محمد أبو الشباب

عن الكاتب:

ناشط في مجال الدفاع عن حقوق النساء

وعضو لجنة خبراء بمؤسسة خريطة التحرش الجنسي

 

غدًا يحل اليوم الدولي للعمل من أجل تنمية صحة المرأة، وعلى الرغم من كونه يومًا دوليًا حُدِد له تاريخ 28 مايو، إلا أنه مناسبة غير متعارف عليها في مصر بالقدر الكافي.
على مدى أكثر من 20 عامًا، ساهم اليوم الدولي للعمل من أجل تنمية صحة المرأة في النظر إلى احتياجات المرأة الصحية المتخصصة، فضلًا عن احتفال المرأة في هذا اليوم بمساهماتها ومشاركاتها في جميع مجالات المجتمع والاعتراف بها بوصفها حجر الزاوية في الأسر والمجتمعات القوية.

ويركز اليوم على الاهتمام باحتياجاتها الصحية لكونه أمرًا حيويًا لضمان تحقيق تقدم مستدام في جميع مجالات التنمية، علاوة على ذلك يتم العمل على التوعية بأهمية تمكين المرأة من حقوقها الصحية لكونها أنثى خاصة في المناطق النامية وضرورة تحقيق ضمانات فعلية لممارستها لهذه الحقوق.
المرأة هي التي تكد وتكافح من أجل وضع بصمة واضحة ومُشرفة، في سجل ميادين الحياة ،على الرغم من صعوبة وجودها في المجال العام إلا أنها تحاول وتحاول، وفي كفاحها الطويل تعاني الكثير من المخاطر، والظروف الصحية القاسية، والاضطهاد والعنف.
لذلك قررت منظمة الصحة العالمية لفت الانتباه إلى الأوضاع الخطيرة التي تحيط بالنساء، وخاصة في الدول الفقيرة، أو التي تعاني من التوترات والحروب، فقررت تخصيص يوم الــ28 من مايو  ليكون يومًا عالميًا لتنمية صحة المرأة.
تتقاسم النساء والرجال تحديات صحية متشابهة كثيرة، لكن صحة النساء تستحق انتباهًا خاصًا، فأعمار النساء أطول عمومًا من الرجال بما لهن من مزايا بيولوجية وسلوكية، إلا أن هذه المزايا تتلاشى في بعض الأماكن في العالم كالدول النامية، بسبب التمييز ضد النساء إلى درجة تجعل عمرهن المأمول عند المولد أقل من العمر المأمول للرجال أو يكاد يكون مساويًا له.

لا يعني كون عمر النساء أطول أنه مفعم بالصحة، لأنها تتعرض لظروف لا تحيط إلا بها ولا تؤثر سلبًا إلا عليها، ومن بين هذه الظروف؛ الحمل والولادة، وهي تحولات بيولوجية واجتماعية تحف بها مخاطر صحية وتستدعي رعاية، وإن كانت بعض الصعوبات الصحية تعتري النساء والرجال على قدم المساواة، فإن وقعها على النساء أكبر أو مختلف، ويقتضي بالتالي تدخلات مصممة خصيصًا لاحتياجات النساء، وهناك اعتلالات أخرى تؤثر  في الرجال والنساء بالتساوي تقريبًا، لكن النساء يواجهن صعوبات أكبر في الحصول على الرعاية الصحية الضرورية، بالإضافة إلى أن الغبن الذي يحيط بالمرأة في التعليم مثلاً أو مستوى الدخل أو فرص التوظيف – يحد من قدرة الفتيات والنساء على الاعتناء بصحتهن.

إن كان عمر النساء أطول من عمر الرجال، فذلك ليس بميزة يحسدن عليها، لأن النساء يشكلن نسبة متزايدة من السكان المسنين، مما يعنى زيادة أمراض الشيخوخة لديهن، ولذا ينبغي أن تتأهب المجتمعات منذ الآن لتفادي ومكافحة المشاكل الصحية المزمنة التي كثيرًا ما ترتبط بالتقدم في العمر، وبنشر العادات الصحية منذ الصغر يساعد النساء على الحياة بنشاط وصحة إلى حين بلوغهن مرحلة متقدمة من الشيخوخة. ويجب أن تستعد المجتمعات لدفع التكاليف المرتبطة برعاية المسنات. وقد عمدت بلدان كثيرة مرتفعة الدخل إلى توجيه نسبة ضخمة من ميزانياتها الاجتماعية والصحية صوب رعاية المسنين.

