يُصدَم البعض عندما ينفضح كذب شخص ويتبين زيف إدعاءاته، وفي الوقت ذاته يجد اَخرون في انفضاحه استعادة لجزء ولو ضئيل من حق انتهكه بيده، يتنفسون الصعداء عندما تتهاوى الأكذوبة التي صدّرها عن نفسه. هؤلاء المزيفون يتساقطون واحدًا تلو الاَخر بوتيرة أسرع خلال السنوات القليلة الأخيرة، لكن تظل الأزمة في مجتمع يتصالح مع خطايا الرجل مهما عظُمَت ويرفض التسامح مع سقطة المرأة مهما صغُرَت، وحتى إن كان فعلها مجرد خروج عن نص يفرض المجتمع على الجميع الالتزام به.

لعبت الشبكات الاجتماعية دورًا في فضح هؤلاء الذي يمارسون بحق النساء استغلالًا وابتزازًا في السر أو في دوائر مغلقة متذرعين بسلطتهم الناجمة عن مال أو منصب أو شعبية أو صورة مثالية أحاطوا أنفسهم بها، وسواء كان ذلك نتيجة بوح الناجيات بكامل إرادتهن أو عن طريق طرف ثالث أراد الإيقاع بصاحب السلطة، فإن السيناريو يظل في كل مرة تخرج حادثة من هذا النوع إلى العلن مكررًا باختلافات محدودة، حيث تتوحد صرخة الناجيات لفضح هذا “المدّعي”، ويتلاقى التسييس مع الثقافة الذكورية ويلتحمان، لتنقلب فضيحة مرتكب الجرم إلى مؤامرة ضده وتتحول الناجية إلى غاوية أوقعت بالرجل “ولكل جواد كبوة”، أو أنها تتهمه زورًا بما لا يمكن أن يفعله “لأنه يحترم المرأة”، ومن لحقن بها مأجورات يسعين إلى تشويه سمعته. أما الركن الثابت والأكيد في كل قصة هو أن النساء يخسرن ويدفعن الثمن مضاعفًا.

الغريب أن الأفّاكين يتجاوزون “الفضيحة” ويخرجون “كالشعرة من العجين” في أغلب الحالات أو بأقل الخسائر في بعضها، رغم علم كثيرين ممن يتصالحون مع هؤلاء بارتكابهم للجرم سواء كان عنفًا جنسيًا أو استغلالًا  وابتزازًا عاطفيًا وجنسيًا، لذلك من الطبيعي أن يلوذ بالنجاة الفنان والمحامي والحقوقي والإعلامي والصحافي وغيرهم، فالحجة المُعلّبة والجاهزة ما زالت تثبت نجاحها، وما انفك القطاع المعتنق لنظرية المؤامرة عريضًا، فضلًا عن سيادة الذكورية التي تدفع باتجاه شيء واحد، إذا ما ارتكبت المرأة الخطأ – من وجهة نظر المجتمع – وهو النهاية، نهاية الأحلام، نهاية التقدم، نهاية المسيرة، نهاية الثقة، وهذه النهاية يقابلها بداية أيضًا، لكنها بداية الخوف والتعاسة والملاحقة والإهانة. هذه الحقيقة ليست قاصرةً على هذه البقعة من عالمنا، ولا تنجو منها امرأة لأنها في مكان يرفع يافطة “بلد الحريات”، ويزعم قيادته”لتمكين المرأة من حقوقها”، حتى لو كان الولايات المتحدة الأمريكية.

قد تجد بعض النساء فرصة للخروج من بوتقة الوصم عند الانتقال إلى بلدان أخرى، حيث لا تُعرَف هويتهن ولا قصصهن، لكن ماذا عن امرأة واجهت الوصم والإذلال والتشهير في البلد الذي تصبح أخباره وأحداثه شاغل الجميع حول العالم؟

ربما تكون مونيكا لوينسكي هي أول إنسان في العالم يواجه الإذلال والتشهير بسبب الإنترنت. هذا ما قالته في مقالها الشهير “الخزي والنجاة” – “Shame & Survival” الذي نشرته مجلة Vanity Fair  الأمريكية في يونيو من العام 2014.

