خلال الأسبوع الأول من الشهر الجاري (يونيو 2018)، قضت محكمة جنايات الجيزة بحبس زوج لمدة سنة مع إيقاف التنفيذ، بتهمة هتك عرض الزوجة في منزل الزوجية، ويزعم كثيرون أن هذا الحكم يعد سابقة، لا سيما أن قانون العقوبات المصري لا يعترف بــ«الاغتصاب الزوجي» كجريمة تستوجب توقيع عقوبة على مرتكبها.

تعيش نحو 603 مليون امرأة في بلدان لا تجرم الاغتصاب الزوجي

وبحسب الخبر المنشور في إحدى الصحف اليومية المصرية، فقد استند القاضي إلى نص المادة 268/1 من قانون العقوبات المصري «كل من هتك عرض إنسان بالقوة أو بالتهديد أو شرع في ذلك، يعاقب بالسجن المشدد لمدة قد تصل إلى 15 عامًا، وإذا كان عمر من وقعت عليه الجريمة لم يبلغ 18 عامًا، يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن 7 سنوات.»

تعليقًا على الحكم، تصحح «لمياء لطفي» العضوة في مؤسسة «المرأة الجديدة»، معلومة بشأنه، لافتةً إلى أن أحكامًا مماثلة قد صدرت من قبل، وأنه قد صدر على هذا النحو، لأن الزوج خالف شرط إقامة العلاقة الجنسية مع زوجته (عبر الجماع من الدبر)، ومن ثم فيحق لأي سيدة أن تقيم دعوة قضائية في حال تعرضت للأمر نفسه، لأن هذا النمط من العلاقات يخالف الشريعة الإسلامية.

ومن جانبها تقول المحامية «هبة عادل»، والعضوة المؤسسة لمبادرة «المحاميات المصريات»، إن الحكم سليم من الناحية القانونية، لأنه يستند إلى جريمة هتك العرض بعيدًا عن فكرة العلاقة الزوجية، خاصة أن الزوجة تعرضت إلى إصابات بالغة بحسب تقرير الطب الشرعي.

وتشدد «عادل» على أن المجتمع في حاجة إلى الأحكام المنفتحة والاَراء التوسعية، لأن روح القانون أهم من القانون نفسه، معربة عن أملها في أن ينتهج القضاة هذا النهج.

تُذَكّر هذه الواقعة بحكم مشابه أصدرته محكمة مغربية في العام 2013، عندما قضت بحبس زوج لمدة سنتين وبتعويض مدني، بتهمة «هتك عرض » الزوجة، وقد صدر الحكم رغم غياب أي نص في القانون المغربي يجرم الاغتصاب الزوجي، ليكون أول حكم ضد اغتصاب الزوجات في المنطقة العربية.

وفي ظل غياب قوانين تجرمه في العالم العربي، فإن الاغتصاب الزوجي يعتبر جريمة بحكم القانون في العديد من الدول الغربية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، بينما تمتنع عن تجريمه 127 دولة، وبحسب إحصاءات أممية فهناك نحو 603 مليون امرأة يعشن في بلدان لا تجرم الاغتصاب الزوجي.

وتعوق بعض التأويلات والتفسيرات الذكورية للنصوص الدينية، مسألة تجريم الاغتصاب الزوجي في مصر وشتى الدول العربية والإسلامية، فضلًا عن الإسناد إلى بعض الأحاديث الضعيفة مثل «إذا دعا الرجل امرأتة الى فراشة فأبت فبات غضبان عليها، تلعنها الملائكة حتي تصبح»، ولذلك فإن تطبيق المادة المادة 268/1 كما حدث في القضية الأخيرة، أمر يرفضه ذوو المرجعية الإسلامية، انطلاقًا من فكرة تقضي بأن هتك العرض ينتفي بين الأزواج، وبزعم أن للزوج حق معاشرة زوجته جنسيًا وقتما أراد، وامتناع الزوجة عنه يعد «نشوزًا» أي عصيانًا للزوج وهو ما يعد إثمًا.

الحل: تعديل القائم أم إصدار جديد؟

وفي هذا السياق، تقول الناشطة الحقوقية «لمياء لطفي» إن الطريق ما زال طويلًا في مصر، حتى يصدر  قانون يجرم الاغتصاب الزوجي، مرجعةً ذلك إلى الاحتكام إلى الأحاديث الضعيفة من ناحية والثقافة المجتمعية من ناحية أخرى، وهو ما تتفق معه المحامية «هبة عادل» وتقول «ما يحول دون تجريم الاغتصاب الزوجي، يعود بشكل مباشر  إلى مفاهيم المجتمع، وخاصة المتعلقة بكون الشريعة الإسلامية – المصدر الرئيس للتشريع- وهو ما يمنح الزوج جميع الحقوق في العلاقة الزوجة، فضلًا عن أن داعمي هذا التوجه يرون أن العلاقة الزوجية مطلقة، طالما كانت شرعية وموثقة.