وفي المناطق المنخفضة الدخل كثيرًا ما تتحمل العائلة – ونساؤها  تحديدًا – هذه المسؤولية، لذلك ينبغي رسم سياسات لتمويل الصحة وضمان المعاشات التقاعدية وإدخال الإصلاحات الضريبية، وفتح الباب أمام النساء لدخول الوظائف الرسمية والحصول على المعاشات التقاعدية والضمان الاجتماعي، وتزويدهن بالرعاية المنزلية والمجتمعية.

الأسباب التي أدت بالنُظم الصحية إلى التقصير في حق النساء كثيرًا ما هي معقدة وترتبط بتحامل المجتمع على المرأة. لكن هذه الثغرات سهلة الفهم ويمكن بل وينبغي التصدي لها وتغييرها. فالنساء يواجهن مثلاً تكاليف صحية أعلى من تكاليف الرجال لأنهن يحتجن إلى قدر أكبر من الرعاية الصحية مع أنهن يعانين من الفقر والبطالة أكثر من الرجال، ويعملن بدون تفرغ أو بصفة غير رسمية وبدون مزايا طبية.

وهذه نظرة على مجموعة حقائق عن معاناة المرأة وحرمانها من خدمات الرعاية الصحية – و تبعات ذلك – من واقع إحصائيات منظمة الصحة العالمية بما في ذلك المتعلقة بصحة الأم وتنظيم الأسرة، وهي مثيرة للذهول، فهناك تقديرات تشير إلى أن معدلات التدخين بين الرجال تتجاوز معدلات التدخين بين النساء بنحو 10 أضعاف. غير أنّ حملات التسويق الضارية التي استهدفت النساء في الآونة الأخيرة أدّت إلى ارتفاع سريع في نسبة التدخين بين فتيات البلدان النامية، ونسبة نجاح النساء في الإقلاع عن التدخين أقل من نسبة نجاح الرجال في ذلك، إضافة لذلك فالنساء أكثر عرضة من الرجال للعودة إلى التعاطي، كما أن المعالجة الاستعاضية قد تكون أقل فعالية لدى النساء.
من ناحية أخرى، تمثّل النساء 61 في المئة من مجموع البالغين المصابين بفيروس الأيدز في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، وفي منطقة بحر الكاريبي تمّثل النساء 43 في المئة من مجموع حملة ذلك الفيروس. كما تشهد أمريكا اللاتينية وآسيا وأوروبا الشرقية ارتفاعًا في أعداد النساء اللائي يحملن ذلك الفيروس، مع أنّها لا تزال تؤوي نسبة أقل منهن مقارنة بالمناطق الأخرى.
وفيما يتعلق بالعنف الجسدي والجنسي، فالأرقام تكشف أن بين 15 إلى 71 في المئة من النساء حول العالم تعرضن للعنف من قبل الرجال الذين يعاشرونهن في مرحلة من حياتهن، وتُسجّل حالات إساءة معاملة النساء في جميع الأوساط الاجتماعية والاقتصادية، ممّا يخلّف آثاراً وخيمة على صحتهن.

الأدهى أن دراسات أخرى توضح أن خُمس النساء يبلّغن عن تعرضهن لعنف جنسي قبل بلوغهن سنّ الخامسة عشرة.
وعلى الرغم من تراجع نسبة الزواج المبكّر، نحو 100 مليون طفلة ستتزوّج قبل بلوغها سن الـ18 في السنوات العشر المقبلة. وتمثّل تلك النسبة ثلث المراهقات في البلدان النامية (باستثناء الصين)، وكثيرًا ما تفتقر الزوجات من صغار الفتيات إلى دراية كافية بمسائل الجنس وأنواع العدوى المنقولة جنسيًا والايدز والعدوى بفيروسه، وفي السياق نفسه فهناك نحو 14 مليون مراهقة تواجه تجربة الأمومة كل عام، وتعيش أكثر من 90 في المئة من تلك الأمهات الصغيرات السنّ في البلدان النامية، وسنويًا يشهد العالم وفاة 1600 امرأة، وأكثر من 10 اَلاف وليد بسبب مضاعفات فترة الحمل والولادة، وتقع حوالي 99% من وفيات الأمومة و90% من وفيات الولدان في العالم النامي.

مهمة الطبخ تتولاها النساء في معظم بلدان العالم،  وعندما يطبخن أمام نيران مكشوفة أو مواقد تقليدية، يستنشقن، يوميًا مئات الملوّثات، ويتسبب ذلك الدخان المنبعث داخل المباني في وفاة نصف مليون امرأة من أصل مجموع النساء اللائي يتوفين سنويًا في جميع أنحاء العالم بسبب مرض الرئة الانسدادي المزمن، ويبلغ عددهم 1.3 مليون امرأة،  وعلى سبيل المقارنة، لا تبلغ نسبة الرجال الذين يقضون نحبهن سنويًا بسبب ذلك المرض الناجم عن الدخان المنبعث داخل المباني إلاّ 12 في المئة. وقد يتسبب تعرض الجنين لتلك الملوثات الضارة، أثناء فترة الحمل، في انخفاض وزنه عند الميلاد، وحتى في وفاته.

