يُعرّف القانون الأمريكي الابتزاز الإلكتروني بأنه «أحد أشكال الجرائم الإلكترونية التي تحدث عندما يطالب شخص أو جهة ما، من شخص أو مؤسسة أخرى مقابلاً ماديًا أو خدميًا مثل الجنس، عن طريق تهديده بإلحاق الضرر به أو بسمعته أو بممتلكاته.»

وتزداد جرائم الابتزاز الجنسي تحديدًا، في ظل تنامي استخدام الشبكات الاجتماعية وتعمُّق ارتباط الأفراد بها، وحسب تقرير لقناة BBC  الإخباربة، فإن الآلاف من الشباب خاصة الفتيات، في المجتمعات المحافظة في شمال أفريقيا والشرق الأوسط وجنوب آسيا، يتعرضون للتهديد والابتزاز بسبب صور خاصة وشخصية.

الابتزاز الجنسي الذي تتعرض له المرأة جريمة تقود إلى جرائم أكبر، فعادةً ما تضطر النساء إلى التزام الصمت وعدم الإبلاغ لدى أي جهة خوفًا من الوصم. وإن ذاعت صور أو مقاطع تظهر أجسادهن أو توثق أفعالًا وعلاقات جنسية، فالأكيد أنهن سيُلاحقن بانتهاك السمعة والتشهير، ولن يقتصر هذا على الفضاء الإلكتروني بل سيتبعه تعقب وإساءة في الحياة اليومية، وقد ينتهي الأمر بالقتل على يد أحد أفراد العائلة أو إقدام المرأة نفسها على الانتحار للخلاص من الضغوط ومشاعر الذعر والاضطهاد.

ثمة حكايات حولنا تكشف حجم الأذى الذي يطال النساء بسبب انتهاك الخصوصية والابتزاز عبر الإنترنت، خاصة عبر موقع فيسبوك الذي يتمتع بشعبية بين المصريين أكثر من غيره من مواقع التواصل الاجتماعي، وذلك وفق نتائج التقرير الدوري الذي تصدره مؤسسة We are social   الأمريكية.

بعض من هذه الحكايات شاركت صاحباتها بتفاصيلها، وكل حكاية تُضَاعف اليقين في أن المجتمعات الذكورية تسوّغ انتهاك خصوصية النساء وابتزازهن وترخصهما، وأبدًا لم تكن حمايتهن هدفًا أو حقًا يؤمنون به.

فيسبوك قد يعيدك إلى نقطة الصفر

صورة واحدة نشرتها منة (اسم مستعار) على فيسبوك، كانت سببًا في الإطاحة بأحلامها. انتهاك لخصوصيتها انتهى بإرغامها على العودة من العاصمة القاهرة إلى المحلة الكبرى، المدينة التي نشأت وعاشت فيها مع أسرتها، وأدى إلى إجبارها على التخلي عن أحلامها في الدراسة بكلية الألسن في جامعة عين شمس.

قبل أربع سنوات، نشرت منة عبر حسابها الشخصي على موقع فيسبوك، صورتها برفقة عدد من صديقاتها أثناء احتفالها بعيد ميلادها، وقد ظهرت فيها بدون حجاب يغطي شعرها.

في المجتمعات المحافظة لا يُعد خلع الحجاب قرارًا شخصيًا يخص صاحبته، وكما تنظر هذه المجتمعات إلى أجساد النساء باعتبارها ملكية لذويها، فإن فرض ارتداء الحجاب بأيدي العائلات يُرى كحق مستحق لها وواجب حتى تنال القبول المجتمعي. وهذه الحقيقة يستغلها كثيرون للحفاظ على ثوابت المجتمع الأبوي الذي تعيش فيه النساء مسيرات وإن خرجن عنها، يخسرن خسارات فادحة قد تصل إلى خسارة الحياة نفسها.

من هذا المنطلق، أرسل شخص ما  – لا تعرف منة من هو – صورتها إلى أسرتها التي ثارت ثائرتها، وقررت أن تنهي علاقة الفتاة بالقاهرة والجامعة وهؤلاء الأصدقاء الجدد.

خضعت الفتاة إلى أسرتها وعادت إلى مدينة المحلة، وقد اضطرت أن تلتحق بكلية الآداب في جامعة المنصورة، لتظل إلى جانب أهلها الذين رأوا في الصورة دليلًا على فساد خلقها، واستخدموا سلطتهم ليعيدوها إلى كنفهم حتى تسير على الخط المرسوم لها.

ترى منة التي تبلغ من العمر الاَن 24 عامًا، أن حياتها توقفت تمامًا وكل شيء يعطلها.

بعد فترة وجدت منة نفسها في مواجهة تهديد وابتزاز جديد عبر موقع التواصل الاجتماعي، فيسبوك، إذ فوجئت بحساب مزيف يرسل لها صورها مع شخص جمعتها به سابقًا علاقة عاطفية، ويهددها بإرسالها إلى أفراد من أسرتها.

