مكتسبات جديدة للمرأة التونسية مهد إليها الرئيس “الباجي قائد السبسي” منتصف الشهر الماضي، بعد أن دعا إلى  المساواة بين المرأة والرجل في الميراث والسماح للمسلمة بالزواج من غير المسلم، وأرجع  دعوته إلى التغيرات التي يعيشها المجتمع بعد أن أصبحت المرأة تعمل وتعول وتسافر خارج البلاد بمفردها، وبالتالي فدعوته هي مسايرة لروح العصر.

هذه التصريحات تبعها تأييد من قبل دار الافتاء التونسية وهو ما أصاب كثير من المحافظين في الدول العربية بالصدمة، إذ تسبق تونس إلى ما لم يسبقها إليه أحد في العالم العربي والإسلامي. هذه الصدمة لم تتوقف على أفراد بل طالت مؤسسات دينية رسمية مثل، الأزهر الذي انتقد بوضوح هذه الدعوة، وكان للميراث النصيب الأكبر من هذا الانتقاد والرفض.

برر الأزهر رفضه بوجود نص قراَني قاطع الدلالة والثبوت، وهو ما رد عليه عدد من التونسين بأن الجزية وملك اليمين وغيره من أمور وردت أيضًا بنصوص قاطعة الدلالة في القراَن ومع ذلك لا تُطبَق الاَن، في المقابل عدد بيان الأزهر فضائل الوضع الحالي لتوزيع الميراث، واصفًا إياه بالتكريم للمرأة، لأنه يأتي بعد أن كانت تُمنَع من الحصول عليه قبل الإسلام.

أمور كثيرة فجرتها المكتسبات التي حصلت عليها المرأة التونسية، كان أولها الفجوة الكبيرة التي انكشفت كالشمس في رائعة النهار، بين وضع المرأة في تونس ووضع المرأة في أي بلد عربي اَخر.

أيــضــــــــــــــــــــــًا.. تتغير الأسئلة وتظل الإجابة: تونــــس

بحكم احتضان مصر لمؤسسة الأزهر، فقد كانت الدولة صاحبة النصيب الأكبر من تصدير النقد والرفض لهذه الخطوات التقدمية، وهو الأمر الذي دفع التونسيين إلى تدشين وسم #يا_أزهر_خليك_في_العسكر عبر مواقع التواصل الاجتماعي، معبرين عن غضبهم مما وصفوه بالتدخل في شؤونهم الداخلية، فيما استنكر عدد من رجالات السياسة هناك تدخل مؤسسة الأزهر في شأن يخص تونس وحدها.

تبدو حالة الخوف التي غلبت في مصر من الدعوة التونسية غير مبررة، خاصة أن مصر ينتشر في قراها وتحديدًا تلك التي في الصعيد ظاهرة حرمان الإناث من الميراث، وهو الأمر الذي لم يقر البرلمان حتى الاَن قانونًا لتجريمه، رغم تواتر أنباء عن تقديم مشروع قانون في هذا الشأن إلى مجلس النواب لتجري مناقشته والتصويت عليه.

“فاطمة إمام” باحثة في النسوية الإسلامية وعضوة في مؤسسة قضايا المرأة، تُرجِع اعتراض الأزهر على الإجراءات التونسية، إلى أن اعتقاد المؤسسة بأنها عابرة للدول، مشيرةً إلى أن الأزهر يفترض وجود ولاية على المسلمين السنة  في العالم أجمع وليس في الدول العربية فقط.

وتلفت “إمام” في تصريحات خاصة لـ”ولها وجوه أخرى” إلى أن المفارقة الكبرى في إقدام مؤسسة الأزهر على تكفير التونسيين، في حين لم تُصدر فتوى واحدة تُكَّفر تنظيم الدولة الإسلامية والمعروف بــ”داعش” الإرهابي.

توافق “إمام” في الرأي “جيهان أبو زيد” مديرة مؤسسة سالمة لتنمية المرأة، وترى أن تدخل أي دولة في الشؤون الداخلية لدولة أخرى غير مقبول، مشددةً على أن الحراك الذي شهدته تونس كما استفز المؤسسات الدينية في مصر، لاقي ترحيبًا كبيرًا من قبل أطراف عديدة في مصر وعلى رأسها المؤسسات النسوية والقوى الديمقراطية.

وتشير “أبو زيد” إلى أن تحقيق ما تتطلع إليه النساء في الدول العربية وفي أي دول ليس أمرًا مستحيلًا، خاصة فيما يتعلق بالاجتهاد في تأويل النصوص الدينية، وتقول “تونس لديها مؤسسات دينية عملاقة أيضًا.”

أحدثت دعوة “السبسي” انقسامًا داخل المجتمع التونسي، وبين المؤسسات الدينية الرسمية سواء دار الافتاء التونسية التي أعلنت تأييدها للدعوة، أو داخل جامعة الزيتونة التي انقسمت على نفسها، فيما  يرى المعارضون أن الدعوة سياسية بالدرجة الأولى، ويهدف “السبسي” من خلالها إلى سحب البساط من تحت أقدام السياسي المعارض “محسن مرزوق” الأمين العام لحركة مشروع تونس، الذي يتخذ من مبدأ المساواة أساسًا لبرنامجه، إلا أن هذا الأمر يكشف أيضًا حجم الفجوة بين تونس والدول العربية على الصعيد السياسي، حيث لا توجد أحزاب سياسية أو حركات نسوية في الدول العربية قادرة على إثارة حراك أو حوار مجتمعي حول مبادرات شبيهة.

