احتفلت جمهورية سلوفاكيا يوم الأحد الماضي، بوصول أول امرأة في تاريخ البلاد إلى منصب رئيس الجمهورية، بعد فوز المحامية الحقوقية زوزانا كابوتوفا في الجولة الثانية للانتخابات الرئاسية التي أجريت يوم السبت 30 مارس الماضي، بنسبة 58.4 في المئة من إجمالي الأصوات التي توزعت بينها وبين منافسها ماروس سيفكوفيتش، نائب رئيس المفوضية الأوروبية ومرشح الحزب الحاكم.

وفي الجولة الأولى للانتخابات التي خاضت كابوتوفا منافساتها تحت شعار «سنقاوم الشر/الفساد» حصدت أكثر من 40 في المئة من إجمالي الأصوات بينما حصل سيفكوفيتش على 19 في المئة، وخرج من السباق ستيفان هارابين وزير العدل السابق الذي ينتمى للتيار اليميني الشعبوي، والمتطرف اليميني ماريان كوتليبا، إذ لم يحصل أي منهما على أكثر من 15 في المئة. وقد أرجع كثيرون تقدم كابوتوفا لنشاطها القوي ضد الفساد المتنامي داخل مؤسسات الدولة. ومن المزمع أن تؤدي الرئيسة الجديدة لسلوفاكيا اليمين الدستورية في الـ15 من يونيو المقبل.

سلوفاكيا هي إحدى الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي منذ إبريل من العام 2004، وعضوة بالإتحاد الأوروبي منذ مايو من العام نفسه، فضلًا عن أنها عضوة في حلف الفيشغراد (تحالف يضم أربعة دول من أوروبا الوسطى).

وقد ذاعت شهرة زوزانا كابوتوفا كأحد أبرز المحامين المحاربين للفساد في سلوفاكيا في العام 2016، عندما أقامت دعوى أمام المحكمة لمنع إقامة موقع غير قانوني لدفن النفايات في مدينة بيزينوك التي تقع غرب سلوفاكيا، وزادت شعبية نائبة رئيس الحزب السلوفاكي التقدمي السابقة، في العام 2018 عندما شاركت مع عشرات الاَلاف من المتظاهرين في الاحتجاجات الشعبية التي أعقبت اغتيال الصحافي يان كوسياك وخطيبته بالرصاص، قبل نشره لتحقيق استقصائي يتناول علاقات بين سياسيين سلوفاكيين والمافيا الإيطالية، حسب ما تداولته وكالات أنباء دولية.

ووفق تصريحات صحافية سابقة لكابوتوفا فقد كانت هذه الحادثة هي المحرك الرئيس والدافع وراء خوضها للانتخابات الرئاسية.

«سلوفاكيا ليست محافظة كما يظن كثيرون،» جاءت هذه الجملة على لسان كابوتوفا في حديثها إلى مؤيديها عقب الإعلان الأولي لنتائج الاقتراع، وذلك في إشارة إلى بُعد اَخر كشفه التصويت لصالحها في الانتخابات، خاصة أنه قد سبق وأعلنت تأييدها المطلق لحق النساء في الإجهاض ودعمها لحقوق المثليين وهي حقوق لا يعترف بها القانون في بلادها، وهو ما عرّضها لانتقادات شديدة من جانب الكنيسة والجماعات المحافظة.

وقد ركزت زوزانا كابوتوفا البالغة من العمر 45 عامًا، في حملتها الانتخابية على مكافحة الفساد وإصلاح الهيئات القضائية وأجهزة الأمن، لكن الفوز لن يذلل العقبات كافة، إذ أن دولة سلوفاكيا تعتمد النظام البرلماني نظامًا للحكم، وتقتصر مهام الرئيس على المصادقة على المعاهدات الدولية وتعيين كبار القضاة وحق النقض، بالإضافة إلى الاحتفاظ باختصاصات القائد الأعلى للقوات المسلحة، مما يعني وجوب التوافق مع أعضاء في البرلمان لتمرير ما ترنو إليه كابوتوفا، وهو أمر ليس باليسير في ظل عدم تمثيل حزب سلوفاكيا التقدمي الليبرالي الذي تنتمي إليه بأي مقعد في البرلمان.

