أهمية المهرجانات السينمائية لا تتوقف عند حد عرض أفلام استثنائية وذات خصوصية، تختلف عن الأفلام التجارية بمنطق شباك التذاكر، لكنها تمتد إلى خلق حالة مختلفة تكتنف مشاهدي هذه الأفلام، وتسهم في إثارة قراءات سينمائية متعددة توقظ الأذهان، إلى جانب التبحر في دواخل مجتمعات أخرى، من خلال هذه الشرائط السينمائية التي تمد الجسور بين الشرق والغرب والشمال والجنوب.

وتزداد أهمية المهرجانات لو كانت تدعم “النساء” اللاتي لا يلقين نفس الدعم الذي يتمتع به الرجال في تلك الصناعة التي يستحوذ على الجانب الأكبر منها العنصر الذكوري، فبحسب تقرير نشرته الجارديان في عام 2015، فإن أكثر من من ثلاثة أرباع طواقم العمل التي شاركت في صنع 2000 فيلمًا من أكبر الأفلام خلال الـ20 سنة الأخيرة، كانوا من الرجال، في مقابل 22% فقط من النساء.

«مهرجان القاهرة الدولي لسينما المرأة» هو أول حدث فني عرفته مصر يختص بالسينما التي تصنعها النساء، وذلك قبل نحو 9 سنوات، وهو حدث فني وثقافي مستقل دشنته المخرجة “أمل رمسيس” في نوفمبر من العام 2008، ليكون أولًا من نوعه، ويحدث جدلًا بين أوساط عديدة لم تعتد على سماع مصطلح “سينما المرأة”، ورغم ما صاحب المهرجان اَنذاك من جدال بشأن ماهيته، تمكن من إتمام 9 دورات متتابعة، وها هو يستعد للانطلاق في نسخته العاشرة، ليكون أحد أكبر مهرجانات سينما المرأة عمرًا في العالم العربي.

«أهم إنجاز للمهرجان منذ عام 2008 وحتى الاَن، هو نجاحه في إدخال “سينما المرأة” إلى قاموس الجمهور المصري، وتمكنه من تحويل هذا الإصطلاح إلى أمر مستساغ وجاذب.» هكذا تجيب “أمل رمسيس” رئيسة مهرجان القاهرة الدولي لسينما المرأة، في مستهل حوارها معنا، بعد سؤالها عن أهم إنجازات المهرجان حتى دورته العاشرة التي تبدأ في غضون أيام قليلة.

وتضيف “رمسيس” «عندما بدأنا في 2008، كان المهرجان، مخصص لسينما المرأة العربية واللاتينية، يعرض 15 فيلمًا فقط، من الدول العربية وأمريكا اللاتينية وأسبانيا فحسب، وجميع العروض تكتظ بها دار عرض واحدة، أما الاَن فالمهرجان يحمل الصفة الدولية، ويتجاوز عدد الأفلام المشاركة الـ50 فيلمًا، تعرض في ثلاثة أماكن، وهي؛ مسرح الفلكي بالجامعة الأمريكية بوسط البلد، ومركز الإبداع الفني بدار الأوبرا، ومعهد جوتة بالدقي، فضلًا عن زيادة عدد الجمهور بصورة لافتة ورائعة عما كانت في الدورات الأولى.»

* سينما المرأة هي التي تصنعها النساء وليست عن النساء فقط

* ضعف المشاركة “المصرية” في المهرجان انعكاس لتردي الإنتاج السينمائي المصري عمومًا

المخرجة “أمل رمسيس”

“أمل رمسيس” درست بكلية الحقوق، ثم توجهت إلى دراسة المونتاج والإخراج في معهد «سيبتيما آرس» في مدريد بإسبانيا، وأخرجت العديد من الأفلام القصيرة والتسجيلية، مثل؛ “بس أحلام”، و”حياة”، و”ممنوع”، و”أثر الفراشة”.

