مجموعة من الفتيات والسيدات السودانيات يتملكهن الاَلم بسبب تلك الممارسة الذميمة، المعروفة باسم “ختان الإناث” بينما هي تشويه وحشي للأعضاء التناسلية الأنثوية، وقد قادهن ذلك الوجع إلى اتخاذ قرار بمواجهة هذا الجرم، من خلال تشكيل مبادرة تحمل اسم “أنا لن”، ثم انضم إليهن مجموعة من الشباب الذكور، لتنطلق المبادرة في 8 فبراير الماضي.

الختان في السودان كما هو في مصر ظاهرة، وتتجاوز نسبة انتشارها بين النساء التسعين في المئة، (وفقًا لتقرير يونسيف – فبراير 2014)، والأكثر فداحة أن ما يعرف باسم الختان الفرعوني (أسوأ أشكال الختان وهو البتر الكلي للأعضاء التنسلية الخارجية)، هو الأكثر ممارسةً، وكل هذا يقابله، حقيقة تقول أن أن السودان كان أول بلد إفريقي يسن قانونًا مناهضًا ومجرّمًا لـ”ختان الإناث”، في شكله الأسوأ المعروف بــ”الختان الفرعوني”، وذلك في العام 1946.
“ولها وجوه أخرى” تواصلت مع ممثلات حملة “أنا لن”، وأجرت معهن هذا الحوار، للتعرف إلى نشاطهن من ناحية، وأبعاد الظاهرة المستشرية في السودان من ناحية أخرى.

سألناهن في البداية عن اسم المبادرة ودلالته، فكانت الإجابة ” أهم ما في فكرة “أنا لن”، أنها دعوة لأن يتحدث كل شخص عن نفسه بشجاعة، ويقر علنًا بأنه أو أنها ضد ختان الإناث ولن يمارسه أو تمارسه أبدًا. نحن نؤمن أن مبادرة “أنا لن” دعوة للجسارة والشفافية في مجتمع استشرى فيه النفاق والحرج الاجتماعي.”

كان سؤالنا التالي عن ما دفعهن لإطلاق هذه المبادرة، وفي هذا التوقيت تحديدًا، وجاء ردهن “أطلقنا المبادرة بعد أن اكتملت رؤيتنا وأهدافنا فى هذا الشأن، وأضحى لزامًا علينا أن نتخذ خطوات لتحقيق مبتغانا، لا سيما بعد أن كثر الحديث في الداخل والخارج عن الختان، بينما التغيير الفعلي بطىء، والشباب هم الغالبية في مجتمعاتنا، ورأينا أنه قد حان الوقت، ليقول الشباب كلمتهم، وليتخذوا قراراتهم في هذا الصدد.”

أعقبنا هذا السؤال باَخر عن هدف الحملة بالضبط، ما إن كان توعيةً وتغيير ثقافي أم دفع نحو قوانين، وجاءت الإجابة تصب في صالح الخيار الأول، إذ كان ردهن “مبادرتنا حراك وطاقة شبابية تطالب الجيل الجديد، ألا يكرر جريمة الختان مع بناتهن، وذلك إيمانًا بأن الختان جريمة إنسانية لا مبرر لها”، وترى قائدات الحملة أن كثيرين من الشباب في السودان يؤمنون بنفس الشيء، ويبحثون عن صوت شجاع ينضمون إليه.

سألنا عن ما إذا كانت منصات التواصل الاجتماعي هي المنفذ الوحيد أم هناك تحرك على الأرض للمبادرة، فكشفن لنا أنهن قد قمن بالفعل بنشاط ميداني، وتواصلن بصورة مباشرة مع المجتمع، ولكن تبقى مواقع التواصل الاجتماعي أسرع الوسائل للوصول إلى قطاعات واسعة من الشباب.

كان السؤال التالي عن رؤيتهن لتعامل المجتمع السوداني مع الأمر ومدى تقبله للمبادرات والمنظمات المناهضة للختان، 
وهنا تؤكد لنا مؤسسات “أنا لن”، أن المجتمع السوداني اعتاد على الحملات المناهضة لختان الإناث، ولكن بشكلها التقليدى الذى يبشر بالامتناع ولا يجرؤ على الحديث بضمير الفاعل المتخذ للقرار، بينما الدولة تتظاهر بمناهضته، وفي الوقت نفسه تدعم المشجعين لما يسمونه بـ”ختان السنة”، وهو أقل درجة من الختان الفرعوني، ويروج له باعتباره قاعدةً أو أمرًا دينيًا.
هناك قانون 1946 في السودان، يجرم الختان الفرعوني، وهو ما يثير لدينا تساؤلات بشأن الوضع القانوني للممارسة وداعميها، لكن بحسب مجموعة “أنا لن” فإن  قانون 1946 لم يُفَعّل إلا فيما ندر، ولم يؤثر على نسب انتشار الختان، وكانت هناك محاولة جادة لإيجاد مشروع قانون يجرم جميع أنواع ختان الإناث، وكان مدعومًا من تحالف منظمات المجتمع المدني ووزارة الصحة والمجلس القومى لرعاية الطفولة في العام 2009 ولكنه قوبل بالرفض من جانب مجلس الوزراء ورئيس الجمهورية اَنذاك، بزعم أنه ضد الشريعة الاسلامية.

إذًا، من يتحمل مسؤولية ارتفاع معدلات “ختان الإناث” في السودان، وضعنا اختيارات أمام المجموعة للإجابة عن هذا السؤال، ما بين المؤسسات الدينية أو الفكر المتوارث أو الإرادة السياسية، فجاء ردهن “هذا سؤال صعب الاجابة عنه بدقة. التقاليد والفكر المتوارث هما السببان الأساسيان، ولكن تبقى الدولة الدينية أحد أهم الأسباب التي تجعل عملية التغيير المجتمعي بطيئة ومحفوفة بالخطر.”

وعن حملاتهن وخططهن للفترة المقبلة، علمنا منهن أنهن يخططن لبدء رحلة شفاء للمتأثرات بالختان ومن حولهن، وأخيرًا سألناهن عن تقييمهن لــ“وضع المرأة السودانية بشكل عام”، وحينها أجبن بـ”المرأة السودانية في وضع شائك بين رؤى سياسية واجتماعية متضاربة، وعلى الرغم من أن نسب التعليم عالية ومشاركة المرأة في قطاعات عمل مرتفعة، فإنها في وضع حرج وما زالت مضطهدة سياسيًا وقانونيًا.”