بالتزامن مع الـ16 يومًا الدولية من النضال لمناهضة العنف القائم على النوع الاجتماعي، وفي ضوء اهتمام العالم حاليًا أكثر من السابق بالعنف الجنسي الذي تتعرض له النساء، لا سيما بعد انطلاق حركة #MeToo التي لاقت صدى واسع في شتى أنحاء العالم. وفي خضم التفاعل الهائل الذي أحاط بالحملة، قادت الضغوط النسوية في الكثير من البلدان، إما إلى محاسبة كُثر من المتورطين في جرائم العنف الجنسي بالقوانين القائمة، وإما إلى إقرار قوانين جديدة تناهض هذه الجرائم بشكل رادع.

وفي المنطقة العربية، كانت تونس – كعادتها في مجال حقوق النساء – أول من يقر قانونًا لمناهضة مختلف أشكال العنف ضد المرأة في أغسطس من العام 2017، ثم لحقت بها المغرب التي أدخلت القانون رقم 13-103 والمتعلق بمحاربة العنف ضد النساء، حيز التنفيذ في سبتمبر الماضي بعد المصادقة عليه بالإجماع في مجلس النواب.

ويجرّم القانون التحرش الجنسي بشكل واضح، وبحسب نصه فإن المتحرش قد يواجه عقوبة حبسية من شهر إلى ستة أشهر، وغرامة تتراوح بين  2000 درهم إلى 10,000 درهم أو إحدى العقوبتين، وذلك سواء ارتكب جرمه قولًا أو فعلًا أو عن طريق وسائل مكتوبة أو إلكترونية أو هاتفية أو تسجيلات أو صور ذات طبيعة جنسية أو لأغراض جنسية.

هذا الانجاز القانوني دفع المخرج الشاب جهاد اليسع إلى تقديم فيلم قصير بعنوان «الزين مالو»، يُسلّط من خلاله الضوء على معاناة المرأة المغربية جراء تفشي ظاهرة التحرش الجنسي في هذا البلد. الفيلم مدته أقل من دقيقتين بثوانٍ، ويستعرض اليسع خلالها عن طريق ممثلة منفردة الجمل والتعبيرات المعهودة والمنتشرة على ألسنة المتحرشين في كل الأوقات وبغض النظر عن شكل الملبس.

جهاد اليسع يركز في عمله على الفن المعاصر، ودرس بمدرسة الفنون الجميلة الوطنية، وعلاوة على عمله كمخرج فهو موسيقي وينتج موسيقى للأفلام.

«الزين مالو؟» هو اسم الفيلم وهو في الوقت ذاته تعبير يستخدمه المتحرشون في المغرب، ويوازي في اللهجة المصرية «الجميل مالو؟»، وعن تفاصيل الفيلم والغاية منه وللتعرف إلى مشكلات أخرى تواجه المرأة المغربية، كان لــ«ولها وجوه أخرى» هذه المقابلة مع مخرج الفيلم.

جهاد اليسع – مخرج مغربي

إليكن/م نص الحوار:

في البداية ..حدثنا عن الأسباب التي دفعتك إلى تقديم فيلم يناقش تحديدًا قضية التحرش الجنسي في المغرب؟

السبب هو تفشي الظاهرة في المغرب، وهو ما دفع البرلمان مؤخرًا لسن قانون جديد يقضي بعقوبات شديدة ضد المتحرشين، ولم يخرج القانون من فراغ بل بعد مجموعة من الشكاوى والوقائع التي تلاحقت في هذا الصدد. وعلى مستوى شخصي، فقد وُلِدت الفكرة من خلال متابعتي لما يحدث في الطرقات والشوارع، وعدد من الحكايات التي أسمعها من أصدقائي وأقاربي، وهو ما آثار غضبي وأشعرني بضرورة التعبير عن مشاعري ووجهة نظري بطريقة فنية.

كيف أعددت إلى الفيلم وهل اعتمدت على أبحاث ودراسات صادرة عن جهات نِسوية؟

جاء العمل بعد تراكمات سجلتها من خلال مجموعة قصص واقعية لناجيات من جرائم تحرش جنسي بأشكاله المختلفة، بالإضافة إلى تدويني المستمر لملاحظات عن ما أشُاهده يوميًا في الشارع من مضايقات تتعرض لها النساء. وبالتالي كان على أن أفعل شيئًا ما وأن أعبر بطريقتي عن ذلك حتى أرسل رسالة إلى المتحرشين الذين يظنون أن أفعالهم عادية ومقبولة جدًا.

يؤكد الفيلم فكرة أن التحرش يُلاحق الفتاة أيًا كان ملبسها سواء كانت ترتدي تنورة قصيرة أو جلبابًا طويلًا، فبما تفسر انتشار الظاهرة؟

أعتقد أنني لست الشخص المناسب لتحليل الأسباب وتحديدها؛ هناك من يقومون بدراسات اجتماعية وهم أقدر على تحري أسباب الظاهرة بدقة، ولكن من المؤكد أن الفيلم تعبير عن رفضي لهذه الأفعال.

هل يمكن لنا أن نتعرف إلى تفاصيل أكثر عن عملية التنفيذ وعلاقة البطلة وتعاملها مع القضية التي يدور حولها الفيلم؟

لقد استغرق تصوير الفيلم أسبوعًا كاملًا، ولكن سبق ذلك الإعداد وكتابة سيناريو وstoryboard، ثم مرحلة ما بعد التصوير والخاصة بعملية المونتاج، والكلمات التي استخدمتها بالفيلم استلهمتها من حديثي مع نساء تعرضن للتحرش، وتعمدت استخدام الجمل ذاتها دون تغيير أي شيء للتعبير بدقة عن الواقع، وبطبيعة الحال الممثلة نسيمة ازمزم عايشت كأخريات مجموعة من التحرشات اللفظية في الشارع، ولاحظت أثناء تصوير الفيلم أنها تأثرت نفسيًا عندما استعادت وقائع مشابهة تعرضت لها، وهو ما ساهم في التعبير بشكل دقيق عن معاناة المرأة من هذه الانتهاكات.

