في الأول من سبتمبر المقبل، ستترأس المؤرخةُ الفنية الفرنسيـة لورانس دي كار متحف اللوفر (Musée du Louvre) في باريس، لتكون أول امرأة تتولى رئاسة المتحف الأهم والأكثر استقطابًا للزائرات والزائرين من شتى أنحاء العالم، والذي لم يتولّ سوى الرجال إدارته، منذ افتتاحه في العام 1793 في أعقاب الثورة الفرنسية.

خلال الأسبوع الأخير من شهر مايو، أعلنت إذاعة فرانس إنتر الوطنية (FRANCE INTER)، توقيع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على قرار تعيين لورانس دي كار، رئيسةً ومديرةً لمتحف اللوفر، خلفًا لجان لوك مارتينيز الذي جلس على مقعد الرئيس قبل ثماني سنوات، وكان يتطلع إلى الاستمرار في موقعه لفترة أطول.

لم يكن تعيين لورانس على رأس متحف اللوفر غير متوقع بالنسبة لرئيسه الحالي فقط، وإنما كان مفاجئًا أيضًا للإعلام الفرنسي الذي رجح أن يستمر مارتينيز في مكانه.

وتضطلع لورانس التي ستمسك بزمام الأمور في اللوفر، برئاسة متحف آخر في الوقت الحالي وهو متحف أورساي (Musée d’Orsay) في باريس، الذي كانت أيضًا أول امرأة تتولى إدارته بعد تناوب أربعة رجال على رئاسته، عقب تأسيسه في العام 1986. وقد لفتت الرئاسة الفرنسية إلى أن اختيار لورانس لشغل منصب الرئيسة والمديرة لمتحف اللوفر، يعود إلى نجاحها خلال السنوات الأربع الماضية في إدارة متحف أورساي (Musée d’Orsay).

بالتوازي مع إدارتها لمتحف أورساي، تتولى لورانس دي كار رئاسة متحف أورانجيري (Musée de l’Orangerie)، الذي بناه نابليون الثالث في العام 1852، ليكون مكانًا لحفظ حمضيات حديقة تويلري في باريس ومنها ثمار البرتقال، إلا أنه تحول إلى متحف باسم أورانجيري في عشرينيات القرن الماضي.

وكانت أوريلي فيليبيتي وزيرة الثقافة الفرنسية السابقة، قد قررت في العام 2014 تعيين لورانس دي كار، الخبيرة بالفن الحديث في القرن التاسع عشر، رئيسة لهذا المتحف، لما أثبتته من جدارة وتميّز عقب تقلدها منصب الأمينة العامة له في العام 2011.

تتميز لورانس عن كثيرين من مديري المتاحف، برغبتها العميقة في مد الجسور بين المؤسسات الثقافية، والمواقع التراثية، والمتاحف في مختلف دول العالم. كما تٌعرَف لورانس بما تمتلكه من قناعة إزاء أهمية تعميق الروابط بين الشرق والغرب من خلال الثقافة والفن، ولذلك كانت ولا تزال تسعى إلى تعزيز الصلات بين المتاحف الفرنسية ونظيرتها في بقية دول العالم، لا سيما تلك الموجودة في الشرق، وقد أكدت سابقًا بعد أن تولت رئاسة متحف أورساي (Musée d’Orsay)، أن «التبادل الثقافي لا بد أن يخرج عن إطاره الضيق بين أوروبا والولايات المتحدة، وأن يشمل أفريقيا وما يسمى بمنطقة الشرق الأوسط (شمال أفريقيا وغرب آسيا).»

دورها في تمهيد الطريق أمام «اللوفر أبو ظبي»

سبق أن تقلدت لورانس دي كار منصب المديرة العلمية لوكالة متاحف فرنسا (وكالة تضم 17 مؤسسة ثقافية عريقة في فرنسـا)، وقد مكّنها وجودها في هذا الموقع من المساهمة المباشرة في تطوير مشروع متحف اللوفر أبو ظبي، وهو مشروع ثقافي مشترك بين فرنسا والإمارات انطلق في العام 2007، بهدف تعزيز الانفتاح الثقافي وتخطي حدود الحضارات والتقريب بين الفنين الشرقي والغربي.

وفي إطار هذا المشروع، شاركت لورانس في تحرير  كتاب «اللوفر أبوظبي.. نشأة متحف» الذي صدر في العام 2013 قبل أربع سنوات من افتتاح المتحف، وقدمت فيه استعراضًا ووصفًا دقيقًا لـ300 قطعة من مقتنيات المتحف، من الناحية الفنية والجمالية، وسلطت الضوء على الخلفية التاريخية لهذه المقتنيات القادمة من أنحاء متفرقة في العالم، إذ يرجع تاريخ بعض القطع إلى الحضارات القديمة في إيران، وباكستان، واليونان، وإيطاليا، فضلًا عن وجود لوحات لفنانين أوروبيين وأمريكيين.

