محمد أبو الشباب

 

ناشط في مجال الدفاع عن حقوق النساء

وعضو لجنة خبراء بمؤسسة خريطة التحرش الجنسي

 

من أشهر الحوادث اللي حصلت سنة 1964 كانت لــ كيتى جينوفيز، وهي ربة منزل فى نيويورك اتقتلت قدام بيتها، نزلت من عربيتها قصاد البيت وأول ما نزلت واحد كان مستخبيلها جه وهاجمها بسكينة، كيتي صرخت علشان تلم الناس وفعلًا الجيران طلعوا من بيوتهم، القاتل خاف وجري بس لاحظ أن محدش من الجيران راح يساعد كيتي، فرجع تاني وضربها مرة كمان بالسكينة وقتلها، الجيران برضه متحركوش لحد ما الإسعاف وصلت.

حاجة بشعة جدًا!

طبعاً الجرايد عملت تحقيقات صحفية كتيرة بخصوص مقتل كيتى  وتساءلت إزاي المدينة يتقتل فيها روح بنى اَدم بالطريقة دي والناس واقفة تتفرج، وأن لو ده كان حصل في قرية فى ولاية زي كانساس أو أوهايو كان أخينا ده من أول ما استخبى واستنى كيتى الناس كانوا شرحوه، وبقى مصمصة شفايف على الأخلاق اللي باظت ومبقاش فى شهامة وده لو أنا كنت موجود الواد ده كان طلع عين اللى خلفوه، لحد ما اتنين من علماء النفس قرروا يدرسوا الموضوع “هل فعلًا كان في حاجة غلط فى الناس دول؟” كان فى شك دايمًا فى الموضوع ده.

إيه اللى بيحصل لو أنا سألت سيادتك ليه كل يوم بتعدى قدام واحد متشرد مبتفكرش اطلاقًا تسأله هو ملهوش بيت ليه؟ أو حتى تساعده؟
هتكون اجاباتك اللى هترد بيها هى “أنا مش مقتنع أنه متشرد فعلا ده احتمال كبير يكون نصاب” أو “أنا أصلًا معيش فلوس وأكيد فى حد يقدر يساعده أكتر مني”

بس لو سألتنى أنا هقولك أنك مساعدتهوش لأنك افترضت أن حد من الناس التانيين هيساعده، عارف أنك ساعتها هتنكر أن ده السبب الحقيقي، بس بالمناسبة لو سألتك في الأول عن ليه صاحبك اللي كان ماشى معاك مهتمش هتقولي السبب أنه أكيد افترض أن حد تانى هيساعده.
المهم أن الباحثين في علم النفس، بيب لاتينيه و جون دارلي، صمموا سلسلة تجارب علشان يثبتوا الفرضية دي، وفي تجربة منهم طلبوا من الناس يملوا استبيان عن الشغل والدراسة وشوية حاجات تانية سهلة، وقسموهم 3 مجموعات (مجموعة فيهم، كل واحد بيدخل أوضة لوحده يملى الاستمارة، ومجموعة بيدخلوهم أوضة فيها 3 مع بعض ومجموعة فيها 3 مع بعض واتنين من الباحثين متنكرين في صورة طلبة)

فى كل أوضة بيضخوا فيها دخان، لقوا أن الناس اللي فى أوضة لوحدهم 75% منهم أول ما شموا الدخان اتحركوا مباشرة وسابوا الأوضة، وافترضوا أن فى حريقة، أما الأوضة اللي فيها 3 النسبة دي قلت لحوالي 38% بس اللي اتحركوا أو عملوا رد فعل وقالوا أن في حاجة بتولع جنبهم، أخيرًا الأوضة اللي كان فيها 2 من الباحثين واخدين أمر انهم يعملوا من بنها علشان يشوفوا الناس هتعمل ايه و للآسف النسبة المرة دى قلت عن المتوقع  ووصلت لـ10%.

مجددًا إجابة كل واحد من الناس اللى متحركتش كان إن أنا افترضت أن الدخان ده عادي مش حريقة ولا حاجة بس واضح جدًا طبعًا أنه كان مستني حد غيره يتحرك علشان ميبانش أنه “عبيط”، الموضوع ده كله اسمه The bystander effect
وبيحصل في أبهى صوره لما تحدث واقعة تحرش ومفيش حد يتدخل

فى اللحظة دى بيحصل حاجتين مهمين؛ أولهم pluralistic ignorance “التجاهل الجماعي” و ثانيهم the diffusion of responsibility  “توزيع المسؤولية”.

ببساطة لما العدد بيكبر؛ كل واحد من اللي واقف فى الحدث أو الواقعة  بيسأل نفسه “هو الباقي ليه ما أخدش رد فعل ؟” أو  “اشمعنا أنا يعنى اللي اتحرك و أخد موقف؟”
وللآسف ده بيوضحلك تاني ليه ممكن تحصل حادثة تحرش ومحدش يتحرك، ليه أنت نفسك كتير بتلاقي مبررات أنك تشوف حاجة غلط وتسكت، و دا بيفسر لنا النسبة المفزعة دي من ردود فعل الناس تجاه أي واقعة تحرش، في 40% من حالات التحرش “لم يتفاعل المارة معها” مفيش أي رد فعل نهائي، وفي 11% تظاهروا بعدم رؤيتهم للتحرش من أصله.

أما فيما يتعلق بتوزيع المسؤولية، النظرية دي بتفترض أن أي حدث بيحصل في مكان عام في مجموعة من البشر، بيتكون عند البشر دول عقل جمعي، هو اللي بيتحمل الشعور بالمسؤولية ، وبيتولد احساس ظنى أن المسؤولية دي  هتتقسم على عدد المتواجدين والمشاركين والمشاهدين للواقعة أو الحدث، فنسبة إحساسهم بالمسؤولية بتقل، بمعنى أن لو في 30 واحد ماشيين في ميدان عام حدثت فيه سرقة، فنصيب كل واحد فيهم من المسؤولية اللي هايحملها له الوعي الجمعي بتاعه هو 1/30 من مسؤولية الموقف، ودي مش نسبة كافية تخليه يتحرك او يعمل حاجة، في حين أن نفس الشخص لو شاف السرقة نفسها وفي نفس الميدان  بس مفيش غيره، هايحس بمسؤلية 100٪ تجاه الموقف و احتمال أكبر انه ياخد رد فعل زي أنه يجري ورا الحرامي وممكن يضربه، لو أكتر من واحد شاف واقعة السرقة، رد الفعل هيقل تدريجيًا فممكن حد فيهم يقرر ينادى بصوت عالي ويقول حرامي ويلفت نظر اللي حواليه عشان يتصرفو سوا، لكن في حالة الــ 30 عقلك الباطن بيقولك أنك مستحيل تقنع الــ30 دول يشاركوا، ومينفعش تتصرف بالنيابة عنهم لأن ملكش أفضلية وأنت مش مسؤول أمني ولا ليك أفضلية جسدية أو عقلية ولا علاقة بتجمعك مع المتضرر، وبالتالي الــ1/30 من المسؤولية اللي عندك مبتولدش طاقة تدفعك أنك تتحرك وتاخد موقف.

أخيرًا، مش كل الناس بتطنش، في ناس بتاخد موقف “بس للآسف مش الأغلبية”، دي مجرد نظرية موجودة وتم إثبات صحتها، يبقى لازم نحطها فى الاعتبار إلى أن يثبت العكس.

“العالم يعاني كثيرًا ليس بسبب ظلم الأشرار، لكن بسبب صمت الأخيار”

أى رد فعل منك مهما كان قليل .. ممكن يمنع التحرش