يظل مطلب منع تعدد الزوجات في مصر صعب المنال، رغم أن النضال من أجل تحقيقه أو على الأقل تحقيق التقييد بدأ مع تَفتُّق الحركة النسوية المصرية؛ فقد انشغلت به رائدات الحركة النسوية المبكرة في نهاية القرن التاسع عشر، والمنع بالقانون كان من المطالب ذات الأولوية بالنسبة للموجة النسوية الأولى التي تبلور خطابها ونشاطها بعد ثورة العام 1919، ثم استمر الضغط من أجل صياغة هذا التشريع إلى أن تم التقييد في نهاية السبعينيات. لكن ذلك لم يدم سوى لسنوات معدودة، إذ عاد سريعًا الامتياز الذكوري إلى أصحابه وعادت النساء إلى المربع صفر. ورغم ذلك، تواصل النضال ولم تفقد المقاومة قوتها واستمرت المواجهة الشاقة مع المتشبثين بهذه الممارسة.

وبعد إعلان مجلس النواب الحالي اقترابه من مناقشة مشروع قانون الأحوال الشخصية الجديد، تزيد التطلعات إلى أن يكلل العام 2020 هذا النضال الطويل بتقييد لتعدد الزوجات في القانون المزمع صدوره في غضون شهور.

وفي ضوء ذلك، ننظر إلى محطات بارزة في طريق البحث عن حل جذري لاستباحة تعدد الزوجات في مصر:

1901

نشرت مجلة المنار، وهي مجلة إسلامية أسسها الشيخ رشيد رضا وبدأ صدورها في العام 1898، فتوى للإمام محمد عبده، مفتي الديار المصرية الأسبق، بشأن تعدد زوجات. وقد أفتى حينها بجواز منعه على يد الحاكم لاستحالة تحقق شرط العدل بين الزوجات، ولما يسببه من مشاكل داخل الأسرة، وجاء في جزء من فتواه «لأن شرط التعدد هو التحقق من العدل، وهذا الشرط مفقود حتمًا، فإن وجد في واحد من المليون، فلا يصح أن يتخذ قاعدة. ومتى غلب الفساد على النفوس، وصار من المرجح ألا يعدل الرجال في زوجاتهم؛ جاز للحاكم، أو للعالم أن يمنع التعدد مطلقًا مراعاةً للأغلب. وثانيًا قد غلب سوء معاملة الرجال لزوجاتهم عند التعدد، وحرمانهن من حقوقهن في النفقة، والراحة، ولهذا يجوز للحاكم، وللقائم على الشرع أن يمنع التعدد دفعًا للفساد الغالب.»

1910

صدر كتاب «النسائيات» الذي يجمع 24 مقالًا للأديبة ملك حفني ناصف، إحدى رائدات الحركة النسوية المبكرة، وقد حمل في طياته مقالًا تنتقد فيه تعدد الزوجات، إذ كتبت قائلة «الإكثار من الزواج داء إذا تأصل صعب استئصاله.»

وتابعت «تعدد الزوجات مفسدة للرجل، مفسدة للصحة، مفسدة للمال، مفسدة للأخلاق، مفسدة للأولاد، مفسدة لقلوب النساء. والعاقل من تمكن من اكتساب قلوب الغير، فكيف بقلوب الأهل والعشراء؟»

1911

قدمت ملك حفني ناصف عشرة اقتراحات إلى المؤتمر الإسلامي المصري، الذي انعقد في مدينة القاهرة، بهدف النهوض بوضع المرأة المصرية. وكان الاقتراح الثامن بينها هو «السعي في تقليل تعدد الزوجات لغير داع ماس بقدر الاستطاعة، فإن شقاق النساء واختلاف الأخوة الناشئين من هذه العادة، وما يتبع ذلك من الشقاق، كل ذلك يدهور الأمة في مهاوي الفناء الأدبي.»

1923

في شهر مارس، تأسس الاتحاد النسائي المصري على يد هدى شعراوي، وبعضوية 11 سيدة إلى جانبها، وقد نص في البند الرابع من برنامجه على «الاجتهاد في إصلاح بعض طرق تطبيق القوانين الخاصة بالزواج التي يستمد تفسيرها من روح القرآن، ووقاية المرأة بهذه الطريقة من الظلم الذي يقع عليها من تعدد الزوجات الذي لا مبرر له،…..»