بالنسبة لها: المتاحف يجب أن تنحاز إلى القيم الإنسانية وتُعظّمها

استغلت لورانس قيادتها لمتحف أورساي للتأكيد والتشديد على العلاقة الوثيقة بين الفن والمجتمع، ودور الأول في الدفاع عن الحقوق المهدرة ومقاومة الانتهاكات والاعتداءات، ولذلك نظّمت في العام 2019 معرضًا بعنوان «نماذج سوداء: من جيريكو  إلى ماتيس»، هدفه هو عرض إنتاجات الرسامين الفرنسيين التي تجسد وتصوّر الحياة اليومية للمواطنات والمواطنين ذوي البشرة السوداء إبان القرن التاسع عشر، في محاولة لإبراز دور الفن في الاحتجاج على العبودية التي ظلت مستمرة في المستعمرات الفرنسية حتى العام 1848، وداخل فرنسا حتى بعد إلغائها رسميًا في العام 1794، وكذلك لتسليط الضوء على معاناة ذوي البشرة السوداء الذين ما برحوا يناضلون من أجل الخلاص نهائيًا من التمييز العنصري.

من أبرز الفنانين الذين استعرض المعرض منتجاتهم في هذا الصدد: النحاتان تشارلز كوردييه و جان بابتيست كاربو، والفنان التشكيلي هنري ماتيس، والرسام الفرنسي الشهير إدوارد مانيه، والفنان ثيودور جيريكو.

إضافة إلى ذلك، تعد لورانس من أشد الداعمين لإعادة الأعمال الفنية التي استولى عليها النازيون خلال الحرب العالمية الثانية إلى ورثتها، ولذلك كان متحف أورساي –تحت إدارتها – أول متحف فرنسي يعيد طواعية لوحة للفنان النمساوي جوستاف كليمت إلى ورثة صاحبتها الأصلية، وهي اليهودية إليونور (نور) ستياسني التي أرغمها بعض النازيين في العام 1938، على بيع اللوحة لهم مقابل ثمن بخس.

النساء ورئاسة المتاحف حول العالم

في حوار نشرته وزارة الثقافة الفرنسية عبر موقعها الإلكتروني في مارس الماضي، بمناسبة اليوم الدولي للمرأة (IWD)، قالت لورانس إن ثمة زيادة في عدد النساء اللاتي يتولين إدارة المتاحف حول العالم، مشيرة إلى المعرض الوطني للفنون بالعاصمة الأمريكية واشنطن، الذي تتولى إدارته عالمة الآثار الأمريكية كايوين فيلدمان، ومتاحف الفاتيكان التي تعتلي رئاستها المؤرخة الإيطالية باربرا جاتا، ومؤسسة تايت  (Tate) التي تضم شبكة متاحف ومعارض فنية في بريطانيا وتتولى إدارتها الأكاديمية البريطانية ماريا بالشو، إلا أنها شددت أيضًا على أن «العدد ليس بالكبير، ولذا ينبغي تشجيع مزيد من النساء على الانغماس في هذا المجال، والتقدم لشغل مواقع المسؤولية والإدارة.»

وفي هذا السياق، تسجّل الولايات المتحدة الأمريكية تقدمًا لافتًا فيما يتعلق بتمكّن النساء من شغل مناصب القيادة في المتاحف الوطنية، حيث توضح أرقام رسمية أن نسبة مديرات المتاحف الأمريكية وصلت إلى 57 في المئة في العام 2012. لكن ذلك لا يعني اختفاءً تامًا للتمييز على أساس النوع الاجتماعي في هذه الساحة، حيث يكشف استطلاع صدر في العام 2013، عن رابطة مديري متحف الفنون، وهي منظمة لمديري متاحف الفنون في الولايات المتحدة وكندا والمكسيك، أن مديرات المتاحف يزيد عددهن في المتاحف ذات الميزانيات المنخفضة التي تقل عن 15 مليون دولار سنويًا، بينما يتضاءل عدد المديرات في المتاحف التي تزيد ميزانياتها السنوية عن 15 مليون دولار. ويعني ذلك أن أغلب المتاحف الكبرى لا تزال إدارتها في أيدي الرجال.

على الجانب الآخر، ليست قضيـة وجود النساء على رأس المتاحف من القضايا الأساسية في النقاشات الخاصة بدعم وتعزيز وزيادة وصول النساء إلى المناصب القيادية في منطقة شمال أفريقيا وغرب آسيا، رغم ما تحمله إدارة المتاحف من أهمية على المستوى الثقافي والاجتماعي، والمستويين السياحي والسياسي. ونتيجة لذلك، لا تتوفر أي دراسات توضح نسبة مشاركة النساء في إدارة المتاحف الكبرى في هذه المنطقة، أو تعرج على المعوّقات التي تبرز في طريق النساء نحو رئاسة المتاحف.

ولكن هناك بعض النساء اللاتي يتولين حاليًا إدارة عدد من المتاحف المهمة والكبرى في المنطقة، تستحق أسماؤهن الذكر لعلها تقود إلى البحث في سيرهن أو تشجع على التنقيب عن مزيد من النساء اللاتي يشغلن مواقع مماثلة، ونذكر منها؛ الدكتورة صباح عبد الرازق مديرة المتحف المصري بالتحرير في القاهرة، والمهندسة إيرين فايز المديرة العامة لمتحف النيل بمدينة أسوان، والدكتور أميرة عيدان رئيسة المتحف العراقي ببغداد، وآن ماري عفيش مديرة المتحف الوطني اللبناني ببيروت، والشيخة آمنة بنت عبد العزيز بن جاسم آل ثاني مديرة متحف قطر الوطني بالدوحة، بالإضافة إلى الدكتورة رفيعة غباش مديرة متحف المرأة بمدينة دبي.