“درية شفيق” من أشهر الشخصيات النسائية، التي كرست حياتها دفاعًا عن حقوق النساء المهدرة بفعل الثقافة الذكورية الضاربة في جذور تاريخ المجتمع، وخلال الأربعينيات والخمسينيات، اَثرت الصحافة النسائية من خلال عدد من الإصدارات، مثل مجلة “المرأة الجديدة” التي صدرت باللغة الفرنسية في عام 1944 بدعم من الملكة شويكار، ثم أصدرت بنفسها مجلة “بنت النيل” باللغة العربية منذ 1945 وحتى 1957، لكننا لم نسمع عن كتب “درية شفيق” أو بالأحرى لم نصل إليها، حتى عام 2008، عندما أصدرت مكتبة الأسرة ضمن سلسلة مئويات، كتابًا يحمل اسم “من أعمال درية شفيق”، وهو نسخة مستحدثة من كتابها الأصلي “المرأة المصرية.. من الفراعنة إلى اليوم”، الذي صدر عام 1955، واختفى بعد تصاعد الخلافات بينها وبين النظام الحاكم في عام 1957.

حصلنا على نسخة نادرة من هذا الكتاب الصادر عن مطبعة مصر، وثمنه المدون عليه 35 قرشًا، وفي قراءة من أربع حلقات ننشرها خلال شهر المرأة، نستعرض أبرز ما اشتمل عليه من استطلاع للتاريخ المصري، من زاوية تكشف عمق تأثير النساء في تحريك الأحداث، وتطورها، وتبدل الإتجاهات، ويمكن القول بأن الكتاب استثناء للقاعدة الشائعة في القراءات التاريخية التي تنتقص وتجحف بحق النسوة ونضالهن الأمدي.

تقول “درية شفيق” في مقدمة الكتاب “قد يتساءل القارئ ما هو هدفي، وما هي غايتي من إصداري هذا الكتاب، وأنا أبادر بدوري فأرد على السؤال أو التساؤل، بأني أهدف في هذا الكتاب  إلى أن يكون  سجلًا لكفاح المرأة، وعرضًا شاملًا لأدوار الحركة النسائية في مصر منذ أيام الفراعنة وحتى يومنا الراهن” في إشارة منها إلى وقت إصدار الكتاب في عام 1955.

وتتابع “وأهدف أيضًا من هذا الكتاب إلى توضيح رعاية الإسلام  للمرأة وعنايته بحقوقها، وتوضيح هذه الحقوق للمرأة بما ترنو وتسعى إليه من التمتع بهذه الحقوق وجناء ثمرها سواء كانت سياسية أو اجتماعية أو غير هذين.”

الكتاب يتكون من 30 فصلًا، وخصصت الكاتبة وريقاته الأخيرة لإحصائيات توثق تعداد سكان مصر ما بين 1882 و1947، بعضها يرصد توزيع السكان حسب النسبة المئوية للإناث والذكور، وبعض الإحصائيات تكشف توزيعهم حسب الحالة الاجتماعية (الزواج – الطلاق)، أخرى تكشف تعداد الطلبة والخريجين بجامعات القاهرة والإسكندرية وعين شمس منذ 1949 وحتى 1952، بالإضافة إلى إحصائية ترصد تعداد الأحداث في جميع السجون المصرية حسب نوع الجريمة في الفترة من 1949 وحتى 1951، فضلًا عن إحصائيات لوفيات الأطفال منذ 1948 وحتى 1950.

“المرأة الفرعونية.. كانت لها حقوق”، و”الإسلام يحرر المرأة من عبودية الرجل”، و”حقوق المرأة في الإسلام”، و”شجرة الدر.. امرأة دخلت التاريخ”، و”المصريات.. يهزمن نابليون بونابرت”، و”المصرية تدخل المدرسة”، و”سيدات كافحن من أجل المرأة”، و”السيدات في حركة عرابي”، و”الأفغاني والشيخ محمد عبده وقاسم أمين ينتصرون للمرأة”، و”المرأة المصرية تدخل الحزب الوطني”، و”المرأة المصرية في ثورة سنة 1919″، و”هدى شعراوي تمزق الحجاب”، و”هدى شعراوي تؤسس الإتحاد النسائي”، و”التعليم أول الأسلحة في معركة الحرية”، و”المصرية تحقق المعجزات في ميادين العمل”، والمرأة المصرية في الحقل الاجتماعي”، و”اتحاد بنت النيل يطالب بحقوق المرأة السياسية”، و”مطالب المرأة على كل لسان”، و”اقتحمنا البرلمان”، و”وكيل النيابة يشيد بالمتهمة”، و”المصريات يحملن البنادق”، و”عشرة اَلاف مصرية في جنازة الشهداء”، و”المرأة والتحرر الاقتصادي”، و”نزلنا إلى الميدان الانتخابي”، و”الملك يقاوم الحركة النسائية” و”بنات النيل مع بنات العرب” و”ثمانية أيام بلا طعام” و”رجال في تاريخ المرأة”، و”الجندية المجهولة”، و”كلمتنا الأخيرة”

