على الرغم من مشاركة النساء الواسعة فى الربيع العربي، انطلاقًا من تونس مرورًا بمصر وليبيا وصولًا إلى سوريا واليمن، إلا أن هذه الثورات  والانتفاضات، التهمت حقوق النساء، فأخذت كثيرًا مما تحقق، وضيعت الأمل فيما كن يتطلعن لتحقيقه، حتى فى دولة مثل تونس التى تعد الأكثر انصافًا للنساء بين الدول المذكورة، فهى البلد الذى أعلن المساواة المطلقة بين الرجل والمرأة قبل نحو 60 عامًا.

وقد أعرب كثير من النشطاء فى خضم تلك اثورات أو بعدها مباشرة، عن أملهم فى أن  يعزز الربيع العربى حقوق المرأة لكن جاء التأثير عكس التوقعات تمامًا.

فبعد أن شاركت المرأة فى الربيع العربى مشاركة مباشرة شملت القيادة وتنظيم المظاهرات والمتظاهرين، وأشعلت شرارة الاحتجاجات فى العديد من الدول آملةً فى تحقيق الديمقراطية، وبالتالى مزيد من الحقوق ومع ذلك فإنهن لم يطالبن صراحة بحقوقهن كنساء فى أى مظاهرة  فى باكورة الثورات فى 2011.

111028082757-arab-spring-hands-story-top

شريكة فى الحرب كما فى السلم

للاَسف تدمرت أحلام النساء سريعًا، وذابت طموحاتهن بالمشاركة فى صنع القرار فى أوطانهن، مثلهن مثل الرجال، بعد أن كن جنبًا إلى جنب فى الثورات، وذلك بدرجة كبيرة فى مصر وتونس يرجع إلى صعود التيار الإسلامى المحافظ والمناهض لحقوق النساء، ووصوله إلى السلطة.

أما فى سوريا واليمن وليبيا، فالأمور كانت أشد سوءًا، حيث انقلبت الأمور رأسًا على عقب وتحولت الثورات إلى حروب أهلية، استغلتها ميليشات متطرفة وفى مقدمتها تنظيم الدولة الإسلامية المعروف إعلاميًا باسم “داعش”، وحينما يجد التطرف مسلكه تكون النساء أول من يدفع الثمن.

وبحبسب بعض التقارير، ففى سوريا استشهدت أكثر من 18 ألف امرأة، ومئات الآلاف إما سجن أو تعرضن للإيذاء، فيما أفادت بيانات حقوقية، أن 774 امرأة سقطت بين قتيل وجريح في محافظة تعز منذ مارس وحتى 15 أكتوبر الماضي، الوضع المأساوى موجود أيضًا فى ليبيا فى ظل حالة من العبثية تسود البلد المجاور، فى ظل تقدم وسيطرة واسعة لتنظيم داعش المتطرف.

أما الوضع فى مصر فقد يبدو أقل تشوهًا وقبحًا، فى ظل قبضة الدولة فى وجه المتطرفين فى حالة مختلفة عن تلك المهترئة فى البلاد الثلاث سالفة الذكر، فى المقابل احتفظت تونس بقدر كبير مما وصلت إليه المرأة، فلم تُمس مواد المساواة فى الدستور ولم يقرب أحد قانون الأحوال الشخصية الذى يكفل للمرأة التونسية حقوقًا لا تنلها العربيات الأخريات وعلى رأسها حظر تعدد الزوجات وحق تطليق نفسها.

0,,15631229_303,00

المرأة فى مصر بعد ثورة يناير

بعد مشاركة لافتة للنساء فى ثورة يناير، وتحديدًا الشابات منهن، كان من المنتظر أن يتغير الوضع مجتمعيًا لصالح النساء المهدرة حقوقهن على مستويات عدة، وهو ما لم يحدث، وأن يتغير الوضع سياسيًا إلى تمثيل أكثر فى دوائر صنع القرار وتمكينهن من مراكز قيادية أوسع، وهو ما لم يحدث أيضًا.

فخرجت النساء فى يوم المرأة العالمى الموافق 8 مارس للتظاهر، بعد أيام معدودة من انقضاء الموجة الأولى من ثورة يناير (الـ18 يومًا الأولى للثورة) للمطالبة بحقوقهن فى الأمان فى الشارع والحياة العامة والحماية من التحرش، إلا أن الرد كان بالتحرش نفسه، فى يوم عيدهن، لتكون تلك الواقعة أول إعلان صريح عن سلسلة من الانتهاكات طالت النساء خلال الأربع سنوات اللاحقة على الثورة، سواء من قبل أفراد أو مجموعات “غير معلومة” أو على يد قوات أمنية.

120402051852-pelosi-egyptian-women-story-top

هذا على صعيد التحرشات التى تعرضت لها النساء فى الميادين والشوارع، لكن على الصعيد السياسي فالوضع لم يكن أفضل، فقد ظل على سوءه فلم يتجاوز تمثيل النساء داخل برلمان 2012، 2 % وكأن ثورة لم تقم، على صعيد المجتمع، فأنهالت الفتاوى المحرضة على النساء والمنتهكة لهن ولأجسادهن، مثل؛ تحليل ختان الإناث، والمطالبة بخفض سن زواج الفتيات من 18 عامًا، وفتاوى مضاجعة الوداع، والهجمة الشرسة غير المبررة من قبل التيار الإسلامى الصاعد إلى السلطة على الحقوقيات والنسويات.

