هو المسلسل الأكثر واقعية في نقل معاناة قطاع من النسوة اللاتي كُتِب عليهن الفقر قدرًا، وانهكتهن الحاجة دهرًا، ويمتنع كثيرون عن مساعدتهن لسد العوز تكبرًا؛ يأتي “الحساب يجمع” ليميط اللثام عن الوجه الاَخر لحياة العاملات في المنازل، الذي يدرك قليلون فداحته.

تتعاون النجمة “يسرا” للمرة الثانية مع المخرج “هاني خليفة” والسناريست “محمد رجاء” بعد تعاونهما السابق في مسلسل “فوق مستوى الشبهات” الذي عرض خلال رمضان الماضي وحقق نجاحًا جماهيريًا كبيرًا، وهو ما لم يحظ به “الحساب يجمع” هذه السنة.
تدور أحداث المسلسل حول “نعيمة” التي تتولى مسؤولية تشغيل الفتيات والسيدات من جيرانها بالخدمة في المنازل، فضلًا عن إعداد الولائم للمناسبات، ويكشف المسلسل خلال أحداثه حالة الفقر المدقع التي تدفعها للسرقة، ومن ثم ينفرط العقد لتتكشف خبايا أخرى عن حياتها ومن حولها.

المسلسل صاحب الحضور النسائي الأقوى أمام الكاميرا

قد يكون “الحساب يجمع” هو الأكثر بين الـ35 التي عرضت خلال شهر رمضان، في عرض شخصيات نسائية لكلٍ مشكلتها، تمثلهن “نعيمة” وتؤدي دورها “يسرا”، وابنتيها “منة” و”هنا” وتؤدي الدورين كل من “إيمان العاصي” وديانا هشام”، فيما قدمت المطربة “بوسي” شخصية “سماح” وهي فتاة تولت “نعيمة” مسؤوليتها منذ صباها، بالإضافة إلى “عايدة رياض” التي تقوم بدور “أم كمال” صديقة “نعيمة”، التي تقيم معها بنفس البيت بعد صراعات مع زوجة ابنها، إلى جانب هؤلاء، تؤدي “ندى موسى” دور”عبير” ربة المنزل التي تبحث عن عمل لمساعدة زوجها الذي تعرضت لإصابة تعيق عودته إلى العمل، وتلجأ إلى “نعيمة” لتشغيلها، فيما قدمت “ناردين فرج” شخصية الدكتورة “دينا” المهمومة بقضية عمالة الأطفال والحد منها، وأخريات كثيرات.

العنصر الذكوري، على رأسه “كريم فهمى” فى دور “كرم” و هو ابن شقيق “نعيمة” و”محمود عبد المغني” فى دور “نور” الذى يحاول هدم بيوت المنطقة والسيطرة عليها بعد مقتل أبيه، و”مراد مكرم” الذي أدى دور رجل الأعمال المٌفسِد الفاسد “شريف” و”تامر حبيب” فى دور “دكتور وليد” الذي يصور العاملات في منزله والمريضات في عيادته.

غياب خلف الكاميرا
غياب العنصر النسائي هو الغالب في الأدوار الرئيسة خلف الكاميرا، فالمسلسل من إخراج “هانى خليفة” وتأليف و سيناريو وحوار “محمد رجاء” و”إياد عبد المجيد” وإنتاج العدل الجروب (جمال العدل) ومخرج مساعد “إسلام وفقي” وهندسة الديكور لــ”يحيى علام” وأعمال المكساج لــ”محمد فوزي” والمونتاج لــ”خالد مرعي” و”خالد سليم” والموسيقى التصويرية لــ”خالد داغر”، ومع ذلك، عبر المسلسل بصدق عن قضية نسائية  وأوغل في نقل معاناة النساء المقهورات.
الأسماء النسائية ظهرت ضمن فريق الإخراج “رانيا مجدى”  و”نهلة فاروق” و”سارة نوح” Casting director، وستايليست “مي جلال” وإسراء طاهر line Producer، وشاركت في مونتاج التترات “سمر مصطفى”، وأغنية التتر كانت للمطربة “بوسي”.

“نعيمة”.. عاملة المنازل بدون قناع المثالية أو الشر
“نعيمة” أرملة تعيش في الوراق مع ابنتيها الشابتين، عملت كخادمة في البيوت منذ أكثر من عشرين سنةٍ، مما كون لديها ما يكفي من الخبرة حتى تحول نشاطها إلى إلحاق البنات والسيدات بالعمل في المنازل، فتتعامل مع أهل المنطقة وسماسرة الخدم لتوفيرهن، بالإضافة إلى إدارتها لمشروع  الطبخ داخل المنزل، كل ذلك حتى توفر مصروفات ابنتيها اللتين حرصت أن ينهيا تعليمهما الجامعي، حتى تحميهما مما عانته.

