شغل العنصر النسائي المساحة الكبرى أمام الشاشة في مسلسل “حلاوة الدنيا” الذي عُرِض خلال شهر رمضان، ويبقى أحد أكثر مسلسلات هذا الموسم، تناولًا لفكرة التضامن بين النسوة، على عكس الغالبية التي انشغلت بخلق الصراعات بينهن.

يتناول المسلسل قصة “أمينة الشماع”، الفتاة التي تنتمي إلى الطبقة الأرستقراطية، وتعمل في إحدى شركات الدعاية والإعلان، تسير حياتها بشكل طبيعي وهادئ، تعيش مع أمها وجدتها وأختها الصغرى، وتستعد للزواج من “عمر”، حتى تكتشف بعد إجراء عدد من الفحوصات أنها مصابة بــ”لوكيميا”أو سرطان الدم، فتنقلب حياتها ومن حولها رأسًا على عقب.

النساء.. شبكة دعم وتضامن

نشأت “أمينة الشماع” التي تؤدي دورها النجمة “هند صبري” في أسرة كانت المرأة هي العمود الفقري فيها بعد أن توفي والدها، الذي يتبين أنه تزوج سريًا من امرأة أخرى، وأنجب منها فتاة تقترب من عمرها، ولم يتناول المسلسل العلاقة بين الابنتين في إطار الصراع المعتاد، وإنما أصبغه بأجواء حميمية، جعلت العلاقة مصدر دعم لــ”أمينة” خلال فترة علاجها، ومن ثم دعم للأخت الصغرى “عاليا” – سلمى أبو ضيف- في أزمتها مع خطيبها.

“عاليا” تمثل نموذج الفتاة المقبلة على الحياة، تتسم ببعض الرعونة، ومع ذلك فهي سند لا يستهان به لـشقيقتها الكبرى، أما “سارة” صديقة “أمينة”وتؤدي دورها “حنان مطاوع”، وهي امرأة مطلقة ولديها ابن، تتخلى عن عملها كمضيفة جوية بعد الزواج وبعد سنوات من تربية ابنها، تبدو شخصية مستهترة إلى حد كبير، لا تأخذ الحياة على محمل الجد، تعتمد على “أمينة” في الكثير من شؤون حياتها اليومية حتى فيما يخص ابنها، حتى يأتي مرضها ليمثل نقطة تحول في شخصية “سارة”، وتدرك أن إعادة ترتيب الأمور والأولويات أضحى حتميًا.

تضم هذه الشبكة الأم – أنوشكا – التي تجمع بين الصرامة والحنان، وتخفي خلف الشدة والحزم فيض من الحب ليس فقط لبناتها وأمها، ولكن لعم بناتها، الذي تخلى عنها سابقًا، مما اضطرها للزواج من أخيه، ثم يعود مع أزمة “أمينة” ليحيي الحب داخلها، وأخيرًا الجدة “زوزو”  -رجاء الجداوي- وهي الأكثر هدوءًا واحتواءً للأزمات، وعلى الرغم من أنها الأكبر سنًا في البيت إلا أنها الأكثر مرحًا وإقبالًا على الحياة.

الرجل هو القائد والموجه في حيواتهن 

على الرغم من شبكة الدعم التي تحيط بــ”أمينة”، لكن “سليم” – ظافر عابدين- لعب دورًا أكبر منهن مجتمعات، وكان مصدر الدعم الأكبر، وكان بمثابة المُنجِد الذي امسك بيدها، ليرشدها في طريقها المعتم.

الحال نفسه مع أمها، التي يعود إليها الأمان المفقود بعد أن دخل إلى حياتها مجددًا الدكتور “عادل” شقيق زوجها ويؤدي دورها مصطفى فهمي، ولا يختلف الأمر كثيرًا مع “علياء” التي لجأت إلى “حسن” – أحمد حاتم- الذي أضحى خطيبها فيما بعد، ليكون أول من تتكئ عليه بعد علمها بمرض شقيقتها، وسرعان ما يتحول إلى مصدر السعادة في حياتها رغم ساديته، وكذلك الصديقة التي تبحث عن الحب بعد أن لاحقها الفشل في تجربة زواجها الأولى، لكن قصة “سارة” تحمل بُعدًا اَخرًا.

أيضـــــــــًا.. «واحــة الغــروب».. في زمن «ثورة» الأنا الذكورية .. يُقبَر تمرد النساء ويُثَمَّن استسلامهن

استغناء في مقابل اغتناء

“سارة” مثل كثير من النساء المطلقات اللاتي يتطلعن إلى بدء مرحلة جديدة مفعمة بحب غير الذي فشلت تجربته السابقة، لكن يبقى حقهن في حضانة أبنائهن حائلًا دون المضي قدمًا في تحقيق أحلامهن.

على الرغم من أن طليقها تزوج بعد الطلاق، إلا أن تربصه بها لا يتوقف، وعندما يعلم بوجود رجل في حياتها قد يحل محله، يعتبرها غير جديرة بتربية ابنهما، وهو حال الملايين من السيدات اللواتي يخيرن بين بقاء أبنائهن بين أحضانهن أو الشروع في بدء مرحلة جديدة وعبور الماضي بكل ما فيه حتى أبنائهن.

