أعلنت الأكاديمية الملكية السويدية صباح الجمعة الموافق 5 أكتوبر منح جائزة نوبل للسلام للعام 2018، لكل من نادية مراد الناشطة الإيزيدية والناجية من العنف الجنسي في العراق ودينيس موكويغي الطبيب الكونغولي الملقب بــ«ملاك بوكافو» – وبوكافو هي مدينة في جمهورية الكونغو الديمقراطية، أسس فيها موكويغي مستشفى لعلاج الناجيات من العنف الجنسي بعد تزايد حالات الاغتصاب إبان حرب الكونغو الثانية (1998-2003) –  ويأتي التتويج بالجائزة اعترافًا وتقديرًا لجهود كل منهما لإنهاء استخدام العنف الجنسي كسلاح في الحروب والنزاعات المسلحة كما جاء خلال الإعلان عن فوزهما.

«على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر من العام 2013، صادقت 113 دولة على إعلان الالتزام بإنهاء العنف الجنسي في حالات الصراع الذي يضم مجموعة من الالتزامات العملية والسياسية تهدف إلى إنهاء استخدام الاغتصاب والعنف الجنسي كسلاح في الحروب، وزاد لاحقًا عدد الدول المصدقة إلى 141 دولة.»

قبل فوزه بالجائزة ترشح الطبيب الكونغولي دينيس موكويغي (63 عامًا) عدة مرات للحصول على نوبل للسلام، كما سبق ترشيح نادية مراد (25 عامًا) للجائزة نفسها في العام 2016.

ومن اللافت للانتباه أن قائمة المرشحين التي احتوت 331 اسمًا، ضمت اسمي الناشطة الإيزيدية نادية مراد ومحاميتها البريطانية – اللبنانية أمل علم الدين التي عرفت بجهودها الدولية في إطار الدفاع عن حقوق الإنسان وحماية الناجيات والناجين من العنف.

تعد الإيزيدية نادية مراد واحدة من أشجع الناجيات من العنف الجنسي في العالم العربي وتحديدًا دولة العراق، التي استولى تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام المعروف باسم داعش على مساحات شاسعة من أراضيها وفرض سيطرته على نطاق واسع قبل نحو أربع سنوات.

وتعود قصة مراد إلى أغسطس من العام 2014، عندما هاجم مسلحو داعش قرية كوجو مسقط رأسها، التي تقع غرب محافظة نينوى في شمال العراق، وشهدت حينذاك الفتاة مقتل عدد من أفراد أسرتها على يد المسلحين الذين اختطفوها وأكثر من 150 امرأة إيزيدية واقتادوهن إلى مدينة الموصل معقل التنظيم.

عرض مسلحو التنظيم الإرهابي الشابة الإيزيدية للبيع مرات عديدة في سوق السبايا، كما أخضعوها للاغتصاب الجماعي والتعذيب الجسدي على مدار ثلاثة أشهر هي فترة احتجازها لديهم، وخلال هذه الفترة حاولت الهروب إلا أنها فشلت في المرة الأولى ثم نجحت في المرة التالية في شهر نوفمبر، ولجأت حينها إلى أسرة موصلية  مكنتها من الفرار إلى إقليم كردستان، فأقامت في أحد مخيمات النازحين حتى انتقلت إلى ألمانيا حيث تعيش الاَن.

«يعتبر الاغتصاب والاستعباد الجنسي والإكراه على البغاء والحمل القسري والتعقيم القسري أو أي شكل آخر من أشكال العنف الجنسي على مثل هذه الدرجة من الخطورة، من جرائم الحرب بموجب نظام روما الأساسي الذي تقوم على أساسه المحكمة الجنائية الدولية.»

بفوز نادية مراد بجائزة نوبل للسلام تصبح المرأة رقم 17 في قائمة الفائزين بالجائزة الذين يبلغ عددهم حتى الاَن 133 فائزًا ما بين أفراد ومؤسسات، فضلًا عن أنها ثاني امرأة عربية تفوز بالجائزة بعد الناشطة اليمنية توكل كرمان التي حصلت عليها في العام 2011 بالتقاسم مع ناشطتين اَخريين.

بعد انتقالها إلى ألمانيا بدأت مراد نشاطها للتعريف بمعاناة الإيزيديات المختطفات من قبل تنظيم الدولة الإسلامية وناشدت الحكومات والمنظمات الدولية التدخل لإنقاذ هؤلاء النسوة وحماية الأخريات في شتى مناطق النزاع في الوطن العربي. وفي سبتمبر من العام 2015 شاركت في جلسة خاصة أمام مجلس الأمن الدولي، وروت خلالها تفاصيل معاناتها تحت وطأة التعذيب الجسدي والنفسي إلى جانب الاستعباد الجنسي من قبل مسلحي داعش، كما حاولت أن ترفع اللثام عن واقع النساء الإيزيديات اللاتي تحولن إلى بضاعة تُباع وتشترى في الأسواق على حد وصفها.

https://www.youtube.com/watch?v=LehFq_3Uigk

اختارتها هيئة الأمم المتحدة في العام 2016 سفيرة للنوايا الحسنة من أجل كرامة ضحايا الاتجار بالبشر، ومثّل تعيينها في هذا المنصب سابقة أولى من نوعها، فلم تمنح الهيئة قبل مراد هذا التمييز الأممي لأي ناجٍ أو ناجية من الانتهاكات الوحشية بحق الإنسانية.

علاوة على ذلك، حصلت مراد في العام نفسه على جائزتين رفيعتين، وهما جائزة فاتسلاف هافيل لحقوق الإنسان من المجلس الأوروبي وجائزة ساخروف للفكر الحر من البرلمان الأوروبي.

اختيار نادية مراد ودينيس موكويغي للحصول على الجائزة هذا العام تحديدًا وبالتزامن مع تصاعد موجات الغضب ضد ممارسي العنف الجنسي بحق النساء، يعطي رسالة مفادها أن الخلاص من استساغة انتهاك أجساد النساء أمر حتمي ومعاقبة المعتدين سواء كانوا أفرادًا أو جماعات أو حتى مؤسسات شيء لا مراء فيه.