انطلق موسم الدراما الرمضانية للعام 2022 بمنافسة بين 30 مسلسلًا مصريًا، وهو ما يمثل نحو ثلث الإنتاج الدرامي العربي في هذا الموسم الصاخب، بما يحفظ للإنتاج المصري صدارته في المنطقة، كما تسجل الدراما المصرية في هذا الموسم زيادةً عن إنتاجها للموسم الماضي (موسم رمضان للعام 2021) بثلاث مسلسلات، وهي مؤشرات يجدها قطاع من المتابعات والمتابعين إيجابية، إلا أن تلك المؤشرات يقابلها جمود وركود فيما يخص إشكالية غياب التنوع التي باتت سمةً غالبة على الدراما المصرية التي تُنتَج للعرض في مواسم رمضان خلال السنوات الأخيرة، سواء على صعيد نوعية الأعمال، أو الموضوعات المطروحة، أو حتى أسماء الصنّاع والمشاركين في المسلسلات.

يعزو كثير من المهتمين والمتابعين للإنتاج الثقافي المصري، أزمة غياب التنوع إلى احتكار سوق الدراما وسطوة شركة وأفراد على المشهد، فقد استحوذت شركة سينرجي (Synergy) لمالكها المنتج تامر مرسي، والتابعة للشركة المتحدة للخدمات الإعلامية (UMS) على ما يقرب من نصف الإنتاج الدرامي الرمضاني خلال مواسم 2019، و2020، و2021.

وتواصل المتحدة للخدمات الإعلامية (UMS) سيطرتها المباشرة على الإنتاج الدرامي في الموسم الحالي، عبر شركتين بدلًا من شركة واحدة، بعد أن أعلنت شركة ميديا هاب (سعدي-جوهر) العام الماضي انضواءها تحت مظلة المتحدة للخدمات الإعلامية، لتصبح ذراعًا آخر للشركة القابضة إلى جانب سينرجي (Synergy).

فضلًا عن ذلك، تعزز المتحدة للخدمات الإعلامية (UMS) سيطرتها على الإنتاج الدرامي الرمضاني في الموسم الحالي، عن طريق شراكتها مع شركة العدل الجروب في إنتاج ثلاثة مسلسلات لهذا الموسم، بما يجعلها صاحبة اليد الطولى للعام الرابع على التوالي.

المُنتِجات ودراما رمضان.. حضور أشبه بالغياب

تحت وطأة الاحتكار وغياب التنافسية الطاغيين على صناعة الدراما في مصر، تتضاءل بشدة إمكانية توسيع رقعة مشاركة النساء المُنتِجات، كما تنحصر مشاركتهن الهزيلة في الوقت الراهن، على الإنتاجات المتواضعة نسبيًا بالمقارنة مع المسلسلات مرتفعة الكلفة، التي يأتي على رأسها مسلسل «الاختيار» بأجزائه، الذي تداولت صحف محلية وعربية أخبارًا تفيد ببلوغ ميزانية جزئه الثاني نحو 100 مليون جنيه مصري، وتجاوز ميزانية الجزء الثالث لهذا الرقم الضخم، وسط أنباء عن موازاة ميزانية إنتاجه لميزانية عشرة مسلسلات مصرية من المشاركة في الموسم الحالي.

لا تعود محدودية مشاركة المُنتِجات في مواسم دراما رمضان إلى أزمة الاحتكار فقط، فحتى قبل أن يسقط الإنتاج الإعلامي برمته أسيرًا في قبضة شركة بعينها، كان ولا يزال المناخ العام للإنتاج الدرامي التلفزيوني في مصر غير داعمٍ أو ممكّنٍ للمُنتجات، وذلك منذ أن بدأ الإنتاج الدرامي التلفزيوني في مصر في العام 1962.

