يظل حفل توزيع جوائز «الأوسكار» الذي تنظمه أكاديمية فنون وعلوم الصور المتحركة في الولايات المتحدة، هو أهم حدث فني يترقبه العالم سنويًا، حتى إن بات توّقع الفائزين بالجوائز أسهل على جمهوره، بعد خبرة مع الاختيارات التي يقف وراءها قواعد ألفها كثير من المتابعين.

تنعقد النسخة الـ91 لحفل توزيع جوائز «الأوسكار»، مساء اليوم الأحد الموافق 24 فبراير، على مسرح دولبي في هوليوود، في ظل ارتفاع مستوى القلق بشأن نجاح الحفل جماهيريًا، بسبب التخلي عن أحد أهم طقوس «الأوسكار» وهو المقدم الرئيس أو المقدمة الرئيسة للحفل، بعد انسحاب الممثل الكوميدي كيفن هارت الذي كان من المقرر أن يقدم الحفل، وذلك على خلفية تداول تغريدات كان قد نشرها قبل سنوات وتشتمل على إساءات للمثليين. ونتيجة لذلك، ستكون هذه هي أول مرة منذ 30 عامًا، يشهد توزيع جوائز «الأوسكار» غياب المقدم الرئيس للحفل، بعد النسخة الـ61 التي أقيمت في الـ29 من مارس في العام 1989.

لكن سؤالًا اَخر غير تأثير هذا الغياب على الحفل، جدير بالطرح وهو: لماذا لم تستبدل أكاديمية فنون وعلوم الصور المتحركة هارت بمقدمة للحفل، لتخفيف وطأة المشهد الذكوري المهيمن على «الأوسكار» عمومًا وعلى هذه النسخة تحديدًا؟

«الأوسكار»: مسيرة من تفضيل الذكور على المسرح

على مدار 91 حفلًا، قدم حفل «الأوسكار» عشرات من مشاهير السينما والإعلام، ويبلغ عددهم 76 شخصًا، ما بين ممثلين ومغنيين ومخرجين وكوميديين ومقدمي برامج، وتضم هذه القائمة 14 امرأة فقط. كانت أولهن الممثلة الأمريكية أغنيس مورهيد في حفل العام 1948 أي بعد انطلاق «الأوسكار» بـ19 عامًا، ولم تكن تقدمه بمفردها بل بالاشتراك مع الممثل والمخرج ديك باول. أما أول شخصية نسائية تقدم حفل «الأوسكار» بمفردها هي الممثلة والناشطة الأمريكية ووبي غولدبرغ، وكان ذلك في حفل العام 1994، كما أنها أكثر امرأة قدمت حفلات «الأوسكار»، برصيد أربع حفلات اَخرها في العام 2002.

وتأتي الممثلة الكوميدية ومقدمة البرامج إيلين دي جينيرس، كاَخر امرأة قدمت حفل «الأوسكار» في العام 2014، وهي المرة الثانية لها بعد أن قدمت حفل العام 2007.

التمييز ضد المخرجات

تغييب النساء في «الأوسكار» لا يجليه فقط تقديم الحفل، وإنما يظهر بقوة أكبر في الترشيحات إلى الجوائز نفسها، فمنذ أن انعقد الحفل الأول في 16 من مايو في العام 1929 وحتى حفل هذا العام، رشحت الأكاديمية 5 سيدات فقط إلى جائزة “أفضل إخراج”، وعادت واحدة فقط منهن إلى بيتها تحمل تمثال «أوسكار» الشهير، وهي المخرجة الأمريكية كاثرين اَن بيغلو التي فازت بالجائزة عن فيلمها  «خزانة الاَلم – The Hurt Locker»، في الحفل الذي أقيم في الـ7 من مارس في العام 2010، وقد فاز الفيلم أيضًا بجائزة «الأوسكار» لأفضل فيلم.  أما أول امرأة تصل إلى قائمة الترشيحات المختصرة لهذه الجائزة، كانت المخرجة الإيطالية لينا فيرتمولر عن فيلمها «Seven Beauties»، وذلك في النسخة الثامنة والأربعين التي انعقدت في العام 1976، ولم تترشح بعدها امرأة أخرى حتى نسخة «الأوسكار» الخامسة والستين، التي انعقدت في العام 1993 أي بعد 17 عامًا، وظفرت بذلك الترشيح المخرجة جين كامبيون عن فيلمها «The Piano»، ثم لحقت بها صوفيا كوبولا في ترشيحات جائزة العام 2003، عن فيلمها «Lost in Translation»، ثم جاء الترشيح الأخير في العام الماضي، للمخرجة جريتا جيروج عن فيلمها «Lady Bird».