1924

أصدرت لجنة الوفد المركزية للسيدات بالتعاون مع الاتحاد النسائي المصري كتيبًا يتضمن مجموعة من المطالب، وقاما بتوجيهه إلى مجلس الشيوخ ومجلس النواب والصحافة. وكان مقسمًا إلى ثلاثة أقسام، هي: القسم السياسي، والقسم الاجتماعي، والقسم النسوي.

ومن بين المطالب المشمولة في القسم النسوي «سن قانون يمنع تعدد الزوجات إلا لضرورة، كأن تكون الزوجة عقيمًا أو مريضة بمرض يمنعها من أداء وظيفتها الزوجية، وفي هذه الحالات يجب أن يثبت ذلك الطبيب الشرعي.»

1928

تشكلت لجنة لتعديل بعض أحكام قانون الأحوال الشخصية الصادر في العام 1920، وكان من بين أعضائها مجموعة من تلاميذ الإمام محمد عبده، الذين وضعوا مقترحات لتقييد تعدد الزوجات، إلا أن هذه المقترحات قوبلت بمعارضة حادة من حزمة واسعة من رجال الدين، فخرج القانون رقم 25 لسنة 1929، خاليًا من أي نص يفيد بتقييد التعدد.

1955

صدر كتاب «المرأة المصرية.. من الفراعنة إلى اليوم» للصحافية والمناضلة النسوية درية شفيق، متضمنًا فصلًا بعنوان «حقوق المرأة في الإسلام»، تعرضت في جزء منه إلى رؤى وفتاوى وتفسيرات تدحض استباحة تعدد الزوجات، وأشارت إلى اَراء فريق من الفقهاء الذين أكدوا بأن التعدد مُحرّم عند احتمال الظلم، مع الأخذ في الاعتبار أن الظلم في التعدد لا مفر من وقوعه. كما تناولت في هذا الفصل رؤية الإمام محمد عبده المعارضة لإباحة التعدد بالتفصيل، مؤكدةً أن ما ذهب إليه اتفق فيه اَخرون مثل: الشيخ مصطفى المراغي شيخ الجامع الأزهر الأسبق، والشيخ عبد المجيد سليم شيخ الأزهر الأسبق، والشيخ عبد الرحمن حسن وكيل الأزهر الأسبق، والشيخ علام نصار مفتي الديار المصرية الأسبق.

1967

في الـ9 من مارس، استقبل الرئيس المصري جمال عبد الناصر، المفكرة والكاتبة النسوية سيمون دي بوفوار والفيلسوف والروائي الفرنسي جان بول سارتر. وخلال اللقاء سألته دي بوفوار عن عدد من القضايا المرتبطة بالنساء المصريات، وتأثير الدين عليهن وعلى المجتمع، فجاءت إجابة عبد الناصر فيما يخص تعدد الزوجات، لا تعدو كونها رأيًا منتقدًا للمسألة، من دون أن تعبر عن أي نية لتقييده أو منعه قانونيًا، مثلما فعلت تونس التي كانت قد جرمته في العام 1956.

وقد قال لها عبد الناصر بحسب جريدة الأهرام التي نقلت تفاصيل اللقاء «أنا لا​ أرى أن الإسلام يتركها رخصة مفتوحة وإنما هي رخصة مقيدة بشروط تجعل التعدد صعبًا، بل تكاد تجعله مستحيلًا والدليل على ذلك ما نراه عمليًا أمامنا ومؤداه أن ظاهرة تعدد الزوجات تتلاشى تدريجيًا في المجتمع المصري.»

1979

في شهر يونيو، صدر القانون رقم 44 لسنة 1979، الخاص بتعديل بعض مواد قانون الأحوال الشخصية، ليكون أول قانون يقيد بحزم تعدد الزوجات في مصر. وقد جاء هذا القانون استجابةً للحركة النضالية التصاعدية التي ارتفعت وتيرتها في السبعينيات، على يد عدد من الناشطات والكاتبات النسويات، في مقدمتهن الصحافية أمينة السعيد رئيسة تحرير مجلة حواء، التي طالبت بمنع التعدد وألحت في مطلبها قولًا وكتابةً.

ألزم القانون رقم 44 لسنة 1979 الزوج بتقديم إقرار بحالته الاجتماعية، وذكر أسماء زوجاته إذا كان متزوجًا، مع قيام الموثق بإخطارهن بالزواج الجديد. كما اعتبر أن زواج الرجل على زوجته بغير رضاها أو دون علمها إضرار بها، حتى إن لم تشترط عليه في عقد زواجها عدم الزواج عليها، وأعطى للزوجة حق طلب التطليق لهذا الضرر، أي أن القانون اشترط موافقة الزوجة على التعدد.