كان المقال هو أول خروج من عزلة فرضتها لوينسكي على نفسها لعشر سنوات كاملة، وفيه قدمت قصتها من زاوية امرأة ظلّت تعاني لسنوات من تشهير مترام الأبعاد ومتعدد المصادر، وأنهكها ما وصفته بـ “ثقافة الإذلال” على خلفية القصة التي يصفها الإعلام حتى يومنا هذا بــ”أكبر فضيحة جنسية في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية”، والتي كانت هي أحد طرفيها إلى جانب بيل كلينتون، الرئيس الثاني والأربعين للولايات المتحدة.

ربما تساعدنا إعادة النظر في هذه القصة التي مر عليها ما يزيد عن 20 عامًا برؤية مغايرة للتي ساقتنا إليها الذهنية الذكورية المهيمنة، في تشريح قصص أخرى مماثلة في شتى أنحاء العالم، بمنطق أكثر إنصافًا وعدالة بحق النساء.

المجتمع: العبور للرجل فقط.. أما أنت ستظلين “عالقة”

نتيجة حالة التنمر والملاحقة بالإضافة إلى الإهانة اليومية والإساءة اللفظية المباشرة في مقابلات العمل وعلاقاتها الشخصية على مدار سنوات، أصيبت لوينسكي بصدمة نفسية وبحسب روايتها فإنها أخفقت مرارًا في التعافي من الاضطرابات التي تبعت هذه الصدمة.

عندما نقرأ مقال لوينسكي المشار إليه اَنفًا، ونتتبع ما أحاط بالواقعة خلال العام 1998، سيتبين أن الذكورية متغلغلة في العقول أينما كانت، والثقافة المعادية للنساء تمسك بتلابيب العالم من أقصاه إلى أدناه ولكن بدرجات متفاوتة، خاصة أن فقرات كثيرة في مقالها والمتعلقة باسترجاع ردود الأفعال التي صاحبت انكشاف علاقتها السرية بالرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون أمام الرأي العام، بالإضافة إلى السطور التي وصفت خلالها شعورها الخاص إزاء ذلك، تتطابق مع شهادات وكلمات جاءت على لسان أخريات في بلدان أخرى، تحمّلن قهر وإذلال “الفضيحة” وحدهن، بينما تجاوزها الرجال بأقل الخسائر أو بدون خسائر على الإطلاق.

في مقالها، كشفت لوينسكي إزدواجية المجتمع الذي ظل يلاحقها بالإساءة ولفظها  بدرجة أفقدتها جل فرص تجاوز فضيحة العام 1998، بينما منح الرئيس الأسبق فرصة تخطيها كاملة، بعد أن أسدل مجلس الشيوخ الستار على القضية التي استحوذت على اهتمام العالم بأسره خلال ذلك العام، وبرأه من التهمتين الموجهتين إليه حينذاك بشأن الحنث بالقسم وعرقلة عمل العدالة، وهو ما مكّنه من إكمال فترته الرئاسية الثانية حتى يناير من العام 2001. وفي الوقت الذي يحكم فيه كلينتون الدولة العظمى، تنتقل لوينسكي إلى انجلترا بحثًا عن فرصة لترميم نفسها التي تحطمّت بعد “الفضيحة”، ومع ذلك لا تفلح فيما رنت إليه. ثم يخرج من البيت الأبيض وهو الرئيس الأمريكي صاحب أعلى قبول شعبي في تصنيف الرؤساء (Approval Rating) منذ الحرب العالمية الثانية، ولا يزال حتى يومنا هذا يحصد نسبًا مرتفعة في استطلاعات أفضل رؤساء الولايات المتحدة، ويؤسس منظمات خيرية، ويلقي محاضرات وكلماته تقابل بتصفيق حار، وما فتئ نشاطه السياسي ملحوظًا من خلال دعم المرشحين الديمقراطيين في الانتخابات الرئاسية. أما لوينسكي فتُختَزل فيما سمي بــ”مونيكا جيت” – “Monica Gate” وعلاقتها “الجنسية” بالرئيس الثاني والأربعين للولايات المتحدة.

