رواية واقعية مغلفة بمسحة من خيال المؤلفة، تجسد ثلاثة أمور محورية فى حياة البشر”الحب والمقاومة والدين”، تحمل الرواية اسمًا يمثل عاملَ الجذب الأول لقرائتها، وهو “في قلبي أنثى عبرية”، اختارته الكاتبة التونسية “خولة حمدي” لروايتها الأولى، وعلى الرغم من طول العنوان إلا أنه كان مميزًا، وساهم بشكل ما في أن تطبع الرواية 7 طبعات حتى الآن، حتى لو كان ليس الأفضل تعبيرًا عما تحمله الرواية فى طياتها.
من أين نبتت القصة؟
الرواية مستوحاة من أحداث حقيقية، فقد التقت الكاتبة ببطلة الرواية “ندى” عبر صفحات منتدى إلكتروني حيث قصت بطلة الرواية، قصتها على صفحاته، وكما قالت “خولة” فى مقدمة روايتها، أن “ندى” حكت لها المزيد من التفاصيل عن حكايتها، بعد أن قررت “خولة” التواصل معها شخصيًا، لمعرفة مزيد من التفاصيل لتثري بها الرواية التى قررت كتابتها، وأكدت الكاتبة أن القصة حقيقية لكن بمزج شيء من الخيال حفاظًا على خصوصية الشخصيات أو سدًا لبعض الثغرات الموجودة في القصة الحقيقية.

97582562128082

بين تونس ولبنان .. اختلاف الديانات باب للتعايش أم حرب لبقاء واحد؟
تحكي رواية (في قلبي أنثى عبرية) أحداثًا تنقل القراء ما بين تونس، وجنوب لبنان وفرنسا.
تبدأ الكاتبةروايتها بتعريفنا بــ”يهود تونس”، حيث نقضى شوطًا كبيرة مع أسرة يهودية هناك وأخرى تجمع مزيجًا من يهود ومسيحين فى جنوب لبنان.
نقطة البداية عند “ريما” الصغيرة التى تعتنق الديانة الإسلامية، وراثة من أبويها المسلمين، لكن بعد وفاة والدتها، تدفع بها الظروف إلى العيش فى كنف أسرة يهودية، أسرة السيد “جاكوب”، الذين كانت تعمل لديهم أمها كربة منزل.
قبل رحيل الأم وبعده، يمثل “جاكوب” لـ”ريما” الأب الحنون الذى تحكى له كل صغيرة وكبيرة فى حياتها، إلى أن جاء ذلك اليوم، عندما خرجت من المسجد بعد درس الجمعة، وتغير كل شئ بينها وبينه، وأضحى بالنسبة لها رجلًا مصيره “جهنم” لأنه ليس على دينها، وبدأت تنشأ الحواجز بينها وبينه، بعد أن تسللت إلى نفسها مفاهيم بدلت معاملتها معه.
أما فى لبنان فكانت “ندى”، ثاني شخصية محورية فى الرواية وهى الأنثى التى يرمز لها عنوان الرواية، وهى “يهودية” الديانة، ولدت لأم يهودية وأب مسلم، وبعد أن حدث الطلاق بينهما، تزوجت أمها من رجل مسيحي وانتقلوا من تونس حيث كانوا يعيشون إلى لبنان، تمضي الأحداث وتقع “ندى” فى حب شاب يدعى “أحمد”، ينتمى إلى صفوف المقاومة اللبنانية ضد قوات الاحتلال الإسرائيلي.
فى الجزء الأول من الرواية، بدا واضحًا فى الجانب الخاص بـ”ريما”، أن الأمر يتجه نحو تمسك لدرجة التشدد من قبل الطفلة الصغيرة، فى مقابل “جاكوب”، الذى يحاول أن يتأقلم ويقبل ويفتح ذراعيه لاختلاف ديانتها، أما “ندى” فتمثل نموذجًا خاصًا للفتاة اليهودية التى لم تخضع ولم تؤمن يومًا بالصهيونية، بل كانت شديدة الاحترام والولع بمقاومة الشباب اللبنانى الثائر لأجل وطنه ضد الاحتلال الإسرائيلي.
تباعًا ومع تطور الأحداث، تثير “ريما” حفيظة “تانيا” زوجة “جاكوب”، التى تريد الحفاظ على أسرتها وعلى تمسك ابنيها بديانتهما”اليهودية”، خاصة أن الطفلة اليتيمة، تزداد توغلًا فى تفاصيل الدين الإسلامى إلى حد ارتدائها الحجاب فى قلب البيت، واحتجابها عن أفراد الأسرة التى ضمتها واَوتها، فى تصرف لم يعكس سوى تشدد غير مبرر، لكن الكاتبة عبرت عنه كونه حق للفتاة فى دفاع مبطن عن تصرفاتها العدائية باعتبارها تقرب إلى الله، قدمت أيضًا الكاتبة “ريما” ضحية، لتغير معاملة الأسرة لها، على الرغم من أن الابتعاد مسافات وتبدل المعاملة بدأ من عند “ريما” نفسها.
على الجانب الاَخر، تحاول أسرة “ندى” تزويجها، بينما هى ترفض لأجل حب نبت بداخلها تجاه “أحمد”، والذى تخطب له فى ظل رفض من أسرتيهما.
