بعد مرور أكثر من ثلثي شهر رمضان، تكشفت جلية ملامح الدراما الرمضانية لهذا العام، وعلى الرغم من بروز مسلسلين في مناقشة قضايا نسائية وهما “سقوط حر” و “الخانكة”، وإن كان الأول يأتي بين المراكز الأولى في المتابعة، إلا أن موقعه يعد تراجعًا بالمقارنة للنصوص السابقة التي قدمتها الكاتبة “مريم نعوم” مع الممثلة “نيللي كريم” خلال الـ3 سنوات الماضية، من خلال “ذات” و”سجن النسا” و”تحت السيطرة”، بينما  لم يلق “الخانكة” انتشارًا كما كان معهودًا لبطلته “غادة عبد الرازق”.

“سقوط حر” يناقش دواخل النفس البشرية، وتحديدًا بين النساء، من خلال الشخصية الرئيسة “ملك”، وعدد من نزيلات مستشفى العباسية للأمراض النفسية والمستشفى النفسي الخاص التي انتقلت لها بعد ذلك.

دفع الرجل للمرأة نحو الأزمات النفسية هو أبرز محاور العمل، بالإضافة لمشكلة العنف الأسري، الذي تمارسه الأم خاصة، ويدمر البنات نفسيًا ويقودهن إلى الهاوية، فيما يناقش مسلسل “الخانكة” مشكلة “التحرش الجنسي” ومعاناة الأنثى معه، فضلًا عن النظرة الدونية من قبل المجتمع للمرأة المستقلة، في مقابل ذلك، يحتل “الأسطورة” لبطله “محمد رمضان” صدارة الاستفتاءات، وتكتظ المقاهي في أوقات عرضه، وتعج مواقع التواصل الاجتماعي بالتعليقات على تفاصيله.

estoura7المسلسل كتبه محمد عبد المعطي وأخرجه “محمد سامي”، وهو أحد أكثر المسلسلات إساءة للمرأة، حيث قدم نماذج لعدد من النساء تكاد تكون جميعها مازوخية، أم تقبل وتبارك عمل ابنها بتجارة السلاح، وتدعمه في تعامله الأبوي والعنيف تجاه زوجته وأخواته، تقود ابنها الثاني للثأر لأخيه، وزوجات يتلذذن بعنف أزواجهن، وهنا لا تكمن المشكلة في تقديم هذه الشخصيات الموجودة بالمجتمع وإنما في الاحتفاء بها وكأنها أبطال.

شخصية “ناصر” التي يقدمها “محمد رمضان”، هي لرجل يتلاعب بالنساء، ويتزوج 3 مرات، ومع ذلك يوصف من قبل متابعيه بــ “البطل”، ونموذج لأم “فردوس عبد الحميد” تشجع ابنها على الخطأ، وعلى التنكيل بزوجاته وأخته لأجل راحته، ومع ذلك يراها جمهور من متابعي العمل الفني، أمًا مثاليةً.

المسلسل يكاد لا يظهر نموذجًا نسائيًا متزنًا، الكل مستكين، خانع أو خائن، لاهث وراء المتع، وجميعهن لا هم لهن سوى الرجل، هو محور حياتهن، ومحرك خطواتهن.

أيضـــــــــــــــــــــــــــًا.. «أفراح القبة».. ماضي الرجل مغفور مقدمًا وماضي المرأة أخطاؤه كبائر .. وبقوة السلطة والمال يستغل الرجال أجساد النساء

005d3648-2288-4289-90f4-52284e54d7b4m-rmadan-myth“الأعمال الشعبية تخاطب الحواس وليس العقل”

يوضح الناقد الفني “عصام زكريا” سبب الانتشار الجماهيري للعمل، قائلًا “هناك اختلاف بين الثقافة الشعبية السائدة، وبين ثقافة الطبقة المتعلمة أو النخبة والمثقفين”، ويؤكد أن الاختلاف يوجد في العالم كله وليس مصر فقط، مشيرًا إلى أن أوروبا يُقدَم فيها أيضًا أفلام شعبية وأخرى يطلق عليها أفلام النخبة.

ويتابع قائلًا  “الأعمال الشعبية يغلب عليها مخاطبة الغرائز والمشاعر والعواطف ومخاطبة الحواس بشكل عام وليس العقل، وتعتمد على قصة البطل الشعبي الخارج على القانون (اللي بياخد حقه بدراعه)، هو الفاسد ولكنه ليس أكثر فاسدًا من الدولة أو النظام، وفي الوقت ذاته هو إنسان مرتبط بأمه وأخوته، ولديهم تأثير كبير عليه.”

