«كاشـف.. قراءته مطلوبة من صانعي السياسات والقرارات في كل مكان»، بهذه الكلمات وصفت نيكولا ستورجن، الوزيرة الأولى لاسكتلندا (زعيمة حكومة اسكتلندا) كتاب «نساء غير مرئيات – Invisible Women» للكاتبة والناشطة النسوية البريطانية كارولين كريادو بيريز، الذي صدر في مارس من العام 2019.

ينقسم عنوان الكتاب إلى قسمين، الأول والرئيس هو «نساء مرئيات»، والثاني الفرعي هو «كشف تحيز البيانات في عالم مصمم للرجال»، وتتناول الكاتبة في 16 فصلًا قضية النقص الشديد في  البيانات المُصنّفة حسب الجنس، وما يترتب على ذلك من فجوة في تحليل المشاكل والاحتياجات المرتبطة بالنوع الاجتماعي، وتستفيض كارولين كريادو بيريز في شرح أبعاد الإشكالية بغية إثبات أن فجوة البيانات بين الجنسين، هي سبب ونتيجة لنوع من التفكيـر يتصور أن الذكور يحتكرون وحدهم البشرية.

فيما يلي نقدم ترجمـة للفصـل الخامس من كتاب «نسـاء غير مرئيات – Invisible Women»، الذي يتطرق إلى معاناة النساء غير المرئية في العمل، بسبب غياب البيانات المُصنّفة حسب الجنس، ذلك الغياب الذي يأتي رديفًا للفرضية المجتمعية بأن الذكر هو النموذج الأوحد للعاملين، بينما المرأة يتعين عليها أن تتكيف مع ظروف العمل المناسبة له.

تأثير هنري هيجنز

عندما حمّلت شيرل ساندبيرج رئيسة العمليات بفيسبوك (Facebook) في طفلها الأول، كانت تعمل في شركة جوجل (Google)، وقد وصفت هذه التجربة في كتابها الأكثـر مبيعًا «تقدمي» قائلة «حملي لم يكن سهلًا.»

كانت ساندبيرج تعاني من نوبات الغثيان الصباحية طوال تسعة أشهر؛ لم تنتفخ بطنها فقط ولكن توّرم جسدها بأكمله، وزاد مقاس قدميها بشكل كبير. تصف هيئتها آنذاك «تحولت إلى كتلة غريبة الشكل، لم أكن أتمكن من رؤية قدمي إلا في حالة إسنادها فوق طاولة القهوة.»

إنه العام 2014، حينما كانت جوجل (Google) قد صارت بالفعل شركة عملاقة لديها موقف سيارات ضخم. لكن ساندبيرج وجدت صعوبة في عبوره يوميًا بجسدها المنتفخ، وبعد شهور من المعاناة، ذهبت إلى أحد مؤسسي الشركة وهو سيرجي برين، لتخبره بأن الشركة بحاجة إلى موقف سيارات أمام المبنى مخصص للسيدات الحوامل، ومن المفضل أن يحدث ذلك عاجلًا وليس آجلاً، فوافق برين على طلبها، مع العلم أنه لم يفكر في هذا الأمر من قبل. شعرت ساندبيرج نفسها بالحرج، لأنها لم تدرك أن النساء الحوامل في الشركة كن في حاجة إلى ذلك إلا بعد أن اختبرت الألم.

لم يكن من المفترض أن تعالج جوجل (Google) الفجوة في هذا النوع من البيانات فقط بعد أن تحمل أحد النساء اللاتي يشغلن منصبًا قياديًا بها، إذ كان ينبغي على الشركة أن تكون استباقية في التنبؤ بمثل هذه المشكلات، خاصة في ظل وجود سيدات حوامل في الشركة قبل أن تحمل ساندبيرج.

لكن واقع الأمر هو أن حل مثل هذه الأزمات يتطلب وجود امرأة في منصب قيادي، ولأن جميع المناصب القيادية يسيطر عليها الرجال، لذلك تعاني أماكن العمل من هذا النوع من المشاكل، بدءًا من الأبواب الثقيلة التي يصعب على النساء فتحها بسهولة، مرورًا بالسلالم والممرات الزجاجية التي يمكن لأي شخص أن ينظر إلى ما أسفل تنورتك من خلالها، انتهاءً بـرصف الأرضيات الذي لا يتماشي مع ما ترتديه النساء من أحذية ذات كعوب عالية. «مشكلات صغيرة وتافهة ولا تعتبر نهاية العالم، لكنها مع ذلك مزعجة.»