عادت لوينسكي إلى الولايات المتحدة بعد عدة سنوات، وقد تخرجت في كلية لندن للاقتصاد التي تأتي في مقدمة المؤسسات الأكاديمية حول العالم، ومع ذلك لم تتمكن من الالتحاق بوظيفة ترضي طموحاتها في بلدها، واصطدمت بحقيقة أنها ستظل “تلك المرأة” التي راوغت الرئيس، وكادت تفقده منصبه وتهدم أسرته.

تحدثت لوينسكي في مقالها عن تنقلها بين عدد من الولايات، نيويورك ولوس أنجلوس وأوريغون، بحثًا عن وظيفة في مجال الاتصالات والتواصل الإبداعي، واستعادت مشاهد من بعض مقابلات العمل، التي استخدم فيها أصحاب الأعمال قصتها مع بيل كلينتون للاستهزاء بها، فضلًا عن إشاراتهم المتكررة إلى أن تاريخها وماضيها لا يجعلاها الشخص المناسب للوظيفة.

روّت تفاصيل تلك المقابلة التي أجرتها في العام 2008 (أي بعد مرور عشر سنوات على الأزمة)، وكان ذلك إبان فترة الإعداد للانتخابات التهميدية في الولايات المتحدة، وقد وصفها مدير المقابلة وقتها بأنها امرأة مشرقة وواعدة، ولكن “بالنسبة لنا ولأي منظمة أخرى تعتمد على المنح والتمويل الحكومي، فإن تعيينك سيكون مخاطرة، نحن نحتاج أولًا خطاب تعويض من اَل كلينتون، مع العلم أن هناك احتمال 25 في المئة أن تصبح هيلاري كلينتون رئيسة للولايات المتحدة.”

دهس المجتمع محاولات لوينسكي لتطوير الذات، والترقي، والبدء من جديد، تحت نواميس الذكورية المتحكمة فيه، وبينما يتقدم الاَخرون حولها خطوات إلى الأمام، تقف هي في المربع نفسه.

الإعلام: “غاوية” تستحق أن تطاردها “الفضيحة” طوال العمر

تحدثت لوينسكي لأول مرة إلى الإعلام عن الواقعة بكل ما أحاط بها في مارس من العام 1999، من خلال برنامج 20/20 المذاع على شبكة ABC الأمريكية، في حلقة قدمتها الصحافية الأمريكية بربارا ولترز، وكانت أقرب إلى التحقيق العلني مع الفتاة ذات الـ25 ربيعًا، وفي هذه الحلقة قالت لوينسكي “سأخبر أولادي .. أن أمهم ارتكبت خطئًا كبيرًا”، إلا أنها بعد نحو عشرين عامًا، لم تتزوج ولم تنجب وعانت في علاقاتها العاطفية وهو أمر أفردت له مساحة في مقال “الخزي والنجاة”. على الجانب الاَخر، فإن حياة كلينتون تسير بشكل طبيعي، كما لو كان ما حدث مجرد “زوبعة في فنجان”.

في تلك المقابلة أيضًا، اعتذرت لوينسكي عن علاقتها بكلينتون لأنه رجل متزوج، واعتذرت إلى هيلاري كلينتون السيدة الأولى اَنئذ، واعتذرت للشعب الأمريكي، وهو ما أكدت عليه مرارًا في لقاءات إعلامية وجماهيرية، بينما في كل المرات التي سُئِل فيها كلينتون عما إذا كان يريد الاعتذار للوينسكي عن ما لحق بها جراء هذه العلاقة، كان يرفض أن يختصها باعتذار، واَخرها عندما حل ضيفًا في يونيو من العام 2018، على برنامج Today Show  على شبكة NBC الأمريكية، وقال “لست مدينًا لها بالاعتذار.”

اختُزِلَت علاقة لوينسكي بكلينتون في الشق الجنسي فحسب، وفي أغلب اللقاءات الإعلامية، كانت تُسأل باستخفاف عن ما دفعها إلى إقامة علاقة جنسية مع “رئيس الولايات المتحدة”، وتقابل ردودها باستخفاف أكبر، لأنها تصر على أن العلاقة كانت عاطفية والمشاعر فيها متبادلة، وفي جلسة عقدتها شبكة HBO  التلفزيونية في مقر اتحاد كوبر في نيويورك في العام 2001، أجابت عن سؤال في السياق ذاته”لا أفهم بالفعل لماذا أضحت القصة برمتها حول الجنس الفموي فقط. لقد كانت علاقة متبادلة. في حقيقة الأمر، لقد حدث ذلك لأنه مجتمع يخضع للهيمنة الذكورية،” لكن الحاضرين لم يأخذوا كلامها على محمل من الجدية، إذا ضجت القاعة بالضحك والهمهمات بين عموم الموجودين.