في الموسم الحالي، تشارك منتجة واحدة وهي إيناس عمر عبر شركتها «المروة للإنتاج الفني» التي تقدم عملين ينتميان إلى أعمال البطولة النسائية المطلقة، وهما مسلسل «انحراف» لبطلته روجينا في ثاني بطولاتها المطلقة بعد مسلسل «بنت السلطان» الذي شاركت به في موسم رمضان الماضي، ومسلسل «دنيا تانية» الذي تتصدر بطولته ليلى علوي، إحدى نجمات الدراما الرمضانية لأكثر من عقدين، منذ أن قدمت مسلسل «التوأم» الذي حقق نجاحًا جماهيريًا كبيرًا عند عرضه في موسم رمضان للعام 1997.

على الجانب الآخر، يصل عدد الشركات المشاركة في هذا الموسم ومملوكة لمنتجين رجال 17 شركة، إلى جانب شركة المتحدة للخدمات الإعلامية (UMS) التي تمثلها شركتا سينرجي (Synergy) وميديا هاب (Media Hub).

وكان الموسم الماضي (رمضان 2021) قد شهد مشاركة منتجتين مصريتين وهما شيرين مجدي بمسلسل «الطاووس»، ومنى قطب كمنتجة شريكة لمسلسل «ولاد ناس»، وخلال السنوات العشر الماضية، اقتصرت مشاركة المُنتِجات المصريات في مواسم الدراما الرمضانية، على منتجة واحدة أو اثنتين على الأكثر في الموسم الواحد، واتسمت مشاركتهن بالتقطع، باستثناء المنتجة مها سليم التي شاركت في جميع المواسم الرمضانية منذ العام 2012 وحتى العام 2018، قبل أن تغيب عن المواسم اللاحقة.

كاملة أبو ذكري وشيرين عادل تعززان صدارتهما لقائمة المخرجات الأكثر مشاركة في رمضان

بمشاركتهما في هذا الموسم، تثبت المخرجتان كاملة أبو ذكري وشيرين عادل، مكانتهما كأكثر المخرجات حضورًا في المواسم الرمضانية خلال السنوات العشر الأخيرة، إذ قدمت كاملة أبو ذكري في موسم العام 2013 مسلسل «ذات»، وفي موسم العام 2014 مسلسل «سجن النساء»، وفي موسم العام 2017 مسلسل «واحة الغروب»، وفي موسم العام 2020 مسلسل «بـ100 وش»، ويعرض لها في الموسم الحالي مسلسل «بطلوع الروح» الذي تتصدر بطولته منة شلبي، وكتب له القصة والسيناريو والحوار محمد هشام عبية.

أما شيرين عادل فقد شاركت في موسم العام 2013 بمسلسل «الوالدة باشا»، وفي موسم العام 2014 بمسلسل «دلع بنات»، وفي موسم العام 2015 بمسلسل «مولد وصاحبه غايب»، وفي موسم العام 2019 شاركت بمسلسلين هما «شقة فيصل» و«هوجان»، وفي موسم العام 2021 قدمت مسلسل «النمر»، بينما تشارك في الموسم الحالي بمسلسل كوميدي وهو «رانيا وسكينة» من تأليف محمد صلاح العزب، وتتقاسم بطولته روبي ومي عمر.

بالنظر إلى مجمل أعمال المخرجتين خلال هذه الفترة الزمنية، يتبين تفضيل كليهما للأعمال التي تتصدر حكاياتها شخصيات نسائية، إلا أن كفة كاملة أبو ذكري ترجح عند الحديث عن تقديم دراما تنحاز إلى النساء، وتتحرر من القوالب النمطية، وتكشف عورات المجتمع الأبوي، فقد برز ذلك بوضوح في مسلسلي «ذات» و«سجن النساء» الذين تمحورت قصتاهما حول شخصيات نسائية، ونجحت أيضًا – بدرجة كبيرة – في تقديم دراما تتوفر فيها هذه المواصفات، في مسلسل «واحة الغروب» معتمدةً على معالجة إخراجية واعية، استطاعت بها أن تتجاوز إشكالية احتفاء الرواية المأخوذ عنها المسلسل، بصورة الذكر المصري المرسومة في المخيال الاجتماعي، وتمكنت في مسلسل «بـ100 وش» من أن تصنع كوميديا متحررة  – بدرجة عالية – من أنماط تقليدية شائعة في الكوميديا المصرية،  فلا جعلت من سخرية الرجل من النساء إيفيهات، ولا حولت تسليعه لهن وعنفه ضدهن مصدرًا للضحك.