وفي هذا السياق، تقول “جيهان أبو زيد” إن اتخاذ هذه الخطوات التقدمية في دولة تتشابه أوضاعها إلى حد ما مع الأوضاع في مصر، يكشف حجم التراجع الذي تعيشه الأخيرة في الفترة الحالية، وقد ساهمت ردود الأفعال إزاء هذه الإجراءات في تأكيد حالة الرِدة، وتستطرد “كان من باب أولى أن تفتح المؤسسات المعترضة باب الحوار المجتمعي بشأن هذه القرارات، ولكنها لم تبدِ استعدادًا لبذل مجهود في بناء أي حوار فيما يتعلق باحتياجات المجتمع أو بعض قطاعاته، فالرد القاطع والمتعجل كشف أن هذه المؤسسات ليس لديها أي قابلية لتحليل الأمور بشكل عميق وشامل.”

أما الباحثة “فاطمة إمام” تفسر موقف المعارضين للدعوة التونسية بأنه ذو بعد ذكوري اقتصادي بحت، ويتعلق بشكل كبير بأدوات الانتاج والثروة، وتضيف “الإنسان يكتسب وجوده وقوته من الثروة. وبيان وكيل الأزهر “عباس شومان” اعتبر أن الإسلام كرم المرأة بحصولها على الميراث، لأنها كانت تُحرَم منه قبل الإسلام.”

أيضــــــــــــًا.. الـ«تونسـ»وفوبيا: متنطعون يشيعون الرعب بين ذكوريين في مجتمع أبوي

تتفق مجددًا “جيهان أبو زيد” مع رأي “فاطمة إمام”، وتعتقد أن معارضة المساواة بين الجنسين في الميراث، لها أبعاد ثقافية، اقتصادية، مصلحية، ذكورية، موضحةً أن التمسك بتقسيم الميراث على النحو القائم هو تمسك إسلامي ومسيحي، مما يعني أنها مسألة ثقافية وليست دينية، والعلاقة إذا قامت على الهوية الاقتصادية، فإن المجتمع غير مستعد للتنازل عنها وهو ما يعكس مدى تغلغل الذكورية في المجتمع ومؤسسات الدولة.

ما الذي يمنع مصر أن تناظر تونس؟

“جبهان أبو زيد” مديرة مؤسسة سالمة لتنمية المرأة تجيب عن هذا السؤال قائلة “هذه المكتسبات حمَّست وحفَّزت المؤسسات المعنية بقضايا المرأة، ولكن في الوقت نفسه يجب أن نكون أكثر واقعية، فالتغييرات لا يمكن أن تتم في مصر بهذه الطريقة، بل يحتاج الأمر إلى تدرج في تغيير الأوضاع المجتمعية”

وتردف قائلة  “لا يمكننا القفز عشر خطوات إلى الأمام مرة واحدة؛ بالتأكيد مصر ليست تونس، فالأخيرة متقدمة جدًا فيما يخص المكتسبات التي تحققت للمرأة. وعلى الرغم من الهجمة السلفية التي تعرضت لها مؤخرًا، تظل متقدمة وخاصة على مستوى القوانين والتشريعات.

وتشدد “أبو زيد” على أهمية وجود استراتيجية، لافتةً إلى أن المجتمع المصري يتسم بالذكورية، ولعل عدم إصدار قانون لتجريم العنف ضد المرأة حتى الاَن – وهو أمر محرم دينيًا – يؤكد التراجع الذي تعانيه مصر، إلى جانب انتشار حرمان النساء من ميراثهن في بعض المحافظات في الصعيد.

“السياق مختلف تمامًا بين مصر وتونس؛ التونسيون يسلكون طريق التحرر منذ الستينيات، وعلى الرغم من أن الحركة النسوية المصرية أقدم وتاريخها طويل، إلا أن مصر بعيدة كل البعد عن هذا الطريق.” تقول الباحثة “فاطمة إمام”

وتتابع ” أرى أن الظروف مختلفة تمامًا؛ ففضلًا عن الردة التي تشهدها مصر، فإن الحركة النسوية تمر بمرحلة من أصعب ما مر عليها، وهو ما جعل بعض المهتمات بالشان النسوي يفرضون على أنفسهن حالة من الرقابة الذاتية، وبالتالي يصعب عليهن مناقشة مثل هذه الأمور أو طرحها، خشية مواجهة الإتهام بإزدراء الأديان.

وتضرب “إمام” مثالاً على هذه الحالة المتردية بالإشارة إلى أزمة الطلاق الشفهي التي دعا الرئيس المصري “عبد الفتاح السيسي” إلى وضع حد لها، ووقف فوضى الطلاق عن طريق تقنينه وإلغاء الطلاق الشفوي، وهو ما واجهه الأزهر بمعارضة شديدة، وقبل أن تختتم كلامها، لفتت إلى ظاهرة ختان الإناث التي تتخطى معدلاتها الـ90 في المئة في مصر، معتبرة أن كل تلك الظواهر السلبية تؤكد أن مصر بعيدة تمامًا عن تونس وما وصلت إليه.