مونيكا لوينسكي وبيل كلينتون

أجلت الحادثة مدى تجذر الذكورية بمفرداتها وتصوّراتها في الوجدان الشعبي، فالنظرة إلى لوينسكي باعتبارها مصدرًا للغواية بسطت سيطرتها على عناوين الصحف ومقدمات البرامج التلفزيونية، وطاردتها أوصاف مثل العاهرة، والثعلبة، والمتدربة التي أوقعت الرئيس في شباكها، والأغرب أن الوصف الذي التصق بها هو الذي استخدمه كلينتون نفسه عندما نفى علاقته به، واصفًا إياها بــ”تلك المرأة”، وكأنه يقول للعالم “تلك المرأة المدعيّة” أو “تلك المرأة الكاذبة”.

“هل تتخيل أن يأتي ابن إلى أسرته ومعه مونيكا لوينسكي ويقول إنه سيتزوجها؟”

بلهجة استنكارية تنطوي على كثير من الإهانة، سألت الطبيبة النفسية جويس براذرز هذا السؤال في إحدى حلقات برنامج “Today Show” المذاع على شبكة NBC. حدث ذلك في العام 1999، لكن أحدًا حينها من الإعلاميين لم يسأل عن استغلال كلينتون لها، لأن المجتمع حينها راَه مجرد رجل يلاحق النسوة، وسمّاه البعض “womanizer” أي زير نساء، لكنه لم يوصف بمفترس جنسي، رغم أن إعادة النظر في القصة وفيما كشفته تسريبات المكالمات بينها وبين ليندا تريب (زميلتها بمكتب العلاقات العامة بالبنتاجون) تؤكد أن الرجل ذا الخمسين عامًا (وقتها) استغل الفتاة بطريقة أو بأخرى وأنه كان الطرف الأقوى في العلاقة، فضلًا أنه ملاحق باتهامات التحرش الجنسي منذ أن كان حاكمًا لولاية أركانساس.

في مقالها، أكدت لوينسكي ما يتغافل عنه كثيرون سواء عن جهل أو عمد، وهو غياب تكافؤ القوة في علاقتها ببيل كلينتون، حتى إن كانت العلاقة في ظاهرها رضائية “بالتأكيد استغلني رئيسي، لكنني سأظل متمسكة بشأن هذه النقطة: لقد كانت العلاقة رضائية.”

بعد أن ذاعت أصداء القصة، وأضحت محور نقاش وتحليل وسخرية أيضًا، انصب جانب كبير من السخرية على مظهر لوينسكي، تلك الفتاة ممتلئة الجسد، صاحبة الفم الكبير والأسنان البارزة، والبعض نعتها بــ”محدودة القدرات”.

وفي جلسة ضمت عددًا من الكاتبات والصحافيات في مانهاتن بولاية نيويورك في يناير من العام 1998، ونشرت وقائعها صحيفة New York Observers الأسبوعية، قالت خلالها نانسي فرايداي وهي واحدة من أبرز الكاتبات النسويات في الولايات المتحدة، متهكمةً على لوينسكي “إنها تستطيع أن تؤجر فمها.”

نساء: الذكور المدافعون عن حقوقنا قلة.. كيف نقف ضده؟!

“كنت أتمنى بشدة الحصول على إشارة تفاهم، كان بعض الدعم جيدًا، حتى إن كان على الطريقة القديمة. لكن لم يأت شيء،” هكذا وصفت لوينسكي في مقال “الخزي والنجاة” موقف ما أسمته المعسكر النسوي الذي لم يتضامن معها في مواجهة ما تعرضت له من تشهير وانتهاك وإهانة، مشيرةً إلى عدد من النسويات اللاتي وقفن في صف كلينتون ضدها، وترى لوينسكي أن المعضلة كانت في أنه كان ذلك الرئيس الداعم لقضايا المرأة سواء بالقول أو ببعض المشروعات.

