أربع سنوات على”ثورتنا الشهيدة”.. قدمت المرأة عمرها وذويها قربانًا للوطن فما وجدت سوى العنف والرصاص ردًا
عام بعد عام، نبقى على أمل فى معيشة أفضل، وضع أحسن، واقع اَدمى، ولكن للأسف المرار هو الأكثر، وكأننا مجبرون على كابوس هو الأطول، تتلقفنا جنبات الطرقات بصفعة وراء الأخرى والطريق الأكبر مسدود أمامنا بلا مخرج.
بعد أربع سنوات على أنبل ثورة عرفها التاريخ المصرى، تعيش مصر أسوأ فترات تاريخها وتعانى النساء أبشع صور تهميشها رغم أنها قدمت الغالى والنفيس ولم تبخل على وطنها لا بعمر ولا بعرض ولا حتى بأعز من فى حياتها، النساء لم ولن يعايرن وطنهن بما قدمن، فقط يذكروه أنهن خرجن و هتافهن فيه حقوق الوطن أولًا لكن لا نال الوطن حقوقه ولا نلن هن حقوقهن.
25 يناير 2011 .. عودة الروح
سنوات عجاف.. عاشتها مصر تحت سطوة الفساد والبلطجة السياسية، ضاعت حقوق المواطنين كافة نساءً ورجال، وصارت كلمة “الحق” ثمنها أغلى من طاقة الكثيرين، ودفعت كثر من النساء الثمن إما بالنيل من السمعة والشرف، أو هتك العرض، وأحيانًا فقدان عزيز، فقبل الثورة عرفت مصر التحرش الجنسي بالمعارضات يوم 25 مايو 2005 خلال وقفة احتجاجية ضد التعديلات الدستورية فيما يعرف بالأربعاء الأسود وشهد على الفضيحة العالم كله لأول مرة على واقعة من هذا القبيل رغم أنه سبق وفعلت السلطة مع متظاهرات حركة كفاية فى 2004 إلا أن الكاميرات لم تلتقط صوراً تفضح السلطة الهوجاء اَنذاك.
برغم الأساليب القمعية وإستغلال قدسية “أعراض النساء” لتضييق الخناق على مشاركة النساء فى الحركات الاحتجاجية ومجموعات المعارضة إلا أنها لم تفلح وشهدت مصر خروجًا مبهرًا للمرأة منذ اليوم الأول لثورة 25 يناير، وخاصة الفتيات الشابات وهن الأكثر تعرضن لتهديدات “هتك العرض”.
خلال تظاهرات اليوم الأول من الثورة تعرضت النساء للتعنيف من قبل قوات الأمن و تم القاء القبض على عدد من المشاركات فى التظاهرات واشتدت وتيرة القمع فى الأيام الثلاثة اللاحقة للإنطلاقة ، فى 26 ، 27، 28 وخاصة يوم “جمعة الغضب – 28 يناير” إذ تعرضت النساء للضرب وإطلاق الرصاص والخرطوش صوبهن، والاعتقال وسقطت أولى شهيدات الثورة.
- “مرام محمد” مصابة من مصابي الثورة فى جمعة الغضب 28 يناير
خرجت “مرام” مع مجموعة من أصدقائها بعد صلاة الجمعة بإتجاه التحرير وبوصولهم لكوبرى قصر النيل كانت قوات الأمن بانتظارهم مدججين بالسلاح، رغم أن المقبلين من الشباب لم يكن معهم أية أسلحة سوى صوتهم العالى الذى يهتف ( سلمية..سلمية )
أصيبت مرام بطلق نارى (خرطوش) من مسافة تصل ل3 أمتار، انفجر داخل بطنها إلى 150 شظية انتشرت فى منطقة البطن مما أدى إلى إصابات بالغة فى المعدة استلزمت استئصال أجزاء من المعدة.
- “سالى زهران” و “أميرة سمير”.. زهور فاح عطرها برائحة “الحرية”
تعد”سالى زهران” من أشهر شهداء ثورة الــ25 من يناير ولقبت ب “زهرة الجنوب”، توفيت “سالى” يوم جمعة الغضب ال28 من يناير، وخلال الموجة الأولى من الثورة وتحديداً ال18 يوماً الأولى ظلت “صورتها” مرفوعة بالميدان كأحد أيقونات الثورة.