وقد ذكرت “شفيق” في الصفحات الأولى من كتابها أن دراستها عن “المرأة المصرية” التي تقدمها بين طيات هذا الإصدار، تأتي إيمانًا منها بأن النساء أحوج ما يكن إلى التسلح بوعي نسائي، مشددةً على أنه يتعين عليهن قبل رفع المطالب للمناداة بحقوقهن، أن يعرفن حقوقهن وما السبيل لاستخلاصها.

تؤكد “شفيق” في كتابها أن شهادة التاريخ عن تحرير المرأة الفرعونية صريحة مؤيدة بعشرات الأدلة المادية، لافتةً إلى أن المساواة التي تمتعت بها المرأة المصرية منذ اَلاف السنين في مصر “الحرة المستقلة” على حد تعبيرها، إنهار ودهس تحت أقدام الغزاة في عهود الاحتلال  اليوناني ثم الروماني من بعده.

تنتقل “شفيق” فيما بعد إلى الفتح الإسلامي لمصر، وتدافع عن حقوق المرأة في الإسلام، متناولة في 42 صفحة، تكريمه للمرأة “العربية”، وحقوقها الراسخة التي يتلاعب بها كثيرون، ويفترون على الدين لسلب المرأة حريتها.

ثم تتطرق إلى الحكم العثماني، وصعود “شجرة الدر” التي تعد أول امرأة تصل إلى سدة الحكم في مصر بعد الفتح الإسلامي، ثم تتناول حقبة محمد علي، بما لها وما عليها، ثم تنتقل إلى ثورة الشعب المصري في مواجهة الحملة الفرنسية، وكيف شاركت المرأة في المعارك الشعبية، ودافعت عن الوطن فنالت شرف الاستشهاد في سبيل الوطن، ثم ترصد في فصل كامل إنشاء مدارس للفتيات خلال فترة الحكم العلوي.

هذا أبرز ما جاء في الجانب الأول من استعراضنا للكتاب، ونتناوله فيما يلي بتفصيل أكثر.

المرأة الفرعونية..كانت لها حقوق الرجل

في هذا الفصل، تشير “شفيق” إلى أن المرأة في عهود الفراعنة الأولى، نالت شتى الحقوق الاجتماعية والمدنية، مثل؛ حق اختيار الزوج، والاحتفاظ بما تمتلك بعد الزواج، وحق اقتسام الميراث في مساواة مع رجل أسرتها، وتسمي أولادها باسمها، كما تملك حق تطليق نفسها بعد أن تدفع تعويضًا.

تقول الكاتبة أن هذه الفترة من التاريخ، كانت تشهد استقرارًا، وهو ما جعل المجتمع يتجه إلى البناء والتعمير، ولم يكن ليُبقي نصفه معطلًا ومشلولًا، فكانت النساء تعمل وتنتج مثل الرجال، ويزيد على ذلك، أنها من ينجب الأبناء الذين يعملون في هذا المجتمع، وكان ذلك سر المبالغة في احترام المرأة إلى حد التقديس.

وتشير “شفيق” إلى قول منسوب إلى المؤرخ اليوناني “هيرودوت” ، يكشف تميز النساء عن الرجال في هذا العصر، وهو “المرأة في مصر القديمة أكثر نشاطًا من رجلها، فالنساء يذهبن إلى السوق يبعن ويشترين، في حين أن الرجال يلازمون بيوتهم حيث يقومون بنسج الأقمشة.”

الحقوق السياسية للمرأة، تؤكد الكاتبة أنها في مقدمة ما تتمتع به نساء الفراعنة، خاصة أنها بلغت منزلة “الحكام”، سواء عبر حكم منفرد أو بمشاركة الزوج أو الأخ، وعددت الأمثلة مثل الملكة “تي” زوجة “امينوفيس” وأم “أخناتون” والملكة “نفرتيتي” زوجة “أخناتون”.

