شكلت وزارة الداخلية المصرية في مايو من العام 2013، وحدة لمكافحة جرائم العنف ضد النساء، وذلك بموجب القرار رقم 2285 لسنة 2013، بعد ارتفاع معدلات جرائم العنف ضد المرأة، وتحديدًا التحرش الجنسي، كما أعلنت الداخلية إنشاء أقسام لمكافحة العنف بمدريات الأمن تضم عناصر من الشرطة  النسائية.

بدأت الضابطات تظهر في الشوارع وتحديدًا مناطق التجمعات خلال عطلات الأعياد، ليمارسن دورهن في تأمين الفتيات والسيدات، في الأيام التي أضحت موسمًا للتحرش الجنسي، والشيء نفسه يقمن به في محيط المدارس، كما ظهرن في وسائل المواصلات العامة، للتفتيش والمتابعة، بالإضافة إلى مشاركتهن في تأمين الاستحقاقات الدستورية الأخيرة.

343295447295532

أول مصرية تصل إلى رتبة “لواء شرطة”

السلك الأمني كغيره من مجالات عمل كثيرة، جعلته العادات والتقاليد ومنظومة العمل نفسها، حكرًا على الرجال فقط، وفي هذه المجالات ليس مستساغًا أن نسمع عن تدرج النساء ووصولهن إلى المقاعد القيادية، في ظل حالة التربص والتضييق السائدة، وهو ما يجعل خبرًا مثل ترقية  الدكتور “عزة الجمل” إلى رتبة لواء، وهي مدير مستشفي الشرطة بالقاهرة الجديدة، إنجازًا لم تعهده النساء المصريات من قبل، وقد تبع الخبر ترقية أربع ضابطات أخريات إلى رتبة “لواء”، وهن؛ اللواء “حنان محمود خليل” بشرطة السياحة، واللواء “فاتن سيد” باتحاد الشرطة الرياضي، واللواء “إيمان السيد” بميناء القاهرة الجوى، واللواء “رقية حمزة” بشرطة النقل والمواصلات.

الاحتفاء بهؤلاء النسوة لما حققن من إنجاز لم يسبقهن إليه أحد، لا يعني أن الشرطة النسائية، عرفتها مصر في الاَونة الأخيرة، بل على العكس فقد تخرجت أول دفعة للشرطة النسائية في مصر قبل أكثر من 60 سنة.

الدفعة الأولى 

يعتقد البعض أن اقتحام المرأة للعمل الشرطي، فرضته الأحداث التي شهدتها مصر إبان ثورة الخامس والعشرين من يناير وما تلاها، خاصة مع ظهور دعوات نسوية وحقوقية، بضرورة تولي “ضابطات”، مسؤولية التحقيق في قضايا التحرش والاغتصاب، باعتبارهن الأقدر على تفهم ملابسات هذه القضايا، وهو ما ظن كثيرون أنه دعوة لإشراك النساء في العمل الشرطي. لكن بإعادة النظر إلى التاريخ، يتبين أن عمل المرأة المصرية كضابطة شرطة، يعود الي ما بعد ثورة يوليو 1952، فقد تخرجت  أول دفعة للبوليس النسائي أو ما عرف وقتها بـــ”الكونستبلات”، في العام 1953، وذلك بعد تخريج أول دفعة كونستبلات من الذكور المصريين بما يزيد عن عشرين سنة. وعلى الرغم من الهجوم والانتقاد والتعقب، الذي طالهن اَنذاك، فإن ذلك لم يمنعهن من القيام بواجبهن على نحو مثير للانتباه، ومن أبرز الأسماء في هذا الصدد كانت: قاسمة أحمد ونعمة حسن خليل و عطيات محمد خليل.

وقد نشرت مجلة الإثنين في عددها الصادر بتاريخ 19 أكتوبر من العام 1953، حوارًا صحافيًا أجرته مع أول دفعة من “الكونستبلات” في مصر.، وبدأ الحوار بكلمات “أخيرًا عرفت مصر البوليس النسائي..”

سيدات برتبة “كونستبلات”

243277908768505

حصلت “قاسمة أحمد” على شهادة الثقافة، ثم تقدمت إلى حكمدار الإسكندرية بطلب تعيين لوظيفة بالحكمدارية، وبالفعل استُدعَيَت لإجراء الاختبار والفحص الطبي، وتم قبولها. وأظهرت “أحمد” مهارة لافتة، في كتابة التقارير وتفتيش المستشفيات واجراء الأبحاث والتحريات، مما ساهم في ترقيتها سريعًا إلى رتبة “كونستبلة ممتازة” أي مايعادل رتبة “ملازم ثانٍ”  في وقتنا الحاضر.

وبحسب الحوار الذي أجرته “الاثنين” مع الكونستبلات الثلاث، فإن “نعمة محمد علي حسن” لم تتمكن من استكمال دراستها الثانوية لأسباب وصفتها بالقهرية، وعندما علمت من أحد أقاربها، بحاجة حكمدارية الإسكندرية إلى نساء، سارعت بالتقدم إلى الوظيفة، فقُبِلَت بها، لكن جرى فصلها لاحقًا بسبب خطبتها، وذلك لأن الزواج كان يعد من الأمور المخالفة لشروط العمل بوظيفة الكونستبلة، ولم يكن ذلك مفهومًا أو مقبولًا بالنسبة لها، لا سيما أن الضباط الذكور، لم يكن مفروضًا عليهم المنع نفسه، ولذلك أصرت “حسن” على الاحتفاظ بوظيفتها، وتقدمت بالتماس إلى “محمد نجيب” رئيس الجمهورية اَنذاك، فاستجاب إلى طلبها، وأعيدت إلى الوظيفة.

الكونستبلة الثالثة هي “عطيات محمد خليل”، رفضت الالتحاق بمهنة التدريس بعد حصولها على دبلوم الفنون، وانتقلت إلى الإسكندرية للتقدم إلى وظيفة الكونستبلة، ونجحت في اجتياز اختبارات القبول بها، وكانت من أكثر الضابطات اللاتي ذاع صيتهن، بسبب الجدية والالتزام.

القسم النسائي بأكاديمية الشرطة

168204291025177

مضت سنوات كثيرة بعد ذلك، حتى أسس “عبد الكريم درويش” رئيس أكاديمية الشرطة، القسم النسائي بالأكاديمية، وتحديدًا في العام 1984، بهدف التعامل مع الإدارات التي لها علاقة بخدمات الجماهير مثل، المرور، والسجل المدني، مما أدى إلى إبعاد المرأة عن الأعمال الميدانية، وقصر عملها على الشؤون الإدارية. كان الإقبال النسائي ضعيفًا على القسم، حتى أغلقت أبوابه في العام 1990، بينما فتحت كلية الضباط المتخصصين بأكاديمية الشرطة أبوابها لخريجات الجامعات،حتى يتمكَّن من العمل بوزارة الداخلية، بعد أربع سنوات من الدراسة.

يشير بعض المتابعين إلى أن التحاق النساء المصريات بالعمل الشرطي، قد زاد مؤخرًا، لكن على ما يبدو أن هذه الزيادة ما زالت محدودة، خاصة أن أرقامًا أعلنتها صحف خليجية تفيد بأن الإمارات تضم في جهازها الشرطي أكثر من 10 اَلاف ضابطة، بما يقدر أنه أعلى عدد ضابطات في المنطقة.