منذ أيام، تداول مستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي فيس بوك وتويتر، مقطعًا مصورًا، يظهر فيه أحد المارة ينقذ طفلًا أُلقي من نافذة حمام الدور الثالث بمستشفى طنطا الجامعي بمحافظة الغربية، بغية التخلص منه، وكشفت التحقيقات عن دخول الأم برفقة سيدتين إلى المستشفى كزائرة، حيث وضعت طفلها فى أحد الحمامات، ثم القته من النافذة وفرت سريعًا.

بعد هذه الحادثة بيومين ليس أكثر، عثر أهالي مدينة الإسماعيلية على جثة رضيع، مشنوق ملقى داخل القمامة، قرب مساكن الهيئة بالشهداء، وقبل شهر تقريبًا، عثر أحد المواطنين، على طفل صغير حديث الولادة، ملفوف بقطعة قماش داخل كيس بلاستيك بمنطقة المكس بالإسكندرية، وتبين فيما بعد أنه يبلغ من العمر 3 أيام، وقبل نحو شهرين وقعت حادثة مشابهة أيضًا، إذ وجد أحد عمال النظافة بمستشفى الرمد بمدينة إبسنا جنوب الأقصر، على رضيع حديث الولادة لم يتجاوز الأربعة أيام،  داخل كرتونة، أثناء تنظيفه للحديقة الخلفية للمستشفى.

هذه الحوادث التى تقشعر لها الأبدان، بتنا نسمع عنها من حين لاَخر، فى دلتا مصر وصعيدها، وعلى الرغم من كونها حتى الاَن حالات فردية إلا أن تكرارها الملحوظ، يدفعنا للتساؤل بشأن جذور المشكلة التى تدفع أمهات إلى التخلص من أطفالهن بهذه الطرق الوحشية، وبدون شك فالدفاع الرئيس وراء قيام الأم بذلك، هو أن الحمل لم يكن مرغوبًا فيه، سواء كان ناتج عن علاقة شرعية أو غير ذلك، وبناءً على ذلك تبنى قطاع من الحقوقيين والحقوقيات، المطالبة بتقنين الإجهاض ربما يكون حلًا لتجنيب الأطفال هذا المصير وحماية للنساء من المخاطرة بأرواحهن فى عمليات غير اَمنة وخارج المظلة القانونية أو عبر عقاقير طبية بدون متابعة أو إشراف طبي، مما يدفع كثيرات إلى انتظار الولادة ثم يلقين أولادهن ويتركونهم إلى مصيرهم مجهول.

وفى هذا السياق، تقول “رباب كمال” وكيل مؤسسي الحزب العلماني المصري أن المطالبة بتقنين الإجهاض ليست فكرة مستوردة أو قضية جديدة، لكن تم تناولها في أوقات سابقة، وتشير إلى أن هذه المسألة مطروحة فى الوقت الراهن بقوة أمام الرأي العام المغربي، بعد تصريحات وزير الصحة هناك حول ضرورة تقنين الإجهاض  من منطلق حرية المرأة في جسدها.

وتتابع “كمال” فى تصريحات لـ “ولها وجوه أخرى ” أنه على رغم من تجريم الإجهاض في مصر إلا أن هذه العمليات تُجرَى وبأسعار مرتفعة بل وأصبح لها مافيا وتتم في عيادات غير مجهزة.

وعن العقوبات القانونية المقررة فى القانون المصري ضد “الإجهاض”، والتى تدفع كثيرات لتجنبه حتى لو كن غير راضيات عن حملهن، أو لديهن أزمة نفسية أو مجتمعية تمنعهن من إنجاب طفل، يوضح المحامي “أحمد مصيلحي” رئيس شبكة الدفاع عن الأطفال، أن القانون المصري يجرم الإجهاض كما يمنع التبني، وذلك لكون الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيس للتشريع مضيفًا أن عقوبة الإجهاض تتراوح ما بين الثلاث سنوات في حالة عدم ولادته واسقاطه في الثلاث الأشهر الأولى من الحمل،  وتصل إلى الإعدام في حالة ولادة الطفل ومحاولة التخلص منه  بعد ذلك طبقا للمادة 96 من القانون والمعدلة برقم 126 لعام 2008 .

ويواصل “مصيلحى”: القانون يبيح الاجهاض  في حالة واحدة فقط وهي في حالة توافر تقارير طبية توضح ان هناك خطورة في وضع  الجنين  أو أن حالته الصحية  ليست علي ما يرام.

واقعيًا، ليس القانون وحده ما يفرض على الفتيات والسيدات الاستمرار فى الحمل حتى الوضع رغمًا عنهن، بل المجتمع والإعلام نفسه وهو ما تؤكده “رباب كمال”، وتقول “قضايا المرأة عادة يتم مناقشتها من منظور ديني وهذه إشكالية كبيرة لأنها قضايا مجتمعية لابد ان تتعامل مع ما هو أصلح للمرأة والمجتمع”.

وتؤكد أنه بعكس ما يثار عن أن الإجهاض سبيل التخلص من الحمل الناتج عن علاقات غير شرعية، فكثير من المتزوجات يشرعن في الإجهاض لأسباب مختلفة منها العامل الاقتصادي أو الظروف الحياتية الصعبة.”

تذهب “كمال” إلى نقطة أخرى، لتكشف سببًا اًخرًا يدفع النساء للتخلص من أطفالهن، وهو يعود للتناقض الموجود بالقانون المصري، حيث يجرم  الاجهاض، يبنما لا يسن تشريعًا ملزمًا  لإثبات النسب بالطرق العلمية وبشكلٍ قاطع دون شروط وقيود وثغراتٍ قانونيةٍ أو فقهية موضحة أن فلسفة تجريم الإجهاض تستند إلى أن إجهاض الجنين يعد جريمة قتل وهي فلسفة قائمة على أن الحياة الطفل والحفاظ عليها كأولوية ولكنه في الوقت نفسه قد يترك ذات  الطفل بلا نسبٍ بعد ولادته.

وهنا يتضح أن مشكلة إثبات نسب الطفل، سبب اَخر يدفع النساء للتخلص من الأجنة فى ظل عدم قدرتهن على نسب الطفل لأبيه، مما يدخلهن نفق شديد العتمة.