حسب إحصاءات هيئة الأمم المتحدة للمساواة بين الجنسين وتمكين المرأة (UN Women) في يناير الماضي، فإن 11 امرأة تشغل منصب رئيس الدولة بينما تشغل 10 سيدات منصب رئيس الحكومة، وهو تمثيل ضئيل جدًا بالمقارنة مع  تمثيل الرجال في الموقعين على مستوى الـ193 دولة الأعضاء في الأمم المتحدة. وإذا كانت المرأة قد اعتلت المنصبين في الدول ذات الأغلبية الإسلامية، فإن الدول العربية لم تُمكّنها من أيهما.

وتعد القارة الأوروبية هي الأكثر تمكينًا للنساء من الحكم عبر المنصبين منذ العام 1979 عندما تولت مارجريت تاتشر منصب رئيسة الحكومة في بريطانيا، بينما سبقتها القارة الاَسيوية في العام 1960، عندما اعتلت سيريمافو باندرانايكا منصب رئيسة الوزراء في سيريلانكا، ثم لحقت بها أنديرا غاندي وتولت رئاسة الحكومة في الهند في العام 1966. في المقابل، لم تصل المرأة في الولايات المتحدة الأمريكية حتى الاَن إلى منصب «رئيس الدولة» الذي يقوم أيضًا بمهام «رئيس الحكومة».

وفي القارة الأفريقية، تشغل حاليًا سهلي ورق زودي منصب الرئيس في أثيوبيا، وسبقتها إلين جونسون سيرليف التي شغلت منصب الرئيس في ليبريا في الفترة من 2006 وحتى 2018، وجويس باندا التي تولت الرئاسة في مالاوي في العام 2012 واستمرت في منصبها حتى العام 2014. أما منصب «رئيس الوزراء»، كانت أول امرأة تشغله في القارة الإفريقية هي اليزابيث دوميتيان في جمهورية أفريقيا الوسطى فيما بين العامين 1975 و1976.

بالنظر إلى دول العالم الغربي عمومًا والقارة الأوروبية خصوصًا، ستنجلي حقيقة تؤكد أنه رغم كسر الاحتكار الذكوري للمنصب، فإن الأمر لا يبدو مقبولًا بالدرجة الكافية، لأن أغلب هذه الدول لم تتقلد فيها سوى امرأة واحدة أو اثنتين على الأكثر منصب «رئيسة الوزراء»، وأغلبهن لم يبق في المنصب سوى لعدة شهور.

مارجريت تاتشر
كانت الإنجليزية مارجريت تاتشر هي أول امرأة تتولى رئاسة الحكومة في أوروبا، ولأن بريطانيا دولة تعتمد النظام البرلماني، لم يكن المنصب شرفيًا ولم تكن يدها مغلولة بل كانت تحكم المملكة المتحدة بصلاحيات كاملة. وعلى الرغم من انقسام البريطانيين بشأن سياساتها حتى يومنا هذا، فإنها تظل واحدة من أقوى السياسيين خلال القرن العشرين.

شغلت تاتشر الملقبة بالمرأة الحديدية، منصب رئيسة الوزراء في الفترة من العام 1979 وحتى العام 1999، وظلت هي المرأة الوحيدة التي جلست على كرسي رئيس الحكومة  في بريطانيا حتى تم تعيين رئيسة الوزراء الحالية تيريزا ماي في العام 2016.

أعيد انتخابها لرئاسة الحكومة لدورتين، وما يسترعي الانتباه أن أحد أبرز الأسباب التي عززت استمرارها لدورة ثانية في العام 1983، كان الانتصار العسكري في حرب الفوكلاند ضد الأرجنتين، وهي حرب اندلعت في العام 1982 بعد اجتياح الأرجنتين لجزر الفوكلاند، وحينها تصدت بريطانيا بأسطولها البحري والجوي وانتهت الحرب لصالح الأخيرة. لكن هذه الحرب كبّدت المملكة المتحدة خسائر كبيرة على الصعيدين العسكري والاقتصادي.