“نعيمة” امرأة قوية مهما غالبها الفقر، ظلت ترفض الزواج من الحاج “فتحي” أغنى رجال المنطقة التي تسكنها، ولم ترضخ إلا مضطرةً عندما خيرها بين الزواج أو الحبس متذرعًا بالإيصالات التي استكتبها إياها، نظير مساعدتها بالمال لاجتياز عقبات الحياة التي واجهتها وحيدة بعد أن قٌتِل زوجها على يد ابن شقيقها “كرم” بعد أن ضبطه في الفراش مع أمه “بدرية”.

وعلى الرغم من قبول الزواج منه رغمًا عنها، تنتهي قصة الحاج فتحي قبل أن تبدأ، بمقتله، ليظهر الحاج “نور” ابنه الذي يخير أهل المنطقة بين تسديد الديون المستحقة عليهم أو الاستيلاء على بيوتهم تمهيدًا لهدمها في إطار صفقة عقدها مع مستثمرين، وبعد كل المحاولات والتوسل إليه من جانبها، واللجوء إلى ربات البيوت التي عملت بها، تفشل “نعيمة” في سداد الديون، مما يدفعها إلى الاشتراك مع “سماح” في سرقة ربة البيت الذي تعمل فيه الأخيرة، وذلك بمعاونة “كرم” و”حودة”.

المميز في رسم شخصية “نعيمة” هو الواقعية، والابتعاد عن النمطية المعهودة في تقديم شخصية العاملة بالمنازل، ما بين امرأة شديدة الوهن والضعف، كاللقمة السائغة يسهل ابتلاعها، أو حاقدة، تضمر الكره لمن تعمل في بيوتهم، لا تحفظ أمانة؛ أما “نعيمة” ليست امرأة مثالية، فهي تُخطِئ تحت ضغوط الحياة وقسوة ظروفها، وتحاول أن تصحح مسارها خوفًا من العقاب الإلهي، قد تتعثر في طريقها، ولكن لا تسقط، تحارب على جبهات عديدة، فتتباين ردود أفعالها وانفعالاتها بقدر تحملها واستطاعتها، تقود حياتها الصعبة، وفي الوقت ذاته لا ترضى أن تقود ابنتاها حياتهما.

“منة وهنا”.. الرغبة في الانسلاخ عن الواقع وتحقق الحلم
تعيش كل من ابنتي نعيمة، حالة تمزق بين الواقع الذي يتطلعون إلى الخلاص منه، والواقع الذي يريدون الانتقال إليه، تخجلان من المنطقة التي يسكن فيها، وتخفيان مهنة أمهما عن أصدقائهن.

الميزة أيضًا في رسم شخصيتهما أن الاضطرابات التي تعاني منها كل منهما، نتيجة الصراعات النفسية التي يعيشانها ظهرت بدون تجميل مبالغ فيه، ومثلما يستشعر المشاهدون تعاطفًا تجاه “منة” التي تكتشف أن صديقتها أفشت سرها لرجل الأعمال “شريف”، لتصبح علاقتها الحميمة مع حبيبها السابق بوابة للمساومة من أجل تقديم جسدها لرجال الأعمال خفيةً في مقابل الفوز بفرصة تقديم برنامج تلفزيوني ظاهريًا، قد يزعجهم ويثير اشمئزازهم تكاتفها مع أختها لإذلال “سماح” وإهانتها ومعاملتها بدونية واحتقار.

أما “هنا” التي تبدو غليظة في تعاملها مع الاَخرين، وتسرق الهاتف النقال الخاص بإحدى صديقاتها، بعد أن كشفت أمام زميلاتها بالجامعة أنها تسكن في الوراق وهو ما تحاول ابنة “نعيمة” إخفاءه، يتبين تباعًا أن طيشها غير مدفوع بشر.

“سماح”.. الامتهان والفقر المدقع مهدا طريق الغدر

هي من ينطبق عليها القول “مقطوعة من شجرة”، لا أهل لها ولا سند سوى “نعيمة” التي تكفلت بها، وأعانتها على العمل في المنازل، تعيش في بيت “نعيمة”، وهي أكثر الشخصيات النسائية بالمسلسل تعرضًا للعنف من كل الجهات، تستسيغ ابنتا “نعيمة” إهانتها، ويسيء إليها أهل “حودة” الذي يوهمها بحبه ويعدها بالزواج، ثم تكتشف خيانته لها، وفي الوقت نفسه، تتعالى عليها ربة المنزل الذي تعمل فيه.

حلم “سماح” أقل كثيرًا من كل من حولها، هي تريد الشعور باَدميتها التي تفتقدها، وينتزعها منها أشخاص مطحونين مثلها، لكن حتى دائرة المطحونين فيها قوي وضعيف.