بعد الـــ30 من يونيو، ومشاركة النساء الكبيرة وحضورهن العظيم، خاصة من السيدات متوسطى العمر أو المسنات، والتى امتدت فى مختلف الاستحقاقات الانتخابية التى تبعت ذلك، إلا أنه على مستوى العنف ضد المرأة فى المجال العام، فلم ينحصر التحرش بل بقي على حاله، وازداد توحشًا فى واقعة “ميدان التحرير” خلال احتفالات تنصيب السيسي رئيسًا، وعلى الرغم من صدور تعديلات على قانون العقوبات المصري تفيد بتجريم التحرش وتصعد بالعقاب بحق مرتكبه إلا أن الواقع لم يتغير، لا على مستوى الأفراد، ولا المجتمع، والجهات التنفيذية نفسها.

على المستوى السياسي، فالأمور متأرجحة، فعلى صعيد الوصول إلى مراكز صنع القرار، الأمر فى الحكومة بدا تعيسًا لأن عدد الوزيرات فى الحكومة الحالية لم يتعد الـ3 وزيرات، بينما غابت النساء تمامًا عن حركة المحافظين، فى حين فزن فى البرلمان في مرحلتيه الأولى والثانية سواء على المقاعد الفردية والقوائم بعدد مقاعد 73، إلى جانب النائبات اللائي عينهن الرئيس عبدالفتاح السيسي، وعددهن 14 سيدة،  ليكون العدد الكلى 87 نائبة، وهذا العدد غير مسبوق في أي برلمان مصري سابق.

afp

داعش .. حول النساء إلى “دمى جنسية” فى سوريا وليبيا

ارتبط اسم تنظيم “داعش” بالمرأة في الاستغلال الجنسي والعنف بأنواعه والسَبْي، فضلًا عن ضوابط على زي المرأة وخروجها، وفى المناطق التى بسطت فيه سيطرته فى سوريا، كان التنظيم يحدد قائمة بالضوابط المفروضة بإدعاء تطبيق الشريعة، ومنها: منع الكشف عن العينين، ومنع ارتداء العباءة المفتوحة أو الملونة، ومنع ارتداء الملابس أو العباءة الضيقة، ومنع استخدام العطور، ومنع لبس الأحذية ذات الكعب العالي.

وقد وضع التنظيم المتطرف، أسعارًا للنساء في أسواق أبتدعوها لبيع النساء للمتعة ليصل سعر الأنثى 150 دولارًا، والارتفاع والانخفاض في أسعار النساء المعروضات في أسواق التنظيم تستند إلى العمر والإغراء الذي تتوفر عليه المرأة قبل أي عنصر آخر حيث يرتفع أو يتراجع هذا السعر بحسب تقدم العمر بين الناس المقيدات الأرجل والأيدي في حبال طويلة.

هذا إلى جانب مئات القصص نسمعها عن جهاد النكاح، وفى ظل تداول مقاطع مصورة تظهر رجم النساء، وقطع رؤوسهن.

0,,16278387_401,00

فى تونس .. الوضع أكثر استقرارًا

للمرأة دور مباشر في إنجاح مسار الثورة التونسيّة، فالظلم هناك لم يكن يستثن المرأة، بل إنها كانت تعاني من التّهميش والظلم والبطالة شأنها في ذلك شأن الشباب، لذلك نزلت للشوارع جنبًا إلى جنب مع الشباب الثائر مطالبة بإسقاط النظّام، حالمة بالحريّة والكرامة، واستشهدت في سبيل الحريّة المنشودة، بحيث لا يمكن لأي أحد أن ينكر على المرأة مشاركتها في الثورة، وعلى الرغم من الإطاحة بالنظام الديكتاتوري في تونس، إلا أن ثمة تراجعًا في مجال حقوق الإنسان بصفة عامة وحقوق المرأة على وجه الخصوص بسبب تصاعد أصوات التيار المتشدد عقب الثورة، لكن التونسيات كن أقوى من المتوقع، وأستطعن الحفاظ على ما حققنه من مكتسبات على امتداد 56 عامًا، فقد حصدن أكثر من 50 مقعد في المجلس التأسيسي بعد الثورة، وهي نسبة لم تكن موجودة حينها حتى في الدول العريقة في الديموقراطية، إلى جانب قدرتهن فى الحفاظ على القوانين الداعمة للمرأة، والإقرار بمبدأ المساواة، بل وأكثر من ذلك، فقد شهدت انتخابات الرئاسة التونسية منافسة القاضية “كلثوم كنو” على مقعد الرئاسة خلال المرحلة الأولى بعد أن تمكنت من استيفاء الشروط المطلوبة للترشح، متمثلة فى جمع 19 ألف تزكية فى أكثر من 10 دوائر، وهو ما لم يتحقق مثله فى مصر خلال انتخابات 2012 التى شهدت تعددية فى الترشح، بعد أن فشلت “بثينة كامل” التى أعلنت نيتها الترشح وقتذاك، فى جمع التوقيعات المطلوبة، بينما لم تشهد سوريا انتخابات حقيقية فى ظل حرب مستمرة حتى الاَن، وليبيا أيضًا، واليمن كان استفتاءً على ترأس “عبد ربه منصور هادي”، كونه الوحيد الذى ترشح لراَسة البلاد خلال الفترة الانتقالية.

حتى الحملات التى ظهرت بدون مقدمات عن “العفيفات وغير ذلك” فى إشارة إلى الفارق بين من ترتدى الحجاب ومن لا ترتدى، جميعها لاقت رفضًا وامتعاضًا للتدليل على الإيمان بحق المرأة فى حرية الاختيار وهو ما يحسب أيضًا لتونس حيث تقف النساء عصية على الخضوع لأى تغيير فى هويتها المتحررة.