تثير قوة وصلابة تاتشر إعجاب كثيرين، خاصة أنها حققت إنجازات ترقى إلى درجة التحولات في تاريخ بريطانيا، إلا أن وصولها إلى هذه المكانة وتوليها رئاسة الحكومة لم يصب في صالح تمكين النساء وتعضيد مشاركتهن في الحياة السياسية، فخلال 11 سنة هي فترة توليها لرئاسة الحكومة، لم تعين تاتشر سوى وزيرة واحدة.

علاوة على ذلك، فإن التيار النسوي لم يكن في مجمله مؤيدًا لتاتشر، بل إن الجانب الأكبر منه كان معارضًا لها، ولسياساتها المعادية للعدالة الاجتماعية، وقد وصفتها الصحافية إيلين فيرويذر في إحدى المجلات النسوية البريطانية قائلة «لقد كان توجهها وتأثيرها سلبيين للغاية.»

على الجانب الاَخر، كان هناك من يرى أن وصول تاتشر إلى سدة الحكم، هو في حد ذاته أحد أدوات رفع الوعي بحقوق المرأة وسيدفع بشكل أو باَخر باتجاه تمكين النساء، بعد أن نجحت إحداهن في كسر السقف الزجاجي، حتى إن لم تكن هي نفسها نسوية.

إديث كريسون

تولت إديث كريسون رئاسة الحكومة في فرنسا لفترة قصيرة جدًا، لم تتجاوز العشرة أشهر فيما بين العامين 1991 و1992 إبان رئاسة فرانسوا ميتران، وهي أول امرأة والوحيدة حتى الاَن التي تتولى رئاسة مجلس الوزراء في فرنسا.

انضمت كريسون إلى الحزب الاشتراكي في العام 1965 وكان ذلك انتصارًا للنسوة، إذ لم يكن اقتحام المرأة للحزب مقبولًا من جانب غالبية أعضائه، وحسب بعض الروايات، فقد قوبلت كريسون عندما اعتلت المنبر خلال أحد مؤتمرات الحزب ومعها عضوات أخريات، بتهكم من جانب الذكور الحاضرين، وسط هتافات تطالبهن بالعودة إلى المطبخ.

في العام 1981، تولت حقيبة الزراعة لتكون أول امرأة تصل إلى هذا الموقع الوزاري واستمرت فيه حتى العام 1983، ثم شغلت منصب وزيرة التجارة الخارجية والسياحة فيما بين العامين 1983 وحتى 1984، واستمر تقلدها للمناصب الوزارية حتى صارت رئيسة الوزراء في الـ15 من مايو في العام 1991. وعلى عكس تاتشر، كانت كريسون أكثر انحيازًا لتمكين المرأة من المناصب القيادية، إذ عينت ثلاث وزيرات في حكومتها – قصيرة العمر- بتمثيل 15 في المئة.

اضطرت كريسون إلى الاستقالة بعد تصاعد الهجوم ذي الصبغة الذكورية واللهجة النمطية، إذ زادت الاتهامات الموجهة إليها بعدم الأهلية لقيادة الحكومة، فضلًا عن مزاعم أثارها سياسيون وصحافيون عن أن وصولها إلى المنصب جاء عبر وسائل غير مشروعة، ومن بينها علاقات جنسية مع رؤسائها في إشارة إلى الرئيس الفرنسي ميتران.

بعد الاستقالة، قالت أنطوانيت فوك وهي كاتبة نسوية وواحدة من أبرز قيادات حركة تحرير المرأة في فرنسا إبان فترة السبعينيات «لقد استغرق الأمر وقتًا طويلًا قبل تعيين امرأة في موقع السلطة، وبسبب هذا الهجوم العنيف، فقد يظل المنصب محجوبًا لفترة طويلة.»