لكنها أفردت مساحة خاصة لــ”كيلوباترا”، التي وصفتها بــ”السيدة الجبارة”، واعتبرت أن المؤرخين والقصاصين مارسوا تطاولًا على حياتها الخاصة وسيرتها، ومع ذلك ترى “شفيق” أن كل ذلك لم يطمس حقيقة دهائها، وقوة شخصيتها، ونبوغها العسكري، إلى درجة أن موتها كان نهاية عهد الحرية والاستقلال لمصر.

تطرقت أيضًا إلى بلوغ المرأة المرتبة الأعلى على الإطلاق من التقديس، في تصويرها كاَلهة، مثل “مات” إلهة العدل، و”إيزيس” ربة القمر والأمومة و”هاتور” إلهة الحب والجمال.

الإسلام يحرر المرأة من عبودية الرجل

تتناول “شفيق” في هذا الفصل وضعية المرأة العربية في الجاهلية، وتعرض عددًا من النماذج التي خالفت التقاليد الرجعية، مثل بلقيس ملكة اليمن، وزينب ملكة تدمر العربية (سورية)، وهي المعروفة باسم زنوبيا، التي قادت الحروب ونجحت في توسيع رقعة مملكتها، فضلًا عن المعارك الحربية التي قادتها، واستبسالها في الحروب، تروي “شفيق” موقفًا أنهت به “زينب” حياتها بكبرياء، بعد أن علمت أن عمرو بن عدي أحد أعدائها عزم على قتلها ولا محالة من ذلك المصير، قالت القول المأثور “بيدي لا بيد عمرو”، وقتلت نفسها حتى لا تمنحه شرف وفخر قتلها.

في الأدب أيضًا، هناك نساء تفوقن بل كن يحكم في المنازعات الشعرية بين الشعراء الرجال مثل “أم جندب”، وعلى الرغم من ذلك،  تؤكد “شفيق” أن ذلك لا يعني تمتع المرأة بحقوق شرعية مٌعترف بها، ولكن كانت تلجأ لاكتساب بعض حقوقها بفرض شخصيتها فرضًا في مجتمعات معينة بلغت حدًا من التمدين، يختلف عن المجتمعات الجاهلية البدائية في شبه الجزيرة العربية.

وعن هذه المجتمعات، تقتحم الكاتبة مسألة “وأد البنات” من ناحية الدوافع، التي أرجعتها لاعتبارات أن الأثنى في ظل الثقافة الجاهلية المتخلفة، يعتبرونها تستهلك ولا تنتج، يخافون أن تكون سببًا في فقر عائلتها، أو قد تكون سببًا في غارة إحدى القبائل الأقوى ليتمكن سيد القبيلة من ضم الحسناء إلى نسائه وجواريه.

وتعتبر “شفيق” أن الإسلام كان بمثابة ثورة إصلاحية لإنقاذ المرأة من وضع يهدر اَدميتها، فهو الدين الذي حرم وأد البنات، وأقر بالمساواة بين النساء والرجال في عدد من الاَيات الواردة في القراَن الكريم أوردتها في هذا الفصل، واستشهدت أيضًا بالحديث الشريف “إن النساء شقائق الرجال”.

حقوق المرأة في الإسلام

هذا الفصل تقدم فيه “درية شفيق” رؤيتها لعدد من القضايا، التي مازالت تثير الجدل حتى الوقت الراهن، فتتحدث عن تقييد الطلاق وتعدد الزوجات، وإلغاء بيت الطاعة، وسن الحضانة.

ما يميز هذا الفصل أنها أيدت اَراءها بالأسانيد والحجج التي تثبت صحة طرحها، واستفاضت في 21 صفحة، خصصتها لتؤكد إنصاف الدين الإسلامي للمرأة.

وفي شأن تعدد الزوجات، تقدم تفسيرًا للاَيتين (2، 129) من سورة النساء، يؤكد أن التعدد ليس فرضًا ولا واجبًا، وأن العدل المشروط تحققه غير مستطاع، وتشير إلى اَراء فريق من الفقهاء وجد أن التعدد محرم عند احتمال الظلم، والظلم في التعدد لا مفر من وقوعه، وتورد في هذا الفصل بالتفصيل تفسير الإمام محمد عبده للاَيتين، الذي يقول في جانب منه “أما والأمر على ما نرى ونسمع، فلا سبيل إلى تربية الأمة مع نشر تعدد الزوجات فيها، فيجب على العلماء النظر في هذه المسألة”

وتكشف “شفيق” أن ما ذهب إليه الإمام “عبده”، اتفق فيه اَخرون مثل الشيخ “مصطفى المراغي” شيخ الجامع الأزهر الأسبق، والشيخ “عبد المجيد سليم” شيخ الأزهر الأسبق، والشيخ “عبد الرحمن حسن” وكيل الازهر الأسبق، و الشيخ “علام نصار”.