ومع مشاركتها في هذا الموسم بعمل درامي يتناول قضية توغل التنظيمات الإرهابية داخل المجتمعات العربية خلال السنوات الأخيرة، وعمليات غسل الأدمغة التي ينفذونها داخل معسكراتهم، يرتفع سقف التوقعات بشأن قدرة كاملة أبو ذكري على الحفاظ على حضور النزعة النسوية في مسلسل من هذا النوع، تدور أحداثه حول امرأة تكتشف انضمام زوجها إلى تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش)، وتجد نفسها على حين غرة داخل أحد معسكرات التنظيم، وسط ضغوط هائلة لإخضاعها وضمها إلى صفوفه.

بالإضافة إلى كاملة أبو ذكري وشيرين عادل، تشارك المخرجة نادين خان لأول مرة في السباق الدرامي الرمضاني بمسلسل «مين قال!» الذي يعد ثاني تجاربها الإخراجية للتلفزيون، بعد مشاركتها قبل خمس سنوات في إخراج مسلسل «سابع جار» مع المخرجتين أيتن أمين وهبة يسري.

ودون غيره من الأعمال المشاركة في هذا الموسم، يضم «مين قال!» مخرجة ومؤلفة بين صناعه الرئيسين، فإلى جانب نادين خان، تتولى مريم نعوم الإشراف على كتابة العمل عن طريق ورشة سرد التي تترأسها.

هالة خليل تنتقل من الإخراج إلى الكتابة

رغم أن عدد الأعمال التي قدمتها للسينما والتلفزيون لا يتجاوز أصابع الأيدي العشرة، تعتبر هالة خليل واحدة من أهم المخرجات المصريات والعربيات خلال العقدين الأخيرين، وذلك لما شهد به النقاد والمشاهدين، من براعة وحرفية فائقتين تجلتا فيما قدمت من أعمال، وبالأخص في فيلمي «أحلى الأوقات» و«نوارة».

هالة خليل من المخرجين القلائل الذين يميلون إلى كتابة قصص الأفلام التي يخرجونها، فهي مؤلفة فيلم «نوارة» وفيلم «قص ولزق» الذين أخرجتهما، وهي أيضًا كاتبة قصة الفيلم الأبرز في مسيرتها الإخراجية وهو «أحلى الأوقات» الذي كتبت له السيناريو والحوار وسام سليمان، إلا أن هالة خليل لم تكن مؤلفةً لأي من المسلسلات التلفزيونية التي أخرجتها وآخرها مسلسل «بالحجم العائلي» الذي شاركت به في موسم رمضان للعام 2018، ولكن في الموسم الحالي تشارك هالة خليل لأول مرة كمؤلفة لعمل درامي تلفزيوني، من خلال مسلسل «أحلام سعيدة» الذي تتصدر بطولته يسرا وغادة عادل ومي كساب وشيماء سيف، وهي المرة الأولى التي لن تكون فيها هالة خليل مخرجة العمل الذي اضطلعت بتأليفه، إذ أن مهمة الإخراج أوكلتها شركة الإنتاج (العدل جروب) إلى المخرج عمرو عرفة، بعد أن تخلت هي عنها لما استشعرته من صعوبة في أن تكتب وتخرج المسلسل الممتد لثلاثين حلقة في آن واحد.

ويندرج مسلسل «أحلام سعيدة» تحت تصنيف مسلسلات البطولة النسائية المطلقة، التي يبلغ عددها في هذا الموسم 13 مسلسلًا، أي ما يوازي 43 في المئة من إجمالي المسلسلات المصرية المتنافسة في هذا الشهر، وتدور أحداث المسلسل حول ثلاث سيدات في منتصف العمر، يتعرفن إلى بعضهن البعض أثناء تواجدهن داخل إحدى عيادات الطب النفسي، لتجمع بينهن رحلة إنسانية مبتغاها هو تجاوز المشاكل التي فرضت نفسها على حيواتهن.