في العام 1960، ظهر ما يعرف باسم «الظروف القياسية لمكاتب العمل»، التي تم تطويرها بما يتوافق مع معدل الأيض (التمثيل الغذائي) الأساسي للذكور في عمر الـ 40 عامًا والذين تصل أوزانهم إلى 70كيلو جرام، إلا أن دراسة حديثة كشفت أن معدل الأيض الأساسي للفتيات البالغات اللاتي يقمن بالأعمال المكتبية الخفيفة، أقل كثيـرًا بالمقارنة مع المعدل الخاص بالذكور الذين يؤدون الأعمال ذاتها، مما يعني أن مكاتب العمل بمعدل خمس درجات مئوية في المتوسط هي أماكن شديدة البرودة للنساء. ويفسر ذلك مشهد غريب لنساء يتلحفن بالبطانيات داخل مكاتب العمل، خلال الصيف في مدينة نيوريورك، بينما يتجوّل حولهن زملاؤهن الرجال بالملابس الصيفية.

فجوة البيانات بين الجنسين أمر غير منصف- ناهيك عن كونه دليلًا على حس إداري سيء- ولكن قوة عاملة لا تشعر بالراحة ستكون غير منتجة. كما أن فجوة البيانات في أماكن العمل قد تؤدي إلى ما هو أسوأ كثيـرًا من الشعور بعدم الارتياح أو عدم القدرة على العمل بكفاءة، إذ تسفر في بعض الأحيان عن الإصابة بالأمراض المزمنة أو الوفاة.

على مدار الـ100 عام الماضية، كانت أماكن العمل -بشكل عام- أكثر أمانًا. في بدايات القرن العشرين كان هناك نحو 4400 شخص في إنجلترا  يفقدون حياتهم كل عام بسبب العمل، إلا أنه بحلول العام 2016 انخفض هذا العدد إلى 137 شخصًا.

في الولايات المتحدة الأمريكية وتحديدًا في العام 1913 فقد نحو 23 ألف شخص (من مجمل 38 مليون عامل) أرواحهم بسبب العمل، وفي العام 2016، توفي ما يقرب من 5190 من أصل 163مليون شخص.

يرجع الانخفاض الكبير في أرقام الضحايا إلى جهود النقابات التي تضغط على أصحاب الأعمال والحكومات لتحسين ظروف العمل ومراعاة معايير السلامة. ومنذ صدور قانون الصحة والسلامة في العمل في العام 1974، انخفض عدد الضحايا في إنجلترا بنسبة 85%، لكن هذه القصة السعيدة لها جانب مظلم، إذ أنه في الوقت الذي تشهد فيه إصابات الذكور في أماكن العمل انخفاضًا كبيرًا، هناك زيادة في حالات الإصابة بين النساء العاملات.

الزيادة في أعداد الإصابات الخطيرة بين النساء العاملات سببها فجوة البيانات بين الجنسين: الأبحاث المتعلقة بالصحة والسلامة المهنية غالبًا ما تركز على صناعات يهمين عليها الذكور، ولذا فإن معرفتنا بكيفية منع الإصابات عند النساء غير مكتملة على أقل تقدير، بينما نحن نعرف كل شيء عن حمل الأثقال في مواقع البناء، والوزن المسموح به، وكيف يمكن حمل هذه الأثقال بأمان. ولكن عندما يتعلق الأمر بالأعباء الثقيلة في أعمال الرعاية، يتم التعامل مع الأمر كونه عملًا يخص النساء فقط، ومن الذي يحتاج إلى التدريب من أجل ذلك؟

بياتريس بولانجر مرافقة منزلية لكبار السن، لم تتلق أي تدريب حول كيفية ممارسة عملها. لقد تعلمت كل شيء بالممارسة، ويأتي ضمن مهام عملها حمل (الأشياء/الأشخاص)، خاصة حمل أصحاب الوزن الزائد.

