تصادف هذا الشهر الذكرى العشرين لبروتوكول مابوتو أو بروتوكول حقوق المرأة في أفريقيا، الذي تبناه الاتحاد الأفريقي كملحق إضافي للميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب الصادر قبل 42 عامًا.

وقّعت حتى الآن 52 دولة في أفريقيا على بروتوكول مابوتو، وصادقت عليه 41 دولة من من الدول الموقعة، إلا أن مصر ليست واحدة من هذه المجموعة أو تلك، نتيجة الموقف شديد التحفظ الذي اتخذته حكوماتها المتعاقبة إزاء البروتوكول، وهي اليوم واحدة بين ثلاث دول فقط من دول الاتحاد الأفريقي تمانع التوقيع والمصادقة عليه.

يعالج بروتوكول حقوق المرأة في أفريقيا قضية التمييز القائم على النوع الاجتماعي من خلال 32  مادة؛ تحدد بعضها مسؤولية الحكومات لمنع الجرائم الشائعة ضد الفتيات والنساء في القارة الأفريقية، وفي مقدمتها تشويه الأعضاء الجنسية الخارجية للإناث وتزويج القاصرات، بينما تتعرض مواد أخرى إلى دعم وتمكين النساء من المشاركة في الساحة السياسية، وتعزيز مساهمتهن في صناعة القرار، وحمايتهن في أوقات النزاع والحروب، وضمان حقوقهن الجنسية والإنجابية، بالإضافة إلى مواد تعين المسارات التي يجب أن تمضي فيها الحكومات لتتحقق المساواة بين الجنسين في الزواج والطلاق والإرث.

أصدرت العديد من الدول التي صادقت على البروتوكول، خلال العشرين عامًا الماضية، تشريعات وطنية ومحلية للوفاء بالالتزامات المنصوص عليها فيه، ومنها دولة بنين التي جددت قانون الأسرة في العام 2004، ليصبح سن الزواج القانوني محددًا بـ18 عامًا لكلا الجنسين، ويغدو تعدد الزوجات محظورًا في البلاد، ويتساوى الرجل والمرأة في حق الإرث.

غاية إنهاء العنف والتمييز الجندريين ضد المرأة التي كانت الدافع وراء إعداد وإصدار بروتوكول مابوتو، هي ذاتها التي تؤكد الدولة المصرية على سعيها للوصول إليها من خلال سياسات وخطط وطنية تسير في الاتجاه المؤدي إليها، مثل الاستراتيجية الوطنية لتمكين النساء التي أطلقتها الحكومة المصرية قبل ست سنوات، لتكون إطارًا يوجه جهودها من أجل إزالة مسببات التمييز الجندري في المجال الاقتصادي، وكذلك الاجتماعي والسياسي، وتحقيق المساواة بين الجنسين في كل هذه المجالات.

بناءً على هذا، تبدو الحكومة المصرية عازمةً على إدراك المقصد نفسه من بروتوكول مابوتو، مما يجعل تمسكها برفض التوقيع والمصادقة عليه شكلًا من أشكال التعنت غير المفهوم، ولكن بإمعان النظر في نصوص البروتوكول ومراجعة بعض المواقف المصرية تجاه صكوك دولية أخرى لها أغراض مماثلة، كالاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (CEDAW)، يتضح أن الممانعة تنبثق عن ثقافة اجتماعية أبوية تؤسس لجل المواقف السياسية الداخلية والخارجية فيما يتعلق باستقلالية النساء الشخصية والجسدية.

«ولماذا الحرص على المصادقة على بروتوكول مابوتو؟»

قد يتبادر هذا السؤال إلى أذهان من يجدون أن الأهم هو امتلاك الحكومات لأجندة تعترف بوجود التمييز القائم على النوع وتختص الأزمة ببرامج ومبادرات لمعالجتها، إلا أن المعهود من الحكومات لا سيما حكومات دول الجنوب العالمي، هو التأييد الشفوي لقضايا النوع الاجتماعي والمساواة الجندرية، والخطوات البطيئة والخجلة التي عادةً ما تكون مقيدةً بالأفكار الأبوية، وهذا ما يعطي أهميةً للصكوك الدولية والإقليمية التي تحدد معايير وأطر لتعزيز وحماية حقوق الإنسان، إذ أن التصديق عليها يضع على الحكومات التزامًا بتعديل التشريعات والسياسات الوطنية لتتوافق مع بنود هذه المواثيق.