“رمسيس” أكدت أكثر من مرة خلال الحوار أن «سينما المرأة هي التي تصنعها النساء، وتحديدًا المخرجات، لأن المخرج هو صاحب الرؤية الكاملة للفيلم في النهاية»، وهو ما جعلنا نطرح عليها تساؤلًا بشأن إشكالية تعريف سينما المرأة، التي يعتبرها البعض السينما التي تعالج قضايا النساء بغض النظر عن صانعها رجلًا كان أم امرأة، وهو ما تبدي “رمسيس” اندهاشها منه، وتقول «التساؤل الذي يتعين علينا طرحه هو لماذا للرجل كل الحق في تقديم كافة القضايا سينمائيًا، بينما المفترض أن تقتصر النساء على معالجة الشؤون النسائية في السينما، وكأنهن لا يملكن وجهات نظر في بقية مناحِ الحياة!»

وتستشهد “رمسيس” بوجود مهرجانات عديدة في الخارج مخصصة لسينما المرأة، بمعنى الأفلام التي تصنعها النساء، وتردف قائلة «ليس الأفضل أن نتناول قضية واحدة مثل ختان الإناث – على سبيل المثال – سنويًا من خلال أفلام قد تتقارب في معالجتها، وإنما أن نقدم أفلامًا لقضايا مختلفة، ففي هذه الدورة يشارك فيلم لمخرجة إسبانية بعنوان “مقاومة”، يتعرض للقضية العمالية وإشكالياتها، وبالتأكيد يطرح المسألة من زاوية مختلفة ومغايرة عن التي تناولها مخرجون كثر سابقًا.»

الإشكالية التي تلاحق الأحداث الفنية والثقافية التي تخصص للنساء، هي ما إن كانت تهدف إلى دعم النساء لأنهن مهمشات في هذه المجالات، أم للاعتقاد بأن إبداعهن له خصوصية.

وفي هذا الصدد تكشف “رمسيس” أن «الأمر بالنسبة لمهرجان القاهرة الدولي لسينما المرأة، يرتكز بالأساس على دعم المخرجات السينمائيات، لأنهن لا ينلن نفس الدعم، الذي يلقاه المخرجين الرجال، وللتأكيد على أنهن موجودات في هذه الصناعة وبقوة»، وتستطرد «في كافة المهرجانات السينمائية، عادةً ما نجد أن 70 في المئة أو أكثر من الأفلام المشاركة صناعها من الرجال، وهو ما يعطي انطباعًا بأن النساء لا يشاركن بفاعلية في صناعة السينما، وهو أمر غير حقيقي بدليل أن المهرجان يعرض ما يصل إلى 60 فيلمًا وهو الحد الأقصى الذي وضعناه، لكن هناك من إنتاجات النساء ما هو أكثر من ذلك، فضلًا عن أن المهرجان يرمي إلى تشجيع النسوة على الانخراط في عالم السينما كصانعات.»

يعرض مهرجان القاهرة الدولي لسينما المرأة في نسخته العاشرة التي تنطلق في 4 مارس الجاري وتستمر حتى 9 من الشهر نفسه، 53 فيلمًا من 30 دولةً، وفي دورته السابقة وصل عدد الأفلام المشاركة إلى 60 فيلمًا من 40 دولةً، وهي أرقام كبيرة خاصة أن المهرجان يعد مبادرة مستقلة، وهو ما يجعل مسألة اختيار هذا العدد أمرًا يستحق التوقف أمامه.

«اختيار الأفلام يجري عبر وسيلتين إما عن طريق ذهاب القائمات والقائمين على المهرجان لحضور مهرجانات دولية، وانتقاء أفلام جيدة تتوافق مع نهج مهرجان القاهرة الدولي لسينما المرأة، أو عن طريق فتح باب التقدم أمام المخرجات للمشاركة بأفلامهن.» تقول “أمل رمسيس” مشيرةً إلى أن «عملية الاختيار لا تخضع لقواعد لجان اختيار الأفلام التقليدية الثابتة.»

يشارك في هذه الدورة من المهرجان فيلمان مصريان، هما؛ “أسبوع ويومين” وهو روائي قصير للمخرجة مروى زين، وهذا هو العرض الثاني له بعد مشاركته في مهرجان دبي السينمائي الدولي في دروته الأخيرة، والفيلم الثاني هو “عن الشعور بالبرودة” وهو من فئة الأفلام التسجيلية، للمخرجة هالة لطفي.