في يوم ما أثناء مساعدتها لامرأة مسنة للخروج من حوض الاستحمام أصيبت بتمزق في كتفها، وقد قالت في شهادة لمجلة الصحة والسلامة المهنية البريطانية «هازاردز – Hazards Magazine»، إن «كل شيء حول مفصل الكتف كان يتمزق». في النهاية كانت بولانجر تحتاج إلى تقويم كامل للكتف، بعد أن أصبحت غير قادرة على القيام بعملها.

بولانجر ليست الوحيدة التي فقدت عملها بسبب الإصابة، فالعاملات في أعمال الرعاية والنظافة، يمكن أن يحملن في نوبة عمل واحدة أكثر مما يحمل عمال البناء أو المناجم.

لا تذهب النساء بعد الانتهاء من عملهن إلى الراحة، وإنما يذهبن إلى فترة عمل أخرى غير مدفوعة الأجر في منازلهن، حيث رفع وسحب المزيد من الأشياء الثقيلة، ومزيد من الانحناء والتنظيف.

في بعض الأحيان تعود فجوة البيانات بين الجنسين في مجال الصحة والسلامة المهنية إلى أن الرجال أكثر عرضة للوفاة أثناء العمل من النساء. ولكن إذا كانت أكثر الحوادث في أماكن العمل تحدث للرجال، فهذه صورة غير مكتملة لأن الحوادث في العمل ليست الطريقة الوحيدة والأكثر شيوعًا التي يمكن للعمل أن يقتلك بها على المدى الطويل.
في كل عام يموت ثمانية آلاف شخص بسبب السرطان المرتبط بالعمل. ورغم أن غالبية الدراسات في هذا الصدد أجريت على الرجال، فإنه من غير المؤكد أن يكون الرجال هم الأكثر تضررًا.
على مدار الـ50 عامًا الماضية، ارتفعت معدلات الإصابة بسرطان الثدي في الدول الصناعية بدرجة ملحوظة. ولكن بسبب قلة الأبحاث التي تجرى على السيدات العاملات وبيئة عملهن، فإن أسباب زيادة الإصابة بسرطان الثدي غير معروفة.
هذه مشكلة تاريخية إلى حد ما. يقول روري أونيل أستاذ أبحاث السياسات المهنية في جامعة ستيرلنج، «نحن نعرف كل شيء عن تغبُّر الرئة الذي يصيب عمال المناجم، ولكن لا يمكننا تطبيق الشيء نفسه إزاء ما تتعرض له النساء، خاصة من الناحية الفيزيائية والكيميائية.»
ويوضح أونيل أنه بالنسبة للعديد من الأمراض طويلة المدى مثل السرطان، «من الممكن أن تمر عقود قبل أن تصبح كومة الجثث كبيرة بما يكفي للتوصل إلى نتيجة»، مشيرًا إلى أن الدراسات تُجرى على الرجال الذي يعملون في مهن مثل التعدين والبناء، بينما تُستبعَد النساء من الدراسات والأبحاث حتى بعد أن عملن بهذه المهن، وذلك نتيجة اعتبارهن «عناصر مربكة».
في الوقت ذاته، لا يتم إجراء دراسات على الإطلاق في معظم المهن التي تهيمن عليها النساء، لذا يقول أونيـل إنه حتى «لو بدأنا الدراسات الآن، فسوف يستغرق الأمر جيلًا من العمل قبل أن يكون لدينا أي بيانات قابلة للاستخدام.»
