تعيش المرأة، وهو ملازمها، يبدأ معها صغيراً ويكبر كلما كبرت..قليلاً ما يفارقها، هو القرين الذى يحول بينها وبين حرية القرار والاختيار.

يمارسه ضدها الأب تارة والأم تارة أخرى، وللأخ نصيب فى ممارسته ضدها، والزوج يعتبره حق له باسم الدين من وجهة نظره أحياناً و بعرف المجتمع أحياناً أخرى.

العنف الذى يقع داخل الأسرة، تتوارثه الأجيال ويبقى على قيد الحياة بسبب التقاليد المترسخة والتى تنتقل من جيل لجيل، وبسبب المجتمع الذى يساهم فى ترسيخ الحق فى تعنيف المرأة داخل الأسرة من قبل ذويها، والإعلام والدراما بالطبع ساهما بدون أدنى شك فى تكوين الصورة الذهنية البطولية للرجل الذى يعنف زوجته ، أو ابنته أو أخته أو أمه أحياناً بدافع الحفاظ على “الشرف” أو التوجيه لما يظنه الصحيح، وكأن الرجل وحده من يمتلك الصواب!

دور الإعلام والدراما فى ترسيخ الثقافة الذكورية داخل البيت:

الإعلام والدراما يلعبان هذا الدور من خلال خلق أشكال نمطية في البرامج والأحاديث والمناقشات العامة التي تبرز الرجل له كل الحقوق في أن يتحكم في المرأة وأن يهمشها هذا بجانب أنهما يخلقان فكرة نمطية (stereo type) عن أن المرأة انسان درجة ثانية بجانب الرجل عو المسؤول عنها والمنوط بتحديد الطرق التى تسير فيها، ينتقل هذا التفكير النمطي للولد والبنت الذين يتحولان بعد ذلك لأب وأم وأخ وأخت في الأسرة
ولعل السينما المصرية كانت أكثر من رسخ لصور العنف الأسرى، بداية من الأفلام التي تصور المرأة بأنها ذات عقلية دونية، أو أنها ذات عقلية كيدية تآمرية وصولاً للأفلام التى تقدم المرأة بأنها خاضعة للعنف ضدها وراضية به وأحياناً سعيدة به.

العنف الأسرى هو

السلوك أو الفعل الموجه إلى المرأة على وجه الخصوص سواء كانت زوجة أو أماً أو أختاً أو ابنة، ويتسم بدرجات متفاوتة من التمييز والاضطهاد والقهر والعدوانية الناجم عن علاقات القوة غير المتكافئة بين الرجل والمرأة في المجتمع والأسرة على السواء، نتيجة لسيطرة النظام الأبوي بآلياته الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

صور العنف الأسرى منذ الميلاد وحتى اَخر العمر:

ولنسرد الأفكار التمييزية في المعاملة داخل الأسرة فالبداية مع الطفولة، فنرى في تربيتها من الأب والأم استخدام الضرب والإهانة لقيامها من وجهة نظرهما بمخالفة قواعد الأدب، رغم أنه واقعياً تكون الطفلة تفعل ما تفرضه عليها سنها الصغير ونجد نفس الأسرة لديهم ابناً لكن قلما يعاقب والحجة أنه ولد! وأيضاً يطلب ما يشاء من أخته وأن تحضر له ما يريد وأحياناً تنظيم وتنظيف غرفته بالرغم من صغر سنها وذلك تحت يافطة “أنتِ بنت هو ولد”

“التمييز فى التربية منذ الطفولة وتعويد الطفلة على تقبل فكرة خدمة الأخ لإنها “بنت” وهو “الولد” وأن خدمة من فى البيت من الذكور مهمة البنات”