أيضًا النساء في جميع أنحاء العالم ومن جميع الفئات العمرية، يواجهن خطر التعرّض للعمى وضعف البصر بنسبة تفوق تعرّض الرجال لتلك المخاطر. وعلى الرغم من ذلكن فإنهن لا يستفيدن من خدمات الرعاية الصحية على قدم المساواة لعلاج أمراض العين التي تصيبهن وذلك بسبب عوامل تعود، في كثير من الأحيان، إلى عدم قدرتهن على التردّد بمفردهن على المرافق الصحية، والاختلافات الثقافية القائمة بين المجتمعات فيما يخص أهمية خدمات الجراحة والعلاج الخاصة بالمرأة.
و من المفارقات أن النُظم الصحية غالبًا لا تلبي احتياجات النساء مع أن النساء أعظم مساهم في الصحة بما يقدمن من رعاية أولية إلى الأسرة وفي القطاعين الرسمي وغير الرسمي. ومع ذلك نادرًا ما نجدهن في المناصب القيادية أو الإدارية، لأنهن يتمركزن في أعمال قليلة الرواتب ويتعرضن لمخاطر صحية مهنية كبيرة. وهن بوصفهن مقدمات للرعاية الصحية بصفة غير رسمية في المنزل أو المجتمع المحلي، كثيرًا ما لا يحصلن على الدعم اللازم أو الاعتراف بفضلهن أو مكافآت على خدماتهن.
مصر والواقع المحلي ليس ببعيد عما يحدث في العالم، فغالبيــة الســيدات المصريات وخاصــة فــي المناطــق الريفيــة ليــس لديهــن أي تأميــن صحي، وبحسب المسح السكاني الصحي لعام 2014، أكثر من ثلثي النساء أكدن وجود مشاكل في الحصول على الرعاية الصحية، وأكثر من 60 في المئة من الولادات تتم فى منشأة صحية خاصة وليست في منشأة حكومية، وواحدة من كل خمسة ولادات في الوجه القبلي تمت في المنزل، و11  في المئة من الفتيــات المتزوجــات فــي الفئة العمرية من 15 إلى  19 عامًا إمــا حوامــل أو أنجبــن بالفعــل، فضلًا عن ذلك واحدة من كل 4 سيدات مصابة بالانيميا، وأكثــر مــن نصــف الفتيــات في الفئة العمرية 0 إلى 19 عامًا سيخضعن فور وصولهن إلى سن البلوغ إلى ختان الإناث، وترتفع النسب المتوقعة في الوجه القبلي، كما تزيد في المناطق الريفية عن المناطق الحضرية.

فى ظل دولة ينتشر فيها أشكال ومظاهر متعددة من العنف ضد المرأة، طبيعي أن نجد في هذا المناخ ما يعتبر صحة النساء ليست بين الأولويات، وهذه مجموعة صغيرة من الاقترحات لعلها تساهم في تمكين النساء من حقوقها الصحية.

  • تدريب وتوعية الأطباء ومقدمي الرعاية الصحية
  • تناول وسائل الإعلام المختلفة ومناقشتها لقضايا النساء الصحية
  • مساندة القطاع الخاص للعمل الأهلي في تحقيق دوره بنشر الوعي بالحفاظ على صحة المرأة
  • تحسين خدمات الرعاية الصحية في المستشفيات الحكومية
  • الاهتمام بالدعم النفسي والصحة النفسية للنساء في المستشفيات الحكومية وتوصيل الناجيات من الأمراض مثل، سرطان الثدي  أو من الاعتداءات الجنسية لجهات متخصصة تستطيع أن تقدم لهن الدعم والمشورة الصحية وإعادة التأهيل، كما يتعين توفير خدمات الرعاية الصحية من الميلاد إلى مرحلة الشيخوخة، واتخاذ إجراءات سياسية في قطاعات أخرى غير القطاع الصحى تساهم فى حل تلك المشاكل مثل؛ التعليم والثقافة على سبيل المثال وتحسين المعارف في مجال صحة الفتيات والنساء.

أخيرًا وليس اَخرًا، لنتذكر أن امرأة متمتعة بصحة جيدة، امرأة معطاءة وسعيدة .. ساهموا وساعدوا فى الحفاظ على صحتهن لأنهن يستحقن ذلك.