تقول منة إنها لجأت إلى أحد الخبراء في مجال الأمان الرقمي، وهددت هذا الشخص بالإبلاغ لدى الجهات المختصة بوزارة الداخلية، وكان تهديدها وحده كافيًا لإثنائه عما كان يخطط له.

حسب منة، فإن علاقتها بمواقع التواصل الاجتماعي تراجعت بشكل كبير بعد الواقعتين، وقد حوّلت حسابها إلى مساحة مُغلقة على عدد قليل جدًا من الأصدقاء المقربين، فضلًا عن أنها تفرض الاَن رقابة ذاتية على المحتوى الذي تنشره خشية أن يلاحقها أحد بأي منشور لها، مما قد يتسبب في حرمانها من حقوق وفرص أخرى.

ممنوعة من دخول الجامعة بسبب فيسبوك

تمكنت تهاني البالغة من العمر 23 عامًا، من إقناع أسرتها بخلع الحجاب بعد أن ارتدته لسنوات رغمًا عنها، وفي إطار ممارستها لحياتها الطبيعية، نشرت صورًا لها على حسابها الشخصي على موقع فيسبوك بعد أن رفعت هذا الغطاء عن رأسها. لكن المجتمع الذي لا يعترف بخصوصية الأفراد ولا يرى للنساء حقًا في الاختيار، كان ينتظر هذه الصور لتكون ذريعته لتهديد تهاني، إذ وصفها زملاؤها بالمرتدة عن الدين، وقاموا بنشر صورها عبر صفحات الجامعة لإثارة ذعرها.

تقول تهاني «لم أكن أتخيل أن يُحدث مظهري كل هذه الجلبة. كان أصدقائي ينقلون إلي ما يقال عني وكان سيئًا للغاية، واكتشفت أن عددًا من صديقاتي يرتدين الحجاب في الجامعة خوفًا من هؤلاء وتهديداتهم.»

سيئة الخلق والدليل فيسبوك

أصبح الحساب الخاص بشيري على فيسبوك هو السبيل الذي يستغله زوجها حتى يقع الطلاق بينهما وفق القواعد الكنسية التي تقضي بأن «الطلاق لعلة الزنا».

وكانت شيري قد توصلّت إلى أن زوجها السابق والكاهن المسؤول عن ملف طلاقها، يتتبعان حسابها الشخصي ونشاطها على فيسبوك، بعد أن اعتبر كلاهما أن صورها ومنشوراتها التي يتفاعل معها أصدقاؤها من الجنسين، دليلًا كافيًا على سوء خلقها.

حتى الاَن لم يُتخذ قرار نهائي في قضية شيري، فما زال الملف قيد المناقشة والبحث، وعلى الرغم من أنها على يقين بأنها لا تفعل ما يشين وتُعامل أصدقاءها بشكل طبيعي، فقد أغلقت حساباتها الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي لفترة، قبل أن تستعيد ثقتها في نفسها وأفعالها وتعود إلى استخدامها مجددًا.

«الأمر صعب، لقد اكتشفت أن فيسبوك من الممكن أن يكون وسيلة للحكم على الشخص.»

وبكبسة زر.. انتشرت الصور

استقبلت نرمين (اسم مستعار) رسالة عبر حسابها على فيسبوك من حساب مزيف، تحتوي على صورٍ شخصية لها. سرعان ما أدركت الشابة البالغة من العمر 27 عامًا أن الراسل هو شخص كانت قد جمعتها به علاقة عاطفية قبل سبع سنوات. هددها بمشاركة الصور مع أصدقائها وأسرتها إذا لم تدفع له مبلغًا من المال أو ترسل له مقطعًا مصورًا تظهر فيه جسدها عاريًا، وأعطاها ساعتين قبل أن ينشر الصور في تمام الثانية صباحًا.

حاولت نرمين الاستغاثة بمباحث الإنترنت لكنها لم تفلح بسبب تأخر الساعة، فقررت التصرف في حدود إمكانياتها، فحظرت حسابات أفراد عائلتها حتى لا يتمكن من الوصول إليهم، ولم تجد مفرًا من التحدث إلى والدها الذي تعامل بعقلانية مع الموقف، وتصالح مع مسألة إرسالها لهذه الصور الخاصة إلى ذلك الشخص، بسبب صغر سنها حينذاك.

جاءت الساعة الثانية بعد منتصف الليل، لتجد نرمين صورها قد وصلت إلى معارفها وأصدقائها. لجأت إلى صفحة متخصصة على فيسبوك لتقدم الدعم لها، وتواصلت مع سكرتيرة أحد النواب في البرلمان التي بدورها مكنتها من التواصل مع مباحث الإنترنت، وفي النهاية نجحت في إغلاق هذا الحساب.

تقول نرمين «خرجت من التجربة وأنا أقوى من ذي قبل، لم يعد لدي شيء لأخجل أو أخاف منه. طالما فكرت في الانتحار بسبب هذه الصور، ولكنني الاَن حتى إن ظهر هذا الشخص مرة أخرى وأعاد الكرة – وهذا ما لا أتمناه – لن أفكر في التخلص من حياتي بالتأكيد.»