تصف بعض الدول عند معارضتها لبعض الأحكام في صك ما أو رفضها لموضوعه من الأساس، بأنه محاولة من دول بعينها لفرض أجندتها على على بقية دول العالم، وتستخدم الحكومات هذا الرأي كمسوغ للإحجام عن الانضمام إلى المعاهدات الدولية والإقليمية أو التحفظ على بعض موادها، وهو ما صدر عن حكومات عديدة في سياق احتجاجها على مواد اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة كاملة أو بعضها، وبرز كذلك حين أرادت بعض الدول أن تسجل اعتراضها التام على مواد في قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة بشأن العنف الجنسي في أوقات السلم وتمكين الناجيات والناجين من اللجوء إلى القضاء وسبل الانتصاف والمساعدة، الذي تبنته الجمعية في سبتمبر من العام 2022.

الإجهاض الطوعي.. موضع الاعتراض الأكبـر

يعد بروتوكول مابوتو أول معاهدة أفريقية تعترف صراحة بالإجهاض كحق من حقوق الإنسان، خاصةً في ظروف الاغتصاب (الغرباء والأقارب)، أو تهديد حياة الأم والجنين، أو إذا كان استمرار الحمل سيؤثر سلبًا على صحة المرأة النفسية أو الجسدية.

ينص البروتوكول على حق المرأة في الإجهاض الطبي الآمن في مادته رقم (14) المختصة بالحقوق الجنسية والإنجابية، وتحدد الفقرة الثانية منها مسؤولية الحكومات فيما يتعلق بحماية الحقوق الإنجابية، بما في ذلك التصريح بالإجهاض الطبي في حالات الاعتداء الجنسي، والاغتصابات، وحينما يمثل الحمل خطرًا على الصحة العقلية والبدنية للمرأة أو يشكل تهديدًا على حياتها وحياة الجنين.

وتعتبر مصر هذا البند مانعًا أساسيًا من موانع التوقيع والمصادقة، ولطالما أعلنت الدولة المصرية تحفظها على تعرض صكوك دولية وإقليمية إلى الإجهاض الطوعي الآمن بوصفه حق من الحقوق الإنجابية التي يجب على الدول حمايتها، والأبرز في هذا الشأن هو التحفظ المصري على المادة رقم (16) في اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (CEDAW) التي صادقت عليها مصر في العام 1981، حيث تأتي الفقرة (هـ) من المادة ضمن أسباب التحفظ نظرًا لتأكيدها على أن الدول ينبغي عليها العمل على توفير المعلومات الكافية للنساء لممارسة حقوقهن الإنجابية، وتمكينهن من اتخاذ قراراتهن المتعلقة بالإنجاب بحرية ووعي، خاصةً ما يتصل بعدد الأطفال والفواصل الزمنية بينهم.

تثير هذه الفقرة تخوفًا لدى الحكومات المعارضة لإباحة الإجهاض الطوعي قانونيًا، ومن بينها الحكومة المصرية التي ازدادت تمسكًا بالتحفظ على المادة (16)، بعد أن استشهدت بها اللجنة المعنية برصد وتنفيذ الاتفاقية في توصيتها رقم (24)، لتطالب الدول الأطراف بإعطاء أولوية لمسألة الوقاية من الحمل غير المرغوب فيه، من خلال توفير وسائل منع الحمل، وتسهيل الوصول إليها، وتقديم خدمات التثقيف الجنسي، والعمل على خفض معدلات الوفاة بين الأمهات، بالإضافة إلى تعديل التشريعات التي تجرم الإجهاض وإلغاء توقيع عقوبات على النساء اللاتي يجهضن.

جدير بالذكر أن القانون المصري هو أحد أكثر القوانين تشددًا فيما يخص الإجهاض على مستوى العالم، وتحدد مواد القانون الجنائي الوطني، من المادة (260) إلى المادة (264)، عقوبات بالسجن ضد المرأة المُجهضة ومن يساعدها سواء كان طبيبًا أو غير ذلك. أما الاستثناء الوحيد الذي تسقط على خلفيته العقوبات هو أن يكون الإجهاض اضطراريًا في حالات الخطر على حيوات النساء.