وفي هذا السياق، تروي “درية شفيق” قصة الضجة التي أثارتها في باكستان بسبب اَرائها في مسألة تعدد الزوجات، وذلك بعد معارضة علماء الدين هناك لها، انتصارًا لرئيس الوزراء الباكستاني، الذي تزوج على زوجته، سكرتيرته، وبلغ الهجوم عليها حد إصدار فتوى تقر بتعدد الزوجات، وتنال منها بأقذع الأوصاف والنعوت.

ضمنت “شفيق” في هذا الفصل، ردها ورد “أبو الكلام اَزاد” وزير المعارف بالهند وأحد علماء الإسلام الذي أيد وجهتها.

وعن الحقوق السياسية للنساء في الإسلام، تقول” شفيق” إنه لا يوجد نص واحد يمنع المرأة من مزاولة حقوقها السياسية، فضلًا عن أن التاريخ الإسلامي يؤكد خروج النساء مع الرسول في الغزوات ومشاركتهن في القتال، وتستدل على ذلك بــ”أم عمارة” التي دافعت بسيفها وقوسها عن الرسول في موقعة أحد حتى انجرحت، وتشير أيضًا إلى أن بعض الفقهاء الأعلام أباحوا أن تتولى المرأة القضاء، مثل بن “جرير الطبري”، والإمام “أبو حنيفة”، وتقول “جاء في شرح العناية على الهداية في مذهب الحنفية في الجزء الخامس صفحة 485، أن قضاء المرأة جائز في كل شيء إلا في الحدود والقصاص…”

وفي مسألة الميراث، لفتت إلى تفسير الشيخ “علام نصار” الذي أكد أن مقدار نصيب المرأة في الميراث نصف مقدار الرجل، ليس لأن شخصيتها أقل من شخصية الرجل، ولكن روعي في ذلك أن المسؤوليات المالية عند ظهور الإسلام قد ألقيت كلها على الرجل، ويوضح نصًا “يكفي أن نقرر أنه في مقابل ذلك، نجد نفقة الزوجة على زوجها، وأولاده على أبيهم لا على أمه، فالاختلاف في مقدار النصيب ناشئ من اختلاف التبعات التي ألقاها الدين الإسلامي على كاهل المرأة والرجل، لا على أساس أن شخصية المرأة أقل من  شخصية الرجل في الإسلام.”

شجرة الدر .. امرأة دخلت التاريخ

أفردت “شفيق” فصلًا كاملًا تستعرض فيه قصة “شجرة الدر” منذ بدأت حياتها جارية في سوق الرقيق ، حتى أصبحت سلطانة تحكم مصر في ظروف شديدة الدقة، وأضحت أول امرأة في الإسلام تعتلي عرش مصر.

وتؤكد الرائدة النسوية أن جموع الشعب المصري هم الذين اختاروا “شجرة الدر” سلطانة، لقوتها وذكائها وما حققته من انتصارات حربية، لكن سرعان ما انتهى حكمها بعد مخططات لعزلها بحجة أنها “امرأة”، وانتهى الأمر بإعلانها تنازلها عن العرش للأمير عز الدين أيبك، وقد اعتبرت الكاتبة هذا التصرف دليلًا على حكمتها وتضحيتها واختيار المصلحة العامة على حساب مصلحتها الشخصية.

المصريات يهزمن نابليون بونابرت

في هذا الفصل، تتناول الكاتبة انتفاضة المصريين ضد الغزو الفرنسي، بكل ما كان ممكنًا من وسائل المقاومة، وتستعرض مشاهد من تصدر النساء للمعارك، كيف حملن السلاح وهاجمن الأعداء، وتلقين الرصاص واستشهدن، وتسترجع بسالة النساء أثناء استقبال أهل الإسكندرية للحملة، وكيف تسلحن بالبنادق، والرماح، ومن لا يجدن استعمال الاثنين، استخدمن الحجارة، وأصبن الكثير من الجنود الفرنسيين.

