بعد سبع سنوات منذ إذاعة الجزء الأول من مسلسل “الجماعة” في رمضان 2010، يعود للشاشة من جديد في جزئه الثاني، بقلم الكاتب نفسه وهو السناريست “وحيد حامد”، أما المخرج هذه المرة ليس “محمد ياسين” وإنما “شريف البنداري”، وتبدأ الأحداث بعد مقتل “حسن البنا” مؤسس جماعة الإخوان المسلمين، وعلى عكس الجزء الأول، المسلسل لا يربط بين الوقت الحاضر والماضي، وتدور كافة أحداثه في فترة زمنية واحدة، ما بين 1949 وحتى 1966.

العنصر النسائي.. حضور هزيل «جدًا» خلف الكاميرا وغير مؤثر أمامها

تتابع الأحداث فى الجزء الثاني من “الجماعة”، ليستعرض تاريخ جماعة الإخوان المسلمين بعد مقتل مؤسسها “حسن البنا”، سواء مع الملك فاروق اَخر ملوك مصر، أو بعد ذلك خلال فترة حكم الرئيس محمد نجيب، ومن بعده الرئيس جمال عبد الناصر.

يدور الجزء الثاني حول الصراع بين مجموعة الضباط الأحرار أو مجلس قيادة ثورة 1952 وجماعة الإخوان بعد أن أصبح المستشار “حسن الهضيبي” مرشدًا عامًا لها، ويتسع الصراع لتصبح المواجهة في مستواها الأعلى ليست معه فحسب، وإنما مع “سيد قطب” أيضًا، الذي من المزمع أن تنتهي الأحداث بإعدامه.
يؤدي الفنان “عبد العزيز مخيون” دور مرشد الجماعة “حسن الهضيبى” بينما يؤدي “ياسر المصرى” دور الرئيس “جمال عبد الناصر” أما شخصية “سيد قطب” يجسدها “محمد فهيم”، فيما يؤدي “نضال الشافعي” دور “الشيخ الباكوري”.

في المقابل، تغيب الشخصيات النسائية عن الدائرة المحركة للأحداث، فتكاد تكون الشخصية النسائية الوحيدة التي تقترب من هذه الدائرة، هي “زينب الغزالي” وتجسدها “صابرين”، وهي إحدى رموز حركة الإخوان المسلمين ومؤسسة قسم الأخوات بالجماعة، وهي ليست محركًا للأحداث، لكنها حاضرة في كل منها.

الشخصيات النسائية الأخرى غير مؤثرة على الإطلاق، ولا يظهرن على الشاشة إلا قليلًا، ومنهن “دنيا ماهر” التي تؤدي دور “اَمال العشماوي” زوجة “منير الدلة” القيادي الإخواني، وابنة وزير المعارف “محمد العشماوى”، بالإضافة إلى بنات مرشد الجماعة “حسن الهضيبي” وزوجته وشقيقتي “سيد قطب”، وربما يكون الغياب مرتبطًا بكون المسلسل أقرب للوثائقيات، ويركز على شخصيات بعينها، ووقائع محددة.

فضلًا عن ذلك، فبسبب انحصار الدراما في مقابل التوثيق، بدت الشخصيات الرئيسة نفسها بلا روح أقرب للجمود، أغلبها يظهر داخل المكاتب، وبالملابس الرسمية، لا نعرف عن حياتهم الشخصية تفاصيل ولو محدودة.

خلف الكاميرا، الوضع أسوأ، فقد غلب الحضور الذكوري على معظم الأدوار، وإلى جانب التأليف وطاقم الإخراج، الذي احتكره الرجال، المونتاج لــ”محمد عيد” والديكور لــ”محمد أمين”والموسيقى التصويرية لــ”عمر خيرت” والعمل من إنتاج “كامل أبو على وشركة إعلام المصريين المملوكة لرجل الأعمال أبو هشيمة”، والمكياج لـ”محمد عبد الحميد” تحت إشراف الماكيير “محمد عشوب”، فيما ظهرت النساء بشكل محدود كمونتير مساعد “نور عماد – دارين حمدى” ومصممة الأزياء “منية فتح الباب”.

