عن كاتبة المقال:

عضوة مؤسسة بجمعية “جنوبية حرة” في أسوان، ومسؤولة القسم البحثي بالجمعية.

 

“بناتنا ما تطلعش بره” هذا القول قضى على أحلام واختيارات عدد لا نهائي من الفتيات والشباب في القبائل داخل الصعيد.

في البداية، تعريف القبيلة هو جماعة من الناس تنتمي إلى نسب واحد، يرجع إلى جد أعلى، وتتكون من عدة بطون وعشائر، غالبًا ما يسكن أفراد القبيلة إقليمًا مشتركًا يعتبرونه وطنًا لهم، ويتحدثون لهجة مميزة، وتجمعهم ثقافة متجانسة وتضامنًا مشتركًا، وعصبية ضد الفئات الأخرى.

في المجتمع الأسواني توجد قبائل مختلفة، مثل؛ الجعافرة، النوبين، الصعايده، الهلايل، كل قبيلة ترى في نفسها الأفضلية، وأنها الأعلى نسبًا وشرفًا، ومنها من يرى أنه يعاني مظلوميةً، وأن حقه قد أهدر من قبل الفئات الأخرى. قد تكون لفكرة القبيلة  أو المجتمع العشائري مميزاته وسلطته الخاصة، التي قد تفوق السلطة التنفيذية في بعض الأحيان، وتوازي المجالس العرفية لدى القبائل، القضاء والقانون عند وقوع خلافات، ولكن تبقى لهذه المنظومة عيوبًا ومساوئ عديدة، منها؛ الزواج القبلي،  فلا تسمح هذه القبائل بالزواج من خارجها، وفي هذه اللحظة تختفي الشعارات الدينية والقيم والأحاديث النبوية، التي تقر أنه لا فرق لعربي على أعجمي الا بالتقوى، أو “إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه”، فقد كانوا وما زالوا يرددون هذه الأحاديث في مساجدهم ليلًا ونهارًا، لكنهم يأخذون من الدين ما يحلو لهم، ولا ينظرون إلى خلق ودين شاب، تقدم لخطبة فتاة من قبيلة أخرى، عندها تتجلى فقط مصلحتهم ومعتقداتهم الشخصية، ويرجع ذلك لعدة أسباب.

قديمًا، عادةً ما كانت توجد صراعات بين البشر والمجموعات، من أجل مواقع الرعي والرزق وأيضًا أغراض، الهيمنة والسيطرة للمنتصر، وتطور الأمر وأصبح الهدف هو تقوية الروابط والعمل على فكرة الأسر الممتدة، وزواج الرجل بأكثر من امرأة داخل القبيلة لكثرة الإنجاب، ثم نجد هذه الروابط والأسر العريقة الممتدة مع الحصول على بعض المكاسب الاقتصادية والثقافية والسياسية، تتكون لديها مصادر القوة وفكرة الأفضلية، فلا تناسب القبيلة من تراهم أقل منها شأنًا.

مخزون العادات والتقاليد التي اختلفنا أو اتفقنا معها، يظل راسخًا ولا نستطيع التخلص منه ونقف عاجزين أمام فكر جاهلي “هذا ما وجدنا عليه آباءنا”، فالعادات تقول إن “الولد أولى ببنت عمه والأرض متروحش لراجل غريب”، وغيرها من الأفكار التي تساعد في تأخر وتراجع هذه المجتمعات، وعندما ينتفض المجتمع ويقرر التغيير، تعلو قيم الذكورية ويُسمَح للرجال دون النساء، بالزواج من خارج القبيلة.

في السنوات الأخيرة، بدأ السماح للنساء بالزواج من قبائل أخرى على مضض، وكان للمدنية أثر كبير في ذلك وتدخل في تفكيك هذه المنظومة، فاحتمالات تمرد سكان القرى على هذه الزيجات أقل بكثير من الاحتمالات لسكان المدينة، فشكل الحياة في المدينة، يغير من طبيعة الروابط والتجمعات القبلية في مكان واحد، حيث توجد شوارع في المدينة، يسكن فيها عائلات من قبائل مختلفة، ولكن تظل العادات تحاصرنا، تظل بداخلنا ترسبات نعيش في صراع معها، وصراع بين الأجيال والقبائل المختلفة، وأحيانًا بين العائلات الكبرى داخل نفس القبيلة، ويتخطى الأمر في أحيان كثيرة، فكرة الرفض أو المنع ويصل الأمر إلى العديد من الممارسات العنيفة؛ كالحبس والحصار والمقاطعة  والمساومة والاشتباكات والضرب وتصل إلى القتل في بعض الأحيان، هذا بخلاف كم القهر  والظلم والأذى النفسي الذي تتعرض له الفتيات والشباب في معاركهم علي حرية الاختيار.

أن  تعيش معركة، تحارب فيها من أجل بديهيات إنسانية، فهذا وجع حقيقي نعايشه خلال هذه التجارب، التي قد تنتهي بالنجاح أو الفشل أو الفقد لأشخاص خانوا توقعاتنا، ودخول أشخاص جدد، قد يغيروا شكل حياتنا. كل الدعم والمحبة لأشخاص خاضوا التجربة أو ما زالوا يخوضونها، فأنا أشعر بهم تمامًا، لأنني خضت واحدة من هذه التجارب القاسية جدًا.

#ما_تجبرنيش: حملة أطلقتها مبادرة دورِك في قنا، في إطار الـ16 يومًا الدولية لمناهضة العنف ضد المرأة.

تهدف الحملة إلى التوعية بخطورة الزواج القبلي، المنتشر في بعض المناطق في صعيد مصر