لكننا لم نشرع في إجراء الدراسات الخاصة بالنساء العاملات حتى الآن، وعوضًا عن ذلك نحن نعتمد على دراسات أجريت على الرجال وتحديدًا الذين تتراوح أعمارهم بين 25 و30 عامًا، وتصل أوزانهم إلى 70 كجم، هذا هو «الرجل النموذج» وما له من قدرات يمكن أن ينطبق على البشرية ككل. بالطبع لا، هو ليس كذلك.
يمتلك الرجال والنساء أجهزة مناعة وهرمونات مختلفة، تلعب دورًا في امتصاص المواد الكيميائية. ومع ذلك لا تزال الدراسات التي أجريت على الرجال تُطبّق على الجميع، ويزداد الأمر سوءًا بسبب طريقة اختبار المواد الكيميائية. إذ لا يزال اختبار المواد الكيميائية يتم بشكل منفصل وعلى أساس تعرّض واحد، وهذه ليست الطريقة التي عادةً ما تتعرض بها النساء للمواد الكيميائية، سواء في المنزل (عبر منتجات التنظيف ومستحضرات التجميل) أو في مكان العمل.
في مراكز تجميل الأظافر، حيث غالبًا ما تكون القوى العاملة قاصرة على النساء (معظمهن من المهاجرات)، تتعرض النساء يوميًا إلى مجموعة كبيرة من المواد الكيميائية الموجودة في طلاء الأظافر، ومواد إزالة الطلاء، ومواد التعقيم، وغيرها من المنتجات التي هي أساس عملهن.
كثيرٌ من هذه المواد الكيميائية تم الربط بينها وبين الإصابة بالسرطان، والإجهاض، وأمراض الرئة. بعض هذه المواد قد يغير من الوظائف الطبيعية للهرمونات في الجسد.
بعد الانتهاء من عملهن مدفوع الأجر في الخارج، تذهب كثير من هؤلاء النساء إلى نوبة عمل جديدة غير مدفوعة الأجر في منازلهن، حيث يتعرضن إلى مواد كيميائية مختلفة موجودة في منتجات التنظيف. تأثير التعرض لهذه الأنواع المختلفة من المواد الكيميائية لا يزال غير معروف حتى الآن. رغم ذلك أظهرت دراسات أن التعرض إلى أنواع مختلفة من المواد الكيمائية، يمكن أن يكون أكثر سمّية من التعرض إليها بشكل منفصل.
لا شك في أن النساء يتوفين نتيجة فجوة البيانات بين الجنسين في أبحاث الصحة المهنية. وليس هناك شك أيضًا في أننا بحاجة ماسة إلى البدء بشكل منهجي في جمع بيانات عن أجساد النساء في مكان العمل. لكن هناك مسار آخر لهذه القصة، إذ أنه – كما يظهر من التمسك بأسطورة الجدارة  –  فإن سد فجوة البيانات بين الجنسين ليس سوى الخطوة الأولى، أما الخطوة التالية والحاسمة هي أن تستخدم الحكومات والمنظمات تلك البيانات لتشكيل سياسة بشأنها، وهذا لا يحدث.


