وفاء عشري

وفاء عشري: جنوبية تبحث عن الحرية لكل بنات جنسها في عفن موروثات مجتمعها الجنوبى

شاركت في تأسيس مبادرة “جنوبية حرة” التي تهدف إلى رفع وعي الفتيات الجنوبيات والحد من العنف ضدهن

ترشحت على المقعد الفردي بالدائرة الأولى بأسوان في انتخابات برلمان 2015.

 

كان موعدي مثل كل يوم أمام مرآتى لأتحدث معها، أقف عارية تمامًا كما ولدتني أمي، مستمتعةً بالحديث إلى جسدي، أتفحص منحنياته، أتلمسها بأصابعي، وأتذكر حجم كرهي لهذا الجسد في وقت ما.. كيف كرهت هذا الجسد ومتى؟ لا أتذكر.

كل ما أتذكره، يوم قررت أن ارتدي كفني حزنًا وتشييعًا لروح قد وأدتها الاَلام والأحزان، كان قراري بارتداء النقاب نابعًا من احتقاري لجسدي الذي نهشته عيون الاَخرين من الرجال، وأدخلتنى في دائرة مفرغة، ثم خرجت منها عازفةً عن الإحساس والشعور.. كيف كرهت جسدي؟ ومتى؟ لا أتذكر.

اعتقدت أن كفني هذا منفى لجسدي، وأننى أستطيع أن اختبأ عن من تجاسروا عليه يومًا ما، لكنني وجدتهم أكثر بحثًا وتطفلًا في تلك المتدثرة بهذا الثوب، وتتساءل أعينهم، إن كان عن عفة أو عن تمنع؟ وقليلًا من كان يعتقد أنه عن عقيدة، وحقيقةً، لفترة أقنعت نفسي أنه عن عقيدة، لكن بعد مرور وقت، وبعد أن هدأت النفس، أدركت أنه مرحلة هروب.. إلى متى؟ حين أعرف.. كيف كرهت جسدي ومتى؟

أتذكر يومًا، كنت أجلس معه، كنا نتناقش عن نقابي، فصعقته حين أجبته “أنا مش حتة لحمة متعلقة فى محل جزارة” ليس وحده من تفاجأ بالجملة، لكنني وقتها اكتشفت نفسي وأين أزمتها؟

أزمتى كانت في أننى لم أر جسدي لي وحدي، بل كان يتشارك فيه الكثير بتحرشاتهم سواء باللفظ أو بالفعل.

أتذكر يومًا حين قال أحد الزملاء “ساقاكي جميلتان” فرددت عليه ضاحكة “نعم أعلم أنهما جميلتان” فقال “أنا أتكلم عن ساقيكى بداية من أعلى” وهو يشير إلى أفخاذي، عندها أدركت أنه رغم كوني فى كامل ملابسي المحتشمة، والواسعة، إلا إننى كالعارية تمامًا في عينيه، لم استطع رده واضطررت أن أغير الموضوع كله، حتى أصرفه إلى شيء اَخر بعيد، هل هذا الموقف الذي أخذني إلى ما أنا عليه الاَن؟!

أتذكر موقفًا اَخرًا، كنت أحضر دروس للكمبيوتر أثناء دراستي وكان يومًا غائمًا، يشي بأمطار ستهطل، مضيت في طريقي، وعندما دخلت الحجرة، وقد أغرقتني الأمطار من شعر رأسي وحتى أصابعي داخل الحذاء، ومن الواضح أن منظري هذا، قد ألهب خيال مدربي فأخذ يتحرش بي من وراء المكتب وهو يجلس إلى جواري، ولم أجرؤ على الاستغاثة أو حتى الاستعانة بالسيدة مديرة المكتب التي كانت بالخارج، لكن ما أن وجدتها أمامنا وقد أحست بي استنجد بها عبر نظراتي، ما كان منها إلا أن أجلت الدرس، وكانت هذه المرة الأخيرة التي أحضر فيها درسًا لرجل، هل هذا الموقف هو ما رسخ لدي أنني قطعة من لحم؟!

هل اشتباكاتي أكثر من مرة في المواصلات العامة، عند تحرش أحدهم بي وأفاجأ بردودهم، “أنا راجل متجوز هابص لك ليه يعني” “أنتي مش حلوة خالص عشان أبص لك”، هل جسدى كان لي وحدي أم كانوا جميعًا يتشاركون فيه؟ بعد كل تجاربي الإنسانية، التي كانت تؤدي إلى فكرة علقت فى ذهني “جسدى هو سبب نكباتي”

هل حينها استسلمت إلى فكرة تكفينه ولبس النقاب، بعد جلستي مع صديقي وبعد محاولات كثيرة منه لعمل تصالح داخلي مع نفسي، وجلسات لساعات طويلة أكون فيها عارية من كل ملابسي أتحاور مع نفسي وأسأل “من أنا؟” كيف أراني…. أتحرك ..امشي ..أجلس حتى أصبحت في صداقة حميمة مع نفسي، واعتدت على رؤيتي عارية، أتلمسني بأصابعي وأمررها على جسدي اتحسسه وهو حى يتنفس وأنا التي حرمته من الحياة.

كنت أفكر هل استمر فى لبس هذا الكفن؟ هل استمر فى الاختباء من نفسي داخل نفسي؟ كيف لا استطيع أن أواجه نظرات الاَخرين لجسدي إن كنت أواجه يوميًا تحدي مع هذا المجتمع التقليدي وأكسره واحدًا تلو الاَخر؟

عند المواجهة مع نفسي أقف حائرة أو بمعنى أدق “خائفة”، هل استطيع أن اتحمل نظراتهم تلك تغوص فى لحمي، لقد لبست كفني هذا بناءً على قرار بألا أتعامل مع الطرف الاَخر فى الحياة وهو الرجل، فهل أنا مستعدة الاَن للتعامل معه على المستوى الإنسانى، وهل أنا على استعداد للاشتباك معهم من أجل حرية جسدي؟

لقد اتخذت قرارًا بأن يكون جسدي لي وحدي، سأتحرر من كفني، وأتحرر من خوفي عليه، سأواجه نظراتهم بلا مبالاة بل، وأكثر من ذلك سأتباهى به لنفسي، فجسدى لي وحدي – وإن تجاسر أحدهم وتحرش بي، سيندم لأنه اعترض طريقي يومًا ما.