منها تأجيل الحمل لعام واحد على الأقل، حتى تتحسن صحتها إلا أن أهلها وأهل زوجها لم يعبئوا بهذا الكلام والنصح وظل همهم هو “العيل” حتى لا “تطلق ” أو “يتزوج عليها” وكأن دورها فى الحياة هو التكاثر لا غير.
وبالفعل رضخت لأمر المحيطين وحدث حمل وكان قاسيًا، تحملت فوق اَلامه اَلامًا بسبب ثلاث حقن تؤخذ يوميًا، من أجل تثبيت الجنين حتى رزقها الله بالطفل فى صحة جيدة.

وكأن الإنجاب فريضة ما مر سوى عامين، حتى طاردها شبح الإنجاب للمرة الثانية بسبب إصرار زوجها على ذلك رغم تدهور صحتها، حتى أن الطبيبة قالت لها نصًا “اطلقى أنتِ صحتك ضعيفة متستحملش حمل” ولكن الضغوط عليها كانت أكبر وحدث الحمل أكثر من مرة ولم يكتمل حتى اَخر مرة التى أراد الله أن يتمها بعد عناء واَلام و إرهاق ووهن.
الحياة بينها وبين زوجها كانت جرعة زائدة من الاَلم و المهانة لم يصبرها على احتمالها سوى ولديها الذين دون يدركا حققا لها حلمها القديم فى التعليم، فمع حرصها على تعليم ابنيها، كانت تذهب معهما لدروس التقوية الخاصة باللغة الإنجليزية تعلمت اللغة مثلهما وباتت تذهب للجيران والأصدقاء تسأل وتستفسر، تتعلم وتساعد طفلها.
كم أنهكتها الحياة لكن عادت وأعطتها الحلم بعد عناء صحيح لم يكن كما كانت تأمله لكن رأت منه جانبًا بعد أن تعلقت بحلمها حتى مع مرور الزمن وإنسداد كل دروب الأمل.
وكم من أخريات مثلها لا نراهن كثيرًا و لا نشعر بهن أو نمر عليهن مرور الكرام.