دول أخرى جلست فيها النساء على كرسي الرئيس

في العام 1974، أضحت إيزابيل بيرون أول امرأة تعتلي منصب الرئيس في الأرجنتين والعالم على خلفية اعتلال صحة الرئيس خوان بيرون (زوجها) ثم وفاته، مما أهلها لنيل المنصب بحكم شغلها لموقع نائب الرئيس، وقد استمرت في الحكم حتى العام 1976 عندما تم الإطاحة بها إثر انقلاب عسكري، وفي العام 1980 انتخبت فيغديس فونبوغاتير رئيسة لأيسلندا لتصبح أول امرأة في العالم تصل إلى سدة الحكم عبر الاقتراع العام المباشر، وقد ظلت في موقعها حتى العام 1996 بعد أن نجحت في الفوز بأربع دورات رئاسية متتالية. بعد سنتين من تولي فونبوغاتير رئاسة أيسلندا، تم تعيين أغاثا باربارا رئيسة لدولة مالطا، لتصبح أول رئيسة لبلادها وثالث من يشغل هذا الموقع فيها. وفي الثمانينيات أيضًا، أصبحت كورازون أكينو أول امرأة تتقلد منصب الرئيس في الفلبين وأمضت في الحكم ست سنوات.

وفي العام 1990، صعّد البرلمان الأيرلندي ماري روبنسون إلى منصب الرئيس في سابقة لم تعهدها البلاد من قبل واستمرت في سدة الحكم حتى العام 1997، وفي نهاية حقبة التسعينيات وتحديدًا في العام 1999، أصبحت روث دريفيس أول رئيسة لدولة سويسرا لكنها لم تستمر في هذا المنصب سوى عام واحد.

مع بداية الألفية الجديدة، انضمت فنلندا إلى القائمة بعد اعتلاء النائبة البرلمانية تاريا هالونن لمنصب الرئيس، وتبعتها أندونيسيا بعد اختيار البرلمان لميجاواتي سوكارنوبوتري رئيسة للبلد صاحب أكبر اقتصاد في جنوب شرق اَسيا، وقد مثّل وصول سوكارنوبوتري إلى هذا المنصب سابقة في الدول ذات الأغلبية المسلمة.

قبل سلوفاكيا، كان عدد الدول التي تدير النساء شؤونها من خلال منصب الرئيس، سبع دول فقط من أصل 193 دولة – الأعضاء في الأمم المتحدة-  وهي: كرواتيا، نيبال، شيلي، ليتوانيا، مالطا، إستونيا، جزر مارشال. وبعد أن انضمت سلوفاكيا إلى القائمة أصبح إجمالي العدد ثماني دول تجلس النساء فيها على «كرسي الرئيس».

العالم العربي.. تحريم كامل أو تمثيل شرفي في منافسة صورية

ما زال العالم العربي حتى يومنا هذا غارقًا في نقاشات حرمانية وصول المرأة إلى سدة الحكم، وما فتئ قول «لا ولاية لامرأة» محل جدل في شتى الدول العربية، فضلًا عن أن العقلية الذكورية الحاكمة في هذه المنطقة لا تقبل فكرة المنافسة الفعلية والجادة للمرأة على المنصب. وينجلي هذا في التجربة المصرية إبان انتخابات الرئاسة للعام 2012 التي وصفّت بأنها أول انتخابات حقيقية تعرفها مصر منذ إعلان الجمهورية في العام 1953، إذ لم تتمكن الصحافية المصرية بثينة كامل من جمع العدد الكافي من توكيلات المواطنين التي تؤهلها إلى المنافسة في الانتخابات.

وباستثناء التجربة التونسية، فإن مشاركة المرأة في الانتخابات كانت صورية في إطار انتخابات معلومة النتائج مسبقًا، مثلما كان الحال في الجزائر التي شهدت منافسة لويزا حنون صاحبة التوجهات اليسارية، لأكثر من مرة في الانتخابات الرئاسية التي فاز في جميع دوراتها عبد العزيز بوتفليقة، وعلى نفس النحو ظهر اسم فاطمة عبد المحمود في الانتخابات الرئاسية في السودان التي أجريت في العام 2015، وهي الانتخابات التي مددت فترة حكم الرئيس عمر البشير.

تظل تونس هي الوحيدة التي شهدت منافسة حقيقية لامرأة على كرسي الرئاسة، وإن كانت الثقافة الذكورية قد حالت دون عبور القاضية كلثوم كنو إلى الجولة الثانية من الانتخابات، إلا أن قبول الفكرة في حد ذاته ودعم امرأة لخوض هذه المنافسات كان الشعب التونسي أكثر انفتاحًا عليه، فقد نجحت كنو في جمع أكثر من 15 ألف تزكية من المواطنين وهو العدد الذي حددته هيئة الانتخابات كحد أدنى للمرشح المستقل. كما أنها لم تكن السيدة الوحيدة التي أقدمت على هذه الخطوة، فقد حاولت ثلاث سيدات أخريات خوض المنافسات، ولكنها ظفرت وحدها بالترشيح بعد استيفاء الشروط.

كلثوم كنو – مرشحة الانتخابات الرئاسية التونسية