جزء من الفشل في رؤية المخاطر في وظائف النساء التقليدية سببه هو رؤيتها بوصفها امتدادًا لما تفعله النساء داخل المنازل، إلا أن الفجوة في البيانات بين الجنسين لا تتزايد فقط في الوظائف التي تهمين النساء عليها، بل حتى مع التحاقهن بالمهن التي يسيطر عليها الرجال، حيث تُستبعَد النساء من الدراسات، نتيجة التعامل معهن باعتبارهن «عناصر مربكة».
النتيجة هي أنه حتى في المجالات التي لها تاريخ كبير في الاهتمام بالصحة والسلامة المهنية، لا تزال الدراسات تخذل النساء. بحلول العام 2007 في الولايات المتحدة الأمريكية، كان هناك نحو مليون امرأة عاملة في المزارع، بينما المعدات والأدوات مُصممة لتتلاءم وطبيعة الرجال الجسدية.
تتوافر بيانات ضئيلة حول إصابات النساء في مواقع البناء، لكن لجنة نيويورك للصحة والسلامة المهنية أفادت بأن دراسة أمريكية لاتحاد النجارين كشفت عن وجود معدلات عالية من حالات الإصابة بالتواء الساعد والمعصم والتهاب الأعصاب بين النساء، ونظرًا للنقص المشار إليه  في البيانات، فمن الصعب الوقوف على أسباب هذه الإصابات، ولكن يعد رهانًا آمنًا أن نُرجع بعض هذه الإصابات الخطيرة بين النساء – إن لم يكن جميعها –  إلى المعدات التي تصميمها خصيصًا للرجال.
تتأثر النساء في الجيش أيضًا بالمعدات المُصممة لتناسب جسد الذكر. إن تجاهل طبيعة أجساد النساء في الجيش قد لا يؤدي فقط لعدم تأدية عملهن بكفاءة، ولكن يمكن أن يُعرّضهن للإصابات، فقد تبدى أن النساء في الجيش البريطاني أكثر عرضة للمعاناة من الإصابات العضلية الهيلكية، سبع  مرات أكثر من الرجال، حتى إذ كن يتساوين معهم في القوة الجسدية والبدنية، فضلًا عن أنهن أكثر عرضة من الرجال بعشر مرات للمعاناة من الكسور الإجهادية في الفخذ والحوض.
يرتبط ارتفاع معدلات الإصابة بكسور الحوض الإجهادية لدى الإناث العاملات بالجيش بما أسميه «تأثير هنري هيجنز».
في الفيلم الموسيقي «سيدتي الجميلة – My Fair Lady» الصادر في العام 1956، شعر عالم الصوتيات هنري هيجنز بالحيرة إزاء أفعال ضحيته إليزا دوليتل، فقال متذمرًا «لماذا لا تشبه المرأة الرجل؟». هذه شكوى عامة والحل في رأيهم (الرجال) هو إصلاح النساء. هذا ليس مفاجئًا في عالم ينظر  إلى الرجل بوصفه القاعدة والنساء هن الشواذ.
لقد تأثر المسؤولون في الجيش البريطاني لمدة طويلة بالبرفيسور هنري هيجنز، إلى أن جاء العام  2013 وطعنت ثلاث مجندات في سلاح الجو الملكي (واحدة منهن استبعدت بعد تشخصيها بأربعة كسور في الحوض) ضد بعض هذه الممارسات لدى القضاء. إذ كان الجيش يجبر النساء على السير بنفس خطوة الرجل في العروض العسكرية (متوسط خطوة الرجل أطول بنسبة 9-10% من نظيره لدى النساء).
منذ أن خفّض الجيش الأسترالي طول الخطوة المطلوبة للنساء من 30 بوصة إلى 28 بوصة، انخفضت كسور الحوض الإجهادية بين النساء في الجيش.
تعد مشكلة التبول مشكلة متكررة بالنسبة للنساء اللاتي يقضين أوقاتًا طويلة في الخارج. في انجلترا يضطر خفر السواحل لارتداء ملابس مكوّنة من قطعة واحدة وبأسفلها معدات الوقاية الشخصية، مثل: ملابس الطقس السيء وسترات النجاة وأحزمة التسلق. السوستة المزدوجة في مقدمة الملابس تعمل بشكل جيد بالنسبة للرجال، ولكن في حالة النساء وكما شرحت إحداهن في مؤتمر لاتحاد النقابات العمالية في العام 2017 «يصبح التبول عملية معقدة للنساء، حيث يضطررن إلى خلع معدات الوقاية الشخصية بالإضافة إلى خلع الملابس بأكلمها»، واستطردت قائلة «وفي الحوادث التي تُستدعى فيها النساء بانتظام لقضاء أوقات بحث طويلة قد تستمر لساعات، يمكن لك أن تتخيل الانزعاج الذي تشعر به النساء العاملات ضمن فرق خفر السواحل في ضوء ذلك الوضع.»