وقد أضاف القانون الجديد مادة برقم 6 مكرر إلى قانون الأحوال الشخصية، القانون رقم 25 لسنة 1929، ونصها «على الزوج أن يقدم للموثق إقرارًا كتابيًا يتضمن حالته الاجتماعية، فإذا كان متزوجًا فعليه أن يبين فى الإقرار اسم الزوجة أو الزوجات اللاتي في عصمته وقت العقد الجديد ومحال إقامتهن، وعلى الموثق إخطارهن بالزواج الجديد بكتاب موصى عليه. ويعتبر إضرارًا بالزوجة اقتران زوجها بأخرى بغير رضاها ولو لم تكن قد اشترطت عليه فى عقد زواجها عدم الزواج عليها، وكذلك إخفاء الزوج على زوجته الجديدة أنه متزوج بسواها.»

1985

قضت المحكمة الدستورية العليا، بعدم دستورية القانون رقم 44 لسنة 1979، لعيوب شكلية وإجرائية، ثم صدر القانون رقم 100 لسنة 1985 الذي أنهى تقييد تعدد الزوجات، ولم يعتبر زواج الرجل بأخرى إضرارًا بالزوجة الأولى يوجب التطليق كما كان في سابقه، بل إنه حمّلها عبء إثبات وقوع الضرر حتى تطلب الطلاق.

ونص في هذا الصدد على «يجوز للزوجة التي تزوج عليها زوجها أن تطلب الطلاق منه إذا لحقها ضرر مادي أو معنوي يتعذر معه دوام العشرة بين أمثالها، ولو لم تكن قد اشترطت عليه في العقد ألا يتزوج عليها، فإذا عجز القاضي عن الإصلاح بينهما طلقها عليه طلقة بائنة.»

2004

أعلن المجلس القومي للمرأة عن انتهائه من صياغة مشروع قانون للأحوال الشخصية، يفرض إجراءات عقابية وغرامات مالية على الرجل المتزوج إذ أقدم على الزواج مجددًا. لكن المؤسسة الدينية في مصر متمثلةً في الأزهر ودار الإفتاء، رفضت مشروع القانون رفضًا تامًا وشنت عليه هجومًا ضاريًا، بزعم أنه يتعارض مع أحكام ونصوص الشريعة الإسلامية.

لم يطل الهجوم المشروع فحسب وإنما استهدف أيضًا المجلس القومي للمرأة، وكان ذلك كافيًا لوأد القانون في مهده، فلم يُطرح حتى للمناقشة في البرلمان المصري.

2017

مع إعلان رئيس الجمهورية للعام 2017 عامًا للمرأة المصرية، عاد الحديث عن تعديل قانون الأحوال الشخصية، خاصة أن رئيسة المجلس القومي للمرأة أعلنت مع بداية العام أن صدور قانوني الأحوال الشخصية وحماية النساء من جميع أشكال العنف، على رأس أولويات المجلس لهذا العام.

وفي شهر أكتوبر، دخلت المؤسسة الدينية من جديد على الخط، بعد أن أصدر شيخ الأزهر قرارًا بتشكيل لجنة لإعداد مقترح مشروع قانون لتعديل بعض أحكام قانون الأحوال الشخصية، وهي الخطوة التي أعربت مجموعات نسوية عن تخوفها إزائها، ووصفها البعض بـ«الوصاية الدينية» على المجتمع.

2019

أعلن المجلس القومى للمرأة انتهائه من وضع الملامح النهائية لمشروع قانون الأحوال الشخصية، بعد أن وصله نحو 15 مقترحًا وعقد أكثر من 70 لقاءً مع الوزارات والهيئات والجهات المعنية، ثم أرسل المجلس مشروعه إلى الحكومة وقام الأزهر بالأمر نفسه.

وبشأن قضية تعدد الزوجات، فقد استحدث القومي للمرأة موادًا تصب في اتجاه التقييد، بينما لم يتعرض مشروع الأزهر للمسألة.

جدير بالذكر أنه منذ بدء انعقاد مجلس النواب الحالي في العام 2015 وحتى نهاية العام 2019، تقدم ستة من أعضائه بمقترحات لتعديل قانون الأحوال الشخصية.

زاد الترقب وكثرت التطلعات بعد أن أعلن رئيس مجلس النواب بالتزامن مع بدء دور الانعقاد الخامس والأخير للمجلس في شهر أكتوبر، الالتزام بمناقشة قانون الأحوال الشخصية خلال دور الانعقاد الحالي، أي قبل شهر يونيو المقبل.