أما “أميرة سمير” الفتاة التى لم تتجاوز 16 عاماً تأتى بين قائمة الأسماء الأكثر ترديدًا بين شهداء الثورة رغم أنه لم يتسن لها المشاركة فى تظاهرات جمعة الغضب، نظراً لصغر سنها إلا أن الرصاص نال منها وهى تقف فى شرفة منزلها ترقب الأحداث المتصاعدة فى الشارع المصرى الثائر ضد الظلم.
25 يناير 2012 .. أعراضنا معلقة فى حبال السيادة
حلت الذكرى الأولى للثورة وسط مشاحنات بين فرق الشعب المنقسم فى اتجاهات عدة، لم تكتنف الذكرى أية مظاهر احتفالية ( إلا من قبل الإخوان) خاصة من جانب من شاركوا بالثورة أو المؤمنين بها نظراً لما سبق الذكرى من أحداث وجرائم ضاعفت قائمة الشهداء والشهيدات، فقبيل أيام من حلول الذكرى الأولى للثورة، تعرضت إحدى الناشطات لواقعة هتك عرض كانت الأبشع والأقسى على المصريات والمصريين فيما عرف بواقعة ” ست البنات”.
- “ست البنات”
فى ال17 من ديسمبر 2011 خلال اعتصام مجلس الوزراء الذى كان امتداد لإنتفاضة “محمد محمود” والتى كان مطلبها الرئيسي، إسقاط الحكم العسكرى الذى تخضع له البلاد منذ سقوط مبارك، وخلال هذه أحداث مجلس الوزراء تعرضت العديد من الفتيات للضرب والتحرش اللفظى ورُصِدت أغلب هذه الوقائع عبر صور فتوغرافية، بينما رصدت الكاميرات بالفيديو واقعة سحل فتاة وتعريتها وكشف عوراتها، وركلها فى الصدر من قبل بعض أفراد القوات المسلحة، لتعلن السلطة فى ذلك اليوم، أن سيرتها الأولى فى التعامل مع المعارضات كما هى بلا أى تغيير بل وأكثر فجاجة، وكسر الشوكة بهتك العرض مازال هو أداة السلطة، وكأن القائمون على الحكم وقتذاك يصرخون فى وجوه النساء كافة “لا ثمن لما قدمتن ولا ثمن لكن أنفسكن” وحينها أبت السلطة متمثلة فى المجلس العسكرى الإعتذار للفتاة وخرج الإخوان ينشرون سؤالهم الأبله “ايه اللى وداها هناك؟”
“كشوف العذرية”
قبل ذلك بشهور، وتحديدًا فى يوم ال9 من مارس 2011 ، أُلقِىَ القبض على 18 سيدة وفتاة شاركن فى تظاهرات بمحيط ميدان التحرير، وتم اقتيادهن للسجن الحربى، وأجبرت 8 فتيات منهن على إجراء كشوف عذرية كانت بينهن الشابة “سميرة إبراهيم” والتى استُخدِم معها وسائل تعذيب مختلفة لإخضاعها للكشف وخلع ملابسها.
بعد فترة خرجت “سميرة إبراهيم” للنور و روت تفاصيل ما تعرضت له وتحولت قضية”كشوف العذرية” لقضية رأى عام إلا أن الطبيب المجند المتهم فى القضية التى أقامتها “سميرة” تم تبرئته فى نهاية المطاف من جميع الاتهامات الموجهة إليه لأسباب عدة من بينها تقليص الإتهامات من هتك العرض إلى “ارتكاب فعل علني مخل بالحياء” و”إهمال إطاعة الأوامر العسكرية”،وعلى الرغم من طلبات المحامين بتعديل الاتهام إلى “هتك العرض” رفضت المحكمة العسكرية ذلك.
25 يناير 2013 .. قشة”التحرش والاغتصاب” لم تعد تقسم الظهور بل تشد القامات
جاءت الذكرى الثانية للثورة، لتكشف لنا عن الوجه القبيح للسلطة المنتخبة متمثلة فى جماعة “الإخوان” التى أدعت انتسابها للثورة، واستخدمت وقتها نفس أساليب النظم السابقة عليها فى مواجهة المتظاهرات ولكن بصورة أكثر بشاعة، ليشهد الجميع على اعتداءات جنسية بل بلغت الاغتصاب الجماعى والاغتصاب بالأصابع والأوات الحادة داخل ميدان التحرير، ورصدت مجموعات مكافحة التحرش التى أوكلت لنفسها مسؤولية التصدى لأى اعتداءات جنسية ضد النساء بميدان التحرير، 24 اعتداءً جنسيًا.