الانضمام إلى المعاهدة غير مطروح.. والسبب: العقلية الفقهية الذكورية

تضع المادتان السادسة والسابعة من بروتوكول مابوتو إطارًا لتعاطي الدول تشريعيًا مع قضايا الزواج والانفصال والطلاق، إذ تشير المادة السادسة إلى وجوب تحديد سن الـ١٨ عامًا كسن أدنى للزواج، وتشجيع نظام الزواج الأحادي وتقييد تعدد الزوجات، وحماية حقوق المرأة داخل الأسرة وإرساء حقها في حماية مصالح أسرتها بالشراكة مع الرجل.

أما المادة السابعة فتحدد الخطوات اللازمة لضمان حصول الرجال والنساء على الحقوق ذاتها في حالتي الانفصال والطلاق، ومنها: سن تشريعات تنظم وقوع الطلاق وإبطال الزواج، وتقصره على صدور أمر قضائي، وتعطي كذلك المرأة المطلقة الحق في اقتسام الثروة والملكية المشتركة التي تكونت أثناء الزواج على نحو متساوٍ مع طليقها.

ينص الدستور المصري على أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيس للتشريع، ومن ثم ترفض المؤسسات الدينية الرسمية الرئيسة (الأزهر والإفتاء والأوقاف) القبول بالانضمام إلى أي معاهدة ترى أنها تحمل بين طياتها ما يتعارض مع الشريعة وفقًا للآراء الفقهية التي تتبناها هذه الجهات.

وقد وضع المشرع المصري قانون الأحوال الشخصية مستندًا إلى المذهب الحنفي، الذي يرى فقهاؤه أن المرأة لا تتساوى مع الرجل في الزواج والطلاق، ولذلك لا يحظر القانون تعدد الزوجات، ولا يعطي المرأة حق الطلاق لعلة الزواج الثاني، بينما يسمح للرجل بتطليق زوجته منفردًا ولو كان شفهيًا من دون توثيق، فضلًا عن أنه يثبت حق الولاية على الأطفال في التعليم والسفر والمال للآباء.

ومثلما ترفض مصر فحوى المادتين السادسة والسابعة في بروتوكول مابوتو، تتمسك بمعارضتها للجزء المماثل لهما في المادة رقم (16) باتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو)، وتشدد الحكومة على عدم وجود نية لرفع التحفظ على المادة أو إعادة النظر فيها حتى بعد مرور 42 عامًا من اتخاذ ذاك القرار.

علاوة على ما سبق، تأتي قضية المساواة بين الجنسين في الإرث كموضع اعتراض آخر بالنسبة لمتخذي القرار في مصر، حيث تتناول المادة رقم (٢١) من بروتوكول مابوتو دور الدول الأطراف في اتخاذ الإجراءات اللازمة لجعل المساواة في الميراث بين الجنسين القاعدة العامة، وهو ما تعدّه مؤسسة الأزهر مخالفة جسيمة لقاعدة «للذكر مثل حظ الأنثيين» التي ترفض المساس بها.

لا تبدو المؤسسات الدينية الرسمية الرئيسة في مصر متحمسةً إلى دعوات إعمال العقل والاجتهاد التحديثي، في التعامل مع قضية الميراث بما يحقق مصلحة النساء والمجتمع المعاصر، مع أنها لو فعلت لن يكون هذا سابقة لها، فقد انفتحت قبل ذلك تجاه التجديد الفقهي الذي أدى إلى إسدال الستار على أمور كانت تعد يومًا ما قواعد قاطعة ومنها أحكام الحدود.

من الصعب أن يتغير الموقف المصري تجاه بروتوكول مابوتو وغيره من القرارات أو الاتفاقيات والمعاهدات الدولية والإقليمية المشابهة، ما لم يعالج متخذو القرار التنافر وغياب التجانس بين ما تعلنه الدولة بشأن تكاتف مؤسساتها ودأبها من أجل إنهاء التمييز القائم على النوع ضد النساء من ناحية، والمرجعية التي ترتكن إليها في تشكيل مواقفها الداخلية والخارجية، وصياغة تشريعاتها، وإعداد سياساتها من ناحية أخرى.