التنميط.. سكرتيرة إذًا على علاقة سرية بالمدير

“سليم” هو رجل أعمال مصاب بسرطان في الدماغ ويرفض العلاج أو الخضوع للعملية الجراحية خوفًا من مضاعفاتها، لا يبالي بالموت ولا موعده، يحاول الاستمتاع بالمتبقي في حياته، ويساعد الاَخرين الذين يعانون من المرض نفسه، حتى يلتقي “أمينة” وتتبدل خططه وقراراته.

حياته اللاهية قبل “أمينة” تخللها علاقة بينه وبين سكرتيرة  في شركة والده، أدت إلى حمل غير مرغوب فيه من جانبه، فتنصل من مسؤوليته وأجبرها على الإجهاض، إلا أن والده تدخل سرًا ليحافظ على الجنين ويتركه يولد.

ما يستدعي التوقف أمامه، هو الصورة النموذجية التي أصر صناع العمل أن يؤطروا عليها شخصية “سليم”، على الرغم من تصرفه النذل ومقايضة الإجهاض بملغ مالي كبير، ومن ثم بدء حياة جديدة دون أن يعبأ للماضي، كما يقدم المسلسل النمط المكرر للسكرتيرة، بعد أن أصبح الأمر اعتياديًا في الدراما، اختزالهن في أدوار بائعات هوى لمديريهن.

حسن المسكون بالسادية الذكورية

“حسن” الذي يؤدي دوره الممثل “أحمد حاتم”، هو رجل أرمل تربطه علاقة عاطفية بشقيقة أمينة الصغرى “عاليا”، يظهر تفكير “حسن” الذكوري تدريجيًا، ويتضح استساغته لممارسة العنف ضد المرأة، وفي المقابل تبدو “عاليا” متسامحة إلى حد بعيد مع ذلك الأمر، يكفيها اعتذار أو وعد بألا يعيد الكرة.

التهاون مع العنف اللفظي انتهى بتحوله إلى عنف جسدي، عندما لم يكتف بإهانتها وتحميلها مسؤولية تعرضها للتحرش الجنسي في الشارع، مدعيًا أنها ملابسها السبب، وبلغ الأمر تعديه عليها بصفعة على الوجه.

لأن التعدد حقه ومتعته.. يعشن مغيبات أو مقهورات

تطرق المسلسل إلى مسألة تعدد الزوجات، من خلال والد “أمينة”، الذي تزوج سرًا من سيدة في الإسكندرية بينما يعيش هو وأسرته في القاهرة، وأنجب من زوجته الثانية فتاة أخفاها حتى موته؛ لتكتشف “أمينة” وجودها صدفةً خلال زيارتها إلى مدفنه، وعلى الرغم من أن العداوة بينهما ذابت سريعًا، لكن لم يزل من داخلها الشعور بالاضطهاد والدونية الذين تسببا فيهما الأب، الذي اختار أن يكون له زوجة وابنة في الخفاء، وعلى الجانب الاَخر، عاشت أسرة بأكملها مغيبة عن حقيقة الرجل الذي يعيش معهم.

التعدد منح الرجل حق اختيار حياة جديدة إلى جانب التي يعيشها، أما زوجته فليس لها الحق سوى أن تعيش حياة واحدة، وتعيشها في غيبة عما يفعله تحت ستار الحق الشرعي.

أيضــــــــًا.. «لأعلى سعر» .. الدوران في فلك الرجل مازال يستقطب الجمهور

حضور هزيل خلف الكاميرا

هذا العدد الكبير من النساء أمام الكاميرا؛ لم يصاحبه تواجد لافت خلف الكاميرا؛ حيث اقتصرت أدوارهن على الوظائف المعهودة من الملابس وغيرها من الوظائف المساعدة، باستثناء رؤية المسلسل والسيناريو والحوار لكل من “إنجي قاسم” و”ولاء عبد الخالق” تحت إشراف السيناريست “تامر حبيب”، وتجدر الإشارة إلى أن المسلسل مأخوذ عن مسلسل مكسيكي يحمل اسم “Terminals”، الحضور النسائي أيضًا عرفته أغنية التتر من خلال صوت “شيرين عبد الوهاب”

الجدل والجدال منذ الحلقة الأولى

أثار المسلسل حالة من الجدل بين جمهور مواقع التواصل الاجتماعي، نظرًا لطبيعة الموضوع الذي يناقشه العمل خاصة في ظل ارتفاع معدلات الاصابة بمرض السرطان، رأى البعض أن المسلسل يصدر جرعة زائدة من الإحباط، على من أنه يحمل اسم “حلاوة الدنيا”، فيما رأى فريق اَخر أن الأحداث التي تناولها العمل وإحجام عدد من الشخصيات المصابة بالسرطان عن الخضوع للعلاج هو أمر يحدث بالفعل في الواقع؛ فالبشر مختلفون وقدرتهم على التحمل كذلك.

حتى مريضات السرطان أنفسهن تباينت ردود أفعالهن، “ريم بنا” المطربة الفلسطينة، كانت من الرافضين لما وصفته بجرعة الإحباط التي وصلت إلى حد التخويف من العلاج، فيما زارت إحدى المصابات بمرض سرطان الدم فريق العمل في موقع التصوير لتثني على ما قدموه من جهد وطاقة إيجابية خلال العمل الذي تزامن مع اكتشاف إصابتها بالمرض.