كيم كامبل

في العام 1993، تولت كيم كامبل رئاسة الحكومة الكندية لتحل الـ19 بين رؤساء الوزراء في كندا، وهي المرأة الوحيدة التي بلغت هذا المنصب في ثاني أكبر بلد في العالم (من حيث المساحة).

في العام 1991، عندما كانت كامبل تشغل منصب وزيرة العدل قدمت مشروع قانون يهدف إلى حماية النساء من الاعتداءات الجنسية، وروّجت له تحت شعار «لا تعني لا- No Means No»، وقد حصل على موافقة الأغلبية في البرلمان. وكان القانون واحدًا من أكثرها تقدمًا في العالم آنذاك، حيث اشترط بوضوح الحصول على موافقة الطرف الاَخر على ممارسة الجنس وإلا اعتبرت الممارسة اغتصابًا. وقد حاز مشروع القانون دعم جميع الأحزاب والأطياف السياسة فضلًا عن المجموعات والمنظمات النسوية، ويعد هذا القانون أهم إنجاز حققته كامبل خلال مسيرتها السياسية.

في العام 1993، توّلت كامبل منصب وزيرة الدفاع وشؤون المحاربين القدامى، لكن سرعان ما تم تصعيدها إلى منصب رئاسة الوزراء بعد شهرين فقط، إلا أنها لم تستمر فيه أيضًا سوى أربعة أشهر.

وعلى الرغم من أن كندا تمتلك قوانين شديدة التقدم في مجال حماية وتمكين المرأة، وهي واحدة من أكثر الدول مباهاة بتطبيق المساواة بين الجنسين ومحاربة التمييز على أساس الجنس، فإن استئثار الذكور بالسلطة في هذا البلد لم تكسره إلا كامبل التي قضت في الحكم شهورًا قليلة، ويظل حضور المرأة داخل الأحزاب وتمكينهن من المواقع القيادية فيها موضع تساؤل، خاصة أن هذه الكيانات هي بوابة النساء إلى الحكم.

ماريا دي لورديس بينتاسيلغو

في البرتغال أيضًا، وصلت إلى رئاسة الحكومة امرأة واحدة، وهي ماريا دي لورديس بينتاسيلغو التي تعد ثاني امرأة تشغل هذا المنصب في أوروبا بعد مارجريت تاتشر في بريطانيا.

انضمت بينتاسيلغو في الستينيات إلى حركات الدفاع عن حقوق الإنسان والمرأة، وكانت من المناضلات من أجل حصول المرأة على حقها في الترشح والتصويت، وعٌرِفت بدعمها لحقوق المرأة السياسية تحديدًا.

في العام 1975 أصبحت وزيرة للشؤون الاجتماعية واستمرت في المنصب لأربع سنوات، وفي العام نفسه، أضحت بينتاسيلغو أول سفيرة لدولة البرتغال لدى منظمة اليونسكو (منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة)، ثم أدت اليمين الدستورية رئيسة للوزراء في الأول من أغسطس في العام 1979، إلا أنها قضت في المنصب ثلاثة أشهر فقط، وهي فترة لم تسمح لها بتحقيق إنجاز يذكر. ورغم قصر المدة، فقد حاولت أن تفتح ملفات الصحة والتعليم وقوانين العمل بغية تطويرها، وركزت على تمكين المرأة من الخدمات ودمجها في سوق العمل.

إصرارًا على تحدي الهيمنة الذكورية على الحياة السياسية، قررت بينتاسيلغو أن تخوض الانتخابات الرئاسية في العام 1986، ودخلت المعترك مستقلة دون دعم من أي حزب سياسي وحصلت حينذاك على 7 في المئة من إجمالي الأصوات.

في قائمة رؤساء الوزراء البرتغاليين وهي طويلة، لن نجد امرأة سواها، وهو أمر يعكس مدى صعوبة كسر السيطرة الذكورية على مقاليد الحكم في هذا البلد وغيره، حتى في البلدان التي حققت تقدمًا في مجال دعم وتمكين المرأة.