في عدد جريدة Los Angeles Times اليومية، المنشور بتاريخ 4 يونيو، حوار مع الناشطة النسوية بيتي فريدان، وهي واحدة من رموز الموجة النسوية الثانية في أمريكا بل إن كثيرين يعدون مؤلفها “اللغز الأنثوي” أحد أسباب انطلاقها، وبين سطور الحوار تجيب فريدان عن سؤال بشأن تأثير “فضيحة” مونيكا لوينسكي على شعبية المرشح الديمقراطي للانتخابات الرئاسية، اَل غور بين النساء، وفي ثنايا إجابتها الغاضبة من السؤال تأتي جملة “الغبية الصغيرة التي تدعى مونيكا.”

وبالعودة إلى الجلسة التي أشرنا إليها، التي اجتمع فيها عدد من الكاتبات والصحافيات، لإبداء الرأي وتبادل الرؤى حول قضية كلينتون ولوينسكي، ومنهن؛ نانسي فريداي كما ذكرنا، والروائية إيريكا جونغ، والكاتبة والصحافية كاتي رويف والورائية فرانسين بروس، فإن الصادم حقًا، أن الجلسة سارت في اتجاه واحد، وهو الاستهزاء بلوينسكي، وبرز ذلك فيما قالته كاتي رويف على سبيل المثال، عندما اعتبرت أن ما أثار غضب الأمريكيين هو مظهر لوينسكي، بزعم أن الناس يرون الرؤساء كما الاَلهة، لذلك فإن كان الرئيس الأمريكي الأسبق جون كيندي قد تورط في علاقة مع الممثلة مارلين مونورو، فإن ذلك يبدو مقبولًا (لأنها امرأة حسناء)، لكن المشكلة في قصة كلينتون أن مونيكا ليست جميلة.

الأدهى من ذلك، هو ما اتفقت عليه الكاتبات المجتمعات واختارته جريدة New York Observers عنوانًا لتغطيتها للحدث، ” SUPERGALS LOVE THAT NAUGHTY PREZ” بمعنى: النساء تحب ذلك الرئيس الشهواني أو الفاسق، وفي متن التقرير المنشور بتاريخ 9 فبراير 1998، تتفق الكاتبات على أن كلينتون بدا أكثر جاذبية بعد هذه العلاقة.

تتشابه هذه الترهات الذكورية مع تلك التي ترهق مسامعنا كلما انفضح أمر أحد الشخصيات العامة، سياسي أو حقوقي أو إعلامي أو سينمائي، وهذا الخذلان الذي تئن منه كثيرات هنا عايشته امرأة في الضفة الأخرى من العالم وما زالت.

مونيكا لوينسكي – مجلس الشيوخ – عام 1999

الإنترنت: لن تموت القصة وسيتجدد الاَلم مع كل نقرة وتعليق

بسهولة يمكن لأي أحد الوصول إلى تسجيلات المكالمات التي دارت بين لوينسكي وليندا تريب (كانت تعمل بمكتب العلاقات العامة بالبنتاجون ونشأت بينها وبين لوينسكي صداقة، استغلتها الأولى حتى تسجل المكالمات الهاتفية التي كانت تروي خلال لوينسكي تفاصيل علاقتها ببيل كلينتون، وقامت لاحقًا بتسريبها)، عبر العديد من المنصات على الإنترنت. وحتى الاَن تحافظ جريدة “نيويورك تايمز – New York Times” على أرشيف إلكتروني كامل لتلك المحادثات.

بعد مرور أكثر من عشرين عامًا، ما زال بإمكان أي شخص في هذا العالم أن يتعرف إلى أدق تفاصيل حياة لوينسكي الخاصة في فترة ما، ومع كل نقرة على الرابط الخاص بأحد التسجيلات، تعود القصة إلى الحياة وكأن موتها محال.

أحد طرفي القصة لا يعنيه موتها من عدمه، لأنه تجاوزها منتصرًا وهو حال الرجال في كل القصص المشابهة، بينما تعيش النساء في حرب ممتدة بسبب ذلك الفضاء الإلكتروني الذي يتكاتف مع المجتمع في الحفاظ على كل سبيل لتدمير النفس وإيلام الروح، كلما حاولت صاحبتهما ترميمهما.