بالونات هوائية ضخمة على شكل أثداء أنثوية، تظهر على أسطح بنايات في لندن، عاصمة المملكة المتحدة البريطانية، ولكبر حجمها لا يمكن للمارة أن يعبروها دون أن ترغمهم على التوقف أمامها والتفكير فيما ترمز إليه.

ظهرت هذه البالونات بالتزامن مع الاحتفال الوطني في بريطانيا بعيد الأم، الذي حل هذا العام في الـ31 من مارس المنقضي، والهدف منها هو الدفع إلى التوقف عن وصم وجنسنة الرضاعة الطبيعية في الأماكن العامة.

هذا ليس الظهور الأول لهذه البالونات، فقد ظهرت لأول مرة مع الإعلان عن إطلاق حملة #FreetheFeed في العام 2017، وقالت حينها اَنا بالارين مؤسسة الحملة – في تصريحات صحافية – إن الهدف منها هو إزالة الوصم الاجتماعي المحيط بالرضاعة الطبيعية في الأماكن العامة وشبه العامة.

وحسب دراسة استقصائية أجرتها مؤسسة سلاتر وجولدن للمحاماة على 2000 امرأة في بريطانيا، ونشرت نتائجها مطلع العام الجاري، فإن واحدة من كل ثلاث نساء عاملات أجبرن على إرضاع أطفالهن في الحمام  أثناء العمل ولم ينلن أي دعم من قبل مدرائهن.

وفي يناير الماضي، أطلقت وزارة الصحة في أيرلندا الشمالية (مقاطعة داخل المملكة المتحدة) حملة تحت عنوان # NotSorryMum وهي الأولى من نوعها في المقاطعة،  وترمي إلى تشجيع النساء على الرضاعة الطبيعية، دون أن يشعرن بالخجل أو الخزي من القيام بها أمام الاَخرين.

هذا هو السبب

نجحت المنظومة الذكورية في الترسيخ إلى أن ثدي المرأة مجرد عضو يثير الرجل جنسيًا ويمتعه، وهذا في إطار عملية التسليع التي أخضِعَت لها النساء في الإعلانات والأفلام والمواد البصرية على اختلافها، وهذه النظرة المترسخة والمتوارثة تحول دون تقبل الثدي باعتباره مصدرًا لصحة الطفل ونموه بشكل مجرد من أي انطباعات جنسية.

ومن زاوية أخرى، فإن ممارسة النساء للرضاعة الطبيعية علنًا تؤكد قدرتها على التحكم في جسدها وتعزز من ثقتها في نفسها، فضلًا عن أنها تمثل تحديًا صريحًا للنموذج الطبي الخاضع للهيمنة الذكورية الذي يروج إلى سحب اللبن من الثدي ثم الإرضاع عبر الزجاجة.

القانون وحده لا يُغيّر

على صعيد القوانين الداعمة لحق المرأة في الرضاعة الطبيعية في مقرات العمل والأماكن العامة، فإن أغلب الدول الغربية تقر تشريعات تعترف به، إلا أن الولايات المتحدة لم تنضم إلى القائمة فعليًا حتى العام 2018، بعد أن أدخلت ولاية أيداهو تعديلات على قانونها الذي يمنع على النساء الرضاعة في الأماكن العامة، ليصبح من حقهن القيام بهذا الفعل الطبيعي دون خوف من تعقب أو عقاب.

تذهب أستراليا لما هو أبعد من ذلك، إذ يحظر القانون المناهض للتمييز على أساس الجنس الصادر في العام 1984، التمييز ضد المرأة بسبب الرضاعة في الأماكن العامة وشبه العامة. كما أن البرلمان الأسترالي قد غير قواعده في العام 2016، بما يسمح للنائبات بإصطحاب أطفالهن إلى قاعة انعقاد الجلسات ويمكنهن من إرضاعهن داخلها، وفي يونيو من العام 2017، وقفت النائبة لاريسا ووترز تلقي كلمة أمام البرلمان وهي ترضع طفلتها.

وعلى الرغم من أن مجلس النواب البريطاني شهد مبكرًا أول واقعة إرضاع طفل أثناء انعقاد إحدى جلساته في العام 1976، عندما فعلتها النائبة بارونس هايمان، فما زال قطاع عريض من النساء في هذا البلد، يخجل من القيام بهذا الفعل في الشوارع أو الحدائق أو وسائل المواصلات.

في بقية دول العالم، لا توجد قوانين تمنع النساء من الرضاعة في أماكن العمل والمفتوحة، مع استثناء وحيد موجود في المملكة العربية السعودية التي تمنع على النساء إظهار أجزاء من أجسادهن أمام العامة. ومع ذلك فإن خوف المرأة من نظرة المحيطين وما قد تتعرض له من استنكار أو تنمر، يدفعها إلى التفكير مرارًا قبل الإقدام على هذه الخطوة

الواقع يؤكد أن القانون وحده لا يحل العقدة، لأن تقبل الرضاعة الطبيعية علنًا يظل أمرًا غير مستساغ بين قطاعات المحافظين والمتشددين في شتى أنحاء العالم، وقد يستخدم البعض ما يملكه من سلطة لمنع ما يعتقد أنه منافيًا للاَداب العامة، حتى إن لم يكن المنع مستندًا إلى قانون، مثلما حدث في الأرجنتين في يوليو من العام 2016، عندما هدد ممثلون للشرطة امرأة بالقبض عليها، إذ لم تتوقف عن إرضاع طفلها في منطقة سان إيسيدرو، شمال العاصمة بوينس آيرس، وكانت الحادثة سببًا في خروج مئات الأمهات للاحتجاج على الواقعة. وفي مكان وقوع الحادثة، تظاهرن كاشفات عن أثدائهن وتعمدن إرضاع أطفالهن أمام عدسات الصحف والقنوات التلفزيونية، وعلى إثرها اعتذرت الحكومة الأرجنتينية ووصفت ما تعرضت له هذه السيدة بــ«الخطأ».