بتطور الأمور للأسوأ، يرسل “جاكوب” “ريما” إلى اخته راشيل بـ”لبنان”، بناءً على شرط زوجته “تانيا”، حتى تستمر الحياة بينهما ويظل أولاده معه فى بيت واحد، سرعان ما تنتقل “ريما” من بيت “راشيل” بعد اعتداء زوجها المتكرر عليها، إلى بيت “ندى”، وهناك تكون محطتها الأخيرة حيث تقتل “ريما” إثر غارة إسرائيلية.
الكاتبة حاولت جاهدة بطريقة مبالغ فيها، أن تثبت أن الأديان الأخرى أقل درجة من الإسلام، حتى فى حديثها، عن طبيعة المرأة اليهودية المستسلمة للرجل وأن الرجل اليهودى لا يحترم حقوق المرأة، ودفعها باتجاه أن أغلب الشخصيات اعتنقت الإسلام فى النهاية وتركوا دينهم، فى اتجاه يبرز أن هدف الكاتبة الأساسي هو التبشير بالإسلام وليس الدعوة للتعايش وقبول الاَخر.
شخصيات الرواية
الشخصيتان المحوريتان، هما ؛ ريما وندى، وجاكوب هو الأب الروحى لـ”ريما، أما “تانيا” فهى زوجة “جاكوب” والتى ترفض وجود “ريما” فى بيت الأسرة، وتخشى على ابنيها “سارا” و”باسكال” من تدين “ريما” المفرط، لدرجة قد تثير شكوكهما فى ديانتهما اليهودية.
“سونيا” هى والدة “ندى” وهى يهودية متشددة، جاورت المسلمين وأحبتهم لكن بعد زواج فاشل من رجل مسلم، اقتحمها التشدد وتولدت داخلها ضغينة تجاههم، و”أحمد”، هو أحد شباب المقاومة اللبنانية، وصديقه “حسان” الاَتي من نفس الجبهة، و”دانا” شقيقة “ندى”، أما “ميشال” فهو ابن زوج والدة “ندى”، وأخيرًا “سماح” شقيقة “أحمد”.
محاولات واضحة لتقديس ملامح الإسلام “الشكلية”
بمبالغة كبيرة من الكاتبة، حيث ركزت أكثر من مرة على وجوب الحجاب، وعلى قدسيته، وعلى أن المتدين بـ”الصورة الصحيحة” فى كل الأديان هو من يرتدى الحجاب، حتى أنها أشارت أن “ندى” اليهودية تضع غطاءً للرأس لكونها ملتزمة بتعاليم الدين ولا ترتدى مثل بقية البنات.
هذا بالإضافة إلى أنها دافعت بشكل غير مباشر عن احتجاب “ريما” الصغيرة حتى عن أبيها الروحى.
كما حاولت بكل الطرق وبمبرر وبغير، وفى الغالب بغير أى مبرر أن تدافع شرعيًا عن ضرورة ارتداء الحجاب، وكأن الإسلام لا يعني سوى الحجاب، وكأنه أول العالم واَخره للمرأة.
كما أنها صورت الاَخر، أى المنتمى لدين مختلف، أنه يرى الحجاب والإسلام تخلف ورجعية، من خلال شخصية “ميشال” المسيحي.
العنصرية تفترش الأوراق
على الرغم من أن الرواية فى مستهلها، تعطيك انطباعًا أنك ستقرأ محتوى يدعو للتفاؤل، وينشر التسامح، ويبشر بالتعايش بين الديانات المختلفة، إلا أنك وبعد قليل، يدركك الارتباك، بعد أن تجد نفسك أمام أفكار عنصرية، ترفع من درجة دين بعينه وأصحابه على الاَخرين جميعًا، بل أن الأمر بلغ حد أن شخصيات شديدة التمسك بدينها تحولت فجأة إلى “الإسلام” بدون مقدمات منطقية.
فمنهم من تحول للإسلام، والسبب فى ذلك كان الحب، مثل “ندى” التى قضت عمرًا يهودية ثم تحولت للإسلام بسبب حبيبها “أحمد” وبمساعدة “ريما”.
وفى سياق غير متوقع وغير منطقي، نجد شخصية “تانيا”، اليهودية المتمسكة جدًا بدينها، والكارهة لتدين “ريما” المسلمة، تعتنق الإسلام فى نهاية المطاف.
أيضًا، تظهر الكاتبة أن “ندى” بعد أن أسلمت، كانت تشفق على “ميشال”، الذى اعتبرته أخًا لها، بعد وفاته، لأنه مات “مسيحيًا” متمنيةً لو كانت أنقذته من ضلاله.
نهاية تقليدية ترفع يافطة “النساء عاطفيات والزواج نهايتهن السعيدة”
قررت الكاتبة تغليب العاطفة على العقل فى نهاية الرواية، واختارت الزواج نهاية سعيدة لقصة “ندى” و”أحمد” على الرغم من غيابه لسنوات، فى صورة ضبابية تؤكد تخليه عنها، إلا أن عودته، تمحو أى شئ، لتعود القصة كما كانت، استخدمت الكاتبة حتى نهاية الرواية، عبارات تؤكد أنها دعوة للالتزام والتقيد بأصول سواء كانت مجتمعية أو دينية، فتقول فى النهاية متحدثة عن “ندى”، «ثم سارت بخطى محتشمة نحو القاعة المزينة حيث ينتظرها عريسها».