وتشير «عادل» إلى أن صدور القانون يأتي نتيجة قبول المجتمع له، وهو عكس ما يحدث في المجتمع المصري، لا سيما في ظل غياب النساء عن مواقع اتخاذ القرار، وبالتالي غياب وجهات النظر التي يمثلنها، في ظل المشكلات التي تتعرض لها النساء.

وتؤكد الناشطة الحقوقية والنسوية «لمياء لطفي» على أهمية صدور قانون لتجريم الاغتصاب الزوجي أو لمناهضة العنف الأسري والعنف ضد المرأة، يتضمن موادًا تجرم الاغتصاب الزوجي، مشيرةً إلى أن القانون أداة من أدوات الوعي، على حد تعبيرها، ضاربة المثل بقانون مكافحة التحرش الجنسي الذي صدر في العام 2014.

«على الرغم من صدور القانون، فإنه لم يقض على التحرش الجنسي بشكل نهائي، لكنه  رسخ للرفض الشعبي للفعل» تقول «لطفي».

علاوة على ذلك، تعتقد «لطفي» أن وسائل الإعلام يقع على عاتقها دورًا مهمًا في ما يتعلق  بنشر وتصحيح هذه المفاهيم ومن بينها الاغتصاب الزوجي، مشيدةً بمسلسل «الرحلة» الذي عرض خلال شهر رمضان الماضي، لأنه تطرق إلى إرغام المرأة على إقامة العلاقة الجنسية دون رغبتها، ووصّف الفعل توصيفًا دقيقًا، باستخدام مصطلح «اغتصاب».

وفي ظل هذه الإشكاليات، ترى «عادل» أن الطريقة الأفضل لتجاوز ذلك، تتمثل في إصدار قانون يجرم الاغتصاب الزوجي، بدلًا من تعديل بعض مواد القوانين التي تختص بمناهضة العنف ضد المرأة.

وفي هذا الصدد، تشير «عادل» إلى أن مبادرة «المحاميات المصريات» التي شاركت في تأسيسها، هي جزء من «قوة عمل مناهضة العنف ضد المرأة » التي بدورها أطلقت مشروع قانون موحد لمناهضة العنف ضد المرأة، يتضمن نصوصًا تجرم الاغتصاب الزوجي، لافتةً إلى أن النائبة «منى منير» والنائبة «نادية هنري» وعدتا بمناقشة القانون وتبنيه داخل البرلمان.

هل تقبل وتقبلين بـتجريم إرغام الزوجة على العلاقة الجنسية وتوصيفه بالاغتصاب؟

تعتقد «إيريني ملاك» البالغة من العمر 34 عامًا، أن الدول العربية لا بد أن تجرم الاغتصاب الزوجي، لأن العلاقة الجنسية شرط أساسي فيها هو رضا الطرفين، مشددةً على أن عقد الزواج لا يلغي بأي حال من الأحوال شرط الرضا.

وتتابع لـ «ولها وجوه أخرى» قائلة «إن عقد الزواج دوره لا يتعدى حماية الحقوق المدنية أمام المجتمع والحكومة، وليس عقد شراء جارية، وما لم يتوفر شرط الرضا، تصبح العلاقة سواء للمرأة أو للرجل اغتصابًا.»

توافقها في الرأي «رانيا نبيل» البالغة من العمر 29 عامًا، وتؤكد أن ممارسة العلاقة الجنسية مع المرأة دون رضاها تمثل انتهاكًا لجسدها، فالشرط الأساسي قبل العقد هو توفر الرضا بين الطرفين، وبالتالي فإن تصنيف الاغتصاب الزوجي كجريمة أمر حتمي.

أما «أحمد السويفي» البالغ من العمر 26 عامًا، من محافظة البحيرة، يرى أن تجريم الاغتصاب الزوجي لا بد أن يتحقق في قوانين الدول العربية، موضحًا أن العلاقة بين الرجل والمرأة علاقة إنسانية راقية، وبالتالي قبول المرأة للعلاقة الجنسية هو شرط أصيل وضروري لحدوثها.

ويتساءل «السويفي» مستنكرًا «إذا لم يُجرم الاغتصاب الزوجي، فما الذي يميز الإنسان عن الحيوان حينذاك؟»

لا يختلف رأي «عبد المطلب زهران» البالغ من العمر 30 عامًا، المقيم في محافظة القاهرة، عن الاَراء السابقة، فقد اعتبر أن العلاقة الجنسية التي تُجبر عليها الزوجة، لا تختلف كثيرًا عن معاشرة امرأة متوفية.