“أعمال «محمد رمضان» امتداد «فج» لسيرة البطل الشعبي”

ويشير “زكريا” إلى أن قصة البطل الشعبي التي يتعمد “محمد رمضان” تقديمها عامًا بعد الاَخر، سواء في أفلامه السينمائية أو الأعمال الدرامية التلفزيونية، مثل ابن حلال من قبل أو الأسطورة حاليًا، مستمدة من القصص والمورث الشعبي، من عينة “أدهم الشرقاوي” وخلافه، لافتًا إلى أن نوعية الأعمال التي يقدمها امتداد لتلك السير الشعبية ولكن بشكل فج وسوقي.

شعار «الواقعية» سبيل لتوسيع نطاق الثقافة المعادية للمرأة

“إيڤون مسعد” عضو الجبهة الوطنية لنساء مصر، اعتبرت أن مسلسل “الأسطورة” يدعى صناعه أنه يجسد الواقع، ويعرض في هذا الإطار صورًا كثيرة سلبية للنساء، وهو أمر مخالف للواقع، وتستطرد “الشخصية التي تجسدها “فردوس عبد الحميد” لأم تشجع ابنها على العمل بتجارة السلاح، والواقع ليس على هذا النحو.”

مسلسل-الاسطورة-بطوله-محمد-رمضان-الحلق-2وترى “مسعد” أن كثيرًا من الأعمال التلفزيونية المعروضة خلال رمضان، قدمت صورًا سلبية للنساء، من شأنها أن توسع مدى الثقافة السلبية والعنيفة ضد المرأة.

على الجانب الاَخر، يختلف “زكريا” مع هذا الطرح، معتبرًا أن شخصية المرأة هي الأكثر حضورًا وتنوعًا وسيطرةً، في الأعمال المعروضة، مشددًا على أن ذلك يعكس نفوذًا متزايدًا للنساء في المجتمع، ويسبب خوفًا وتوترًا لدى من يكتب الأعمال الدرامية.

«الخانكة».. لا جديد لدى غادة عبد الرازق..  ومريم نعوم لم تقدم جديدًا في نص «سقوط حر»

سقوط حر وعن الأعمال التي تتناول قضايا نسائية بشكل صريح، “الخانكة”مثالًا، يعتبره الناقد “عصام زكريا” امتدادًا لما تقدمه “غادة عبد الرازق” خلال السنوات الماضية، وهو صورة المرأة التي تعاني استبدادًا في مجتمع ذكوري، تحاول الانتقام منه مستخدمةً أسلحتها الأنثوية،  وهي أعمال مكررة، وقد سبقها إلى تقديمها فنانات أخريات أبرزهن “نادية الجندي”.

مسلسل “سقوط حر”  للثنائي “مريم نعوم” ونيللي كريم” يتناول أيضًا عددًا من القضايا النسائية، ولكنه سجل تراجعًا جماهيريًا بعد ثلاث سنوات من احتكارهما الصدارة، وفي هذا الشأن يتحدث “زكريا” موضحًا أن الثنائي وقعتا في خطأ تكرار نفس الشخصيات، ولم يقدما قصةً مختلفةً، فضلًا عن والمط والتطويل، في أحداث المسلسل مما سبب مللًا لدى المشاهد موضحًا أن قماشة الفكرة لا تحتمل 30 حلقة.

ثقافة كتاب الدراما “ضعيفة”

“كتاب الأعمال الدرامية ليس لديهم ثقافة تمكنهم من تقديم شخصيات جديدة ومختلفة” تقول إيڤون مسعد، وتضيف “بعض المسلسلات عرضت مفاهيم  وممارسات خاطئة، مثل تلك التي ظهرت عن الدين المسيحي وهو ما يعكس ضحالة الثقافة لدى كتاب الدراما والقائمين عليها.”

في المقابل يرى الناقد “عصام زكريا”، أن الفن ليست وظيفته الأولي تحسين المجتمع أو الصور النمطية واصفًا النقد الموجه إلى الأعمال الدرامية من هذه الناحية بالبرجوزاي – على حد تعبيره.

وأردف قائلًا “الحل معقد ولن يقتصر على الأفلام والمسلسلات بل يحتاج إلى جهود المجتمع المدني، فالسينما المستقلة والمسلسلات الجادة جمهورها في مصر قليل، كما أن المسلسلات التعليمية ليست هي الحل وإنما الحل في رفع مستوي التعليم والثقافة بشكل عام.”