لا يمكن أن تكون ردود أفعال البشر واحدة تجاه الظروف نفسها، ولذلك كانت “سماح” أقرب لتقبل خيانة الأمانة وسرقة ربة المنزل “مروة”، بعد شعورها بالظلم الذي تمارسه بحقها، والموافقة على إفشاء السر الذي تكتمت عليه “نعيمة” لسنوات ، بشأن حقيقة تمسكها بالبقاء في البيت ورفض الملايين التي عرضها عليها “نور” ابن الحاج “فتحي”.

“مروة” في عيون “سماح” امرأة متعجرفة ومغرورة، لا تشعر بمعاناة أمثالها، فهي التي تمتلئ خزنتها بالمال، ومع ذلك تتعنت معها ومع “نعيمة” في دفع مستحقات الطعام المطبوخ وراتبها الشهري، وفي المقابل تراهما “مروة” طامعتان فيها، وتمارسان عليها ابتزازًا، لعلمهما بحاجتها لخدماتهما، وهذه النظرة المزدوجة التي عرضها صناع العمل، هي انعكاس لأزمة الثقة بين كثير من المخدومات والخادمات.

“عبير” .. العنف لفظي وجسدي على يد الزوج وجنسي على يد رب المنزل

شخصية “عبير” وتجسدها “ندى موسى”، هي نموذج للمرأة المعيلة، التي نزلت إلى العمل في المنازل، بعد أن أصيبت ساق زوجها ولم يعد بإمكانه العمل، لينفق عليها وعلى ابنتهما الوحيدة.

إصرار “طه” زوج “عبير” على ألا تعمل زوجته بالخدمة في المنازل، يدفعها للاتفاق مع شقيقته “وفاء” و”نعيمة” على إخفاء الأمر، وإقناعه بأنها تعمل فراشة بإحدى المدارس الدولية.

تدخل “عبير” منزل الدكتور “وليد” الذي يحسن معاملتها ويساعدها على الاستمرار في العمل داخل بيته، مهما كانت المعوقات التي تضعها زوجته في طريقها، لتكتشف أن تصرفاته ليس بدافع حسن النية أو الخلق، أو حتى الاحتياج، وإنما لأنه متحرش ومريض بالتلصص على النساء من خلال تصويرهن في حمام منزله وفي غرفة الكشف بعيادته الخاصة، وتجد نفسها إحدى ضحاياه.

على الجانب الاَخر، يبدو “طه” متشككًا في زوجته طوال الوقت، يعنفها لفظيًا وكأنه أمر طبيعي، ثم يتطور الأمر إلى الاعتداء الجسدي، فتغضب وتطلب الطلاق ثم تسامح، ويعيد الكرة، فتقوم برد الفعل نفسه، وتبقى حالة الرضا والتعايش مع الوضع هي الحاكمة، حتى إن كان المسلسل أكد على أنه يحب زوجته، وسرعان ما يندم على فعلته، إلا أن هذا لا يتنافى مع حقيقة أن رجال كثيرين يمارسون العنف ضد زوجاتهم تحت لواء “له الحق إن أخطأت زوجته” من وجهة نظره، ويكفي زعم الحب للتغاضي عن ما جرى.

“رضا و انتصار”..  الحرمان من الطفولة قسرًا

هاتان الطفلتان تحديدًا هما أكثر ما يصيب بالوخز، لأن الجميع انصاع للفقر، وانتزع منهما طفولتهما، بدءًا من الأب الذي وجد فيهما بابًا يجلب المال، مرورًا بــ”نعيمة” التي أرسلتهما إلى العمل في فيللتين متجاورتين لأخ وأخته، وصولًا إلى المخدومين أنفسهم، الذين يتعاملون بأريحية مع دخول طفلتين إلى منازلهم لخدمتهم، باستثناء “دينا” الرافضة لعمالة الأطفال.

تعمل “رضا” في منزل “سلوى”، فيما تعمل “انتصار” في منزل “دينا”، وشتان بينهما، فالأولى تعاني بسبب قسوة “سلوى”، واعتدائها عليها، فيما تلقى الثانية معاملة طيبة من “دينا”، التي تمنعها من العمل بالمنزل، وتعاملها كطفلة مستضافة في منزلها.
حرب “دينا” حتى تنال الطفلتين حقهما في الحياة التي يستحقانها، تنتهي بالتحاقهما بمدرسة لتعليمهما المشغولات اليدوية، وعلى الرغم من أن ذلك قد يبدو غير واقعي، إلا أنه في النهاية يوجد طريقًا بديلًا لعلاج مشكلة عمالة الصغيرات حتى إن كان حلًا فرديًا.