تونس، الجمهورية التونسية

احتضنت مدينة الثقافة التونسية، المنتدى الدولي الثاني للصحافة، في الفترة من الـ17 وحتى الـ19 من الشهر الجاري، بمشاركة نحو 700 صحافية وصحافي من دول أفريقية وآسيوية وأوروبية.

وقد تناولت جلساته النقاشية وورش العمل المقامة تحت مظلته علاقة الصحافة بالطوارئ الصحية، والقضايا البيئية، والفساد، والديمقراطية، كما خصصت إدارة المنتدى حزمة من الجلسات والورش لمناقشة دور الصحافة في مناهضة العنف ضد المرأة، والعدالة الجندرية في الوسط الصحافي، ومحاربة التنميط في وسائل الإعلام، بالإضافة إلى التحديات التي تواجهها الصحافيات خاصةً في أوقات ومناطق النزاع.

في اليوم الأول، انعقدت جلسة «الصحافيات في مواجهة التحرش الإلكتروني، آليات واستراتيجيات»، وتحدثت خلالها الصحافية الإيفوارية تاتيانا موسوت مؤسسة مشروع ماما (MaMa) بدولة ساحل العاج، وهو مشروع نسوي يهدف إلى دعم الصحافيات في القارة الأفريقية، وتحدثت كذلك الصحافية الفرنسية إيلودي فيال مستشارة مؤسسة بن أمريكا (PEN America) التي تعمل على تعزيز وحماية حرية التعبير داخل الولايات المتحدة الأمريكية وخارجها، وقد تطرقت الجلسة إلى التكتيكات والقواعد الإرشادية المحبّذ اتباعها من جانب الصحافيات والصحافيين لتأمين حساباتهم الإلكترونية، والاستراتيجيات المثلى لمواجهة التهديد والابتزاز الإلكترونيين عند وقوعهما.

وفي كلمتها، شددت إيلودي فيال مستشارة مؤسسة بن أمريكا  (PEN America) على أن التحرش الإلكتروني بات يشكل تهديدًا واضحًا على حرية التعبير والشمول والاندماج في المجال الصحافي.

وكانت المؤسسة قد أجرت في خريف العام 2017 استطلاعًا حول التحرش الإلكتروني وتأثيره على الصحافيات والصحافيين الأمريكيين، وأظهرت نتائجه أن 62.3 في المئة من المشاركات والمشاركين فيه، تأثرت حيواتهم الشخصية و/أو صحتهم الجسدية والنفسية من جراء تعرضهم للتحرش عبر الإنترنت، و37.2 في المئة منهم اضطروا إلى تجنب الكتابة عن موضوعات بعينها بسبب التحرش الإلكتروني.

في اليوم الثاني، عقد المنتدى ورشة عمل بالشراكة مع الوكالة الفرنسية لتطوير الإعلام (CFI)، كان موضوعها هو «استعمال البيانات المفتوحة لمحاربة التمييز بين الجنسين»، وقد أدارتها ماريان بوشات مؤسسة منظمة هيدا (HEI-DA)  الإعلامية، التي تعمل على تعزيز صحافة البيانات ودعم مصادر البيانات المفتوحة ومشروعات الابتكار الرقمي، وشارك في الجلسة أيضًا بول جويل كامتشانج السكرتير التنفيذي لمؤسسة أديسي كاميرون (ADISI Cameroon) التي تعمل في مجال حوكمة البيانات، وقد طرح كلاهما رؤيته بشأن الحلول التي من شأنها أن تجعل البيانات المفتوحة عاملًا مساعدًا في صناعة صحافة تعالج الصور النمطية ولا ترسخها، وتغطي قضايا النساء الملّحة بالأخص المرتبطة بالعنف الجندري، كتزويج القاصرات، وأوضاع النساء العاملات في القطاعات غير الرسمية، والتأثير المباشر للأزمات الصحية – لا سيما أزمة فيروس كورونا – على النساء.

