«يؤكد الأزهر الشريف أن تجريم التحرش والمتحرِش يجب أن يكون مطلقًا ومجردًا من أي شرط أو سياق، فتبرير التحرش بسلوك أو ملابس الفتاة يعبر عن فهم مغلوط؛ لما في التحرش من اعتداء على خصوصية المرأة وحريتها وكرامتها، فضلًا عما يؤدي إليه انتشار هذه الظاهرة المنكرة من فقدان الإحساس بالأمن، والاعتداء على الأعراض والحرمات.»

جاءت هذه الفقرة ضمن بيان أصدره الأزهر الشريف يوم الاثنين الموافق 27 من أغسطس، تعقيبًا على وقائع التحرش الجنسي التي تناولها الإعلام خلال الفترة الأخيرة.

قبل عيد الأضحى بأيام قليلة، نشرت فتاة تدعى منة جبران عبر حسابها على موقع فيسبوك مقطعًا مصورًا توثق من خلاله تعرضها للتحرش اللفظي من قبل شخص تعقبها بسيارته ثم نزل منها ودعاها إلى احتساء القهوة معه في أحد المقاهي في منطقة التجمع الخامس، وحاز المقطع على مشاهدات كثيرة وأثار جدلًا واسعًا، وفي عطلة عيد الأضحى تعرضت فتاتان هما جهاد الراوي وروزانا ناجح للتحرش الجنسي والضرب على يد المتحرش، فحررتا محضرًا ضده لدى قسم الشرطة، لكن الأمور انتهت بصعوبة إثبات التحرش واقتصر المحضر على الاعتداء بالضرب وحرر المتحرش محضرًا موازيًا بالاتهام نفسه.

اعتبر الأزهر في بيانه الذي وصفته منظمات ومجموعات نسوية بالتقدمي، تصرُّفًا محرَّمًا ولا يجوز تبريره، كما شددت المؤسسة الدينية الرسمية على أن تحضر المجتمعات ورقيها يقاس بما تحظى به المرأة من احترام وتأدب في المعاملة، وبما تتمتع به من أمان واستقرار وتقدير.

كما دعا الأزهر في البيان نفسه إلى تفعيل القوانين التي تجرم التحرش الجنسي وتعاقب مرتكبه، كما طالب المؤسسات المعنية ببذل الجهد لرفع الوعي المجتمعي بأشكال التحرش وخطورته والتنفير من آثاره المدمرة على الأخلاق والحياء وناشد وسائل الإعلام بتجنب بث أي مواد تروج للتحرش أو تظهر المتحرش بأي شكل يشجع الآخرين على تقليده.

يعد البيان هو الأول من نوعه في استخدام لغة لا تُحمّل المرأة جزءًا من المسؤولية كما جرت العادة من قبل القيادات والمؤسسات الدينية، التي تركن إلى ملابس المرأة كمبرر لوقوع التحرش.

وتتفق مع هذه الرؤية الدكتورة عزة كامل الناشطة النسوية ومديرة مركز وسائل الاتصال الملائمة من أجل التنمية (ACT)، إذ تشيد بالبيان واصفة إياه بالتقدمي والتاريخي بعد أن أدان التحرش الجنسي بشكل مطلق ودون شروط، فضلًا عن دفاعه عن الحرية الشخصية للنساء.

وتشدد كامل على أهمية الوقوف إلى جانب البيان الرسمي للأزهر في مواجهة أي بيانات أخرى، لافتةً إلى أن أي مبادرة تحترم المرأة لابد أن تُقابل بترحاب ودعم، خاصةً إذا كانت من الأزهر وهو المؤسسة الدينية الأولى في مصر والعالم الإسلامي.

في المقابل أقام مركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية ورشة عمل حول ظاهرة التحرش الجنسي، لمناقشة الأسباب والأخطار وسبل المواجهة والأدوار الفاعلة التي يمكن أن تقوم بها الوزارات والمؤسسات والهيئات للحد من الظاهرة.

ويتبع المركز مؤسسة الأزهر الشريف، إذ يقوم عليه شيوخ من المؤسسة نفسها ويهدف إلى تسهيل التواصل مع مختلف الطبقات والفئات داخل مصر وخارجها.

وقد انتهت هذه الورشة بإصدار بيان نشرته الصفحة الرسمية للمركز على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، وفيه جاء بين أسباب التحرش «الاختلاط مع التبرُّجُ وما له من أثرٍ في وجود التحرُّشِ»، كما استطرد البيان «ونحن إذ نُدين الشباب فإننا لا نُخْلي الفتاةَ من المسؤولية، رغم إدراكنا أن المتحرش لا يفرق بين متبرجة أو غير متبرجة إلا أن التبرج أدعى لوجود هذه الظاهرة، وما سبق من سرد لبعض أسباب الظاهرة إنما هي أمورٌ لا تبررُ الخطأَ وإنما هي من أسبابه، وكما أنَّ الشابَّ مأمورٌ بغضِّ البصر فالفتاةُ –أيضًا-مأمورةٌ بسترِ الجسدِ.»