اقترحت النساء على الإدارة أن تستبدل هذه الملابس بأخرى مكوّنة من قطعتين، حتى يتمكنّ من خلع الجزء السفلي فقط دون الجزء العلوي، وقد أقرت الإدارة حينها بمميزات هذا الاقتراح إلا أنه لم يدخل حيز التنفيذ حتى الآن.
انزعجت أيضًا عالمة تدرس التغير المناخي في آلاسكا من الملابس المصممة للرجال. تعني برودة الطقس الشديدة أن ثياب العمل هي أهم ما يرتديه الفرد، ولكنها أيضًا تأتي بسوستة أمامية. في حالة وجود مراحيض داخلية ستستغرق عملية التبول وقتًا طويلًا من أجل خلع الملابس بأكملها بدءا من السترة الخارجية إلى الملابس الداخلية، ولكن في حالة عدم وجود مراحيض داخلية ستكون المشكلة أكبر، إذ أن الصقيع سيكون مصدر قلق. حاولت هذه السيدة أن تجد حلًا، فاشترت قمعًا مطاطيًا يأخذ شكل القضيب، إلا أنها فشلت في استخدامه وانتهى بها الأمر وقد تبولت على نفسها.
في بريطانيا، يفرض القانون على أصحاب العمل توفير معدات الوقاية الشخصية مجانًا للموظفين جميعًا، ولكن هذه المعدات مُصنعة وفقًا لقياسات ومواصفات أجساد الرجال في الولايات المتحدة وأوروبا.
من جانبه، حذر اتحاد النقابات العمالية من أن معدات الوقاية الشخصية غير الملائمة للجنسين في قطاعات خدمات الطوارئ والبناء وصناعة الطاقة، قد تؤدي إلى مشاكل كبيرة. إذ يمكن أن تؤثر الاختلافات بين أجساد الرجال والنساء على أحزمة الأمان والسلامة. وقد أخبرت امرأة من عناصر الشرطة النسائية اتحاد النقابات العمالية، بمحاولتها للحصول على أحذية أمان مصممة للمحققات النساء في مسارح الجريمة، إذ أن المتوفرة صُنعت خصيصًا للرجال وهي غير مريحة، وثقيلة للغاية، وتضغط على وتر العرقوب، إلا أن متاجر الزي الرسمي رفضت معالجة الأمر.
هذا لا يتعلق فقط بالراحة لأن معدات الوقاية الشخصية غير الملائمة تعوق عمل المرأة، ومن المفارقة، أنها قد تكون خطرًا على سلامتها في بعض الأحيان.
بحسـب تقرير لاتحاد النقابات العمالية صدر في العام 2017، فإن أزمة معدات الوقاية الشخصية غير المناسبة تكون أكثر خطورة في مجال الطوارئ، حيث أشارت 5٪ فقط من النساء في هذا القطاع إلى أن معدات الوقاية الشخصية الخاصة بهن لم تعرقل عملهن أبدًا.
تبدو المشكلة عالمية: في العام 2018، تعرضت ضابطة شرطة في إسبانيا لإجراء تأديبي لارتدائها سترة نسائية مضادة للرصاص اشترتها لنفسها بقيمة 500 يورو، لأن الزي الرسمي للعمل لم يكن مناسبًا لها. وقد قالت بيلار فيلاكورتا سكرتيرة المرأة بالرابطة المتحدة للحرس المدني إن السترات كبيرة الحجم وغير الملائمة لأجساد النساء تجعلهن غير محميات بنسبة كبيرة، إذ أنها لا تجعل أجسادهن مغطاة بشكل كامل، كما أنها تجعل الوصول للأصفاد أو الأسلحة أو الهراوات أمرًا صعبًا.
عندما يتعلق الأمر بالعاملين في الصفوف الأولى، فإن معدات الحماية الشخصية غير المناسبة قد تكون قاتلة. في العام 1997، قُتِلت ضابطة بريطانية طعنًا، خلال محاولتها استخدام المكبس الهيدروليكي لاقتحام شقة، حيث اضطرت لخلع الدرع الواقي لعدم قدرتها على استخدام المكبس أثناء ارتدائه . بعد عامين من هذه الحادثة، خضعت ضابطة إلى عملية تصغير للثدي بسبب الآثار الجانبية لارتداء الدروع الواقية. في أعقاب هذه الواقعة، تقدمت 700 ضابطة بشكاوى من السترات التي صممت لتناسب الذكور فقط.
ولكن على الرغم من أن هذه الشكاوى كانت ترد بانتظام على مدار الـ20 عامًا الماضية، قليل منها تم معالجته.
فضلًا عن ما سبق، أبلغ عدد من الضابطات البريطانيات عن إصابتهن  المتكررة من جراء استخدام المعدات والأحزمة، فضلًا عن خضوعهن إلى جلسات علاج طبيعي بسبب الدروع الواقية، إذ يشكو كثير منهن من عدم وجود مساحة لأثداءهن. إذًا الأمر ليس مزعجًا فحسب، بل قد يترك النساء بدون حماية، وهذا ينفي الهدف الكامل من ارتداء سترات الأمان والسلامة.