حرص كل من ماريان بوشات وبويل جويل كاماتشانج على أن يُعرّفا المشاركات والمشاركين في الورشة إلى عدد من المشروعات التي لا تتيح فقط بيانات ومعلومات عن هذه القضايا، وإنما تنتج أيضًا تحقيقات صحافية تعتمد على البيانات مفتوحة المصدر، مثل مشروع أمهات مفقودة (Lost Mothers) الذي يركز على أزمة وفيات الأمومة التي تسجل الولايات المتحدة أعلى معدلاتها بين الدول المتقدمة، وشبكة وانا داتا (WanaData) التي تضم ما يقرب من مئة  صحافية وتقنية وخبيرة في مجال البيانات من الدول الأفريقية الناطقة بالفرنسية، وتنشر عبر موقعها موضوعات صحافية تعتمد على بيانات مفتوحة فيما يتعلق بالفجوة الجندرية في أفريقيا، وتنفذ تدريبات وبرامج إرشادية للصحافيات حول آليات استخدام البيانات المفتوحة، لإنتاج مواد تغطي القضايا والمشاكل التي تؤثر على النساء سلبًا، ولكن لا تحظى بالتغطية المُستحقة في الإعلام التقليدي أو التجاري.

جدير بالذكر أن وانا داتا (WanaData) هو تعبير مأخوذ من اللغة السواحلية المنتشرة في شرق أفريقيا، ويعني بنات البيانات (Daughters of Data).

عرجت ماريان بوشات في أثناء حديثها على أهمية الاعتماد على لغة شاملة جندريًا عند كتابة الموضوعات الصحافية، مشددةً على ضرورة استخدام عبارات لا تسمح بالتطبيع مع ما تواجهه المرأة من عنف وتمييز، مثل تعبير العنف ضد النساء (les violences contre les femme)، مستنكرةً شيوع استخدام عبارة العنف الممارس بحق النساء (les violences faites aux femmes) في الإعلام.

في اليوم الثاني أيضًا، أقيمت سلسلة من اللقاءات تحت عنوان «الصحافة والحاجة الماسة للمساواة»، بدعم من السفارة الكندية في تونس، كان أولها لقاء حول مكانة المرأة في الإعلام في دول جنوب البحر المتوسط، شارك فيها كل من خديجة بوجونوي رئيسة لجنة المناصفة والتنوع بالقناة الثانية في المغرب، وديمة حمدان رئيسة تحرير شبكة ماري كولفن للصحافيات، وتيدياني توجولا مدير مؤسسة توويندي (Tuwindi) في مالي، وأدارت النقاش الصحافية الفلسطينية منى خضر.

من جانبها، أكدت ديمة حمدان على أهمية أن تدعم النساء بعضهن البعض داخل المؤسسات الإعلامية، وأن يخلقن شبكات تضامن فيما بينهن لمقاومة التهميش المتعمّد ضدهن خاصةً في مواقع القيادة، وليدافعنّ عن حقوقهن الأدبية والمادية.

لم يقتصر النقاش خلال الجلسة على تمكين النساء المشتغلات بالصحافة فقط، بل تطرق إلى الصور النمطية السائدة عن النساء في الإعلام، وقد أكد أحد الصحافيين الحاضرين بين الجمهور خلال مداخلته المقتضبة على أهمية رفع الوعي بالصحافة الحساسة جندريًا، للقضاء على الأنماط التي أضرت بالنساء على مدار عقود.

اللقاء الثاني ضمن السلسلة حمل عنوان «العنف ضد المرأة.. ما دور الصحافيين؟»، وضم بين المتحدثين خلاله الصحافية اليمنية وفاء صالح مؤسسة موقع «نسوان فويس»، التي أوضحت أن الإعلام اليمني لم يكن يولي اهتمامًا إلى العنف ضد النساء قبل اندلاع الحرب الأهلية في العام 2014، وحتى بعد أن فاقمت النزاعات الداخلية العديد من صور هذا العنف، بالأخص تزويج القاصرات وحرمان الفتيات من التعليم المدرسي، استمر تجاهل الإعلام المحلي والوطني لمعاناة النساء والفتيات، وهو ما دفعها إلى تدشين موقعها الإلكتروني في شهر مايو من العام 2019، ليكون مساحة إعلامية مُنصفة وحرة، تغطي بشكل منتظم كل ما يتعلق بالنساء اليمنيات، سواء كان أحداثًا سلبية أو إيجابية.