في رأيك، لماذا ما زال المجتمع ينظر إلى النساء باعتبارهن مسؤولات عن التحرش الجنسي؟

أظن أن كل من يعتقد أن المرأة أو ملابسها أو كونها امرأة السبب في وقوع التحرش، فهو صاحب تفكير بدائي ورجعي ولا أساس له من الصحة، لأن هناك من يتحرشون بنساء منتقبات، والمتحرش لا يفرق بين امرأة بدون حجاب وأخرى ترتديه أو إن كانت ترتدي خمارًا أو نقابًا. اعتقد أن السبب يعود إلى التربية والأخلاق والفكر الذكوري، فمثلًا نرى في الغرب نساء يرتدين بكل حرية ما يردن والرجال لا يتحرشون بهن، ولا أنفي وجود حالات خاصة بالطبع، ولكن بصفة عامة نسب التحرش مرتفعة أكثر في المجتمعات العربية.

وكيف ترى الحل لتحجيم هذه الظاهرة؟

أظن أن الرجال عليهم بالفعل أن يتوقفوا عن النظر إلى المرأة على إنها جسد ووعاء جنسي فقط وأن يكفوا عن تشييء المرأة. يجب أن ننظر إليها كإنسان يحمل أفكارًا ومشاعر مثل الرجل تمامًا، وعلينا أن ندرك أنها تفقد الشعور بالاَمان بسبب التحرش.

البعض يرى أن التحرش ينتشر في المدن الكبرى أكثر من القرى، فهل هناك مناطق بعينها في المغرب ينتشر فيها التحرش الجنسي أكثر من غيرها؟

ليس لدي فكرة معينة أو أرقام دقيقة، ولكن بلا شك هناك اختلاف بين بعض المدن وهو يعود إلى المستوى الثقافي في كل مكان، واعتقد هذا ينطبق على جميع بلدان العالم.

هل الهدف من الفيلم دعم النساء أم أنه موجه إلى الرجال؟

رسالتي إلى الرجال، أنا أريد أن أوضح لهم أن النساء ضجرن من كل المضايقات والتحرشات والألفاظ، والفيلم محاولة لوضع الرجال في الصورة، حتى يدركوا ما تشعر به النساء ومعانتهن اليومية، وفي آخر الفيلم أذكر بنص القانون الذي صدر مؤخرًا لمناهضة التحرش الجنسي. وأنا أظن أن النساء لسن بحاجة إلى المساندة ولكن يحتجن إلى تغيير حقيقي في المجتمع والعقلية الذكورية.

هل تظن أن العقوبات التي يفرضها القانون قادرة على تحجيم التحرش الجنسي؟

أظن أن القوانين غير كافية لتغيير الوضع، لأن الظاهرة مُتفشية وتحتاج إلى حلول جذرية، فهذه الظواهر تحتاج إلى تعليم يساهم في تغيير السلوكيات جذريًا، بالإضافة إلى توعية وبرامج إعلامية وفنية، فالقانون وحده لايكفي.

يوجد في مصر شيوخ متشددون يدينون المرأة ويبيحون التحرش بها إذا كانت ترتدي ملابس لا تلتزم بــ«الكود» الذي يحددونه لها، إلى أي مدى ينتشر الخطاب نفسه في المغرب؟

عندما نتحدث عن الخطاب الديني الرجعي الذي يدين المرأة ويعتبرها السبب في التحرش سواء في المغرب أو البلدان العربية – لن نُعمم – ولكن هناك فئة تؤيد هذه الفكرة والبعض يرفضها. وفي المغرب، هناك من يتبنى هذا الخطاب، ولكن قطاع كبير من المواطنين لديه وعي بأن المشكلة في التربية والأخلاق، وأن المرأة المغربية يجب أن تكون حرة ويحق لها أن ترتدي ما تريد.

هل ترى أن حملة #MeToo وغيرها من احتجاجات النساء العربيات خلال السنوات الأخيرة لعبت دورًا في كسر حاجز الصمت بشأن التحرش الجنسي؟

العالم العربي يتطور تدريجيًا ونرى الناس يغيرون أفكارهم، وأظن أن هذا يعود إلى الإنترنت الذي منح الجميع حق المعرفة، وكسر العوائق بين البلدان، وأصبح أي شخص يمكنه معرفة كل جديد بضغطة على زر، مما جعل الأفراد أكثر تقبلًا لتغيير الأفكار عندما تظهر أمامهم أفكار أفضل أو تستحق التبني.

منذ فترة وقعت حادثة اغتصاب جماعي استهدفت فتاة مغربية وقد أثارت غضبًا واسعًا حينذاك، وانطلق على إثرها وسم #كلنا_خديجة وحملة #ماسكتاش، فما سر تصاعد نسبة هذه الجرائم مؤخرًا في المغرب وفق ما كشفته مراكز حقوقية؟

كما ذكرت سلفًا لست الأفضل للإجابة بدقة بشأن الإحصاءات، ولا أعرف السبب الحقيقي وراء ذلك. لكنني كبرت بين عائلة علمتني احترام النساء، وأحاول الاَن أن أنشر أفكاري في أعمالي الفنية حيث يمكنني التعبير جيدًا بالموسيقى والفن.