صياغة هالة خليل المتقنة للشخصيات النسائية في أعمالها السينمائية السابقة، وتجسيدها الذكي لسجالات النساء الداخلية والخارجية، يبعثان على التفاؤل بشأن ما قد تحمله لنا قصة وشخصيات وأحداث «أحلام سعيدة».

هالة خليل واحدة من كاتبتين فقط تشاركان في هذا الموسم، وقد أشرنا سلفًا إلى حضور مريم نعوم عبر مسلسل «مين قال!» الذي تولت الإشراف على كتابته، وتعد الكاتبة مريم نعوم صاحبة المشاركة الأكبر في مواسم الدراما الرمضانية خلال العقد الأخير، فقد عضدت وجودها خلال هذه الفترة بتسع أعمال تحمل توقيعها، ومن بينها مسلسلات جمعت بين الإشادة النقدية والإقبال الجماهيري مثل: «ذات» و«سجن النساء» و«تحت السيطرة» و«خلي بالك من زيزي».

صناعه يزعمون بأنه ينتصر للنساء: هل يمكننا المراهنة على فاتن أمل حربي؟

خلال الأسبوع الأول من شهر مارس الماضي، نشر المخرج محمد العدل عبر حسابه الشخصي على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، الملصق الدعائي لمسلسل «فاتن أمل حربي» الذي يشارك به في موسم رمضان للعام 2022، وقد كتب في جزء من تعليقه «يا سيدات مصر.. المسلسل ده عشانكم، أتمنى يعجبكم.. يا كريم يا رب.»

المسلسل من بطولة نيللي كريم التي لم تغب كبطلة عن أي موسم من مواسم الدراما الرمضانية منذ العام 2012، ومن تأليف الكاتب الصحافي إبراهيم عيسى الذي يكتب لأول مرة للدراما التلفزيونية بعد ثلاثة أعمال سينمائية هي: «مولانا» و«الضيف» و«صاحب المقام».

في وقت سابق أيضًا، قال المنتج جمال العدل، رئيس مجلس إدارة العدل جروب، الشركة المنتجة للمسلسل، في تصريحات للبرنامج الحواري «كلمة أخيرة» الذي تقدمه الإعلامية لميس الحديدي ويذاع عبر شبكة أون (ON)، إن المسلسل يناقش موضوعًا يهم النساء بشكل خاص والأسر بشكل عامًا.

الموضوع الذي يشير إليه المنتج جمال العدل هو قانون الأحوال الشخصية المصري، وما يرتكز عليه من مواد تشريعية تُميّز ضد النساء في الزواج، والطلاق ، والحضانة، والنفقة؛ إذ تدور أحداث المسلسل حول امرأة تتعرض للعنف المنزلي على يد الزوج، وتسعى إلى الخروج من دائرة العنف المغلقة عبر الطلاق، ولكن سرعان ما تصطدم بحقيقة أن العنف يتجدد ويعاد تشكله بعد الطلاق، من جراء قوانين مبنية على فلسفة ذكورية، تشرعن العنف والتمييز ضد النساء.

مسلسل «فاتن أمل حربي» هو الوحيد بين مسلسلات هذا الموسم الذي تتمحور فكرته الرئيسة حول تعدد وتشابك صور العنف ضد النساء في مصر، وتأثيراته المادية والمعنوية عليهن، وتحديدًا العنف التشريعي، وهي أمور تدعو إلى التفاؤل بالتأكيد، إلا أنه يظل تفاؤلًا حذرًا، لأن تناول عمل درامي لقضية نسوية بامتياز لا يضمن إطلاقًا أن يكون الطرح عميقًا وناضجًا أو ثوريًا، ولا يمكن أن يكون إعلان صناع العمل أن منتجهم الدرامي ينحاز للنساء، مسكًنا لبعض التوجس الذي تثيره السيطرة الذكورية على جميع الأدوار الرئيسة في صناعة العمل كالكتابة والإخراج والإنتاج وإدارة التصوير.

ولكن حتى إذا كنا ننأى بأنفسنا عن الإفراط في التفاؤل، فإننا نبقي على آمالنا قائمة حتى تكتمل الصورة ويمكننا الخروج بتحليل وافٍ.