“زينب الغزالي”: تناقضات دون دوافع .. القيادة والانقياد.. التمرد والخضوع

“زينب الغزالي” في المسلسل شخصية أحادية، امرأة غليظة، لا تتحدث سوى عن الجماعة، ولا يسعدها سوى أخبارها، لا  تقدم لنا الدراما كثيرًا عنها، لفهم دوافعها في الانضمام إلى الجماعة وارتداء الحجاب في وقت كانت الأعم الأغلب من النساء لا يرتدينه، حتى بين نساء الجماعة وهو ما يوثقه المسلسل نفسه، وتظهر أغلب عضوات الجماعة بدون غطاء للرأس، بما فيهن أسرة المرشد العام.

لا يمكن القول بأن شخصية “زينب الغزالي” في المسلسل مؤثرة، وإنما وجودها للأهمية، لأنها أحد من تصدروا مشهد الخلاف بين النظام الحاكم وقتذاك وجماعة الإخوان، وقد بدت “الغزالي” في حلقات النصف الأول من رمضان، امرأة حاسمة وحازمة، تمتلك حضور قوي بين نساء الجماعة.

المشهد الأبرز منذ بداية عرض المسلسل وحتى الاَن، هو الذي يجمعها بمؤسس الجماعة “حسن البنا”، الذي عَرّف بالقليل عنها، كداعية إسلامية تدير جمعية نسائية (جمعية السيدات المسلمات)، كانت متزوجة من أحد مشايخ الطرق الصوفية، وتعرضت لحادث أدى إلى تشويه جسدها، ولم يكشف المشهد أو المسلسل عمومًا مزيدًا من التفاصيل عن ذلك الأمر، وهو خطأ ارتكبته في إشعال الموقد بالمنزل، مما أدى إلى اشتعال النيران بجسدها.

مشهد الحوار بينها وبين “البنا” ينقسم إلى جزأين، الأول بدت فيه “الغزالي” امرأة ترفض الخضوع والتحكم فيها من قبل أي رجل، وعلى عكس السائد داخل الجماعة، ترى نفسها قائدة ترفض أن تُقاد، وتقرر شروطًا حتى تنضم إلى هذا الكيان على رأسها ألا تكون تحت رحمة أي رجل باستثناء المرشد،

أما الجزء الثاني، فقد جسد النقيض تمامًا، وانعكست حالة خنوع تام في مبايعة المرشد، بعد تقبيلها ليده وترديد “زينب الغزالي الجوبيلي تتقدم إليك وهي أمة عارية من كل شيء إلا من عبوديتها لله تعالى، وانت من اليوم الإنسان الوحيد الذي يستطيع أن يبيع هذه الأمة بالثمن الذي يرضيه لخدمة دعوة الدين لله تعالى، وأنا في انتظار تعاليمك وأوامرك سيدي الإمام.”

“الجماعة 2” يركز على الأحداث التاريخية أكثر من تركيزه على الشخصيات، ولذا فجوانب ومحطات عديدة تخص “زينب الغزالي”، لم يتناولها المسلسل، مثل علاقتها بــ”هدى شعراوي” الملقبة برائدة الحركة النسائية في مصر، وعضويتها بالاتحاد النسائي المصري، ثم خروجها منه، وانقلابها على الحركة النسائية.

التهميش سيدا الموقف

إلى جانب تنحية النساء عن الشاشة وتهميش أدوارهن، أبرز المسلسل – حتى الاَن -النساء خارج المعادلة، وهذا لأنه يقدم توثيقًا لعملية صنع القرار في تلك الفترة الزمنية، التي احتكرها الرجال، وأغلب الأدوار النسائية في حلقات النصف الأول من المسلسل “نمطية”، فعلى سبيل المثال، المشاهد المعدودة التي ظهرت فيها شقيقتا “سيد قطب”، كانتا تعملان على خدمته، تحضران الطعام والشراب له ولضيوفه، وعندما تتحدثان إليهم تنظران في الأرض، حتى في جلوسهما ونقاشاتهما مع شقيقهم الأكبر، يستمعا فقط ولا يجادلا، وظهرت زوجة المرشد وبناته في المنزل فقط بلا دور خارج هذه الحدود، ولم يجادلنه سوى مرة واحدة في مسألة الحجاب، عندما جاء ليطلب منهن ارتداء الحجاب، بعد أن طلب من “جمال عبد الناصر” فرض الحجاب على نساء مصر، إلا أنه رفض، وأشار إليه بأنه وهو مرشد الجماعة لم يفرض الحجاب على ابنتيه، فتعجبتا من طلبه”إحنا هنلبس الحجاب عشان عبد الناصر؟!” وردت إحداهما “الجماعة فيها بنات كتير مش محجبات، وأنت علمتنا إعمال المنطق.”