نظم مركز وسائل الاتصال الملائمة من أجل التنمية (ACT) ورشة عمل على مدار ثلاثة أيام في منتجع العين السخنة، لدراسة سبل تحجيم ظاهرة زواج القاصرات في إطار حملة «مش قبل الـ18» التي أطلقها المركز قبل ثلاثة أشهر بالتعاون مع عدد من الجمعيات الأهلية في مصر.

انعقدت الورشة في الفترة من 29 سبتمبر وحتى الأول من أكتوبر الجاري، بمشاركة أكثر من عشرين ممثلًا وممثلة لجمعيات تنموية وحقوقية بالإضافة إلى المجلس القومي للمرأة والممجلس القومي لحقوق الإنسان ومجلس النواب المصري. وبدأت فعاليات الورشة بكلمة للدكتورة عزة كامل مديرة مركز وسائل الإتصال الملائمة من أجل التنمية، أوضحت خلالها أهداف الورشة التي تركزت في مراجعة السياسات القائمة المتعلقة بزواج القاصرات والخروج بمقترح سياسات جديدة حول محاور مثل؛ تعزيز نظم الحماية، والثقافة السائدة والتغيير الاجتماعي والسلوكي، والحصول على خدمات عالية الجودة فيما يخص الصحة والتعليم من منظور وقائي.

أما الجلسة الأولى فقد تحدث خلالها الدكتور محمد جمال عيسى عميد كلية الحقوق في جامعة الزقازيق وعضو اللجنةالتشريعية بالمجلس  القومي للمرأة، وعرَّف خلالها بالطرق التي تنظم الزواج مشيرًا إلى أن بعض الأنظمة القانونية تبنت الاعتقاد بأن الزواج هو عقد رضائي دون حاجة إلى كتابة عقد مكتوب، بينما اعتبرت أنظمة قانونية أخرى أن عقد الزواج شكلي لا ينعقد إلا كتابةً، ومع التطور الاجتماعي وظهور مشاكل نتيجة العمل بالنظام الأول بدأ الاتجاه نحو كتابة عقود لإثبات الزواج.

كما استعرض عيسى خلال كلمته تطور طرق تنظيم الزواج في مصر على مدار التاريخ البعيد والقريب، بداية من العصر الفرعوني لافتًا إلى أن الكتابة كانت واجبة لإثبات عقد الزواج وهو ما استمر خلال العصر البطلمي، حتى جاء العصر الروماني ليزيد على كتابة العقد تحديد سن أدنى للزواج الذي حددته الدولة حينذاك بــ 12 عامًا للفتى و14 عامًا وللفتى، لافتًا إلى أنه في حال انعقد الزواج قبل السن المحددة يصبح باطلًا.

وبحسب عيسى ففي العصر الإسلامي شاع مفهوم الزواج باعتباره عقدًا رضائيًا ينعقد باتفاق الطرفين ووفقًا للرأي الغالب بعد موافقة ولي الأمر، لكن مع نهاية القرن الـ18 بزغت المشكلات الناجمة عن عدم توثيق الزواج عبر كتابة العقود، وذلك بسبب تعذر إثبات الزواج أمام القضاة في حالات طلب الزوجات للنفقة لهن ولأولادهن، لأن الأزواج كانوا يستغلون غياب العقود لينكروا الزواج وبالتالي يتهربون من دفع النفقات؛ ونتيجة لذلك فرضت الدولة توثيق عقود الزواج كتابة لإثبات الزيجات وحل مثل هذه المشكلات.

وكشف عيسى أن المصريين لجأوا إلى اَراء الفقهاء المسلمين لتحديد سن أدنى للزواج، وهو ما صعّب توحيد السن نتيجة اختلاف الاَراء الفقهية في هذا الصدد، واستمر الوضع على هذا النحو حتى صدور أول قانون للأحوال الشخصية في العام 1923 الذي حدد سن الزواج بـ16 سنة للفتاة و18 سنة للفتى، ولم يتغير سن الزواج  حتى صدرت الاتفافية الدولية المنظمة لحقوق الطفل في العام 1989 ووقعت عليها مصر لتدخل حيز التنفيذ في العام 1990، وعلى إثرها أجري تعديل تشريعي بموجبه رفع القانون سن الزواج إلى 18 عامًا للجنسين على حد سواء.

وعن قانون العقوبات الحالي وإشكاليته فيما يتعلق بزواج القاصرات، تحدث عيسى عن محاولات المجلس القومي للمرأة منذ أن كان تحت رئاسة السفيرة مرفت التلاوي لمعالجة الثغرات الموجودة فيه، من خلال إعداد مشروع قانون موحد لمناهضة العنف ضد النساء يضم بين ثناياه موادًا تضمن تجريمًا لإكراه المرأة على الزواج وتشديد العقوبة لتصبح الحبس والغرامة معًا، فضلًا عن إضافة الجزاء الجنائي إلى الجزأء التأديبي لكل من المأذون وولي الأمر في حالة إكراه المرأة على الزواج خاصة إن كانت قاصرًا، إلا أن القانون لم يصدر في نهاية المطاف وانفصلت بعض فصوله مثل المتعلقة بالتحرش أو الحرمان من الميراث لتصبح تعديلات على القوانين القائمة، وشرع المجلس في إعداد مشروع قانون لمكافحة زواج القاصرات، واجتمعت اللجنة التشريعية ووضعت بالفعل مشروع قانون لكن مجلس النواب لم يطرحه للمناقشة حتى الاَن.