ومن معركة جزيرة “أنس الوجود” في أسوان، تورد  ما قاله الجنرال “بليار” قائد هذه المعركة، في مذكراته عن دور المرأة المصرية وقتها، ونصه “حمل الأهالي أسلحتهم وصاحوا صيحات القتال ورأينا النساء ينشدن أناشيد الحرب والهيجاء ويقذفن التراب في وجوهنا، بينما عمد الرجال إلى إطلاق الرصاص على رجالنا الذين ركبوا البحر …”

المصرية تدخل المدرسة

تقول “درية شفيق” أن البلد في عهد محمد علي، أصبحت مجرد ضيعة له ولأسرته، بعد أن رسم خطته للسطو على عرش الفراعنة عن طريق التظاهر بالاهتمام بشؤون المصريين، حتى يأمن ثوراتهم التي كانت تطيح بكل والٍ متغطرس، وبحسب رؤيتها، كان يعمد  إلى إخفاء مظالمه وسرقاته من الشعب المصري ببعض مظاهر الإصلاح والتعمير، وكان للمرأة نصيب من ذلك الإصلاح، خوفًا من قيمتها في ميزان الثورات، فأصدر أول أمر نظامي بإنشاء مدرسة مهنية للمرأة في مصر، وعلى الرغم من أنه لم يقم بأي جهود أخرى في هذا الصدد، إلا أن الخطوة كان لها أثرها في إثارة اهتمام الرجال برفع عصابة الجهل من فوق عيون بناتهم وشقيقاتهم وزوجاتهم وحتى أمهاتهم، فبات المستنيرون منهم يستجلبون مدرسين خصوصيين لتعليم نسائهم.

وتشير إلى مدرسة الحكيمات التي تم إلحاقها بمدرسة الطب في عام 1831،  لكنها اقتصرت على الحبشيات والسودانيات يصاحبهن في تلقي الدراسة بعض الأغوات (جمع كلمة “أغا” كانت تطلق على بعض الخادمين)، ثم تسربت إليها المصريات من بنات الجند واليتامى، ومن ثم اتسعت المدرسة حتى أصبحت تضم مئات من فتيات العاصمة والأقاليم خصوصًا، وكان التعليم فيها بالمجان مع مكافأة شهرية قدرها عشرة قروش في السنة الأولى، تظل في تزايد حتى تبلغ 35 قرشًا لطالبة السنة النهائية، ويبقى كل ما تحقق للنساء خلال فترة محمد علي – بحسب درية شفيق- هو هذه المدرسة فقط.

في المقابل، تلقي “شفيق” الضوء على انتشار “الجواري” في البيوت المصرية، والخفايا وراء تمديد تلك الظاهرة، بقصد تلقيح الدم المصري بالدماء التركية، وهدم الأسرة المصرية الخالصة.

تنتقل “درية” إلى عصر الخديو إسماعيل، بعد أن مرت سريعًا على فترتي حكم عباس حلمي وسعيد باشا ووصفتهما بــ”حجر عثرة في طريق الانتعاش الذي كانت المرأة قد بدأت تخطو إليه بعد أن أغلقا المعاهد والمدارس، بينما عاد الأمل يدب في صدر المرأة من جديد ، لأن إسماعيل كان أكثر دهاءً، وسياساته تهدف إلى تخدير الجماهير بتحقيق بعض مطالبها، فأعاد فتح المدراس المغلقة، ولحسن الحظ كان المشرفون على ديوان المدارس من المثقفين أمثال “رفاعة رافع الطهطاوي”  و”على مبارك”، وتقول “كان أول صوت ارتفع بالدعوة إلى إفساح مجال التعليم أمام الفتاة المصرية التي كانت محرومة منه تمامًا هو صوت رفاعة رافع الطهطاوي”، وتتناول كيف كان الرجل سببًا في تأسيس أول مدرسة ابتدائية للفتيات وهي المدرسة “السيوفية” التي تولت “جشم أفت هانم” الزوجة الثالثة لإسماعيل تأسيسها على نفقتها، وطالب بإفساح المجال أمامها للنزول إلى ميدان العمل.

وتستعرض عددًا من مدارس البنات التي أنشئت في هذه الفترة بعد “السيوفية” مثل؛ مدرسة السقايين، ومدرسة الأزبكية، القبطتيتين، ومدرسة الجمعية الخيرية الإسلامية.

سيدات كافحن من أجل المرأة

تقدم “شفيق” في هذا الفصل، معلومات مختصرة عن عدد من النساء اللاتي حطمن التقاليد وكسرن القواعد المكبلة المفروضة على الإناث في ذلك الزمان، مثل “عائشة التيمورية” في الأدب، وباحثة البادية “ملك حفني ناصف” التي قالت عنها “تركت بعدها فراغًا شاسعًا ومكانًا خاليًا في الكفاح من أجل قضية المرأة المصرية والمناداة بحقوقها، بالإضافة إلى الشيخة “فاطمة الأزهرية” التي وصلت إلى نهاية المراحل العلمية في الأزهر وتقدمت لامتحان العالمية، وأخيرًا رائدة تعليم المرأة “نبوية موسى.