في إطار حملة #وضع_يد | في مصر.. للعنف ضد المرأة قوانين تحميه
عاش عدد من الدول العربية خلال الأسابيع الماضية حالة ابتهاج، بعد أن تحققت انتصارات جديدة لنسائها، وفي مقدمة هذه الدول كانت تونس، التي أقر برلمانها قانونًا لتجريم أشكال العنف ضد المرأة كافة، ثم أعلن رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي في يوم المرأة التونسية (13 أغسطس)، مضي الدولة باتجاه المساواة الكاملة بين النساء والرجال، محددًا المساواة في الميراث والسماح للمرأة المسلمة بالزواج من غير المسلم، وهو انتصار للحركة النسوية التونسية التي طالما رفعت هذه المطالب، ومن بعدها تأتي الأردن التي ألغى برلمانها المادة 308 من قانون العقوبات، التي تفتح الباب أمام إفلات المغتصب من العقوبة إذا ما تزوج الناجية من جريمته، ثم لحق لبنان بالأردن وألغى المادة 522 من قانون العقوبات التي تنص على الأمر نفسه، فيما أقرت الجهات التشريعية في السعودية 10 إجراءات في محاولة لضبط زواج القاصرات، بعد أن تقدمت وزارة العدل هناك بمقترحات في هذا الشأن.
في مصر، تسود حالة ترقب قبيل عودة انعقاد البرلمان في أكتوبر المقبل، خاصة أن عددًا من المنظمات الحقوقية تقدمت بمشروعات قوانين تخص المرأة، وتنتظر مناقشتها تحت القبة بعد عودة الانعقاد.
وإن كنا نتطلع إلى تعديل المنظومة القانونية، فإنه من الحتمي أن نستعرض أبرز الثغرات أو النصوص التي تناصر العنف ضد النساء، لأن التعديل لا يجوز أن يكون مُنتقَصًا، فيُعالِج جانبًا ويترك اَخرًا، فيكون ذلك سببًا في أن يطالهن العنف من جهات أخرى.
العنف ضد المرأة ينتشر في المجالين؛ العام والخاص معًا وعلى حد سواء، وإن كان في المجال العام تعضده القوانين الاقتصادية والسياسية والمفاهيم الثقافية، ففي المجال الخاص تزيد سطوة المفاهيم الثقافية التي تضاعف توحشه، فضلًا عن مجموعة من القوانين تجعل المرأة تابعًا للرجل داخل الأسرة وليست على نفس الدرجة.
من نفس المنطلق، فالقوانين التي تميز ضد المرأة اقتصاديًا تنبع من النظرة إلى دورها داخل الأسرة بتقليدية لا تعترف بإعالتها لها، وقانون الأحوال الشخصية يمارس تمييزًا ضد النساء وأساسه نظرة أبوية تضع مصير الأسرة في قبضة الرجل.
قانون الأحوال الشخصية
قانون الأحوال الشخصية يعد بمثابة حجر الأساس لتنظيم العلاقات المجتمعية عامةً، والمفترض أن يحمي ويحفظ حقوق أطراف الأسرة والعائلة على حد سواء، إلا أنه بالنسبة للمرأة المصرية العكس تمامًا، نظرًا لما يحويه من مواد تميز ضد النساء ولا توفر لهن حماية من العنف، مع الإشارة إلى أن مصر كانت أسبق الدول العربية في إصدار قانونٍ للأحوال الشخصية.
لقد وضع المشرعون في مصر لبنة قانون الأحوال الشخصية سنة 1920، ومنذ ذلك الحين وحتى يومنا هذا، يضيفون إليه بندًا أو يعدلون اَخرًا، بهدف مواكبة التطورات والتغيرات الاجتماعية، لكن البنية الأساسية لم تتغير، وظل القانون على حاله منتصرًا للرجال.
الطلاق
صادقت مصر على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، التي تنص في المادة رقم 16 على ضمان مساواة المرأة بالرجل في كافة الأمور المتعلقة بالزواج وعلاقات الأسرة أثناء الزواج وعند الانفصال، إلا أن مصر تحفظت على هذه المادة بين عدد من المواد الأخرى، والحجة قواعد الشريعة الإسلامية.