تواجه وفاء على حد قولها هجمات متلاحقة من أفراد عاديين، يتهمونها بأنها تحصل على دعم من الخارج لخدمة أجندة غربية تتعارض مع تقاليد المجتمع اليمني، إلا أنها تصر على مواصلة نشاطها، من أجل رفع وعي النساء والفتيات بحقوقهن والعنف الواقع عليهن، وذلك لقناعتها بأن التغيير لا يمكن أن يحدث إلا إذا رفعت النساء أصواتهنّ دفاعًا عن حقوقهنّ.

اللقاء الأخير في السلسلة تمحور حول مسؤولية الصحافيات والصحافيين إزاء محاربة التنميط، وقد قدمت خلاله الصحافية اللبنانية ميسلون نصار، مقدمة برامج بقناة فرانس 24 العربية، عرضًا لأبرز الإشكاليات الملموسة قي تعامل الإعلام العربي مع النساء والعنف الواقع عليهن، مشددةً على وجوب التوقف عن عرض وجهات النظر الداعمة للعنف ضد النساء واستضافة المعنفين أحيانًا للاستماع إلى مبرراتهم، بزعم الالتزام بالموضوعية والتوازن في عرض القصص الخبرية، أو للبحث عن مزيد من المشاهدات والقراءات.

أفاضت أيضًا ميسلون في الحديث عن تأثير اللغة المستخدمة في الإعلام على المجتمع ومدى تقبله أو رفضه للعنف ضد النساء، معربةً عن استيائها من استعمال كثير من الإعلاميين العرب لتعبير «زواج القاصرات» لوصف حالات التزويج المبكر للفتيات الأصغر من 18 عامًا، مؤكدة أن الأصح والأدق هو تعبير «تزويج القاصرات».

في اليوم الثالث والأخير للمنتدى، انعقدت ورشة عمل حول أدوات حماية الصحافيات خلال تغطيتهنّ للأزمات، استعرض خلالها ياسين البحري عضو النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين، بالأرقام زيادة الاعتداءات الموجهة ضد الصحافيات التونسيات، إذ أشار إلى أن 86 صحافية أبلغن لدى النقابة بتعرضهنّ للاعتداء بسبب عملهن، في الفترة من نوفمبر من العام 2020 وحتى أكتوبر من العام 2021، وتباينت صور الاعتداء بين احتجاز تعسفي، وتحرش جنسي، وتهديدات مباشرة، وتحريض ضدهن على مواقع التواصل الاجتماعي، واختراق لحساباتهن الشخصية على الشبكات الاجتماعية.

في الجلسة ذاتها، طرح مينغ كوك ليم مستشار الاتصال والتواصل والإعلام بمنظمة اليونيسكو (UNESCO) في المغرب، مجموعة من الاستراتيجيات لضمان أمن الصحافيات أثناء القيام بعملهنّ، سواء فيما يخص الوعي بالأوضاع الخطرة وكيفية تجاوزها، أو الحماية من العنف الجنسي، أو سبل الدعم والمساندة الطبية والنفسية عند وقوع الاعتداءات الجنسية، فضلًا عن الممارسات الفضلى للرعاية الذاتية.

وقد أوصى مينغ المشاركات والمشاركين في الورشة بالإطلاع على دليل سلامة الصحافيين الذي أصدرته اليونيسكو (UNESCO) بالتعاون مع منظمة مراسلون بلا حدود (Reporters Sans Frontières)، وهو دليل عملي يهدف إلى دعم الصحافيات والصحافيين العاملين في المناطق المعرضة للخطر بمجموعة من الإرشادات، وتزويدهم بالمعلومات الكافية بشأن الممارسات اللازمة لتعزيز سلامتهم الجسدية والنفسية.