يذكر أن هذه الاعتداءات الجنسية وصلت اصابات إحدى الفتيات بسببها لقطوع فى المهبل واضطرت احداهن لاستئصال الرحم حتى يتم انقاذها من الموت.
وعندها أعلنت المنظمات النسوية أن ظاهرة التحرش بالمتظاهرات المناهضات لحكم الإخوان من قبل أفراد غير معلومين، تحولت من مجرد جرائم فردية إلى جرائم ممنهجة ومتعمدة، وحملت القوى السياسية وأغلب القنوات الإعلامية، جماعة الإخوان مسؤولية هذه الحوادث.
فى المقابل أدان مجلس الشورى ( ذو أغلبية إخوانية) وقتها، النساء لتواجدهن فى أماكن مزدحمة معتبرين أن النساء يجب ألا يختلطن بالرجال أثناء المظاهرات ومنتقدين ملابس المتظاهرات”غير الملتزمة” التى دفعت لإرتكاب هذه الجرائم بحقهن.
وبرغم هذه الحملة الشرسة ضد النساء، وبهاظة الثمن الذى صرن يدفعنه من أجل الحرية، لم يخفت صوت النساء ولم يتركن الشارع وكان الــ30 من يونيو هو الرد الأكبر لهن.
25 يناير 2014.. نزعوا عن يناير صفة الثورة..وفتيات هتفن بالحرية فضاقت عليهن جنبات السجون
مرت الذكرى الثالثة للثورة، وسط مشهد عبثي، هُمش فيه الشباب نهائيًا، وعادت وجوه النظام المخلوع للواجهة مرة أخرى تتحدث بلسان الشعب، ونُزِع عن 25 يناير صفة الثورة لتستبدل بوصفها بالمؤامرة من قبل المستفيدين من نظام مبارك.
قبل حلول تلك الذكرى، كانت الدولة المصرية استخرجت شهادة وفاة للتظاهرات والوقفات الاحتجاجية التى صنعت الثورة، بعد إصدار ما عرف بقانون التظاهر وعلى إثره هاجمت القوات الشرطية تظاهرة أمام مجلس الشورى نظمها مجموعة “لا للمحاكمات العسكرية” لإيصال رسالة إلى لجنة الخمسين المنعقدة بالمجلس لإعداد مشروع الدستور، ومفاد الرسالة هو رفض المادة المتعلقة بمحاكمة المدنيين أمام القضاء العسكرى، إلا أن هذه التظاهرة قوبلت بعنف مفرط من قبل الشرطة، وتم إلقاء القبض على عدد من المشاركين والمشاركات فى هذه الوقفة، و تعرضت الفتيات المشاركات للضرب والصفع والسحل، كما استهدفن بتحرش لفظى وجسدي من قبل قوات الأمن.
وهو المشهد نفسه، الذى اكتنف تظاهرة خرجت تحيي ذكرى الثورة المغدورة بحى المعادى، وتعقبها أفراد الشرطة وألقوا القبض على عدد من المشاركين فيها، وكان بين المقبوض عليهم 4 فتيات هن :نازلى حسين ونور حمدان ومنى الكردي وإسراء حمدي.
https://youtu.be/dAmfTfFrf_g
25 يناير 2015.. موعد مع الماضى”الأسود” وهتاف الثورة يتسبب فى مقتل “شيماء الصباغ”
قبيل ساعات من حلول الذكرى الرابعة، قررت مجموعة من حزب التحالف الشعبي الإشتراكى تنظيم وقفة سليمة بشارع طلعت حرب، لإحياء ذكرى الثورة ووضع أكاليل من الزهور بقلب ميدان التحرير، إلا أن عناصر قوات الأمن المتواجدة أطلقت الغاز المسيل للدموع ومن ثم طلقات الخرطوش لتخترق ثلاث طلقات منهم جسد عضوة الحزب وأمين العمل الجماهيرى به “شيماء الصباغ”.
لنبقى فى نفس دائرة الموت لكل من هتف فقط باسم الثورة والحرية، بل أننا تراجعنا عن ذلك بمراحل حتى أضحت الزهور فى عيون المعترضين سلاحًا لابد أن يواجه بالرصاص.
https://youtu.be/RiJCbVWwIOQ