لذا توجد قوانين مثل القانون رقم 100 لسنة 1985 يقضي بأنه يحق للزوج أن يطلق زوجته بمجرد قول “أنتِ طالق” سواء مرة أو اثنين او حتى ثلاثة، وفي مقابل ذلك، تبذل المرأة مجهودًا كبيرًا وتستنزف سنوات من عمرها لتحصل على حكم الطلاق، نظرًا لطول مدة وإجراءات التقاضي، وهو ما يحدث فى حالات الطلاق للضرر، بالإضافة إلى صعوبة إثبات هذا الضرر الواقع عليها مثل، المرض العقلي كالصرع والعجز الجنسي والامتناع عن الإنفاق عليها والعنف الجسدي والنفسي أو سوء المعاملة واستحالة العشرة.
وتلجأ أغلب النساء من معدومات الدخل أو محدودات الدخل، إلى رفع دعاوى طلاق والابتعاد عن دعاوى الخلع، لأنه يمثل تنازلًا عن حقوقهن المادية التي تساعدهن على العيش.
هذا بالاضافة إلى المادة 17 من القانون رقم 1 لسنة 2000، المتعلقة بالطلاق في حالة الزواج العرفي، وتنص على “لا تُقبل الدعاوى الناشئة عن عقد الزواج إذا كانت من الزوجة تقل عن ست عشرة ميلادية، أو كان سن الزواج يقل عن ثماني عشرة سنة ميلادية وقت رفع الدعوى، ولا تُقبل عند الإنكار الدعاوى الناشئة عن عقد الزواج ما لم يكن الزواج ثابتًا بوثيقة رسمية، ومع ذلك تقبل دعوى التطليق أو الفسخ بحسب أو الأحوال ىدون غيرهما إذا كان الزواج ثابتًا بأية كتابة.”
ولا يزال القانون لا يعترف بالزواج العرفي ولا الآثار المترتبة عنه إلا في حالة إثبات النسب.، وتشير الأرقام إلى أن عدد دعاوى إثبات النسب من الزواج العرفي، التي تُنظَر أمام محاكم الأسرة، وصل إلى 14 ألف دعوى.
وفي شأن إنكار الأب لنسب الطفل، فقد انفرجت الأزمة قليلًا، بعد أن قضت إحدى دوائر محكمة القضاء الإداري في إبريل من العام 2015، بإلزام الجهة الإدارية المختصة بقيد طفل لامرأة من زواج عرفي في سجلات مصلحة الأحوال المدنية بصفة مؤقتة بالاسم الذى ذكرته إلى أن تقضى المحكمة المختصة فى واقعة ثبوت نسبه إلى والده، وألزم وزارة التربية والتعليم بقبول الطفل فى إحدى المدارس التى تتناسب مع مرحلته العمرية، وهو ما اعتبره كثيرون خطوة إيجابية تقر حق الطفل في الانتساب إلى والده، وتلزم الدولة بقيد الطفل بمصلحة الأحوال المدنية دون النظر لظروف علاقة الأب بالأم أو إنكاره لبنوة الطفل.
بيت الطاعة
جرى تطبيق مسألة “بيت الطاعة” في القانون المصري في عام 1929 بموجب المادة رقم 25، ثم أكدها القانون رقم 100 لسنة 1985، الذي يعطي للرجل حق توجيه إنذار الطاعة لزوجته بعد حدوث خلاف بينهما وتركها للمنزل، وهو إجراء يمكن الرجل من إرغام زوجته أن تعود إلى بيت الزوجية للعيش معه قسرًا، وإذا امتنعت دون تقديم طعن يوضح أسباب عدم طاعتها لزوجها خلال 30 يومًا من استلام انذار، تعتبر ناشزًا أي تفقد حقها في النفقة، وتعتبر ناشزًا أيضًا إذا لم تقبل هيئة المحكمة رفضها، وبهذا الشكل يسلب القانون المرأة إرادتها وحريتها لصالح الرجل، الذي يحق له إهانة الزوجة وترك البيت والاعتداء عليها بحجة “حسن النية” وتطليقها وقتما يشاء وبمجرد نطق الكلمة تحت حماية قانونية.
وتنص المادة المادة 11 من القانون 52 لسنة 1929 المعدل على “إذا امتنعت الزوجة عن طاعة الزوج دون حق، تُوقف النفقة من تاريخ الامتناع، وتعتبر دون وجه حق إذا لم تعد لمنزل الزوجية بعد دعوة الزوج لها بإعلان على يد محضر لشخصها أو من ينوب عنها، وعليه أن يبين فى هذا الإعلان المسكن.”