وبحسب عيسى فإن حالة الجمود القائمة، دفعت بالمجلس القومي للمرأة إلى العمل على إعداد مقترح تعديل أو استحداث مادة جديدة في قانون العقوبات المعمول به حاليًا، على أن تقضي بتشديد العقوبة على كل من يخالف نص القانون المحدد لسن الزواج بـ18 عامًا، سواء كان ولي الأمر أو المأذون أو الشهود، وأن تجمع العقوبة بين السجن والغرامة معًا.

خلال الجلسة الثانية، استعرضت الدكتورة عزة كامل السياق العريض لظاهرة تزويج القاصرات مستشهدةً ببعض الأرقام والإحصاءات الكاشفة للوضع الراهن في مصر،  ومن بينها  ما جاء في مسح التكلفة الاقتصادية للعنف القائم على النوع الاجتماعي مصر للعام 2015 ، إذ أن أكثر من ربع النساء المصريات في الفئة العمرية (18-64) عامًا أي ما يمثل نسبة 27 في المئة تزوجن قبل 18 عامًا.

وتناولت كامل في كلمتها عددًا من العوامل والأسباب التي تقف وراء نمو ظاهرة تزويج الفتيات، ومنها العوامل الثقافية حيث الموروث الثقافي الذي يكرس للدور النمطي للمرأة، فضلًا عن تشجيع بعض التيارات الدينية لزواج القاصرات، كما تعرضت للعوامل الاجتماعية  وخاصة الوضع الاقتصادي للأسرة وما يلعبه من دور في نمو الظاهرة، إلى جانب العوامل القانونية حيث تحظر المادة 31 من قانون الطفل توثيق الزواج لمن هم دون 18 عامًا بينما لا تحظر وقوع الزواج، كما يخالف المأذونون واجباتهم الوظيفية وتزوير سن الفتاة القاصر بما يسمح بتوثيق زواج من هن أقل من 18 سنة.

كما عرفت كامل إلى الجهات المعنية بقضية تزويج القاصرات والتحديات والمعوقات في مواجهة تحجيم الظاهرة سواء على الصعيد الاجتماعي والاقتصادي أو الثقافي والقانوني والسياسي.

انتهى اليوم الأول بإعداد ورقة سياسات بعد الإطلاع على ورقة السياسات التى أصدرها المجلس القومي للطفولة والأمومة في يونيو الماضي تحت عنوان «القضاء على زواج الأطفال»، وقد انقسم المشاركون والمشاركات إلى مجموعات عمل، وبهدف العمل على دراسة وتحليل ثلاث محاور وهي؛ تعزيز نظم حماية لطفل، والحصول على خدمات عالية الجودة (التعليم والصحة)، والتغيير الاجتماعي والسلوكي.

أما ثاني أيام الورشة، فقد بدأ بكلمة للدكتورة أميمة أبو شادي الأستاذ بكلية قصر العيني ركزت خلالها على التعريف بأضرار زواج القاصرات والحمل المبكر من الناحية الطبية، ليتبع ذلك جلستي عمل لاستكمال ما بدأ خلال اليوم الأول في إطار تطوير سياسات جديدة لمعالجة القصور في نظم الحماية وتغيير الثقافة السائدة المؤيدة أو المهادنة لزواج القاصرات، وتطوير الخدمات الصحية والتعليمية، وانقسم جدول العمل إلى مناقشات داخل مجموعات عمل لدراسة جذور المشكلات المذكورة وتحليلها وطرح سبل لتغيير الوضع القائم، يتبعها تقديم عرض لما توصلت إليه كل مجموعة أمام جميع المشاركين بما يفتح مجالًا للتشاور بشأن مدى عملية ما توصلت إليه المجموعات وإمكانية تطبيقه على أرض الواقع.

في اليوم الثالث والأخير، عكف المشاركون والمشاركات على إعداد خطط عمل مقترحة في إطار معالجة المحاور الثلاثة المشار إليها اَنفًا، ثم تبادلوا الاَراء بشأن ما ورد في الخطط من أهداف وعناصر وجدول زمني فضلًا عن الفرص المتاحة والمستهدفين.

وفي نهاية اليوم تباحث المشاركون والمشاركات حول عدد من التوصيات بشأن السياسات الرامية إلى تحجيم ظاهرة زواج القاصرات.