حتى وقت قريب كانت النساء عنصرًا مهملًا في تجارب البحث العلمي، بينما كان – ولا يزال – الرجال هم العنصر الرئيس والأساسي، وطالما كان الجسد الذكوري في مجال البحث العلمي هو المجيب الوحيد عن أسئلة البحث، ففي الولايات المتحدة  التي تحل ضمن الدول العشر الأكثر إنتاجًا للأبحاث العلمية، لم تكن معاهد الصحة الوطنية (NIH) تشترط أن تكون النساء ضمن المشاركين في التجارب السريرية حتى العام 1993، أي أن التجارب كانت تستهدف الرجال بالأساس، وتخرج بنتائج غير شاملة، ومع ذلك يجري تعميمها على الجميع.

وتفسر دراسة صادرة في العام 2010 بعنوان «التحيز الجنسي في علم الأعصاب والبحوث الطبية الحيوية» الأسباب التي غالبًا ما تقف وراء استبعاد النساء من أبحاث الطب الحيوي، إذ تشير إلى وجود تخوّف شائع بين الباحثين بشأن إمكانية أن تزيد التقلبات الهرمونية الأنثوية من تعقيد نتائج الأبحاث.

هذه المخاوف لا تزال قائمة، ولكن بعد أن باتت مشاركة النساء أمرًا لا يمكن تجاهله، صار الباحثون يضعون أسئلة بحثية تتغافل عن العديد من الأمور المرتبطة بأجساد النساء، لا سيما فيما يتعلق بالصحة الجنسية والإنجابية، وهذا ما تبدى واضحًا في التجارب الخاصة باللقاحات المضادة لفيروس كورونا، فعلى سبيل المثال، لم يكن من بين  الأسئلة التي تجيب عنها المشاركات في مرحلة التجارب السريرية، أي سؤال صريح عن الآثار الجانبية للقاح على الدورة الشهرية.

لكن بعد انطلاق حملات التلقيح في العديد من دول العالم، وزيادة الحديث عن الأعراض الجانبية للقاحات، بدأت بعض النساء والفتيات يفصحن عن تغيرات طرأت على دورتهن الشهرية بعد تلقي الجرعة الأولى من اللقاح. وفي شهر يونيو الماضي، كشفت وكالة تنظيم الأدوية ومنتجات الرعاية الصحية في بريطانيا (MHRA)، عن تلقيها تقارير من3,958  امرأة معهظمهن في الفئة العمرية (30-49) عامًا، يفدن بأنهن قد عانين من مشاكل في الدورة الشهرية بعد تلقيهن أحد اللقاحات الثلاثة: استرازينيكا، وفايزر، وموديرنا. وقد تمحوّرت التغيرات التي أشرن إليها حول زيادة تدفق الدم أثناء فترة الحيض، أو تأخر الحيض عن موعده، أو حدوث نزيف مهبلي عقب تلقي اللقاح.

لكن الوكالة رأت أن عدد الشكاوى يعد قليلًا بالنسبة لعدد النساء اللاتي تلقين اللقاح حتى ذلك الوقت، وذكرت في تصريح لصحيفة «بيزنس إنسايدر- Business Insider» أن هذه التقارير  لا يمكن التعامل معها باعتبارها دليلًا يشير إلى زيادة خطر الإصابة باضطرابات الدورة الشهرية أو النزيف المهبلي غير المتوقع عقب تلقي اللقاح.

في المقابل، قالت جو ماونتفيلد نائبة رئيس الكلية الملكية لطب النساء والتوليد في لندن، في تصريحات لهيئة الإذاعة البريطانية (BBC)، إن التغيرات التي تطرأ على الدورة الشهرية عقب تلقي اللقاح قد تكون مقلقة، إلا أنها غالبًا ما تستمر لدورة أو دورتين فقط.

من ناحية أخرى، نشرت العديد من النساء والفتيات في الولايات المتحدة الأمريكية عبر حساباتهن على مواقع مثل فيسبوك وتويتر، تدوينات يشاركن من خلالها بتجاربهن مع التغيرات التي أصابت دورتهن الشهرية بعد أخذ اللقاح. وقد اجتذبت تغريدة نشرتها أكاديمية في جامعة إلينوي تدعى كيت كلانسي، على حسابها الشخصي على تويتر، ما يزيد عن ألف رد من نساء وفتيات عانين من مشاكل في دورتهن الشهرية عقب تلقي اللقاح.

بعد تلاحق شهادات النساء داخل الولايات المتحدة وخارجها، ومطالبة كثير منهن بإجراء بحوث في هذا الشأن وإعلان نتائجها بشفافية، كشفت معاهد الصحة الوطنية الأمريكية (NIH)، في الـ30 من أغسطس الماضي، عن توجيه  1.67 مليون دولار إلى خمس مؤسسات أكاديمية لدراسة الروابط المحتملة بين لقاحات فيروس كورونا ومشاكل الحيض، وهي جامعة بوسطن، ومدرسة طب هارفارد، وجامعة جونز هوبكينز البحثية، وجامعة ولاية ميشيغان، وجامعة أوريغون للصحة والعلوم، ومن المزمع أن تمتد فترة البحث لمدة عام كامل، وأن تُنشَر النتائج في نهاية العام 2022.

سيتعمق الباحثات والباحثون خلال العام المحدد للبحث، في دراسة ما إذا كان هناك رابط بين لقاحات فايزر وموديرنا وجونسون أند جونسون، وعدم انتظام الدورة الشهرية، أو طول فترة الحيض، أو شدة النزيف خلال الحيض، أو زيادة الألم المصاحب للحيض، أو النزيف خارج أيام الحيض. وسيجري الباحثات والباحثون نوعين من التحليل، الأول يقارن بين وضع الدورة الشهرية لدى النساء اللاتي حصلن على اللقاح والنساء اللاتي لم يحصلن عليه، والثاني يقارن بين الدورة الشهرية لدى النساء قبل وبعد تلقي اللقاح.

من جانبها قالت ديانا بيانكي مديرة المعهد الوطني لصحة الطفل والتنمية البشرية، أحد الجهات الممولة للبحث، «إن هذه الدراسات العلمية الدقيقة ستعمل على تحسين فهم التأثيرات المحتملة للقاحات المضادة لفيروس كورونا على الدورة الشهرية، وستعطي النساء في سن الحيض مزيدًا من المعلومات حول ما يمكن توقعه بعد التطعيم، ويُحتمَل أن يقلل ذلك من التردد بشأن تلقي اللقاح.»

جدير بالذكر أنه قد سبق أن تناولت دراسة علمية منشورة بمجلة «الطب الحيوي الإنجابي على الإنترنت – Reproductive BioMedicine Online» العلاقة بين اضطرابات الدورة الشهرية والإصابة بفيروس كورونا، إذ تشير الدراسة الصادرة في يناير الماضي بعنوان «تحليل الهرمونات الجنسية والحيض لدى النساء المصابات بفيروس كورونا المستجد في سن الإنجاب»، إلى أن 28 في المئة من النساء اللاتي أصبن بفيروس كورونا عانين من تغيرات في دورتهن الشهرية، و25 في المئة واجهن تغيرات في كمية الحيض.