الحضانة
وفقًا للقانون رقم 4 لسنة 2005 بشأن تعديل المادة (20) من المرسوم بقانون رقم 25 لسنة 1929 خاص بأحكام النفقة، وبعض أحكام مسائل الأحوال الشخصية المعدل بالقانون رقم 100 لسنة 1985، تبدأ مدة الحضانة الإلزامية منذ ميلاد الطفل وتستمر حتى بلوغ الصغير أو الصغيرة سن الخامسة عشرة، ثم يخير القاضي الصغير أو الصغيرة بعد بلوغ هذه السن في البقاء في يد الحاضنة دون أجر حضانة وذلك حتى يبلغ الصغير سن الرشد وحتى تتزوج الصغيرة.
وذلك على الرغم من أن المفترض هو الالتزام بميثاق الأمم المتحدة الذي ينص على أن سن الطفولة حتى 18 عامًا، وبالتالي تستمر حضانة الأم حتى بلوغ ابنها أو ابنتها هذا السن، وهو أمر يقره قانون الأحوال الشخصية في بلد مثل تونس.
أيضــــــــــــــــًا.. تتغير الأسئلة وتظل الإجابة: تونــــس
من ناحية أخرى، يُسقط القانون الحالي حق الأم غير المسلمة في حضانة طفلها المسلم بعد بلوغ المحضون خمسة أعوام.
ويستمر الظلم الذي يعج به هذا القانون، في إسقاطه حق الحضانة عن الأم إذا قررت الزواج مرة أخرى بعد الطلاق، رغم أن المصلحة الفضلى للطفل أن تكون حضانته مع الأم.
قانون الولاية على المال
القانون الحالي لا يجعل من الأم وصية على مال أبنائها بشكل مباشر بعد الأب، بل إن وصاية المال وفقًا للقانون تؤول للجد ثم للعم بعد الأب، وفي حالة رغبة الأم في أن تتولى الوصاية على مال أبنائها عليها أن تتقدم بطلب وصاية، ولكن في حال طلب الجد أو العم الوصاية، فإنها تذهب إليهما مباشرة، وتستمر الولاية حتى بلوغ الأبناء 21 سنةً.
وتنص المادة الأولى من قانون الولاية على المال رقم 119 لسنة 1952 “للأب ثم للجد الصحيح إذا لم يكن الأب قد اختار وصيًا، الولاية على مال القاصر وعليه القيام بها ولا يجوز له أن يتنحى عنها إلا باذن المحكمة.”
حرية التنقل
قبل عام 2000، كان يحق للزوج منع زوجته من السفر بإجراء بسيط، وهو إلغاء الموافقة في مصلحة وثائق السفر والهجرة والجنسية التابعة لوزارة الداخلية، فيصدر قرار بمنعها من السفر ويدرج اسمها على قوائم الممنوعين من السفر.
لكن الوضع تغير بعد صدور حكم من المحكمة الدستورية العليا في نوفمبر من العام 2000، بموجبه لم تعد الزوجة في حاجة لموافقة زوجها على السفر كشرط لإصدار أو تجديد جواز السفر، ولم يعد من حقه منعها من السفر بمجرد تقديم إخطار مباشر لوزير الداخلية.
ومع ذلك، فإن حكم الدستورية العليا لم يُسقط حق الزوج في منع زوجته من السفر نهائيًا، لأنه يملك أن يلجأ إلى المحكمة لنيل حكم بمنعها من السفر، وحينها يتذرع المحامي بما يسمى “حق الاحتباس” في الشريعة الإسلامية، وإن حصل الزوج على حكم بمنع الزوجة من السفر، يُدرَج اسمها على قوائم المنع من السفر بعد إبلاغ مصلحة الجوازات، وهذا يعني أن الأمر لم يعد بمجرد الإخطار كما كان، لكن ما زال أمام الرجل فرصة ليحرم المرأة من حقها في التنقل المكفول في الدستور المصري.
أيضــــــــًا.. القاهرة للتنمية يطرح توصيات بشأن ثغرات المواد المتعلقة بالتحرش
قانون العقوبات
« المادة 17».. وما أدراك ما المادة 17!