علاوة على ذلك، فإن مجمل الأفلام التي كانت من إخراج نساء وحظيت بالترشيح لجائزة أفضل فيلم لم يتجاوز عددها الـ13 فيلمًا، ومن أبرزها؛ «أمير المد والجزر – The Prince of Tides» الذي حصل على سبع ترشيحات، والغريب أن مخرجته باربارا سترايساند لم تحظ بالترشيح لأفضل مخرجة، وفيلم «30 دقيقة بعد منتصف الليل – zero Dark thirty»، الذي اقتنص خمسة ترشيحات لجوائز العام 2013، ولكن لم يكن من بينها أيضًا ترشيح مخرجته كاثرين بيغلو لجائزة أفضل مخرج، رغم ترشيحه لجائزة أفضل فيلم.

«الأوسكار» في 2019: نسخة استبعاد النساء

في الحفل الذي يبدأ في غضون ساعات، ليس من بين المرشحين لجائزة  «أفضل إخراج» امرأة، وليس من بين الأفلام المرشحة لجائزة «أفضل فيلم» أي عمل سينمائي بتوقيع مخرجة. وإلى جانب استبعاد النساء من قائمتي المرشحين إلى جائزة أفضل فيلم وأفضل إخراج لهذا العام، فقد استبعدت النساء أيضًا من ترشيحات أفضل تصوير سينمائي، وأفضل مونتاج، وأفضل مؤثرات بصرية.

وبتنحية ترشيحات جائزتي أفضل ممثلة أو أفضل ممثلة مساعدة، فإن عدد النساء اللاتي ترشحن لجوائز «الأوسكار» هذا العام هو 53 امرأة في مقابل ترشيح 159 رجلًا، بما يعني أن المرشحات (خارج فئتي التمثيل) لجوائز هذه النسخة تبلغ نسبتهن 25 في المئة فقط.

يأتي إقصاء أفلام المخرجات من ترشيحات جائزة أفضل فيلم إلى جانب تنحية النساء عن ترشيحات أفضل إخراج من بين الأمور التي أثارت استياء واسعًا، خاصة أن السنة الماضية شهدت حضورًا لافتًا للمخرجات، وكانت المجلات والمواقع الفنية الأمريكية قد رجحت منافسة بعضها على أي من الجائزتين أو كليهما، مثل فيلم «ماري ملكة اسكتلندا – Mary The Queen of Scots » للمخرجة خوسيه رورك، وفيلم «هل يمكنك أن تسامحني؟ –  Can You Ever Forgive Me?» للمخرجة مارييل هيلر، وفيلم «على أساس الجنس- On the Basis of Sex» للمخرجة ميمي ليدر، وفيلم «مدمرة – Destroyer» للمخرجة كارين كوساما.

بعض الأمل مع نادين لبكي

في حدث لا سابق له في تاريخ جوائز «الأوسكار»، وصلت مخرجة عربية بفيلمها إلى القائمة المختصرة لجائزة أفضل فيلم غير ناطق بالإنجليزية، وهي اللبنانية نادين لبكي، التي تنافس بفيلمها «كفرناحوم» على الجائزة في مقابل أربعة أفلام أخرى، وهي: البولندي «حرب باردة»، والمكسيسي «روما»، والدنماركي «المذنب»، والألماني «لا تنتظر بعيدًا».

«كفر ناحوم» هو ثالث فيلم روائي طويل للمخرجة اللبنانية نادين لبكي، بعد فيلميها «سكر بنات» المعروف دوليًا باسم «كراميل»من إنتاج 2007، و«وهلأ لوين؟» من إنتاج 2011. وتدور أحداث «كفر ناحوم» حول طفل مكتوم القيد، وهو مصطلح شهير في لبنان يشير إلى الشخص المحروم من الأوراق الثبوتية، وترصد لبكي حجم العنف النفسي والجسدي الذي يلاقيه الطفل ونظراؤه.

وكان «كفرناحوم» قد شارك في المسابقة الرسمية في الدورة السابقة لمهرجان «كان السينمائي الدولي»، الدورة رقم 71، وحصد جائزة لجنة التحكيم وهي الثالثة في ترتيب الجوائز التي يمنحها المهرجان، كما ترشح لجائزة أفضل فيلم غير ناطق بالإنجليزية ضمن جوائز جولدن جلوب في دورتها الـ76، التي انعقد حفل توزيعها في يناير الماضي.

نادين لبكي مع الطفل زين الرافعي – مهرجان كان السينمائي