وبالتالي فنسبة المشاركة المصرية في المهرجان لم ترق إلى 4 في المئة، مع الإشارة إلى أن دورة العام الماضي لم يشارك فيها أي فيلم مصري، وهذا ترجعه “رمسيس” إلى تردي المشهد السينمائي المصري عمومًا، وتراجع الإنتاج في السنوات الست الأخيرة، مؤكدةً أن «المشاركة المصرية في المهرجان قبل ثورة يناير 2011، كانت أكثر من ذلك، نظرًا لحالة الرواج التي كانت عليها السينما وقتذاك.»

وتعتبر رئيسة مهرجان القاهرة الدولي لسينما المرأة، أن «هذا الوضع مثير للاستياء، خاصة “أن بلدًا مثل لبنان، يشهد طفرةً في إنتاج أفلام من صناعة نساء، سواء كانت روائية أو تسجيلية لأنها تجد الدعم المادي، ولها سوق سينمائية على عكس الوضع في مصر.»

* خط سيرنا لا يتلاقى مع مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة

* لأول مرة.. مهرجان القاهرة الدولي لسينما المرأة يدخل جامعة القاهرة

منذ أيام اختتم مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة دورته الأولى، وهو حدث فني وثقافي ترعاه وزارتي الثقافة والسياحة والمجلس القومي للمرأة، وبذلك أصبحت مصر تحتضن مهرجانين للمرأة، هل يعد ذلك ثراءً أم مغالبةً؟

تجيب “رمسيس” عن ذلك مؤكدةً أن «تعدد المهرجانات، ووصول أفلام جيدة إلى الجمهور المصري هو أمر صحي، ويرفع وتيرة المنافسة، مما يشجع على التميز»، وتتابع «لا غضاضة في وجود مهرجان ثاني لسينما المرأة في مصر، ومهرجان القاهرة الدولي لسينما المرأة له خط مختلف عن المهرجان الثاني، فنحن نختص بالأفلام التي تصنعها النساء فقط، بينما مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة، لا يشترط ذلك، ويقدم أفلامًا يصنعها رجال.»

يحتفي مهرجان القاهرة الدولي لسينما المرأة بدورته العاشرة، أكثر من أي دورة سابقة لما للرقم من دلالة نجاح، ولكونه يأتي تزامنًا مع احتفالات اليوم العالمي للمرأة.

الجمهور خلال افتتاح الدورة 9 من المهرجان

وعن تفاصيل أكثر تخص الأنشطة الموازية في هذه الدورة، تحدثنا “أمل رمسيس”، وتكشف أكثر عن خباياها «يحل اليوم العالمي للمرأة قبل ختام الدورة العاشرة للمهرجان بيوم واحد، ولذا قررنا بالتعاون مع إدارة مسرح الفلكي (Orient) وجامعة القاهرة، تنظيم احتفالية بهذه المناسبة على مسرح الفلكي تبدأ من الساعة الـ3:00 ظهرًا يوم الأربعاء الموافق 8 مارس، تشمل قراءات شعرية وفقرات موسيقية، بالإضافة إلى تقديم أحد عروض المهرجان داخل جامعة القاهرة.»

ينظم المهرجان منذ تدشينه ورشة تحمل اسم “رسائل بين نساء” أو “مشروع فيديو الدقيقة الواحدة” وهي ورشة لتدريب النساء اللاتي يتطلعن إلى التعرف على المبادئ الأساسية لتصوير وإخراج الأفلام القصيرة، ومع كل دورة يختار المهرجان موضوعًا، تدور حوله الأفلام التي تنتجها المشاركات في كل ورشة، ومن المزمع أن تشمل هذه الدورة عرضًا لأفلام الورشة الأخيرة التي اتخذت “السعادة” موضوعًا لها.

وتلفت “رمسيس” إلى أن «هذه الورشة عقدت في ثلاث محافظات، هي؛ القاهرة والمنيا، وأسوان وتحديدًا في منطقة النوبة، وسيجري عرض الأفلام التي أنتجتها هذه الورشة، يوم الأحد الموافق 5 مارس، بمعهد جوتة بالدقي»، وتختتم قائلة «ستستمر الورشة فيما بعد بالتعاون مع عدد من المنظمات والمؤسسات النسوية، في دول مثل المكسيك، وجمهورية غواتيمالا وإسبانيا، حتى يتحقق الهدف الرئيس من الورشة، وهو أن تتعرف النساء من أنحاء وأرجاء مختلفة على أفكار ورؤى بعضهن البعض.»