تنص المادة 17 من قانون العقوبات على “يجوز إذا اقتضت أحوال الجريمة المقام من أجلها الدعوى العمومية رأفة القضاة، وتبديل العقوبة على الوجه الآتي، عقوبة الإعدام بعقوبة السجن المؤبد أو المشدد، أو عقوبة السجن المؤبد بعقوبة السجن المشدد أو السجن، أو عقوبة السجن المشدد بعقوبة السجن، أو الحبس الذى لا يجوز أن ينقص عن ستة شهور، أو عقوبة السجن بعقوبة الحبس الذى لا يجوز أن ينقص عن ثلاثة شهور” وهي إحدى أكثر المواد التي تفسح المجال لإفلات مرتكب الجرم في حق المرأة من العقوبة، خاصةً أنه يجري استخدامها في قضايا الاغتصاب والتحرش الجنسي، مما يغيب العدالة في الأحكام.
التعريف القاصر للاغتصاب
مازالت جرائم الاعتداء الجماعي، والاغتصاب الشرجي، والاغتصاب الفموي، والاغتصاب عن طريق استخدام أجسام غريبة أو حادة، غير مجرمة في نص القانون، وحتى الاَن المادة 267 من قانون العقوبات تعترف فقط بالاغتصاب عن طريق إيلاج العضو الذكري إلى المهبل.
النية السليمة تبيح ضرب الزوجة
تسمح المادة 60 من قانون العقوبات، باستخدام العنف ضد الزوجة من قبل الزوج دون توقيع عقوبة عليه، إذ تنص على “لا تسرى أحكام قانون العقوبات على كل فعل ارتُكِب بنية سليمة عملًا بحق مقرر بمقتضى الشريعة.”، وبالتالي وبناءً على نص وتفسير هذه المادة، إن اعتدى رجل على زوجته بالضرب، فإن الحكم سيكون لصالحه بناءً على حقه فى تأديب الزوجة مادامت ممارسة هذا الحق لم تسفر عن إصابات بالغة مثل حدوث عاهة أو آثار ممتدة للضرب.
الزنا.. الانتصار الصريح للرجل
المواد 237، 274، 277 من قانون العقوبات تختص بجريمة الزنا، وتنص المادة 237 على “تخفيف عقاب الزوج الذى يفاجئ زوجته حال تلبسها بالزنا، فيقتلها في الحال هى ومن يزنى بها”، والمادة 274 تنص على “الزوجة التى ثبت ارتكابها لجريمة الزنا داخل أو خارج منزل الزوجية تُعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنتين”، أما المادة 277 تنص على “الزوج الذي ثبت أنه زنا في منزل الزوجية يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ستة شهور” وهنا قد ميز المشرع بين المرأة والرجل فيما يتعلق بنفس الجريمة، من حيث التجريم فقد حدد جريمة الزنا للزوج بارتكابها داخل منزل الزوجية فقط، أما إذا وقع فعل الزنا خارجه فلا يعتبرها جريمة، فيما لا يفرق القانون بين زنا الزوجة في داخل أو خارج منزل الزوجية، ومن حيث العقوبة فقد قرر عقوبة الرجل الزاني أقل من الزوجة الزانية.
القانون الحالي يعتبر الرجل مدافعًا عن شرفه إذا قتل زوجته والحكم عليه مخفف، بينما يحكم على المرأة بالإعدام لو تبدلت الأدوار في نفس الموقف.
الأسوأ، هو أن القانون أجاز للزوج أن يوقف تنفيذ الحكم الصادر بإدانة زوجته الزانية إذا ما رضى بمعاشرتها، فيما لم يعط الزوجة نفس الحق.
الدعارة.. العقاب للأنثى فقط
الدعارة يقصد بها في القانون المصري ممارسة البغاء باعتياد وبدون تمييز وهي الجرائم المعاقب عليها وفقا لقانون مكافحة الدعارة رقم 10 لسنة 1961.
المادة 9 (ج) من هذا القانون، تنص على “معاقبة كل من إعتاد ممارسة الفجور والدعارة دون تمييز”؛ النص لا توجد فيه تفرقة، لكن عند التطبيق تتعرض النساء لتمييز ضدهن، فيعاقبن بالحبس لمدة تتراوح بين ثلاثة أشهر إلى ثلاث سنوات وغرامة، دون معاقبة شريكها إذا ما أدلى بشهادته ضدها أمام المحكمة، ليبقى حرًا طليقًا وهي وراء القبضان، رغم أنهما شركاء في الفعل.