قبل ما اكتب الحكاية أنا فكرت كتير أكتب اسمها ولا لأ، فكرت في الحق في الخصوصية في مقابل الحق في سماع صوتها اللي كانت بتحاول أنه يكون مسموع بس ماتت قبل ماحد يسمعه، فكرت كتير في مين ممكن يقرا المقال دا، وهيحكم عليا بأيه وأنا بكتب القصة، كنت بكتبها وأنا راجعة من البلد للقاهرة، وقبل ما أكتبها فضلت طول ليلة السفر مش قادرة أنام وأنا بفتكرها، وأحاول أهرب منها، وأرجع افتكرها تاني، كتبت الحكاية تلات مرات لحد ما طلعت كده، ودي الحكايه زي ماكتبتها:

دي تالت مرة أحاول اكتب فيها حكاية “مريم” في يوم وليلة، أول مرة افتكرت الحكاية ومقدرتش افتكر اسمها، تاني مرة افتكرت وكتبت وحفظت والتليفون محفظش!

“مريم” دي بنت من العيلة اتقتلت من كام سنة.. قتلها خطيبها اللي فركشت معاه واللي كان بيشتغل أمين شرطة، “مريم” اتقتلت في بيتها وقدام أمها، اتقتلت بمسدس خطيبها، “مريم”  ماتت ومات معاها حكايتها وتفاصيلها، كانت بنت سمرا حلوة ومهتمة بنفسها وبتحب الحياة، فجاءة مبقاش فيه “مريم” وبس!

لما بفكر في حكاية “مريم” وتيجي لحظة قتلها، مخي بيتشل بيوقف عن التفكير ومبعرفش أفكر ولا افتكر أي حاجة.. هو الواد اللي قتلها ده اتحبس؟! ولا هرب؟! هو ايه أكتر حاجة ممكن تغير الناس أكتر من الموت، خصوصًا لو موت حد عزيز عليهم؟! هو ليه وقتها كلام الناس كله كان عن سمعة “مريم”  ومشيها وعلاقاتها؟!

حكاية “مريم”  اللي معرفهاش ومعرفش تفاصيلها وعمري ما هعرفها واخدة حتة من روحي وجعاني وجع مش فاهماه،حاسة كأن حتة من ذنبها في رقبتي!

دي حكاية “مريم” زي ما افتكرتها وحسيتها وكتبتها يومها، بس دي مش بس حكاية “مريم”  دي حكاية بنات كتير في الصعيد بيتقتلوا بدم بارد كل يوم بأشكال مختلفة، ومن غير ما حد يعرف عن حكاياتهن حاجة، من غير ما حد ياخد حقهن، من غير ما حد يوصل لقصصهن.

بنات بتتقتل علشان كلمت ابن الجيران، ولا علشان سلمت على فلان، بنات بتتقتل علشان الدورة الشهرية إتأخرت عليها، بنات بتتقتل علشان أخوها ولا أبوها ولا عمها ولا خالها شاكك في تصرفاتها وفي سلوكها.

يمكن الأغرب في حكاية “مريم” أنها تتقتل من خطيبها واللي يٌقال أنه كان “بيحبها جدًا”، خطيب “مريم”  قتلها علشان هو عارف أن دي كانت ملكه، بتاعته،  إزاي تقوله لأ إزاي تمشي؟

يمكن السبب يبدو تافه وبسيط أو عبيط بس دي الأسباب اللي الستات في الصعيد ممكن تتقتل وحياتهن تنتهي علشانها!

إزاي حد يدي لنفسه الحق أنه ينهي حياة إنسانة علشان قررت “تمشي” علشان قررت تاخد قرار يخصها هي وبس، حتى لو كانت هي نفسها مش مدركة أن ده حقها بس عملته، خطيب “مريم”  قتلها وجاب القوة والجرأة دي من كونه “ذكر”، من كونه “أمين شرطة”، من كونه ” في مجتمع أبوي بامتياز، من كونه “صعيدي”، قتلها وهو عارف أن الناس هتسكت عن جريمته وهيتكلموا عن سمعة البنت، قتلها وهو عارف أن الحكاية هتموت علشان محدش هيطالب بحق “البنت” بالعكس هيكتموا عالموضوع علشان سمعتها وسيرتها.

فيه كام “مريم” سكتت؟!، في كام “مريم” متجوزة واحد مكنتش عايزه تتجوزه وبيغتصبها كل يوم بالليل؟، مين فينا كان ممكن تكون “مريم” بس الصدفة خليتها تكون في مكان أحسن.
أنا أخدت وقت طويل علشان أخد قرار أني انشر الحكاية، كنت شايفة أن ده جزء من حقها المهدور، اعتبروها مش “مريم”  اعتبروها إيناس أو رحمة أو يمكن تكون شيماء، ياترى لو كان مكان “مريم”  “شيماء” كانت هتلاقي حد يحكي حكايتها وينشرها ويتمنى لها الرحمة ويوصل شوية من صوتها اللي خلاص مش هنقدر نسمعه؟!

إلى “مريم” وإلى كل من ماتت ولم نسمع صوتها..  لكِ مني كل الحب والسلام، مع بالغ اَسفي وخالص اعتذاري أني مقدرتش أكتب اسمها الحقيقي مش علشان أحد الثنائيات اللي اتكلمت عنهم في أول المقال انتصر، لكن للاَسف بسبب خوفي من المواجهة في الوقت الحالي على أمل يجي يوم وأقدر أقول اسمها بصوت عالي.

 

توقيع كاتبة المقال

(اعتذر عن ذكر اسمي)