لكن بعد ساعات قليلة حذفت الصفحة الرسمية لمركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية البيان، بعد أن نشرته العديد من المواقع الإلكترونية الإخبارية وقوبل بانتقادات بسبب التضارب الجلّي بين ما جاء فيه وما أورده البيان الأول.

ويرى عمر أحمد مدير مركز نوال السعداوي للفكر والإبداع، أن الأزهر ما زال يعارض الفكر التقدمي فيما يتعلق بقضايا النساء، مستشهدًا بمسألة الطلاق الشفهي التي يتمسك بها الأزهر رغم مطالبة رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي بإلغائه، فضلًا عن رفض المؤسسة للإصلاحات الاجتماعية التي أعلنت عنها تونس متمثلةً في المساواة في الميراث بين الجنسين والسماح للمسلمة بالزواج من غير المسلم.

ويستنكر أحمد ربط التحرش الجنسي بملابس الفتيات مثلما جاء في البيان المحذوف لمركز الأزهر العالمي للفتوى الإلكترونية، مشددَا على أن التحرش مجرم بقوة القانون بغض النظر عن معوقات تطبيقه.

وبشأن الآليات المقترحة لمناهضة التحرش الجنسي، يعتقد أحمد أنها تبدأ بتغيير نظرة المجتمع لجسد المرأة إلى جانب التربية التي تتخذ من المساواة بين الجنسين أساسًا لها.

وبخصوص استخدام المنظمات النسوية لبيان الأزهر للتوعية ضد التحرش الجنسي على الصعيد الشعبي، يقول أحمد إنه لن يكون مفيدًا بدرجة كبيرة، إذ يعتبر أن استغلال الدين في التوعية غير فعال بالشكل الكافي، نظرًا لوجود تيارات دينية متعددة ويركز معظمها على تشييء المرأة بالإضافة إلى الموروث الديني والثقافي الذي يدحض فكرة المساواة وتتنوع مصادره ما بين الكتب التي تباع على الأرصفة بأسعار زهيدة أو الخطابات الدينية لبعض المشايخ.

ويظن أحمد أن الأفضل هو أن تكون توعية علماء الأزهر بمخاطر التحرش الجنسي والمساواة في الإسلام بين المرأة والرجل من خلال برامجهم التليفزيونية وكذلك خطبة الجمعة.

من جانبه يشيد المحامي رضا الدنبوقي مدير مركز المرأة للإرشاد والتوعية القانونية، بالبيان الرسمي للأزهر الشريف، وفي الوقت نفسه يلفت إلى وجود انقسام داخل المؤسسة على مدار تاريخها، مستشهدًا بفتوى تجريم ختان الإناث التي صدرت في صيف العام 2007، وتبعها فتوى أخرى تؤكد أن الختان مكرمة. وتابع «هناك تياران داخل الأزهر، الأول إصلاحي والآخر ظلامي وهو الذي يرجع التحرش إلى ملابس الفتيات رغم تعرض المحجبات والمنتقبات أيضًا للتحرش الجنسي بل وفي أكثر الأماكن طهارة وهو الحرم المكي.»

وعن إمكانية استخدام البيان الرسمي للأزهر  للتوعية على المستوي الشعبي، يقول الدنبوقي إن بيان الأزهر يعد مكتسبًا للجمعيات والمؤسسات المعينة بقضايا المرأة ما لم يصدر ما يعارضه أو يخالف ما جاء به.

ويستطرد «قد يكون البيان الرسمي للأزهر مدخلًا أو جزءًا من خطاب يوجه إلى قطاع كبير من المجتمع وهم المتدينين، لإقناعهم بأن هناك فتوى من مؤسسة الأزهر تدين هذا الفعل وتحرمه. البيان خطوة على الطريق ولكنه يحتاج إلى تطبيق فعلي وترجمة نصوصه وفقراته من خلال الخطب في المساجد، فمسألة صدور فتوى عبر مواقع التواصل الاجتماعي أو المواقع الإخبارية لن تصل إلى قطاعات واسعة من المجتمع المصري.»

وحول تفعيل اَليات مواجهة التحرش الجنسي، يشير الدنبوقي إلى أهمية وجود الشرطة النسائية ليس فقط في المدن الكبيرة والعاصمة وإنما في جميع أقسام الشرطة لتلقي الشكاوى والمحاضر الخاصة بالتحرش الجنسي، تفاديًا لما تتعرض له الفتيات في حال استخدمن حقهن القانوني من مضايقات من قبل القائمين على تنفيذ القانون، بالإضافة إلى أهمية  وجود أخصائي اجتماعي أو نفسي داخل أقسام الشرطة لتحرير المحاضر، مع أهمية إخلاء سبيل المجنى عليها والتحفظ على الجاني فقط، واصفًا ما يحدث في تطبيق القانون حاليًا بالاستخفاف بقضايا النساء، ويشدد الدنبوقي في ختام حديثه على ضرورة إصدار قانون موحد لمواجهة قضايا العنف ضد النساء.