أسماء دعبيس

 

مؤسسة مجموعة “بنت النيل” النسوية في محافظة البحيرة

 

 

حينما تملكت روحي رغبة المقاومة كأنثى في مجتمع ذكورى تتعرض لشتى أنواع القهر والعنف والتعنت مكبلة بمجموعة من القيود لمسيرتي نحو تحقيق أهداف متباينة في حياتي، التي طالما حلمت بها وصرت أرسمها، كنت أتساءل دائمًا هل سأستطيع أن أرسم خطًا منيرًا في حياة الملايين من المعنفات في مصر من النساء؟، هل سأستطيع أن أرسم خط الضوء على المدى البعيد الذي ينير للعديد من المعنفات في محافظتي ذات الطابع المتعصب والقاسي؟، حتى قررت أن أستجمع كل ما في طريقى كبادرة للدعم والقوة والصبر للوصول لما يساهم في تحسين أوضاعنا كنساء في محافظات بعيدة، تفتقر إلى من يخرجهن من غياهب وظلمات الذكورية إلى نور الأمل وتحقق العدالة والمساواة، وكان شعارى دومًا «سنستطيع تغيير الواقع المؤلم.»

بحثت فى أوراق النسويات لاستجمع قواي واستطيع أن أتعلق بنجمة سماوية من المناضلات الأوليات، وكانت هذه الصدفة التي جمعتني بتلك الرائدة التي أسميت كياننا النسوي، تيمنا باسم كيانها النسائي الرائد والأول من نوعه الذي يهتم بقضايا النساء، إنها الرائدة بنت النيل “درية شفيق”.

غرقت فى تفاصيل حياتها، حيث ولدت هذه العظيمة فى 14 ديسمبر  1908 بمحافظة الغربية بعزبة القصبي، وتنتمي لعائلة القصبي، وكانت ضمن الفتيات اللاتي درسن في مدارس البعثة الفرنسية بطنطا، ثم أصبحت ضمن من سافرن لاستكمال دراستهن بجامعة السربون في فرنسا، وكان ذلك على نفقة الدولة، حصلت على الدكتوراة في الفلسفة من جامعة السربون عن حق المرأة في الإسلام في 1940، وعندما عادت إلى مصر ذهبت لتطالب بحقها في التعيين للتدريس بجامعة القاهرة، لكن رئيس الجامعة رفض لكونها سيدة إلا أنها لم تيأس ولم تستسلم، فاشتعلت بداخلها ثورة التغير.

قامت بالعديد من المشاريع التي تنهض بأوضاع النساء في تلك الفترة الظلامية، فأصدرت مجلة بنت النيل، التي كانت أول مجلة نسائية ناطقة بالعربية وموجهة لتعليم وتثقيف المرأة المصرية بحقوقها،  وأسست مدرسة لمحو الأمية في حي بولاق الشعبي  للقضاء على الأمية بين النساء والفتيات، وقد ساعدت تلك الفصول على محو أمية  2000 سيدة وفتاة.

قادت مظاهرة برفقة أكثر من 1000  امرأة في عام 1951، اقتحمت بها مقر البرلمان المصري، وقادت اعتصامًا مفتوحًا داخله، كانت تريد من ذلك الاقتحام أن يلتفت المجلس ورئيسه بجدية إلى قضايا ومطالب المرأة المصرية.

في سنة 1951، أعدت فرقة عسكرية من النساء المصريات لمقاومة الجيش البريطاني داخل قناة السويس، ثم قامت بتأسيس أول حزب سياسي نسائي في مصر، وذلك بعد ثورة  23 يوليو 1952، بعد أن تقدمت بطلب للحكومة لتحويل إتحاد بنت النيل إلى حزب سياسي، ووافقت الحكومة ليكون أول حزب نسائي في مصر.

أصدرت عدة دوريات أدبية من بينها مجلة المرأة الجديدة ومجلة بنت النيل ومجلة الكتكوت الصغير للأطفال، أما في السنوات التي أمرت فيها حكومة عبد الناصر بحل حزبها ووضعها تحت الإقامة الجبرية، ترجمت درية شفيق القرآن الكريم إلى اللغتين الإنجليزية والفرنسية.

تمت محاكمتها بسبب قيادتها لمظاهرة نسائية من “اتحاد بنت النيل”، عندما قمن بمحاصرة بنك باركليز البريطانى في القاهرة في يناير 1951 ودعين لمقاطعته.

في  أثناء تشكيل اللجنة التأسيسية للدستور عام ‏1954‏ لوضع دستور جديد للبلاد، أضربت درية شفيق عن الطعام ومعها عدد من زميلاتها في نقابة الصحفيين لمدة‏ 10 أيام إلى أن ذهب إليها محافظ القاهرة برسالة شفوية من الرئيس الراحل محمد نجيب، وعدها بأن الدستور الجديد سيكفل للمرأة حقها السياسي في التصويت والترشح، وهو الحق الذي استطاعت أن تقتنصه بالفعل لنساء مصر.

توفيت في يوم 20 سبتمبر عام 1975، حين سقطت من شرفة منزلها فى منطقة الزمالك بالقاهرة، وحينها تضاربت الأقوال ما إن كانت سقطت بفعل فاعل أو أنها تعرضت لفترة اكتئاب حادة بسبب وضعها تحت الإقامة الجبرية، ولم تتمكن من رؤية ابنتيها اللاتي كانتا تدرسان بأمريكا ولم يسمح لها إلا بزيارتهما مرة واحدة، فدفعتها تلك الضغوط إلى الانتحار.

كانت الرائدة هي بادرة لخط النور الذي سأسير على خطاه.

كل الحب والتقدير لتلك الرائدة التي أضاءت لنا الطريق