“ختان الإناث” يعد أحد أبشع صور العنف الأسرى إذ تمر الفتاة بأسوأ حالة نفسية بعد هذه الممارسة قد تمتد لفترات طويلة هذا بجانب الأضرار الجسدية التي تتعرض لها وللأسف مصر تعد الدولة العربية الأولى فى معدلات ختان الإناث وبعد أن تفيق الفتاة من صدمة الختان، نجدها مجبورة فى كثير من ربوع مصر على التوقف عن التعليم، بسبب الفقر، فتنزوى فى المنزل، تقوم بالأعمال المنزلية ومن بينها بالتأكيد خدمة الأب والأخ، وخلال هذه الفترة يتم إعداد الفتاة لتقبل فكرة خدمة الرجل والاستعداد للانتقال لبيت الزوجية حيث ستعمل على خدمة زوجها باعتبار أن خدمة الزوج أهم ركن فى الزواج، هنا تحدث الفجوة الداخلية بينها وبين الرجل ويتولد لديها شعور أنها أقل منه وفى المقابل يشعر هو بقوته وأنه الحاكم بأمره.

“ختان الإناث والحرمان من التعليم وخدمة الأسرة بالمنزل من أجل تأهيلها أن تكون “ست بيت” صور أخرى من صور العنف الأسرى التى لا يُعترَف بها ويتم التعامل معها أنها شأن أسرى داخلى غير قابل للنقاش”

الخوف من العنوسة، يدفع الكثير من الأهل للدفع ببناتهن فى زيجات “والسلام” قد تكون مبكرة جداً بالنسبة لهن، أو غير مناسبة، أو مضادة لتطلعات الفتيات.

فى الوقت ذاته، العكس هو حال الأخ الذى قد يكون أكبر سناً حتى منها، لا يصر الأهل على تزويجه بل بين البعض لا يفكرون في زواجه من الأساس فهو رجل لا يخافون عليه من “العنوسة” أما البنت فزواجها “سترة” وهذا التفكير لا يقتصر على الأسر بين الطبقات الأقل اجتماعياً بينما تتسع رقعته بين الطبقات الوسطى وأيضاً بين الطبقات الأعلى.

“العنوسة عنف داخل عنف تواجهه الفتاة وأسرتها أول من يمارسه ضدها”

مما لاشك فيه أننا جميعًا نعرف القاعدة الشهيرة “هو يغلط راجل ميعبوش لكن أنت بنت غلطك عار عليكِ وعلى عالتك”

لذلك تعرف مجتمعاتنا جرائم الشرف ضد الفتيات لا بسبب ارتكاب الخطأ وإنما لمجرد الشك فى ارتكابه.

رغم أن ما هو مفروض علينا، أن نربي أبناءنا أن الخطأ والحرام واحد على البنت والولد لا تمييز بينهما.

جرائم الشرف تقتل بناتنا لأن خطأ الفتاة”عار” وخطأ الرجل من “علامات النضوج”

المشهد السينمائي الشهير الذى تفوق عليه الواقع فى مدى إهانته للفتاة،عندما تعطى الأم ابنتها قبل الزواج، الوصايا العشر التي تتضمن الطاعة العمياء للزوج وتبرير الخطأ له حتى “لا تقف المراكب السائرة” وتحمل غضبه وامتصاصه لأن “الزوجة هى من بيدها كل شئ”.

وفى أى واقعة تضطرها للعودة إلى أسرتها للاستنجاد بهم ولو معها الحق، كثيراً ما لا تجد مناصرتهم، فتصطدم الفتاة بتبريرات غريبة وجمل مثل “الست ملهاش إلا بيت جوزها” “قومي يا بنتي على بيت جوزك ما تخليش الشيطان يدخل ما بينكوا” حتى لو كان الخطأ من قبل الرجل بيناً بسبب إهانة، أو اعتداء جسدي أوحتى جنسي وتبرير ذلك إما رجوعًا لحق الرجل اجتماعياً بحكم التقاليد أو رجوعاً إلى تفسيرات “افترائية” من الدين.

فيضيع عمر الكثير من النساء بسبب أفكار سلبية وصور نمطية، تتقارب وتتباعد القصص فى تفاصيلها ولكن تظل النتيجة واحدة وهي أن العنف الأسرى قرين المرأة منذ الميلاد إلى الوفاة .